عناصر الخطبة
1/التكبير في العيدين وأهميته 2/أحوال يشرع فيها التكبير 3/ معاني \"الله أكبر\" 4/مقتضيات قول \"الله أكبر\" ومستلزماته 5/الحاجة إلى معرفة حقيقة التكبير 6/أعظم معاني \"الله أكبر\" 7/مظاهر فعلية مخالفة لمقتضيات وحقيقة قول \"الله أكبر\" 8/جمال التكبير وعظمته 9/فوائد التكبير وفضائله وثمراتهاهداف الخطبة
اقتباس
إن تكبير الله -عز وجل- في حقيقته، يعني أن يكون "الله أكبر" في البيوت والأسواق، وفي الأعمال، وفي المشاريع، وفي الاقتصاد، وفي السياسة، وفي الحكم، وفي جميع شؤون الحياة، فلا يعلو على أوامر الله -عز وجل- وأحكامه شيء، وإلا فما معنى قولنا: "الله أكبر" إن لم نجسدها واقعا في حياتنا.
الخطبة الأولى:
الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى، والمختص بالملك الأعز الأحمى، الذي ليس من دونه منتهى، ولا ورائه مرمى، الظاهر لا تخيلاً ووهمًا، الباطن تقدسًا لا عدمًا، وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وأسبغ على أوليائه نعما عُما، وبعث فيهم رسولاً من أن أنفسهم عربًا وعجمًا، وأزكاهم محتدًا ومنما، وأشدهم بهم رأفة ورحمة، حاشاه ربه عيبًا ووصمًا، وزكاه روحًا، وجسمًا وآتاه حكمة وحكمًا، فآمن به وصدقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسمًا، وكذّب به وصدف عنه من كتب الله عليه الشقاء حتمًا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى، صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
معاشر الصالحين: مر عيد الأضحى، وقبله مر عيد الفطر، وفي هذا المرور عبر وأسرار، وإشارات كبار، ومعاني غزار، يتلقاها الذين يفهمون عن الله مقاصده الذين يرون في مرور الأيام، وانصرام الأعمار، دليل على الرحيل إلى الله، وأن هذه الدنيا، وإن أبدت خضرة ونضرة، فهي إلى زوال بلا شك، ولا محال.
وقد رافق هذين العيدين كما هو شأن الأعياد عند المسلمين شعار التكبير، وفي ذلك امتثال لربنا القائل: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185].
(الْعِدَّةَ) أي عدة رمضان: (كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج: 37] ذات اللفظ يتكرر: التكبير.
فهل المراد -أيها الأحباب- التكبير المشروط فقط نقوله بهذه الصيغة، أو تلك، أو هذه الطريقة، أو الأخرى، أم هو رمز لأمور أخرى، ينبغي أن تظل راسخة، وملازمة للمؤمن، راسخة في وجدانه وكيانه؛ حتى يلقى ربه، ليكون ذلك اللقاء يوم عيده الأكبر.
إنها كلمة عظيمة جليلة: "الله أكبر" لو وعيناها لتحركت منا المشاعر، واهتز الوجدان.
إنها كلمة تشعرك بعظمة: الله الأكبر، كلمة عظيمة يدعى بها إلى الصلاة، تستفتح بها الصلاة، تتكرر في كل ركن من أركان الصلاة، يختتم بها الصيام، تتبع التسمية عند ذبح القربان، تقال عند الجمرات، وأدبار الصلوات، والأيام المعلومات.
كلمة تدوي في الآفاق، وتخترق الحجب لتعلن للناس كل الناس أن العظمة لله وحده، والكبرياء لله وحده.
وهو الله الأكبر، وأن كل من أراد أن يستعلي، أو يتكبر، فإنه إنسان مخبول معلول، يحيط به الوهم من كل جانب، وفيه من الضعف ما لو تأمل فيه أنه أضعف من الضعف.
إنها كلمة تعني: أن "الله أكبر" من كل شيء، في ذاته، وصفاته، وأفعاله.
إنها كلمة تعني: أن الله هو الأكبر الذي يتصاغر أمامه الكبراء والعظماء، لا ينازعه في كبريائه أحد: (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[الجاثية: 36-37].
إنها من الباقيات الصالحات مع "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله"، قال تعالى: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)[الكهف: 46].
إنها كلمة تعلن للناس قائلة: "لا تضطربوا، ولا ترتجفوا، ولا تنحرفوا، فهذا المنهج، لا تتراجعوا، فهذا النداء، لا شيء يغلبكم، ولا شيء يكبر عليكم، ما دامت كلمتكم: "الله أكبر".
يشعر المسلم بالضعف أمام الظالمين، وأمام الطغاة الجبابرة، فتأتي هذه الكلمة لتعلن أن الله أكبر من كل شيء، وأن قوته لا تغلبها قوة، ومن تعلق بالله الأكبر كفاه كل هم، وغم وخوف.
يشعر الإنسان أحيانا بالزهو والفخر، ويحس بالتعاظم، وتسول له نفسه في لحظة ضعف منه، أو في لحظة انقطاع عن الحقيقة، أنه ذو شأن، وأنه صاحب سلطة ومال، وأنه من أهل المجد والحسب والنسب، فتأتي كلمة: "الله أكبر" لتقذف في روعه أن اخرج من وهمك، وعد إلى رشدك، ف"الله أكبر".
هذه الكلمة تقول: تأمل في نفسك -أيها العبد- تجد أنك من نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة، ففيم تتكبر؟!
ولله در الإمام علي -رضي الله عنه- يوم يقول: "عجبا لابن آدم تقتله شرقة، وتقلقه بقة، وتنتنه عرقة، فكيف يتكبر؟.".
تستولي على الإنسان شهواته، وتحتوشه نزواته، وتتجاذبه رغباته، فيتكاسل عن أداء شعائر الله، وعن إجابة داعي الله، فتأتي: "الله أكبر" على لسان المؤذن، لتعلن أن "الله أكبر" من نفسك الأمارة "الله أكبر" من نزوتك وشهوتك، فأجب نداء العظيم الأكبر، ولا تستسلم للهوى، فتتكدر.
"الله أكبر" كلمة نقولها عند بدء صلاتنا، إعلانا منا بالانخلاع من الدنيا وشهواتها، والحياة وملذاتها!.
نقولها عند سفرنا إشارة إلى أن المسافر يجب أن يكون اعتماده على الله، واعتصامه بالله، فإن كان متجها في سفره إلى عظيم، فالله أكبر وأعظم، وإن كان خائفا من بطش عدو، أو كيد كائد، فالله أكبر وأعظم!.
إن من آمن وأيقن بأن "الله أكبر" فإن ذلك يحمله على الاستعانة بالله وحده، وصدق التوكل عليه، وتفويض الأمور إليه، مع الأخذ بالأسباب المشروعة، وعدم الركون إليها، والاعتماد عليها، ولكن الاعتماد على الله -تعالى-.
إن من آمن بأن الله أكبر أورث ذلك عنده خوفا من الله وحده، وعدم الخوف من المخلوق الضعيف، الذي لا يملك من نفسه ضرا ولا نفعا، فضلا من أن يملكه لغيره.
إن كلمة: "الله أكبر" حينما تستقر في القلب، وتنطلق منه، تقوم فيه معانيها وآثارها، فينعكس ذلك على الأحوال والأعمال والمواقف، فلا يتحرك قائلها بصدق لتهديد، ولا وعيد، ولا تخويف؛ لأنه قد أسلم أمره لله الأكبر.
إنه من يؤمن ويوقن بأن "الله أكبر" يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله، بحيث يكون هواه تبعا لما يحبه الله، ومضادا لما يبغضه، ومن علامات ذلك محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومحبة المؤمنين ومولاتهم، وبغض من يبغضهم من الكفار والمنافقين، وربنا -سبحانه وتعالى- يحب هذه الكلمة، ويدعونا إلى قولها وتكرارها، يقول سبحانه: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الإسراء: 111].
إن تكبير الله -عز وجل- في حقيقته، يعني أن يكون "الله أكبر" في البيوت والأسواق، وفي الأعمال، وفي المشاريع، وفي الاقتصاد، وفي السياسة، وفي الحكم، وفي جميع شؤون الحياة، فلا يعلو على أوامر الله -عز وجل- وأحكامه شيء، وإلا فما معنى قولنا: "الله أكبر" إن لم نجسدها واقعا في حياتنا.
إنه يجب علينا -معاشر المسلمين- أن نتدبر معنى: "الله أكبر" وكما نقولها في المسجد، وفي صلاتنا وأذكارنا، يجب أن نقولها ونقوم بمقتضاها في جميع أوقاتنا وأحوالنا وأوضاعنا.
ألا ما أحوجنا إلى تدبر هذه الكلمة وإدراك معانيها ودلالاتها؟ وما أحوجنا أن نغرس في قلوبنا وقلوب أبناءنا أن الله أكبر وأعظم وأجل، فنخشى الله ونستحي منه: (فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ)[التوبة: 13]؟
ما أحوجنا -أيها الإخوة- إلى أن نعجل من قوله تعالى: (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الإسراء: 111] شعارا، فنكبر الله قولا وفعلا، في كل وقت وحين.
ومن الأسرار القرآنية: أن هذه الجملة: (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) جاءت في نهاية سورة الإسراء التي تضمنت الكلمات الأربع، والتي هي الباقيات الصالحة: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" فقد افتتحت بالتسبيح: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى)[الإسراء: 1] لتختتم بالحمد والتنزيه عن الشريك والتكبير.
ثم تأتي بعدها مباشرة سورة الكهف داعية إلى لزوم الباقيات الصالحات في قوله تعالى: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)[الكهف: 46].
ألا ما أحوج إخواننا في الشام، وهم يواجهون بطش الطغاة والمتكبرين، مع تآمر الكافرين وتخاذل المسلمين؟!
ما أحوجهم إلى أن يعلنوا بألسنتهم وقلوبهم بأن "الله أكبر"؟
ما أحوجهم إلى أن يدركوا أن أولئك الذين يظلمون، والذين يعينهم إن بدو أنهم قوى عظمى، وأنهم أقوياء، فما هم في الحقيقة إلا حفنة من الأرض، تعيش على هذا الكويكب الصغير بين الكواكب والنجوم والمجموعات والمجرات الفلكية التي لا يعلم عددها إلا الله، فلا يبلغون جميعا بجنودهم وأتباعهم وحلفائهم، بل لا يبلغ أهل الأرض كلهم أن يكونوا هباءً تتقاذفهم نسمات، والله فوق خلقه، مستو على عرشه، أكبر وأعظم من كل شيء.
جعلني الله وإياكم ممن ذكر فنفعته الذكرى، وأخلص لله عمله سرا وجهرا، آمين، آمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله المتفرد بالعظمة والكبرياء له الحمد في الأرض والسماء تعالى عن الشبيه والمثيل والند، فلا مثيل له في كبريائه، ولا مشابه له في آلائه، والصلاة والسلام على أفضل من سبح وكبر، سيدنا محمد أفضل البشر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
معاشر الصالحين: ذكر الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره عند قول الله –تعالى-: (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) قال: "عن قتادة قال: ذكر لنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعلم أهله هذه الآية: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الإسراء: 111] الصغير من أهله والكبير".
فماذا نعلم نحن أبناءنا اليوم؟ هل نعلمهم تعظيم الله، من خلال معرفة أسماءه وصفاته المفضية إلى تعظيمه ومحبته؟.
أيها الأحباب الكرام: معاني هذه الكلمة: "الله أكبر" لا يمكن أن نحيط بها أبدا، ولو بذلنا في ذلك الأعمار، وقطعنا الأمصار، ولكن سنشير إلى بعض المعاني على وجه الإشارة، أما العبارة فلا يمكن أن تحيط بحقيقتها، ولا تصل.
من أعظم معاني الكلمة: أن الله أكبر من أن يدرك، أو يحاط بشيء من علمه إلا بما شاء، فمهما تبحرت في العلم، مهما درست أسماء الله الحسنى، مهما سعيت فلن تعرف الله المعرفة الكاملة؛ لأنه لا يعرف الله إلا الله، لذلكم كان من دعاء سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أعرف الخلق بالله كان يقول: "سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنت على نفسك".
المعنى الثاني وهو معنى خطير، شاق على النفس؛ لأن الحقيقة مرة، وإن كانت أفضل من الوهم المريح، فالذي يغش المسلمين، ويؤذيهم في صحتهم، أو يبتز أموالهم، أو يخونهم في أمر كلف به من شؤونهم، أو يحوجهم إلى الرشوة، مقابل الحصول على حقوقهم، الذي فعل هذا ما قال: "الله أكبر" ولو رددها بلسانه ألف مرة! لأنه رأى من دون أن يشعر أن هذا المبلغ الذي أخذه ظلما وعدوانا على حساب حقوق المستضعفين، أكبر عنده من الله!.
الذي يطيع مخلوقا كائنا من كان في معصية الله، ما قال "الله أكبر" ولو رددها بلسانه!.
الذي يأخذ ما ليس له وهو يعلم ما قال "الله أكبر" ولو رددها بلسانه!.
أيها الأحباب الكرام: دعونا من لسان المقال، ولننتقل إلى لسان الحال؛ ففي العالم الإسلامي مظاهر لا تنبئ بمعرفة معنى: "الله أكبر" فالذي يرضي زوجته في معصية خروجها بثياب فاضحة، ويأتي المسجد، ويقول: "الله أكبر" ما قال "الله أكبر"! لأنه أرضى زوجته، وأسخط الله -عز وجل-.
المسلمون اليوم مقهورون، في كل نادي لهم قتلى، وجرحى، وأسرى، كل يوم خبر مائة قتيل، أو أكثر، ولا يتحرك العالم! والسبب أننا تخلينا عن الله الأكبر، وتعلقنا بسواه، ورجونا الحلول ممن عداه، فأسلمنا الله إلى أنفسنا، ووقائع الحاضر دالة وشاهدة على ذلك، هان أمر الله عندنا، فهنا على الله.
أيها الكرام: الغش في الأسواق على أشده بشكل لا يوصف، والذين يغشون ويأتون المساجد، ويقولون: "الله أكبر"، ولو كانوا حقا يعتقدون أن "الله أكبر" ما احتاجوا أبدا إلى هذا الغش!.
الرجل يتاجر في الحرام، يبيع السجائر، يبيع الخمور، ويأتي المسجد، ويقول: "الله أكبر" ولو وعاها حقا ما حارب الأكبر؛ لأن الأكبر لا يحارب!.
الرجل يظلم زوجته وأبنائه، ويأتي ويقول: "الله أكبر"!.
الرجل يتعامل مع الناس بالأموال، فلا يفِ، ويخون ويسرق ويخادع، ويأتي المسجد، ويقول: "الله أكبر" وربما يذهب إلى الحج، فيلبي ويكبر!.
الرجل يتعامل بالربا التي هي حرب على الله ورسوله، وهي من أسباب البوار والدمار والخراب، ثم يأتي ويقول: "الله أكبر"!.
فإذا كنت تعتقد أن "الله أكبر" فلماذا تحاربه؟ وكيف تخاف الفقر والله أكبر؟
يقف الرجل عند القبر فيذبح الذبائح ويتوسل، وبعد ذلك يقول: "الله أكبر" فإذا كنت تعتقد أن الله أكبر، فما الذي أوقفك عند القبر، عند الأحجار التي لا تضر ولا تنفع: أين عقلك؟! أين يقينك بأن الله أكبر؟!
يأتي الرجل السحرة والمشعوذين، وهم أئمة التدليس، ورؤوس التلبيس، وأصابع إبليس، يأتيهم، ويخضع لهم، ويصدقهم، ثم بعد ذلك يقول: "الله أكبر"!.
تناقض صارخ، وانفصام فاضح، وجنوح عن الفطرة، ونكوص على الأعقاب!.
المؤذن ينادي لصلاة الفجر: "الله أكبر" فتفضل الوسادة، وتترك العبادة، ثم بعد ذلك تستيقظ في الوقت الذي تريد، لا في الوقت الذي يريد سبحانه وتعالى، ثم تقول: "الله أكبر"! ولو فهمت المعنى لقمت من فراشك، ولما غرك فراش، ولا منعك برد، ولا طول طريق؛ لأن "الله أكبر"!.
يأتي وقت الزكاة فتثاقل وتتخاذل، وتستكثر على الله زكاة مالك، ولو كنت توقن أن "الله أكبر" لبادرت إلى الإخراج، وأنت فرح مسرور، متلذذا بتلك العبادة، مستحضرا قول الله الذي تقرؤوه في كل ركعة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)[الفاتحة: 5].
وقد وصف العلماء هذه "الكاف" من إياك بالتلذذية، يتلذذ المرء بالطاعة؛ لأنه يعلم أن "الله أكبر"!.
فالله أكبر من قوتك! الله أكبر من سطوتك! الله أكبر من شهوتك! الله أكبر عند نزوتك! الله أكبر في خلوتك! الله أكبر في ذهابك وإيابك! الله أكبر في أمنك وخوفك! الله أكبر في فقرك وغناك! الله أكبر من سلطتك! الله أكبر من نفوذك! الله أكبر من غرورك! الله أكبر عند حزنك وسرورك!.
ومتى ما تعلقت بالأكبر صغرت الدنيا في عينيك، وهان عليك كل شيء!.
متى تيقنت أن "الله أكبر" تساقطت أمامك سهام الحاقدين، وطعنات الغادرين، ووخزات الماكرين!.
"الله أكبر" ما أجملها من كلمة! وما أعظمها من نشيد! يوم كانت في قلوب الأسلاف، فتحوا بها المدائن، وحطموا بها الحصون، قالها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام، وهم على حصون خيبر، قال: "الله أكبر خربت خيبر".
وستفتح مدائن في آخر الزمان؛ كما أخبرنا -صلى الله عليه وسلم- بالتكبير فقط!.
هذه الكلمة العظيمة كانت أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما طلعت عليه الشمس؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لئن أقول "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس" [رواه مسلم].
وهذه الكلمة من غراس الجنة؛ فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد أقرئي أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله الا الله، والله أكبر".
وقول هذه الكلمة، وترديدها، يزحزح قائلها عن النار؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال صلى الله عليه وسلم: "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاث مائة مفصل، فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق الناس، أو شوكة، أو عظما عن طريق الناس، وأمر بمعروف، أو نهي عن منكر، عدد تلك الستين والثلاث مائة سلامى -أي المفاصل- فقد زحزح نفسه عن النار" [رواه مسلم].
عباد الله: إن كلمة "الله أكبر" بحر لا ساحل له، وطود لا قلة له، وأفق لا غاية له، وهممنا قاصرة عن نعتها، إلا إذا وصلنا ربنا بالإلهام، وعجزنا أظهر علينا من أن نطمع لا بالإلمام، أو شبيه بالإلمام، لكن إذا أردت أن تجعل أنوار "الله أكبر" تعمك وتجللك، فنزه طرفك عن النظر إلى غير الله، وشرف فكرك بالفكر في عظمة الله، وبيض وجهك بالصبر على عبادة الله.
أخلص عملك من الشرك بالله، اقرع صباحا ومساءا باب جود الله، ادنُ حتى تسمع وأسمع، حتى تفهم وأفهم، حتى تعقل وأعقل، حتى تشرف وأشرف، حتى تبقى وأبقى، حتى تنعم وأنعم، حتى تسعد وأسعد، حتى ترقى وأرقى، حتى لا تشقى.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا...
التعليقات
زائر
26-12-2020كن أقود دراجة نارية وصار معي حادث كان السيارة من السيارات الكبيرة وقد سقط على الأرض وعجلة الدراجة النارية فوق قدمي وصعد عجلة السيارة الكبيرة فوق عجلة الدراجة النارية وقدمي تحتها وأثناء ذلك كنت اردد الله اكبر والحمد لله بعد أن مرت السيارة الدراجة النارية أصبحت قطعه حديد لا تصلح لشيئ لأنها تكسرت والحمد لله قمت ووقفت وقدمي ليس بها أي شيء