عناصر الخطبة
1/صراع الحق والباطل 2/ الهداية بيد الله 3/ حقيقة الكفار 4/ خدعة التعيش السلمي بين الحق والباطل 5/ نشأة هذا المصطلح 6/ دعوة فكرية لها أصول 7/ التعيش السلمي وقتل المسلمين .اهداف الخطبة
التحذير من خدعة شعار التعايش السلمي / بيان زيف هذا الشعار وما يناقضه به الأعداء .اقتباس
إن الإسلام قد أعطى كل ذي حق حقه ، وأمر بالتعامل مع المخالفين كل بحسب فعله وجريرته من غير ظلم ولا بخس ولا تعدي ؛ فالمحاربون من الكفار والمنافقين لهم الحرب والقتال ، بما يدفع شرهم ، ويزيل خطرهم ، ويكسر شوكتهم 0 وأما المسالمون الذين يريدون الأمان ، وقد قبلوا بحكم أهل الإسلام فلهم الحماية والذمة والأمان ، توفى لهم عهودهم ، وتبذل لهم حقوقهم ، لا يَظلمون ولا يُظلمون ، مع الإحسان إليهم ، والبر فيهم ، وتأليفهم على الإسلام لعلهم يسلمون0
الحمد لله ؛ هدانا للإسلام ، وعلمنا الحكمة والقرآن ، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس ، أحمده على عظيم نعمه، وأشكره على إحسانه ومننه ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ خلق عباده حنفاء فاجتالتهم الشياطين فصرفتهم عن دين الله تعالى ، وأحلت لهم ما حرم ربهم عليهم ، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله ؛ لا خير إلا دلنا عليه ، ولا شر إلا حذرنا منه ، تركنا على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد : فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله عز وجل ؛ فاتقوه حق التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر:18-19].
أيها الناس: من حكمة الله سبحانه وتعالى في عباده أن ابتلاهم بالكفر والإيمان ، والخير والشر ، وجعلهم حزبين ، فحزبٌ أولياءُ الرحمن أعداء الشيطان ، وحزبٌ آخرُ هم أعداء الرحمن ، أولياء الشيطان ، وكلف سبحانه أولياءه بإقامة الدين والثبات عليه ، ووعدهم بالنعيم المقيم في الآخرة ، وابتلاهم بأولياء الشيطان ، الذين ينشرون الكفر والضلال ، ويصدون عن سبيل الله تعالى ، ويحاربون أولياءه عز وجل.
إنهما فريقان : فريق حق ، وفريق باطل ، وجندان : جند الرحمن ، وجند الشيطان ، هكذا أراد الله تعالى ؛ ابتلاء وامتحانا للبشر (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [التغابن:2] وفي آية أخرى (فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) [فاطر: من الآية8] (فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ )[الأعراف: من الآية30] وفي آية ثالثة (فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ ) وفي آية رابعة ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى: من الآية7]
وكان سبحانه وتعالى - ولا يزال - قادرا على جعل البشر كلهم من أوليائه ، وعلى هدايتهم كلهم للإيمان ، ومجانبتهم للكفر والعصيان ، ولكن إرادته النافذة ، وحكمته البالغة تأبى ذلك ؛ كما هو مقرر في كثير من الآيات (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا) [الأنعام: من الآية107] وفي آية أخرى (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) [السجدة: من الآية13] وفي ثالثة (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى) [الأنعام: من الآية35] وفي رابعة (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) [هود: من الآية118-119].
بل بين سبحانه وتعالى أن الهداية له ، وأن الخلق مهما عملوا على هداية من كتبت عليه الضلالة فلن يهتدي (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر: من الآية36] (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ) [الجاثـية: من الآية23] وخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم في كثير من الآيات بهذا المعنى العظيم فقال سبحانه (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) [يونس: من الآية99-100]
وفي أخرى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [القصص: من الآية56] وفي ثالثة (وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً) [المائدة: من الآية41] وفي رابعة (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ) [النحل: من الآية37] وفي خامسة (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ ) [النمل: من الآية81].
وبسبب هذا الاختلاف والتمايز بين الفريقين كانت العداوة والبغضاء ، والاحتراب والقتال ، الذي ذكره الله تعالى بقوله سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) [النساء:76] ويخاطب المؤمنين يحذرهم من الكفار فيقول سبحانه: (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً) [النساء: من الآية101]
حقائق ناصعة لا لبس فيها ولا غموض ، وآيات بينات محكمة لا تحتاج إلى تفسير وبيان، نزلت من لدن لطيف خبير يخبرنا فيها ربنا جل جلاله عن طبيعة الصراع بين المؤمنين والكفار ، وأنه صراع على الدين ، لا على المصالح الدنيوية ، وأنه دائم ما دام على الأرض كفار ومؤمنون ، وأن الكفار لا يزالون جادين في إخراج الناس من دينهم لو استطاعوا ، وأنهم متفانون في إطفاء نور الله تعالى الذي هو الإيمان ، ومستميتون في جعل كلمة الله تعالى التي هي كلمة التوحيد سفلى ، ويأبى الله تعالى إلا أن يتم دينه ، وأن يجعل كلمته العليا ؛ وذلك بنصر المؤمنين ، وتأييدهم بجنده ، ودحر الكفر وأهله (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة: من الآية217] (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:32-33] (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) [التوبة: من الآية40]
وإذا كان الكفار قد فعلوا بالرسل عليهم السلام ما فعلوا مما قص الله تعالى علينا خبره في القرآن ، فكيف لا يفعلون ذلك بأتباع الرسل في هذا الزمان ؟! (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) [إبراهيم: من الآية13] والكفار من قوم شعيب قالوا له: (لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) [الأعراف: من الآية88] والكفار من قوم لوط عليه السلام تآمروا عليه وقالوا: (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [النمل: من الآية56]
وأخبر الله تعالى عن مشركي قريش أنهم اجتمعوا على الشر ، وتواصوا بالباطل ، وتمالئوا على النيل من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن قبيلتهم ، وخير الناس فيهم (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ) [الأنفال: من الآية30] وفي آية أخرى (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا) [الاسراء: من الآية76] إذا تقرر هذا الأصل العظيم الذي قرره القرآن ، من دوام عداوة الذين كفروا للذين آمنوا ، وأنها عداوة دينية لا دنيوية ، فهل يمكن أن يخدع المؤمنون بأكبر خدعة في هذا العصر ، وهي خدعة التعايش السلمي بين أهل الحق وأهل الباطل.
إن الحق والباطل ضدان لا يجتمعان ولا ينتفيان ، ومن قال غير ذلك فقد قال محالا ؛ إذ في الزعم بإمكان اجتماعهما وتآلفهما وتعايشهما تكذيب لما أخبر الله تعالى من ديمومة العداوة بينهما في كثير من الآيات القرانية ، ونفي لتاريخ طويل من تنازعهما واحترابهما ، وفي الزعم بانتفائهما تكذيب للقرآن الذي أخبر ببقائهما إلى آخر الزمان ، وتعطيل لحكمة الله تعالى في ابتلاء البشر وامتحانهم ببقائهما.
وأما التعايش السلمي بين أنصار الحق وأتباع الباطل فغير واقع في تاريخ البشر ، ولا هو ممكن أيضا ؛ لأن أهل الحق مأمورون بنشر الحق ونصره ، والقضاء به على الباطل ، كما أن أهل الباطل مدفوعون من الشياطين إلى نشر باطلهم ونصره ، والقضاء به على الحق ، فلا بد أن يخضع أحد الفريقين للآخر، وفي حال خضوع أنصار أحدهما ، وهيمنة أنصار الآخر يسود هدوء يسميه الجاهلون تعايشا سلميا ، وهو خنوع وضعف أصاب أنصار أحدهما لحساب أنصار الآخر.
فإن كان الضعف قد أصاب أنصار الحق ، لحساب جند الباطل كفارا كانوا أم مبتدعة ضلالا ؛ فإن الظلم والبغي والخوف يسود في الأرض التي ساد الباطل فيها، وتسفك دماء بريئة في سبيل الشيطان وجنده ؛ كما حصل في أزمان الحروب الصليبية ، والاجتياح التتري ، ثم الاستعمار بشقيه القديم والحديث, وكما وقع من المبتدعة الباطنيين لما تمكنوا في بعض ديار أهل الإسلام,وكما يقع في هذا العصر الذي كانت الغلبة فيه لصهاينة أهل الكتاب على سائر البشر.
بل إن التاريخ يثبت أن الظلم والبغي قد وقع بين أهل الباطل بعضهم على بعض ، في حروب عقائدية شرقية وغربية خلفت دموعا ودمارا ، وأفنت بشرا كثيرا.
وأما إن كانت الدائرة لأهل الحق على أهل الباطل فإن العدل والأمن يسود في الأرض التي ساد الحق فيها ؛ كما وقع من المسلمين لما فتحوا مشارق الأرض ومغاربها ، وحكموا بين العباد بشريعة الله تعالى التي هي الحق والعدل والرحمة, وبشهاده الكفار من الروم والفرس والترك واللاتين وغيرهم أن حكم المسلمين فيهم أيام الفتوحات الإسلامية كان أعدل فيهم وأرحم بهم من حكم ملوكهم وأباطرتهم ، وما نعمت كثير من شعوبهم بالعدل والرحمة إلا لما تفيأت ظلال حكم الإسلام، وكان كثير من أفرادهم يهربون من ظلم ملوكهم إلى عدل أهل الإسلام,ودون المكذبين والمشككين في ذلك كم كبير من كتب التاريخ ، وشهادات المؤرخين غير المسلمين على ذلك.
إن مصطلح التعايش السلمي لم يرد في الكتاب ولا في السنة، بل فيهما ما يناقضه ويبطله، ولا وقع عمليا في التاريخ القديم ولا المعاصر ، وإنما تم سكُّ هذا المصطلح في أروقة السياسة الصهيونية ، ومن ثَمَّ صُدِّر للمسلمين قبل أربع وثلاثين سنة عقب انتصار المسلمين على اليهود في حرب العاشر من رمضان ، ثم إدخال النفط كسلاح في الحرب ؛ فاخترع الصهاينة هذا الشعار ورفعوه لتخفيف الضغط عليهم ، ورد المسلمين عنهم ، فحصل لهم ما أرادوا,ثم صار سلاحا يستخدمونه إذا رأوا أن المعارك ليست في صالحهم.
ومع مرور الأيام تم تطوير هذا المصطلح الحادث ، وتحول إلى دعوة فكرية ، لها امتداد عقدي يسعى بجد لنشر الإلحاد في بلاد المسلمين ، وذلك بالسماح للمرتدين بإظهار ردتهم، وتمكين المنصرين من العمل في أوساط المسلمين ، والقضاء على عقيدة الولاء والبراء ، وادعاء أن الحق خفي ، وأن الأديان قد فرقت البشر، ولا يجمعهم إلا قبول أهل الحق بالباطل ، بل إخضاع الحق لباطلهم الإلحادي ، وكل هذا الضلال يجري ترويجه ونشره ، والدعاية له تحت مسمى: (التعايش السلمي) الذي ما رأيناه إلا قيدا قُيِّد به أهل الحق عن نشر حقهم ، والمطالبة بما يجب لهم ، ورد العدوان عليهم ، ورفع الظلم عنهم,وكان هذا الشعار عونا لأهل الباطل في نشر باطلهم ، والمحافظة على ما اغتصبوه من بلاد المسلمين وحقوقهم ؛ ليستريح أهل الباطل في ظله ، ويخدعوا به أهل الحق ، ومن ثم ينطلقون إلى ظلم جديد ، بعد الاستعداد الجيد، وتخدير المسلمين ، وهكذا رأينا فيما عشنا من سنوات ماضية.
إن الإسلام قد أعطى كل ذي حق حقه ، وأمر بالتعامل مع المخالفين كل بحسب فعله وجريرته من غير ظلم ولا بخس ولا تعدي ؛ فالمحاربون من الكفار والمنافقين لهم الحرب والقتال ، بما يدفع شرهم ، ويزيل خطرهم ، ويكسر شوكتهم , وأما المسالمون الذين يريدون الأمان ، وقد قبلوا بحكم أهل الإسلام فلهم الحماية والذمة والأمان ، توفى لهم عهودهم ، وتبذل لهم حقوقهم ، لا يَظلمون ولا يُظلمون ، مع الإحسان إليهم ، والبر فيهم ، وتأليفهم على الإسلام لعلهم يسلمون.
وأما المنافقون فإن أظهروا ردتهم عوملوا معاملة المرتدين ، وإن أخفوها عوملوا معاملة المسلمين ، ووكلت سرائرهم إلى الله تعالى.
وليس في الإسلام مصطلحات مائعة ، ولا شعارات براقة خادعة ، ولا يحتاج المسلمون لمن يكمل لهم نقصا في دينهم ، أو يدلهم على خير أغفلته نصوصهم ؛ فإن الله تعالى ما قبض رسوله صلى الله عليه وسلم إلا وقد أكمل دينه ، وأتم نعمته ، وبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم هذا الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده المؤمنين.
ألا فاتقوا الله ربكم ، واستمسكوا بدينكم ، ولا تخدعو بشعارات أعدائكم ؛ فإن الله تعالى ما كلف العباد أن يغيروا الواقع وهم لا يطيقون ذلك ، ولكنه سبحانه أمرهم بالتمسك بدينهم ، والثبات عليه إلى الممات ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وفي الآية الأخرى (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )
بارك الله لي ولكم في القرآن ...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله – وأطيعوه.
أيها المسلمون: لم يكتف أهل الباطل في هذا العصر بما يملكون من أسباب القوة المادية في حربهم لأهل الحق ، بل عمدوا إلى التزوير والخداع بالقذف بهذه الشعارات البراقة عند الحاجة إليها ؛ ليتلقفها المخدوعون من أبناء الأمة المسلمة ، ويظنوا أن الخلاص بها ، فيثقون فيها أعظم من ثقتهم بربهم ، ويتمسكون بها أكثر من تمسكهم بدينهم ، وينافحون عنها أشد من منافحتهم عن حقوقهم ، ثم ما يلبثون إلا قليلا حتى يتبينوا أنها كانت شعارات كاذبة ، وأمان خادعة ، قذف بها الأعداء إليهم ليخدعوهم ليس إلا ، وربما علموا ذلك ، ولكنهم يأملون فيها كأمل المريض الهالك في المسكنات التي تسكن ألمه ولا تزيل مرضه ، بل ربما زادته مرضا إلى مرضه.
أن أهل الباطل في هذا العصر يدعون إلى التعايش السلمي وهم لا يزالون جادين في إنتاج الأسلحة المدمرة ، وافتعال الحروب الطاحنة ، وزيادة ميزانيات التسلح ، وإجراء التجارب النووية ، والسعي في نزع أسلحة المسلمين ، ومراقبتهم والتشديد عليهم في ذلك، فإذا كانوا ينوون التعايش السلمي مع المسلمين فلأيي حرب هذا السلاح كله؟!
إنهم في الوقت الذين يدعون فيه إلى التعايش السلمي يقتلون المسلمين في كل مكان ، ويدمرون بلدانهم بوحشية بالغة ، وهمجية لا يتخليها إنسان ، ويلقون قنابلهم المدمرة التي لا تفرق بين مقاتل وغير مقاتل ,ورأينا صورا من تعايشهم السلمي فيما أقاموه من حروب وغزو لبلدان المسلمين ، ونقلت عدساتهم قبل أيام صورا لأطفال يهود يكتبون على صواريخهم وقنابلهم رسائل لأطفال لبنان يقولون فيها : "موتوا مع كل الحب ، موتوا بسلام".
وفي رسالة أخرى كتبت صبية يهودية : "صديقي اللبناني : واثقة جدا أنك سوف تسمع رسالتي قبل أن تقرأها ؛ فهي قوية إلى حد الشلل ، ومدوية إلى حد التمزق، أشتاق إليك كثيرا ، كن بالقبر", وصدقت هذه الصبية اليهودية فيما كتبت إذ نزلت هذه القنابل على أهل قانا في لبنان فأوردت كثيرا من أطفالهم مقابرهم.
ومن صور تعايشهم السلمي معنا أن مجلس حاخاماتهم في فلسطين المحتلة قد دعا الحكومة اليهودية إلى إصدار الأوامر بقتل المدنيين في لبنان وغزة ، مشيراً إلى أن التوراة تجيز قتل الأطفال والنساء في زمن الحرب.
وأما أذنابهم من بني جنسنا فكم ملئوا الأسماع والأبصار داعين إلى التعايش السلمي ، ونبذ العصبية للدين ، ثم ما رأيناهم يتعايشون هم سلميا مع من يدعونهم إلى التعايش السلمي ؛ بل كانوا أشد المحاربين لهم ، يسخرون بدينهم ، ويحرضون الأعداء عليهم ، ويدلون على عورات المسلمين ، ولا يقبلون في صحفهم وفضائياتهم إلا من كان مؤدلجا لخدمة الأعداء مثلهم ، حتى سموا بالمارينز العرب ، من شدة تفانيهم في حربهم لإخوانهم وبلدانهم ، وخدمتهم لأعدائهم ، فيا له من تعايش سلمي نطقوا به ، ودعوا غيرهم إليه ، وحسبنا الله ونعم الوكيل عليهم وعلى ظلمهم وإفترائهم.
تلك يا عباد الله حقيقة هذه الدعاوى التي لا يصدقها من كان عنده مسكة عقل ، فضلا عن مؤمن بالله تعالى ، وهو يرى أن الأحداث تكذبها ، ويرى أن تلك الشعارات أضحت من أسلحة الأعداء يستخرجونها متى أرادوا المناورة والخداع مرة أخرى ، ولا يلدغ مؤمن من جحر مرتين ، وقد لدغ المسلمون في هذا العصر من جحور اليهود والنصارى والمنافقين عشرات المرات ، فمتى يستفيقون؟!
ولا خلاص لأهل الحق في هذا العصر من الذل والهوان ، واستضعاف الكافرين والمنافقين لهم إلا بتوبتهم من ذنوبهم ، واجتماعهم على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح،وتعظيم نصوص الكتاب والسنة ، ونبذ كل ما لا يتوافق معها أيا كان مصدره ، ومهما كان قائله، مع إخلاص الدين لله تعالى ، والإلحاح عليه بالدعاء الصادق.
وصلوا وسلموا على نبيكم
التعليقات