عناصر الخطبة
1/ الهاتف المحمول من نعم الله التي تستوجب الشكر 2/ بعض الأحكام المتعلقة بالهاتف 3/ آداب استخدام الهتاف المحمولاهداف الخطبة
اقتباس
من نِعَم الله الكثيرة في هذا الزمن كثرة طُرق التَّواصل مع الناس، ومن ذلك نعمة الهاتف الجوَّال، فالجلُّ معه هاتف يتواصل به مع الناس في كل مكان، ومن أراده تواصل معه في حلِّه وترحاله، وفي هذه الخُطبة أذكر بعض أحكام وآداب الهاتف الجوَّال، فأقول مُستعينًا بالله...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالةٌ.
من نِعَم الله الكثيرة في هذا الزمن كثرة طُرق التَّواصل مع الناس، ومن ذلك نعمة الهاتف الجوَّال، فالجلُّ معه هاتف يتواصل به مع الناس في كل مكان، ومن أراده تواصل معه في حلِّه وترحاله، وفي هذه الخُطبة أذكر بعض أحكام وآداب الهاتف الجوَّال، فأقول مُستعينًا بالله، سائله التسديد في القول:
الأصل في هذه الوسيلة الحلال، فهي داخلة في عموم امتنان ربنا -تبارك وتعالى- علينا بقوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) [البقرة:29].
المتاجرة بأجهزة الهاتف الجوَّال التي قد تُستخدم في المحرَّم؛ لوجود كاميرا أو بلوتوث أو غير ذلك، فالحكم يَحرُم بيعها وإهداؤها، إذا كان يغلب على الظنِّ أنها ستستخدم في المحرَّم؛ لدخولها في عموم نهيه -عزَّ وجلَّ- بقوله: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].
ويعرف ذلك بقول الشخص أو حاله، أمَّا مع الشك، فالأصل الجواز؛ لعموم قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة: 275].
وعن ابن عمر قال: رأى عمر -رضي الله عنه- عُطَارِدًا التميمي -رضي الله عنه- يقيمُ بالسوق حُلَّةً سِيَرَاءَ، وكان رجلاً يغشى الملوك ويصيب منهم، فقال عمر -رضي الله عنه-: يا رسول الله: إنِّي رأيت عُطَارداً يقيم في السوق حُلَّةً سِيَرَاءَ، فلو اشتريتها فلبستها لوفود العرب إذا قَدِموا عليك -وأظنَّه قال-: ولبستها يوم الجمعة، فقال له رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "إنَّما يَلبسُ الحرير في الدنيا من لا خَلاقَ له في الآخرة"، فلمَّا كان بعد ذلك أُتِيَ رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بِحُلَلٍ سِيَرَاءَ، فبعث إلى عمر -رضي الله عنه- بحُلَّةٍ وبعث إلى أسامة بن زيد -رضي الله عنه– بحُلَّة، وأعطى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حُلَّة، وقال: شَقِّقْها خُمُرًا بين نسائك، قال: فجاء عمر -رضي الله عنه- بحُلَّته يحملها، فقال: يا رسول الله: بَعثتَ إليّ بهذه، وقد قُلتَ بالأمس في حُلَّة عُطَارد ما قلت، فقال: "إنِّي لم أبْعثُ بها إليك لتلبسها؛ ولكني بعثتُ بها إليك لتصيب بها"، وأمَّا أسامة -رضي الله عنه- فراح في حُلَّته، فنظر إليه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- نظرًا، عرف أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قد أنكر ما صنع، فقال: يا رسول الله: ما تنظر إليّ، فأنت بَعثتَ إليّ بها، فقال: "إنِّي لم أبعث إليك لتلبسها؛ ولكني بعثت بها إليك لتُشَقِّقَها خُمُرًا بين نسائك". رواه البخاري (886) مختصرًا، ومسلم (2068)، واللفظ له.
فأقرَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بيع ثياب الحرير، وأهداها، وقد يلبسها الرجل وهي محرَّمة عليه؛ بل لبسها أسامة -رضي الله عنه- فدلَّ ذلك أنَّ ما يستعمل في المباح والمحرَّم يجوز بيعه وإهداؤه، وغير ذلك من عُقود التبرع؛ ما لم يعلم أنَّ آخذه سيستعمله في محرَّم، فيحرم للآية، ومن أراد الورع وتجنب ذلك فحسن.
الاستماع إلى كلام الناس من غير رضاهم كبيرة من كبائر الذنوب؛ فعَن ابنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رواه البخاري (7042). والآنك: الرصاص المذاب.
ويدخل في هذا الوعيد -والله أعلم- من تَحيَّنَ غفلةَ غيره، وأخذ جهاز هاتفه واطلع على رسائله من غير علمه، وهو يعلم كراهته لذلك، فلنحذر من ذلك، ولنحذر من الاطلاع على سجل المكالمات والرسائل، أو دليل الأسماء، أو غير ذلك مما يكره صاحب الهاتف أن يُطَّلعَ عليه.
فالأصل في خصوصيات الناس حُرمة الاطلاع عليها من غير رضاهم، ولا يجوز الاطلاع عليها من غير رضاهم إلا لمصلحة راجحة.
المساجد تشكو من أصوات الجَوَّالات في سائر الصلوات وقبلها وبعدها، وقد نهى النبيُّ عن التشويش على المصلِّين بالقراءة؛ فعن أبي سعيد الخدري، قال: "اعتكف رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، وهو في قُبَّة له، فكشف الستور، وقال: "ألا كُلُّكم مُناجٍ ربَّه، فلا يؤذِيَنَّ بعضكم بعضًا، ولا يَرفعنَّ بعضكم على بعض في القراءة -أو قال-: في الصلاة". رواه أحمد (11486) وغيره بإسناد صحيح.
فإذا كان رفع الصوت بقراءة القرآن يُنهى عنه إذا كان يُشوِّش على المصلين والتالين، فكيف بمن يشوِّش عليهم بصوت هاتفه؟!
عبادَ الله: يَحرم التشويش على مستمعي الخطبة بالكلام، حتى لو كان أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر؛ لقول النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "إذا قلت لصاحبك: أنصت، يوم الجمعة والإمام يخطب، فقد لَغوت". رواه البخاري (934)، ومسلم (851)، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. فكيف بمن يُزعجُهم بصوت هاتفه؟!
فمن يشوِّش على مستمعي خُطبة الجمعة بصوت هاتفه يُخشى عليه أن يكون تسبَّب في حرمان نفسه من ثواب الجمعة، فلا يُكتب له أجرُ صلاة جمعة، بل يُكتب له أجرُ صلاة الظهر؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: "من اغتسل يوم الجمعة ومسَّ من طيب امرأته إن كان لها، ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخطَّ رقاب الناس، ولم يلغُ عند الموعظة؛ كانت كفارة لما بينهما، ومن لَغا وتخطَّى رقاب الناس، كانت له ظُهرًا". رواه أبو داود (347)، بإسناد حسن، إن شاء الله.
من نسي هاتفه مفتوحًا في المسجد، فعليه أن يَبادر بإغلاقه حينما يسمع صوت الجرس؛ سواء كان في الصلاة أو خارجها، والحركة في الصلاة ليس مَنهيًّا عنها دائمًا، فقد تكون الحركة في الصلاة مُستحبَّة، إذا كان يترتب عليها كمال في الصلاة؛ فعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: "إذا صلَّى أحدُكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحدٌ أن يجتازَ بين يديه، فليدفعه". رواه البخاري (509)، ومسلم (505).
فشرع النبيُّ مدافعةَ المارِّ بين يدي المصلِّي؛ لأنه يَحصل بها كمال الأجر، فالمرور بين يدي المصلِّي يُخلُّ بالصلاة.
صِلةُ الرحم بالهاتف نوع من أنواع الصِّلة، فمن كان له قريبٌ بعيد تجبُ صِلته ويشقُّ عليه زيارته، يصله بالهاتف ويتصل به، ومتى ما تيسرت زيارته زاره، فإذا لم يستطيع أن يصلَه ببدنه، تواصل معه وسأل عن حاله بالهاتف، فاتقوا ما استطعتم.
الخطبة الثانية:
الدعوة إلى الله عبر رسائل الجوَّال بتذكير بمعروف أو نهي عن منكر، أو الحَثِّ على فضيلة، أو دعوة لحضور درس، أو تشييع جنازة، أو غير ذلك من أبواب الخير، فمن فعل ذلك، فهو من الدُّعاة إلى الهدى، وله مثل أجور من اتَّبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "من دعا إلى هُدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا". رواه مسلم (2674). فعمل يسير ومَبلغ زهيد مقابل أجور عظيمة: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الجمعة:4].
قارنوا هؤلاء الدعاة إلى الخير بمن اتخذ جوَّاله مِعْوَل هَدْم للأخلاق، فتجده يتبادل الأصوات والصور والمناظر المحرَّمة، فلم يكتفِ بتحمُّل وزر نفسه، بل حمَّل نفسه أضعاف هذا الوزر ممن أرسل لهم هذه الرسائل أو المقاطع المحرَّمة، فمن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا.
أخي محبَّ الخير: يجب التثبت فيما يتناقله الناس، فالبعض يريد الخير لكنه لا يوفَّق له، فإذا تأكَّد المرسل أن محتوى الرسالة خير، فليرسلها، وإن لم يتأكد، يجب عليه التَّثبت فيما ينسبه لربِّه -عز وجل- أو لرسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أو فيما ينسب للناس، فكم من إشاعة مُغْرِضة تناقلها الناس، فأضرَّت ضررًا عامًّا أو خاصًّا!
معاشر الإخوة: من حين ظهور الجوَّال والتوجيه من خلال الكلام أو الملصقات التوجيهية التي تدعو إلى إغلاق الجوال في المساجد؛ لكن الاستجابة ضعيفة، فأقْترح أن يُضبطَ جرس الهاتف على وضع رنة واحدة فقط متوسطة الصوت، وفي هذه الحال لو رنَّ في المسجد لن يتأذَّى به أحدٌ، بل ربمَّا لا يسمعه إلا من بجوارك، فلعلَّ إخوتي ينتفعون بهذا الاقتراح.
أخي: قُمْ بمناصحة من بجوارك ممن يشوِّش على المصلِّين بصوت جواله، فالمناصحة الفردية أبلغ من المناصحة العامَّة، وفي بعض الأحيان يكون صاحب الهاتف أعجميًّا، فيحتاج أسلوبًا خاصًّا في التوجيه.
بعض الدجالين يتصلُ من الخارج وربما ضرب الجرس ثم أغلق الخط، ثم يزعمُ أنه عرف رقم هاتف المتصل به عن طريق الرؤيا، أو غير ذلك من المزاعم، ويقول كذبًا وزورًا للمتصل بأنه مَسحور وأنه اتَّصل لمساعدته، ثم يتدرج به لطلب المال، فلننتبه لهؤلاء الأفَّاكين.
يا من اتخذ هذا الهاتف لإزعاج الآخرين، ومحاولة التسبب في نَكَدِ البيوت واصطياد ضعاف العقول والإيمان: ألا تتقي الله في نفسك، هل أصبح الله أهون الناظرين إليك؟! فبمجرد أنك تملك شريحة مُسبقة الدفع، تظنُّ أنك لن تُكشفَ ولن تتعرضَ للعقوبة! هبْ أنك لم تُعرف، أليس الله يَعرفك ويراك؟! هَبْ أنك أفلتَّ من العقوبة الدنيوية، هل نسيت العقوبة الأخروية؟! بل ألا تخشى العقوبة الدنيوية في أهلك ولو بعد حين، فيسلِّط الله على أهلك من لا دين له ولا خَلاق ممن هو على شاكلتك؛ فعن ابن عمر قال: صعد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه: لا تؤذوا المسلمين ولا تعيِّروهم ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رَحْلِه". رواه الترمذي، بإسناد حسن.
البعض يدفع أموالاً كثيرة؛ لتسديد فاتورة جوَّاله نتيجة مكالمات لا طائل منها، مع ضِيقِ ذات اليد أحيانًا، وربما عَجَز عن السداد، ففصل هاتفه ثم استبدله بشريحة مُسبقة الدفع، فالأصل أن الهاتف للحاجة وليس لتقضية الوقت أو السمر، فليكتفِ بالمكالمات التي يحتاج إليها، وإن تجاوز الأمر الحاجة دخل في الإسراف المحرم.
إخوتي: لنحذر من تناقل صور النساء عبر الهاتف، فربما أرسلت الصديقة صورتها إلى صديقتها عبر هاتفها، فحصل عليها شخص لا خَلاقَ له، فأساء إليها، وربما غرَّر بالفتاة فاجر، وطلب صورتها بحُجَّة أنه يريد خِطبتها، فإذا حصل عليها جعلها وسيلة ضغط؛ لتحقيق مآربه الدنيَّة، فلنحذر من هذا التصرف الخاطئ.
التعليقات