عناصر الخطبة
1/ ضرورة التعاطي مع الأحداث بعقل هادئ 2/ مميزات بلاد الحرمين 3/ خصائص المملكة بين غيرها من الدول الإسلامية 4/ نعم الله تعالى على أهل المملكة 5/ التقصير والخطأ من شأن البشراهداف الخطبة
اقتباس
وبلادُنا -بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية- تمتدُّ على هذه الأرض المباركة بصحرائها وسهولها وجبالها وأوديتها وبحارها، فيها أول بيتٍ وُضِع للناس، وخُتِم بنبيها الرسالات، وتنزَّل آخر كتابٍ في ديارها، خصوصيتُنا في موقعنا وفيما اختار الله لنا من مُتنزَّل وحيه، ومولد رسوله، ومبعثه ومُهاجَره، ومماته -عليه الصلاة والسلام-. بلادُنا قبلةُ المسلمين، تحتضِن شعائرَهم ومَشاعرهم، بلدُنا ليس مُرتبطًا بمشاعرنا وحدنا؛ بل مرتبطٌ به كل مسلم ..
الحمد لله، الحمد لله تفرَّد بالوحدانية والخلق والإيجاد، وتنزَّه عن الشركاء والنُّظراء والأنداد، رضِيَ لنا الإسلامَ دينًا وجعلنا من خير العباد، أحمده سبحانه وأشكره، أفاض علينا نعمًا ليس لها تعداد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة حقٍّ وإخلاص إرغامًا لأهل الكفر والإلحاد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله هدى إلى الحق وطريق الرشاد، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الصدق والجهاد، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم المعاد.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-، عرفتم ربكم فأدُّوا حقَّه، وأفاض عليكم نِعَمه فاشكروا له، أحببتم رسولكم محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فالزموا سنَّته، وقرأتم كتابَ ربكم فاعملوا به، من يرجُ الجنة يُعِدُّ لها، ومن يخاف النار يهرب منها، من اتخذ الشيطانَ عدوًّا اجتنَبَ سبيلَه، ومن علِمَ الموتَ حقًّا استعدَّ له، والسعيدُ من وُعِظَ بغيره.
يقول الحسن -رحمه الله-: "عجبًا لقومٍ أُمِروا بالزاد، ونُودِي فيهم بالرحيل، حُبِسَ أولهم على آخرهم وهم قعودٌ يلعبون في غمرةٍ ساهون، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون: 115]".
أيها المسلمون: التعاطي مع الأحداث وأخذُ العِبَر ودروس الاعتبار يكون ذلك كله بالعقل الحصيف، والهدوء الحَذِر، وفي ظل الأحداث المُتسارعة والتقلُّبات المتتابعة تكون الحكمةُ ضالَّةَ المؤمن، فليس التزلُّف حاميًا للدول، ولا التذمُّر مُصلحًا للأمم، والنقدُ وحده لا يُقدِّمُ مشروعًا، وردود الأفعال لا تبني رؤيةً راشِدة.
وبلادُنا -بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية- تمتدُّ على هذه الأرض المباركة بصحرائها وسهولها وجبالها وأوديتها وبحارها، فيها أول بيتٍ وُضِع للناس، وخُتِم بنبيها الرسالات، وتنزَّل آخر كتابٍ في ديارها، خصوصيتُنا في موقعنا وفيما اختار الله لنا من مُتنزَّل وحيه، ومولد رسوله، ومبعثه ومُهاجَره، ومماته -عليه الصلاة والسلام-.
بلادُنا قبلةُ المسلمين، تحتضِن شعائرَهم ومَشاعرهم، بلدُنا ليس مُرتبطًا بمشاعرنا وحدنا؛ بل مرتبطٌ به كل مسلم، فأمنُنا أمنُهم، واستقرارُنا استقرارُهم، (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ) [المائدة: 97].
أرضُنا -بإذن الله- هي التي صنعت التاريخ؛ بل أهم حدثٍ في تاريخ الدنيا، تغيَّرت به وجوه الأمم والممالك، ودولتُنا في تاريخها الحديث هي امتدادٌ لذلك التاريخ العظيم، والتزامٌ بتلك الرسالة الخالدة، وقيامٌ على الشريعة المُطهَّرة، واتباعٌ لسيدنا ونبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وتاريخُ مملكتنا تاريخٌ دين ومبادئ يجتمع عليها الجميع، ويقبلها ويعتزُّ بها الجميع، ويتمسَّك بها الجميع، ليست مبنيَّةً على عصبية ولا إقليمية ولا مذهبية.
الرجال الذين أقاموا هذا الكِيان لا يعتصِمون بقبيلة، ولا يتعصَّبون لفئة.
إنه تاريخُ الدين والدولة والأسرة والوطن الذي ينتهِجُ الجمعَ بين الأصالة والمعاصَرة، والالتزام والتحديث، جذوره تضرب في أصول الإسلام، وفروعُه تتطاوَل خضراء مُزهِرة مُثمِرة، تعيشُ بيئَتها، وتتأقلَمُ مع مُحيطها، أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء، تُؤتِي أُكلَها بإذن ربها.
بلادُنا وبلدُنا لم تقم فيه معركةٌ بين الدين والدنيا، استقرارٌ وأمن ووحدةٌ وصلاحٌ وإصلاحٌ، فلله الحمدُ والمنَّة.
معاشر الإخوة: نُشوء الدول وقيامُها من أهم الظواهر السياسية والاجتماعية التي تُسجِّلُها صحائفُ التاريخ، ثم يعكف الباحثون على دراسة مختلف جوانبها، وكلما كانت الدولة متميزةً في ظروف نشأتها، متفرِّدةً في عوامل قيامها كانت أجدر بالبحث في طبيعتها وجوهرها وعناصر مُكوناتها، وإذا كان ذلك كذلك فهذه نظرةٌ في بعض عناصر المكونات الكبرى لبلدنا، والجوهر البارز من خصائصها.
من ذلك -معاشر الأحبة-: أن غايتنا في رايتنا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ لقد رفعت دولتُنا شِعارَ توحيد الله، والحكم لله، والأمة الواحدة، والأُخوَّة الإيمانية، والطاعة لولي الأمر، والبيعة على كتاب الله وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الإسلامُ نهجُها، والكتابُ والسنةُ دستورُها، الدينُ والحكمُ في دولتنا أخَوَان، لم تتقوقَع في مسلكٍ اقتصادي، أو مبدأ سياسي، أو عقدٍ اجتماعي؛ بل ينتظمُ ذلك كلَّه في سياسة الدين والدنيا.
دولتُنا ارتفعت حين رفعت راية الدين والتوحيد والوحدة، فحفِظَ الله -بفضله ومنَّته- علينا دينَنا، وجمع فُرقتنا، وأغنانا من بعد عَيْلة، وآمَنَنا من بعد خوف، وعلَّمَنا من بعد جهلٍ، وألبَسَنا لباسَ الصحة والعافية، ومن كل خيرٍ وفضلٍ أمدَّنا وأعطانا.
إن دولتنا ظاهرةٌ عزيزة، استطاعت -بعون الله وتوفيقه- أن تُحقِّق الاستمرار التاريخي على خلاف توقُّعات كل الخُصوم وتمنِّياتهم.
وتطبيقُ الإسلام عندنا ليس وظيفة، وليس مجرد نشاطٍ من النشاطات؛ بل هو الروح والحياة والغاية، وهو المُجسِّد للهوِيَّة، والمُحقِّق للولاء والانتماء، على حدِّّ قوله -عزَّ شأنُه-: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ) [الأنعام: 162، 163].
وأيُّ غفلةٍ عن مُقوِّمات هذه الهويَّة للدولة، أو إخلالٍ بها، أو تهاونٍ في المحافظة عليها هو هدمٌ يتحقَّقُ أثره بقدر حجمه، ومن هنا فلا يمكن التفريقُ بين الكِيان والنظام، فهما دولةٌ ودين، ووطنٌ وشعبٌ.
مملكتُنا هي العروبة المُلتحمة بالإسلام، والإسلام المُحتفِي بالعروبة، دينُنا دينُ الدولة والدعوة والحوار والثواب والتفاعُل الإيجابي مع التجارب الإنسانية، وأخذ العبرة ودروس التاريخ، لم يكن التقرُّب للحاكم على حساب المحكوم، ولم تكن مُجاملةُ الناس على حساب الحق والعدل.
معاشر المسلمين: ومن عناصر مُكوِّنات دولتنا المُميَّزة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إنه ركيزةٌ أساس من ركائز هذه الدولة المباركة في أدوراها الثلاثة، صريحٌ في نظامها الأساسي، وأحد ترتيباتها الإدارية، إن هذا المُكوِّن أعطى دولتنا ومجتمعنا بُعدًا مُتميِّزًا في الأمن الاجتماعي، والضبط الأخلاقي، ومنهج النُّصح والإرشاد والتوجيه، والإجراءات الوقائية، إنه صورةٌ من صور التكافُل الحِسِّي والمعنويّ للمجتمع، ينعكِسُ أثرُه على المواطن والمُقيم على حدٍّ سواء، إنه يحمي الجميعَ -بإذن الله- من سلُوك قلَّة، أو تصرُّفٍ شاذٍّ منحرفٍ بصاحبه عن الصراط السوِيّ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110]، (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
أيها الإخوة في الله: ومن خصائص دولتنا ومزاياها: علماؤها ورجالُ الشرع فيها، فلهم مكانتهم، رجالُ علمٍ ودعوة واحتساب، برز ذلك في تاريخ الدولة الطويل؛ فالحاكمُ يطلبُ النصيحة ويستقبِلُها ويقبلُها، والعالمُ ورجلُ الشرع يبذُلُها، ويقوم بالاحتساب عدا الحاكم والمحكوم؛ بل لا يُتصوَّر في هذه الدولة المباركة أن يتقاعَسَ طالبُ علمٍ عن الاحتساب والمُناصحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستوى الدولة والأمة.
ولتستبينَ هذه الخَصيصة فلتنظروا في تاريخ علماء المسلمين من بعد الخلافة الراشدة والقرون المُفضَّلة، لا يكاد يرى المُتأمِّلُ ارتباطًا وثيقًا بين علم العالِم والعمل الاحتسابي في الساحة العامة؛ فغالبُهم يكثُر اشتغالُه على التعلُّم والتعليم والتدريس والقضاء والفُتيا والتأليف، فليس من السهل عندهم الاحتساب على الناس والولاة إلا قلَّةٌ قليلة يُذكَر ذلك في سيرهم وتراجمهم، أثابهم الله جميعًا وغفر لهم، وأحسن جزاءهم لقاء ما قدَّموا للإسلام والمسلمين.
أيها الإخوة المسلمون: إن المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين هي بلادُنا ودارُنا وبيتُنا ومُستقرُّنا، الولاءُ لها بعد ولاء الدين، الولاءُ للوطن فوق كل ولاءٍ وانتماء، وأمنُه واستقرارُه مُقدَّمٌ على كل تطلُّعات وفوق كل مُطالَبات، سواء في ذلك الحاكم والمحكوم، وعند التقلُّبات والشدائد هذا هو أول وأولَى ما يجب النظرُ فيه والتطلُّع إليه، والمحافظةُ عليه، والاستمساكُ به، فمهما اختلفنا ومهما تعدَّدت مطالبُنا وتنوَّعَت رغباتُنا وآمالنُا المشروعة فيجبُ أن نكون على يقظةٍ تامة من أمرنا.
فكم من مُتربِّصٍ يريد تفتيت بلادنا وتمزيق شملنا وهدم وحدتنا وانهيار كِياننا، والسعيدُ من وُعِظَ بغيره.
الأمنُ والوحدةُ الوطنية وتماسُك المجتمع وحماية المُقدَّسات هي أعلى وأغلى ما نملك بعد عزِّ الإسلام وحفظ الدين، هذا الأمن -بفضل الله وعونه- شارك في صُنعه آباؤنا وأجدادُنا بقيادة الرجل المبارك القائد الإمام الملك عبد العزيز -رحمه الله-، وحفِظَ ذلك أبناؤه الملوك من بعده، ويسهر عليه رجالُ الأمن والعسكر بكل قطاعاته وفي مُختلف رُتَبه، ومن كل أبناء الوطن، إنهم يحفَظون أمنَنا ومُقدَّساتنا وسعادتنا وأحوالنا وأموالَنا وأنفسنا وأهلينا.
والساعةُ للصادقين المُخلصين، والانتماء الوطني هو الأغلى، وتيارُ الحق والكرامة هو الأقوى في عدالةٍ ساعدة، وحريةٍ مُنضبِطة، وشعورٍ جماعي بالحِفاظ على الوطن والممتلكات والمُكتسبات، والالتفاف حول الولاية الشرعية، وكل فتنةٍ أو مسلكٍ أو دعوةٍ تُهدِّد الوطن ووحدته والمجتمعَ وعيشَه يقفُ أمامَها الجميعُ بالمرصاد صفًّا واحدًا في كتيبةٍ واحدةٍ مُتراصَّة في وجه كل مُتربِّصٍ، ومُواجهة كل صائل، ودحْر كل عادٍ كائنًا من كان!!
وبعد:
فالحمدُ لله على ما منَّ به وتفضَّل، وما أنعمَ به وأجزَل، فقد تعانقَت الدولةُ والدعوة في وضوحِ منهج وجلاء مسلَك، كتابًا وسنَّة ومنهجًا على طريق السلف الصالح، في مبادئ ثابتة لا تُؤثِّر فيها أقوالُ المُتقوِّلين، ولا تُعكِّرُ عليها تخرُّصات المُتخرِّصين، ولا تنالُ منها افتراءات المُفترين، إعلانٌ للشرع نصَّ عليه النظام، وتطبيقٌ في العمل والأحكام، وتوحيدٌ للوطن، واجتماعٌ للكلمة، ونبذُ كل ألوان العصبية وعوامل الفُرقة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 40، 41].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله شرحَ صدور أهل الإيمان للحق والهدى، من يهدِ الله فهو المُهتَدي، ومن يُضلِل فلن تجِد له وليًّا مُرشِدًا، أحمده سبحانه على نعمٍ لا نُحصِي لها عددًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يزَل واحدًا أحدًا فردًا صمدًا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، اجتباهُ ربُّه واصطفاه، وجعل له الرحمنُ وُدًّا، صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أنوار الدُّجَى ومصابيح الهُدى، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا سرمدًا أبدًا.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: إن من غير المنكور ما أفاء لله علينا في بلادنا من نعمة المال الفائض، والخير الوفير، والعيش الرغيد مما تغيَّر معه أنماطُ العيش، وأساليبُ الحياة، واتصالُ بلادنا بالعالم، وتأثُّرها وتأثيرها في مُتغيِّرات الحاضر والحضارة بإيجابياتها وسلبياتها وإفرازاتها، ولكن إدراك المملكة لمكانتها واعتزازها بدينها حفِظَ عليها أن تظل -ولله الحمد- مُتمسِّكةً بمبادئها، مُلتزمةً بمنهجها، مُحافظةً على الأُسس التي قامت عليها، يستوي في ذلك حُكَّامُها وشعبُها، وعلى ذلك مُؤسَّسات الدولة، وسياسات الحكم، ومناهجُ التعليم، والتراتيبُ الإدارية والاجتماعية.
ومع كل هذا الخير الذي نعيشُه، والفضل الذي نرفُلُ فيه، والرضا الذي ننعَمُ به؛ فنعلمُ علمَ اليقين أن الكمال عزيز، وأن النقصَ والقصور والتقصير والخطأ من شأن البشر ومن شأن العاملين، ومن المعلوم علم اليقين أن الطريق طويلة وشاقّة؛ لأن مسار الأمم وتعاقُب الأجيال يتطلَّبُ العقلَ والحكمة والأناة والسير بخُطًى ثابتة مُتأنِّية غير مُتوقِّفة، يتطلَّبُ الحكمة والوعيَ المُميَّز بين الثابت والمُتغيِّر في قوةٍ راشدة، وعدلٍ باسط، وعسكرٍ ضابط، وقضاءٍ عادل، وسياسات حكيمة، ومالٍ رشيد، وتنميةٍ مُخطَّطة، ورحمةٍ تُحيطُ بذلك كله وإحسان.
من الحكمة والنظر البصير: إدراكُ أن ما يحدُث في بلدٍ أو منطقة ليس باللازم أن يكون مُلائمًا لبلدٍ آخر أو منطقةٍ أخرى؛ فالبُلدان تختلفُ في طبائعها ومُكوِّناتها وظروفها وأحوالها لهذا.
وبعد:
فإن مصائر الشعوب -حفظكم الله- لا تجوز أن تكون رهينةً مغامرات أو تقليد تجارب لا تُعرف نتائجُها ولا تُحسَبُ عواقبها، فالمجازفةُ بالأمة في خروجٍ أو دعواتٍ أو هتافاتٍ تحت رايات إعلامٍ مجهولة إن لم يكن إلقاءً في التهلكة فليس سبيل الإصلاح.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله-، واشكروا نعمة الله وفضله؛ ألَّفَ بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا.
ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيكم محمدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم في محكم تنزيله، فقال -عزَّ شأنُه، وهو الصادق في قيله- قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
التعليقات