عناصر الخطبة
1/توفيق الله للعبد لصرف النعم في مرضاته دليل على سعادة المرء 2/نعمة الهداية للإسلام أعظم النعم 3/بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من أفضل النعم 4/بعض نعم الله على العباد 5/نعمة الغيث خير غامر 6/مَشاهِد من هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الغيثاقتباس
صَرْفُ النِّعَمِ فيما يُرضِي المُنعِمَ، والتقوِّي بها على طاعته، وتوجيهُها الوِجهةَ الصالحةَ، واستِعمالُها في كل خيرٍ عاجلٍ أو آجِلٍ، آيةٌ بيِّنةٌ على سعادة المرء؛ إذ سلَكَ مسالِكَ أُولِي الألباب، واقتفَى أثرَ المُتقينَ، الذين يبتغون الوسيلةَ بذِكره -سبحانه-، وشُكرِه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله البَرِّ الرؤوفِ الرحيمِ، أحمد -سبحانه-، على نِعمه وإحسانه العميم، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[الْحَدِيدِ: 3]، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، إمام الشاكرين وقدوة المتقين، الصادق المصدوق ذو الخُلُق العظيم، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه والتابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ -عباد الله-؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].
عبادَ اللهِ: صَرْفُ النِّعَمِ فيما يُرضِي المُنعِمَ، والتقوِّي بها على طاعته، وتوجيهُها الوِجهةَ الصالحةَ، واستِعمالُها في كل خيرٍ عاجلٍ أو آجِلٍ، آيةٌ بيِّنةٌ على سعادة المرء؛ إذ سلَكَ مسالِكَ أُولِي الألباب، واقتفَى أثرَ المُتقينَ، الذين يبتغون الوسيلةَ بذِكره -سبحانه-، وشُكرِه الذي أمرَهم به في قولِه: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)[الْبَقَرَةِ: 152]، وهو شكرٌ يَبلُغُ به صاحبُه المزيدَ الذي وعَدَ اللهُ به عبادَه الشاكِرينَ بقوله: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 7].
ولئن تتابَعَتِ النِّعَمُ وترادَفَت المِنَنُ، وتكاثَرَت الآلاءُ، فكانت غَيثًا مِدرارًا لا ينقطِعُ هطُولُه، وفيضًا غامِرًا لا يتوقَّفُ تدفُّقُه، عطاءً كريمًا من ربِّنا الكريم الرحمن الرحيم، وتفضُّلًا منه على عباده بغير استحقاق، وإحسانًا منه بغير استِكراه؛ إذ لا مستَكرِهَ له -سبحانه-، فإنَّ النِّعمةَ الكبرى التي لا تَعدِلها نعمةٌ، والمنَّةَ العظمَى التي لا تَفضُلُها مِنَّةٌ، هي نعمةُ الهدايةِ إلى دين الإسلام؛ إذ أحسن -عز وجل- إلى عباده أن بيَّن لهم بما أنزل في كتبه، وأوحى إلى رُسُلِه الغايةَ مِنْ خَلقِه لهم؛ كي لا تضلَّ الأفهامُ في معرفتها، فأوضَح -سبحانه- أنَّه خلَق العبادَ جميعًا لعبادته وحدَه لا شريكَ له، فقال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذَّارِيَاتِ: 56]، وأنه استخلَف آدمَ -عليه السلام- في الأرض، ثم استخلَف ذريتَه من بعده، فقال -عزَّ اسمُه-: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)[الْبَقَرَةِ: 30].
وإن من أَجَلِّ النِّعمِ، نعمةَ بعثة النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- بالهدى ودين الحق؛ ليُخرِج الناسَ برسالتِه مِنَ الظلمات إلى النور، ولِيهديَهم به سُبُلَ السلام، ويَضَعَ عنهم الآصارَ والأغلالَ، التي كانت على الأمم مِنْ قَبلِهم، وليسمُوَ بهم إلى ذُرى الخير والفضيلة، ويَنأَى بهم عن مهَابِط الشرِّ الرذيلة، وليسلُكَ بهم كلَّ سبيل يُبلِّغهم أسبابَ السعادة في العاجلة والآجلة، ولِذا كانت بعثتُه -صلى الله عليه وسلم- رحمةً للخَلقِ كافَّةً، ونعمةً على البشَر قاطبةً، كما أخبَر بذلك -سبحانه- في أصدَقِ الحديثِ بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 107]، فكانت رسالتُه -عليه الصلاة والسلام- رَحمةً للخلق جميعًا، عَرَبِيِّهم وأعجميِّهم، أسودِهم وأبيَضِهم، ذَكَرِهم وأنثاهم، إنسِهم وجانِّهم.
ومِنْ نِعَمِ اللهِ -تعالى- على عباده، نعمةَ السمع والأبصار والأفئدة التي خصَّها الله بالذكرِ في قوله: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النَّحْلِ: 78]، وإنما خصَّها -سبحانه- بالذِّكْر لشرفِها ومنزلتِها؛ إذ هي مفاتيحُ كلّ علمٍ، وسببٌ مُوصِلٌ إلى الهداية إلى صراطِ اللهِ المُستقيمِ، وسبيلٌ يُدرِكُ به المرءُ ما يرجوه ويُؤمِّلُه، ويُميِّزُ به بين ما يضُرُّه وما ينفعُه.
ومِنْ نِعَمِه -سبحانه- على عمومِ خَلقِه، نعمةُ الأزواج ليأنسوا بها، ولتكونَ بينَهم الألفةُ والمودةُ والرحمةُ، ونعمةُ الذُّرِّيَّةِ مِن بنينَ وبناتٍ وحفدةٍ، وما رزَقَهم به من الطيبات، كما قال سبحانه: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)[النَّحْلِ: 72].
عبادَ اللهِ: وإنَّ مِنْ نِعَم الله التي امتن بها على عباده، نعمة نزول الغيث والأمطار، وهطولها المدرار، قال عز اسمه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 21-22].
وقد وصف -سبحانه- نعمة المطر بالبركة والطهر وأنه سبب الحياة، فقال تعالى: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ)[ق: 9]، وقال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا)[الْفُرْقَانِ: 48-50].
وينزل اللهُ المطرَ بعدَ إياسِ الناسِ من نزولِه في وقتِ حاجتِهم؛ فهو -سبحانه- المتصرفُ في خلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وهو المحمودُ العاقبةِ في جميع ما يُقدِّره ويفعله؛ (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشُّورَى: 28]، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- "إذا تأملتَ السحابَ الكثيفَ المظلمَ، تراه كيف يجتمع في جوٍّ صافٍ لا كدورةَ فيه، وكيف يَخلُقُه اللهُ متى شاء وإذا شاء، وهو مع لِينِه ورخاوتِه حاملٌ للماء الثقيل بين السماء والأرض، إلى أَنْ يأذنَ له ربُّه وخالقُه في إرسال ما معَه من الماء، فيُرسِلَه وينزلَه منه مقطَّعًا بالقطرات، كلُّ قطرةٍ بقَدْر مخصوص، اقتضته حكمتُه ورحمتُه، فيرشُّ السَّحابُ الماءَ على الأرض رشًّا، ويرسلُه قطراتٍ منفصلةً، لا تَختلط قطرةٌ منها بأخرى، لا يتقدَّم متأخِّرُها، ولا يتأخَّر متقدِّمها، ولا تُدرِك القطرةُ صاحبتَها فتمتزجَ بها، بل تنزِل كلُّ واحدةٍ في الطريق الذي رُسم لها لا تعدِل عنه، حتَّى تُصيبَ الأرضَ قطرةً قطرةً، قد عُيِّنَتْ كلُّ قطرةٍ منها لجزءٍ مِنَ الأرْضِ لا تتعدَّاه إلى غيره... فتأمَّلْ كيف يسوقُه -سبحانه- رزقًا للعباد، والدَّوابِّ، والطَّير، والذَّرِّ، والنَّمل، يَسُوقه رزقًا للحيوان الفلاني، في الأرْضِ الفلانيَّةِ، بِجانبِ الجبلِ الفلانيِّ، فيصِل إليه على شدَّة الحاجة والعطش في وقتِ كذا وكذا".
عبادَ اللهِ: لقد مضى رسولُ الهدى -صلوات الله وسلامه عليه- على طريق مَنْ سبَقَه من الرُّسل في لزوم الشكر لله -تعالى- على نَعمائه، وجزيلِ آلائه، شُكرًا تُترجِم عنه الأعمالُ، وتصوِّره الأفعالُ، وقد جعَل اللهُ الشكرَ سببًا لزيادةِ فضلِه، وحارسًا حافظًا لنعمته.
وإن من تمام نِعَمِه -سبحانه-، وعظيم بِرِّه وكرَمِه وجُودِه وإحسانِه، محبتَه لعباده على هذا الشكر، ورضاه منهم به، وثناءه عليهم به، مع أنَّ منفعتَه مختصَّةٌ بالعبد، ولا تعود منفعتُه على الله، وهذا غايةُ الكرمِ الذي لا كرمَ فوقَه، يُنعِم عليكَ ثم يُوِزعُكَ شكرَ النعمة، ويرضى عنكَ، ثم يُعِيد إليكَ منفعةَ شُكرِكَ، ويجعلكَ سببًا لتوالي نِعَمِكَ واتصالها إليكَ، والزيادةِ على ذلك منها، وهذا الوجهُ -وحدَه- يكفي اللبيبَ لينتبهَ به على ما بعده؛ (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)[لُقْمَانَ: 12].
فاتقوا الله -عباد الله- واعملوا على شكره -سبحانه- بما أفاء عليكم من النعم والخيرات، وما أنزَل لكم من الأمطار والبركات، تَطِبْ حياتُكم، وتَسْتَقِمْ أمورُكم، وتَحْظَوْا من المزيد من ربكم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 32-34].
نفعني اللهُ وإياكم بهديِ كتابِه، وبسُنَّةِ نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، أقول قَوْلِي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله المتفضِّل المنعم ذي الجلال والإكرام، أحمده -سبحانه- على آلائه ومِننه العظام، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الملكُ القدوسُ السلامُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وخيرتُه مِنْ خَلقِه، سيدُ الأنامِ، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه صلاة وسلاما دائمين، ما تعاقبت الليالي والأيام.
أما بعدُ: فإنَّ خيرَ ما يَستمسِك به مَنْ أخلَص دِينَه لله وابتغى الوسيلةَ على محبته ورضاه، هديُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل شئون الحياة، فإنه أكمل الهدي، وأفضل الزاد ليوم المعاد؛ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الْأَحْزَابِ: 21].
وقد كان من هديه الثابت عنه -صلى الله عليه وسلم- في صحيح سُنَّته أنه كان إذا رأى الغيثَ قال: "اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا"(أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، من حديث عائشة -رضي الله عنها-)، وفي رواية لأبي داود في سُنَنِه: "اللَّهُمَّ صَيِّبًا هنيئًا"، وثبَت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول: "مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ"(أخرجه الإمام البخاري في صحيحه)، وكان عليه الصلاة والسلام يَحسِر ثوبَه حتى يصيبَه المطرُ، قال أنسٌ راوي الحديث: فَقُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، لِمَ صَنَعْتَ هذا؟ قالَ: "لأنَّهُ حَديثُ عَهْدٍ برَبِّهِ -تَعَالَى-"، وكان يَحُثّ الناسَ على الدعاء والتضرع وقتَ نزول الغيث؛ لأنه مظنةُ استجابةِ الدعاءِ، فيقول -صلوات الله وسلامه عليه-: "اطلُبُوا استجابةَ الدعاءِ عندَ التقاءِ الجيوشِ، وإقامةِ الصلاةِ، ونزولِ الغيثِ"(أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار، وهو وإن كان حديثًا مُرسَلًا إلا أنه اعتضد بمجيئه من طُرُق أخرى تقوَّى بها فأصبح حديثًا حسنًا) والحمد لله.
وكان إذا سأله أصحابه أن يستصحي لهم -أي: أن تُمسِكَ السماءُ وتعود صحوًا كما كانت- استصحى لهم فقال: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ علَى الآكَامِ والظِّرَابِ، وبُطُونِ الأوْدِيَةِ، ومَنَابِتِ الشَّجَرِ"(أخرجه الشيخان في صحيحهما من حديث أنس -رضي الله عنه-).
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واحرصوا على التزام هذا الهديِ النبويِّ العظيمِ عندَ نزولِ الغيثِ وتتابُعِ الأمطارِ، تُفتَح لكم بركاتُ السماء، وتَحْظَوْا بعظيمِ الأجرِ وكريمِ الجزاءِ.
واذكروا على الدوام أن الله -تعالى- قد أمركم بالصلاة والسلام على خير الأنام، فقال في أصدق الحديث وأحسن الكلام: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائر الطغاة والمفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفهم، وأصلِح قادتهم، واجمَعْ كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسُنَّةَ نبيكَ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعبادكَ المؤمنينَ المجاهدينَ الصادقين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البطانة الصالحة، ووفِّقه لما تحب وترضى، يا سميع الدعاء، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، يا مَنْ إليه المرجع يوم التناد.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنتَ خيرُ مَنْ زكَّاها، أنتَ وليُّها ومولاها، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شر.
اللهم أحسِن عاقبتَنا في الأمور كلها، وأجِرْنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم اكفنا أعداءك وأعداءنا بما شئت يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائك وأعدائنا ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام، وسيئ الأسقام.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
التعليقات