تحذير المؤمنين من سلوك سبيل المرتشين

محمد بن سليمان المهوس

2023-05-18 - 1444/10/28
عناصر الخطبة
1/خطورة الرشوة 2/مفاسد الرشوة على الفرد والمجتمع 3/تحريم الرشوة وتعدد مسمياتها 4/وجوب تحري المال الحلال 5/من وسائل مكافحة الرشوة والحد من انتشارها.

اقتباس

الرَّشْوَةُ مُحَرَّمَةٌ فِي الإِسْلاَمِ؛ لأَنَّ خَطَرَهَا بِالْمُجْتَمَعَاتِ عَظِيمٌ؛ فَهِيَ تُخْفِي الْجَرَائِمَ، وَتُزَيِّفُ الْحَقَائِقَ، وَعَنْ طَرِيقِهَا يَفْلِتُ الْمُجْرِمُ وَيُدَانُ الْبَرِيءُ، وَبِهَا يَفْسُدُ مِيزَانُ الْعَدْلِ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ عُمْرَانُ الْمُجْتَمَعِ، فَهِيَ مِعْوَلٌ هَدَّامٌ لِلدِّينِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْخُلُقِ....

الخُطْبَة الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَبِيِرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَآفَةٌ مِنَ أَشَدِّ الْآفَاتِ خَطَراً عَلَى الْمُجْتَمَعَاتِ؛ مُغْضِبَةٌ لِلرَّبِّ، مُمْحِقةٌ لِلرِّزْقِ، مَانِعَةٌ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ، مُمْحِقَةٌ الْبَرَكَةَ وَالنَّمَاءَ، تُبْطِلُ حُقُوقَ الضُّعَفَاءِ، وَتُسَبِّبُ لَهُمُ الشَّقَاءَ وَالْعَنَاءَ؛ إِنَّهَا جَرِيمَةُ الرَّشْوَةِ الَّتِي مِنْ أَشَدِّ الْحِيَلِ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ؛ قَالَ -تَعَالَى-: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 188].

 

الرَّشْوَةُ مُحَرَّمَةٌ فِي الإِسْلاَمِ؛ لأَنَّ خَطَرَهَا بِالْمُجْتَمَعَاتِ عَظِيمٌ؛ فَهِيَ تُخْفِي الْجَرَائِمَ، وَتُزَيِّفُ الْحَقَائِقَ، وَعَنْ طَرِيقِهَا يَفْلِتُ الْمُجْرِمُ وَيُدَانُ الْبَرِيءُ، وَبِهَا يَفْسُدُ مِيزَانُ الْعَدْلِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَقَامَ عَلَيْهِ عُمْرَانُ الْمُجْتَمَعِ، فَهِيَ مِعْوَلٌ هَدَّامٌ لِلدِّينِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْخُلُقِ؛ لُعِنَ دَافِعُهَا وَآخِذُهَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ).

 

وَالرَّشْوَةُ عِنْدَ مُتَعَاطِيهَا تُلْبَسُ ثِيَابًا مُسْتَعَارَةً، وَتَأْخُذُ صُوَرًا مُتَلَوِّنَةً، وَأَشْكَالاً مُتَعَدِّدَةً؛ سَوَاءً فِي الْقِطَاعِ الْعَامِّ أَوِ الْقِطَاعِ الْخَاصِّ أَوْ فِي الْمُؤَسَّسَاتِ وَالشَّرِكَاتِ؛ فَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَوْ حَلاَوَةٌ، وَتِلْكَ إِكْرَامِيَّةٌ أَوْ تَحِيَّةٌ، وَهَذِهِ عُرْبُونُ تَعَاوُنٍ وَعَمَلٍ، وَتِلْكَ هَدِيَّةٌ لِلأَوْلاَدِ، وَهَذِهِ تَقْدِيمُ خِدْمَاتٍ، وَتِلْكَ دَعْوَةٌ إِلَى وَلِيمَةٍ، وَهَذِهِ مَبَالِغُ نَقْدِيَّةٌ، وَتِلْكَ أَشْيَاءُ عَيْنِيَّةٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ!

 

بِهَدَفِ أَخْذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ طَمْسٍ لِحَقٍّ أَوْ سُكُوتٍ عَلَى بَاطِلٍ، وَتَقْدِيمٍ لِمُتَأَخِّرٍ وَتَأْخِيرٍ لِمُتَقَدِّمٍ، وَرَفْعٍ لِخَامِلٍ، وَمَنْعٍ لِكُفْءٍ، وَتَغْيِيرٍ لِلشُّرُوطِ، وَإِخْلاَلٍ بِالْمُوَاصَفَاتِ، وَعَبَثٍ بِالْمُنَاقَصَاتِ، وَتَلاَعُبٍ فِي الْمَوَاعِيدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَصَدَقَ اللهُ -تَعَالَى- إِذْ يَقُولُ: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)[يونس: 59].

 

وَقد رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "اسْتَعْمَلَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا مِنَ الأسْدِ، يُقَالُ له: ابنُ اللُّتْبِيَّةِ، قَالَ عَمْرٌو وَابنُ أَبِي عُمَرَ: علَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هذا لَكُمْ، وَهَذَا لِي، أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: "مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلاَ قَعَدَ في بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ، حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ علَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إبْطَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ؟ مَرَّتَيْنِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- فِي أَمْوَالِكُمْ؛ فِي طُرُقِ كَسْبِهَا، وَفِي وُجُوهِ بَذْلِهَا، فَإِنَّ اللهَ سَائِلُكُمْ عَنْهَا؛ فَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

 

اللَّهُمَّ أَغْنِنَا بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ وَسَائِلِ مُكَافَحَةِ الرَّشْوَةِ وَالْحَدِّ مِنِ انْتِشَارِهَا: مُرَاقَبَةَ اللهِ -تَعَالَى- فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَتَرْبِيَةَ النَّفْسِ وَتَهْذِيبَهَا عَلَى حُبِّ الْفَضَائِلِ، وَتَجَنُّبِ الرَّذَائِلِ، وَالْعَمَلِ عَلَى تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اللهِ.

 

وَكَذَلِكَ تَعَاوُنُ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ عَلَى الْقَضَاءِ عَلَى هَذِهِ الْكَبِيرَةِ بِتَكْثِيفِ التَّوْعِيَةِ بِخَطَرِهَا، وَبَيَانِ مَضَارِّهَا وَآثَارِهَا عَلَى الدِّينِ وَالْفَرْدِ وَالأَمْنِ وَالنِّظَامِ وَالتَّنْمِيَةِ وَالاِقْتِصَادِ، وَالتَّعَاوُنِ مَعَ الْجِهَاتِ الْخَاصَّةِ بِالإِبْلاَغِ عَنْ كُلِّ مَنْ يَتَعَامَلُ بِهَا؛ قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: 24].

 

هَذَا؛ وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ ‏-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life