بعض أسباب تخلف المسلمين (2)

ناصر بن محمد الأحمد

2014-11-30 - 1436/02/08
التصنيفات: بناء المجتمع
عناصر الخطبة
1/خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 2/أهمية الأمر بالمعروف ومنزلته 3/بعض الآثار السيئة لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 4/تقليد المسلمين للكفار وتأثرهم بهم 5/اضمحلال شخصية المسلمين في العصر الحديث والواقع المزري لشباب الأمة
اهداف الخطبة

اقتباس

عباد الله: إن مظاهر اللعنة النازلة بالمجتمعات التي لا يتناهى أفرادها عن المنكرات كثيرة؛ منها: اضطراب الأمن، وسيطرة القلق على النفوس، وانتشار الفواحش، وفشو الجرائم، وظهور الأمراض والأوجاع، وتسلط الظلمة على جماهير الناس، يسومونهم سوء العذاب. وكثير من مجتمعات المسلمين اليوم، حتى...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

نكمل معكم -بإذن الله تعالى-، موضوع خطبتنا للأسبوع الماضي، عن أسباب تخلف المسلمين، ونذكركم بالسبب الأول الذي عرضناه آنفاً، وهو: البعد عن الدين، والذي قلنا: أن من أبرز مظاهره: الجهل بالدين.

 

وكان ذلك بعد أن قدمنا بمقدمة تعرضنا فيها لبعض جمل حديث ثوبان -رضي الله تعالى عنه-، قوله عليه الصلاة والسلام: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها" فقال قائل: أو من قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن" فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت".

 

السبب الثاني من أسباب تخلف المسلمين: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال الله -تعالى-: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)[آل عمران: 104].

 

إن صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من الصفات التي تميز أمة الإسلام عن غيرها من الأمم السابقة واللاحقة، ولهذا وردت هذه الصفة في أعقاب نعت تلك الأمة بالخيرية في قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)[آل عمران: 110].

 

وكأن اتصاف المسلمين بهذه المقومات جعلهم خير أمة، وعلى هذا يمكن أن يعود لهم عزهم وسيادتهم، ويزول تخلفهم إذا عادوا إلى التحلي بهذه السجايا، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله.

 

وورد ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وصف المؤمنين في مقابله وصف المنافقين ، فقال تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ)[التوبة: 67 -68].

 

وقال بعد آيتين من السورة نفسها: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 71 -72].

 

أيها المسلمون: إن الإنسان ضعيف؛ كما قال ربنا -جل وعلا-: (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا)[النساء: 28].

 

فقد تزل به القدم وتتخاذل قواه أمام سلطان الشهوة العارم، والشيطان ساع وراء هذا الإنسان الضعيف يطغيه ويفتنه، ويزين له الحرام، ويهون عليه الوقوع في المعاصي: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ)[النساء: 117 - 119].

 

وقال تعالى: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الأعراف: 16 - 17].

 

وهذا الضعف الإنساني إن لم يقم الأخيار بالتذكير بالحق، والوقوف في وجه الانحراف أدى إلى الوقوع في الضلال، ومجانبة السبيل السوي، وكانت عندئذٍ الكارثة.

 

ومن هنا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة التقويم، وأداة صيانة الأمة من السقوط.

 

إن علينا أن نسارع إلى علاج هذا التخلف الرهيب في مستوى الإيمان، ومن أهم وسائل العلاج: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو الدين كله؛ كما جاء في الحديث الصحيح: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدين النصيحة" قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".

 

والشاهد في مطلع الحديث الشريف حيث جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدين هو النصيحة، وبين باقي الحديث عموم النصيحة وشمولها.

 

كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جزءاً من البيعة؛ كما في حديث عبادة بن الصامت الذي رواه البخاري ومسلم، والذي يقول فيه: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم".

 

ولولا أن تكون هذه الخلة الكريمة من دعائم الدين المهمة، لما كانت جزءاً من البيعة، ولما كانت مماثلة للصلاة والزكاة؛ كما في حديث جرير بن عبد الله في صحيح مسلم الذي يقول فيه:  "بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم".

 

أيها المسلمون: إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سبب البلاء يصيب المجتمع كله، ولا يخص المذنبين والعصاة بأعيانهم.

 

ذلك؛ لأن المسؤولية يوم القيامة فردية على الفعل، ولكن البلاء في الدنيا يعم، وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، قال الله -تعالى-: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: 25].

 

وفي حديث عائشة المتفق عليه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم" قالت عائشة: قلت: يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟" قال: "يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم".

 

أيها المسلمون: إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يوجب لعنة الله -عز وجل-؛ كما ذكر ربنا -تبارك وتعالى-: (لعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)[المائدة: 78 - 81].

 

عباد الله: إن مظاهر اللعنة النازلة بالمجتمعات التي لا يتناهى أفرادها عن المنكرات كثيرة؛ منها: اضطراب الأمن، وسيطرة القلق على النفوس، وانتشار الفواحش، وفشو الجرائم، وظهور الأمراض والأوجاع، وتسلط الظلمة على جماهير الناس، يسومونهم سوء العذاب.

 

وكثير من مجتمعات المسلمين اليوم، حتى لا يكاد يخلو منه بلد، إلا وظهرت وبرزت هذه المظاهر التي ذكرتها.

 

إن كثيراً من مجتمعات المسلمين اليوم ظهرت فيها المنكرات، واستعلنت فيها الآثام، وقل فيها الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر، فكأن واقعها واقعاً مؤلماً -وإنا لله وإنا إليه راجعون-.

 

إذا كنا نتطلع اليوم إلى نهضة إسلامية، وصحوة إيمانية، ويقظة فكرية، فما أجدرنا بأن نحيي هذه السنة الكريمة، فيكون التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر شعارنا.

 

وإمكانيات النجاح متوافرة اليوم، وربما لا تكون كذلك غداً، والعاقل من يغتنم الفرصة قبل فواتها.

 

إننا مطالبون للقيام بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن نزداد علماً بحقائق هذا الدين وأحكامه، وأن يكون منا تصميم صادق لإعلاء كلمته وخدمة حملته، وإخلاص النية في ذلك، وعمل دائب لإحياء طريقته، واختيار أحسن السبل والوسائل في إبلاغ الناس ودعوتهم.

 

يجب أن ينبه المسلمون إلى مواطن الخطر في حياتهم، وإلى نقاط الضعف، وأن يذكر الغافل، وينصح العاصي، ويكافأ المحسن.

 

يجب أن يكون المسلمون بعضهم لبعض نصحة، لا يجوز أن نرى الشهوات والأهواء تغتال أبناءنا أمام أعينا، ثم لا نحس بمسؤوليتنا نحوهم، يجب أن يكشف الدجل وأن تنزع الأقنعة، وأن نسلك إلى التوعية الطريق الأقوم.

 

إن مهمة المسلم: أن يستجيب لله، وأن يحيا الحياة الإسلامية التي أراد الله له أن يحياها، ولن تحياها إلا في وسط إسلامي يطبق الإسلام، ولا يكون ذلك إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

يا أخي: إذا رأيت مسلماً يرتكب مخالفة شرعية، فعليك أن تنبهه إلى هذه المخالفة بالأسلوب الحسن.

 

إننا لو فعلنا ذلك، نباعد بين مجتمعنا وبين حلول لعنة الله، وإننا بذلك أيضاً نأخذ العبرة من قصة كفار بني إسرائيل الذين كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.

 

وإذا أصبح التناهي عن المنكرات سجية لأفراد الأمة، كان ذلك ضغطاً اجتماعياً على العصاة المنحرفين، إذ سيواجه العاصي بالإنكار من كل إنسان يلقاه فهو عندئذٍ سيترك المنكر ليتخلص من انتقاد المنتقدين، وسؤال السائلين، ونصح الناصحين، لأضرب لذلك مثلاً: لو أن إنساناً جاهر بمعصية ومشى في الطريق في مجتمع إسلامي يلتزم أفراده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فسيستوقفه أول إنسان يمر به، وينكر عليه اقترافه للمعصية، وينبهه إلى أن هذا لا يليق بالمسلم، ويجري بينهما حوار، ثم يمضي كل في سبيله، فيلقاه آخر وينكر عليه ما يراه من تلبس بهذه المعصية، ثم يلقاه ثالث ورابع وعاشر يسمع منهم إنكار المنكر على أساليب مختلفة تتفاوت فيما بينها تبعاً لمستوى كل واحد منهم ومزاجه وطريقة تعامله مع الناس؛ إنه ليتخلص من هذا الضغط ، فسيترك المنكر.

 

إن مجتمعاً يتصف أفراده بهذه الصفة تصبح فيه المعاصي كلها منكرة مجهولة لا يعرفها أحد، بينما تكون الطاعات كلها معروفة لا يجهلها أحد.

 

ونجد ما يشبه هذا في بعض الدول إذا خالف إنسان قواعد المرور والنظافة، قابله من يراه من الناس بالاستنكار والاستهجان، وأطلقوا منبهات سياراتهم احتجاجاً عليه، ورفعوا أصواتهم سخطاً لفعله.

 

أيها المسلمون: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يردّ على الأمة معالم من أصالتها، ومقومات من مقوماتها، وعندئذٍ تعود إلى سالف مجدها وتعود من جديد إلى حمى الإسلام، فلا يُصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ألا وهو: الدين.

 

بارك الله ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

السبب الثالث من أسباب تخلف المسلمين:  التأثر بالكفار، في التشريع والاعتقاد والمجتمع.

 

لقد حلت القوانين الأجنبية محل الشريعة في كثير من بلاد المسلمين، وغزتنا من ديار الكفر مبادئ اعتقادية ملحدة، قائمة على المغالطة والتدخل، صورت أنه لا خلاص لنا من هذه الويلات والمآسي، إلا بالتخلص من الدين وآثاره، وقالت: إن لكم بأوربا أسوة! فهي لم تتقدم إلا بعد أن تركت دينها وراء ظهرها!.

 

لقد انتشرت هذه المبادئ الهدامة -مع الأسف الشديد- لأول مرة في أبناء المسلمين، وتبنوها وقاتلوا من أجلها، وأقاموا عليها تجمعات سياسية، استطاعت بمعونة من الكفار، وبغفلة من المسلمين أن تستولي على مقاليد الأمور الفكرية، والإدارية والتشريعية، والإعلامية والسياسية في كثير من بلاد المسلمين.

 

وكذلك فقد تأثر المسلمون بالكفار، في الحياة الاجتماعية، من حيث سفور المرأة وتبرجها، واختلاطها بالرجال، وفشو المنكرات من خمر وربا وزنا وفواحش، وما إلى ذلك.

 

من كان يتصور أن أراضي المسلمين التي بقيت يُحكم بها بكتاب الله -عز وجل- قروناً طويلة، يأتي اليوم الذي يستباح فيها ما حرمه الله، بل وأنظمتها الآن، تساند وتدعو إلى الحرام، وتحمي سياساتها بيوت الزنا والربا والخمور، من خلال قوانين سنتها لذلك -نعوذ بالله من الخزي والعار والذل والهوان- ثم بعد ذلك نتساءل عن سبب تخلف المسلمين، ولماذا تسلط عليهم أعداءهم؟.

 

السبب الرابع من أسباب تخلف المسلمين: اضمحلال الشخصية المسلمة:

 

لقد مرت بأمتنا الإسلامية، نكبات عظمى وكوارث سود، ولكن الشخصية الإسلامية ظلت تقوم من وراء هاتيك الكوارث والنكبات والعواصف العاتية على قدميها، تنهض بالأمة، وتدفع بها إلى جادة السلامة.

 

لقد كانت تقوم على أنقاض الواقع المؤلم، وتعمل على استئناف الحياة الإسلامية الكريمة، وهناك مثل من أعظم الأمثلة على حيوية الشخصية المسلمة وأثرها الفعال.

 

سقطت بغداد سنة 656هـ، على يد هولاكو، وعاث التتار فساداً وإفساداً في ربوعها، ونكلوا بالعلماء، وهتكوا أعراض المسلمين والمسلمات، وألقوا بألوف الكتب والمخطوطات الإسلامية في نهر دجلة، وخربوا البلاد، وظلموا العباد، وفعلوا الأفاعيل.

 

ولكن الشخصية المسلمة بقيت على ما هي عليه، رغم ما فُعل بها ما فعل، ولم تضمحل واستطاعت أن تنتصر على هؤلاء الأعداء في عين جالوت سنة 658هـ، أي بعد سنتين.

 

كذلك كان الأمر في الماضي.

 

أما اليوم، فإننا لا نكاد نرى الفرق جلياً بين أكثر المسلمين والكفار بشتى مللهم ونحلهم، ليس هناك من الفروق في كثير من الحالات، إلا في الموقع الجغرافي، والانتماء الطائفي، وإلا في الأسماء، وحتى هذا الفرق الهزيل بدأ يبهت لونه على مر الأيام.

 

فهناك اتجاه عند بعض الأقليات إلى ترك الأسماء الخاصة بهم التي كانت تميزهم.

 

وهناك من بعض الدول الإسلامية، تمنع ذكر الانتماء إلى الدين في أوقاتها الرسمية.

 

أما الفرق الشكلي، فقد أضحى سمة بين المتقدمين في السن.

 

أما شباب المسلمين، فإنك تشاهد تحلل الشخصية بارزاً فيهم -إلا من رحم الله - عز وجل- منهم-، والتزم بسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وإلا فإنك ترى ذلك في تصفيف شعورهم، وفي كل شهر يخرج لنا قصة معينة، وإذا أردت أن تعرف أن موديل السنة قد تغير في قص الشعر، فإنه أمر سهل، بمجرد نظرة في رؤوس بعض شباب الكورنيش، وتجمعات الأرصفة، تعرف أن الموديل الجديد قد نزل الأسواق.

 

ناهيك عن الملابس الضيقة، والتخنث في المشي، والتختم بالذهب كالنساء، وأمور وأمور يشيب فيها رؤوس الناشئة!.

 

هل هذا حال شباب يريد أن يعيد للأمة عزها، وما زال يتراقص ويتمايل ويتغنى كالإناث؟.

 

أين شبابنا اليوم من شباب أسلافنا؟ كان الواحد قائداً للجيش، يقاتل أعداء الله، ويجاهد في سبيل الله، وهو دون العشرين؟!

 

شباب الأمة في الماضي كان همّ الواحد منهم: متى يكون عالماً وإماماً، مجاهداً لأعداء الله؟ ومتى يُخلص أراضي المسلمين من تسلط الكفار عليه، لو كان هناك تسلط في بعض البقاع؟ إلى غير ذلك من معالي الأمور.

 

وشبابنا اليوم هم الواحد منهم: متى نزل آخر أغنية؟ وما هو رأيك في آخر فيلم؟

 

وبقية الوقت يقضيه في هواية المعاكسات والمغازلات، والشاب العاقل الرزين هو من كان متابعاً للمباريات فقط.

 

فاتقوا الله -أيها المسلمون- اتقوا الله -تعالى- في أولادكم، واتقوا الله -تعالى- في أنفسكم أولاً.

 

فإننا نحن وأبناؤنا من أسباب تخلف المسلمين، لو بقينا على حالنا، ولم نغير واقعنا.

 

اللهم إنا نسألك رحمة تهدي ...

 

اللهم اكشف الغمة عن أمة ...

 

اللهم اهد شباب المسلمين لما فيه صالح العلم والعمل.

 

 

المرفقات
بعض أسباب تخلف المسلمين (2).doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life