عناصر الخطبة
1/فرضية الحج ووجوبه على المستطيع 2/المبادرة بالحج والحذر من تأخيره 3/وجوب الحج على المستطيع مرة واحدة في العمر 4/التحذير الشديد من تأخير الحج بدون عذر 5/نصائح وتوجيهات للحجاجاقتباس
عِبَادَ اللهِ: عَجِيبٌ حَالُ مَنْ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَدَاءِ فَرِيضَةِ الحَجِّ حَوَائِلُ وَمَا هِيَ بِحَوَائِلَ، وَمَنَعَتْهُمْ مَوَانِعُ وَمَا هِيَ بِمَوَانِعَ، إِنْ هُوَ إِلاَّ تَزْيِينُ الشَّيْطَانِ، وَتَسْوِيفُ الإِنْسَانِ! تَجَاوَزَ إخْوَانٌ لَ6نَا الثَّلاثِينَ وَالأَرْبَعِينَ وَلازَالُوا يُسوِّفُونَ وَيتَحجَّجُونَ بِأَعْذَارٍ وَاهِيَةٍ! فَمَا دُمْتَ مُسْتَطِيعَاً فَأَدِّ مَا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيكَ, فأَنتَ تُؤَخِّرُ الحجَّ عاماً بعد عامٍ ولا تَدْري ما...
الخطبة الأولى:
الحَمْدُ للهِ جَعَلَ البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا، شَرَعَ الحَجَّ إِلَيْهِ فَرْضًا وَنَفْلاً، أَمَّنَ قَاصِدِيهِ، وَحَرَّمَ الإِلْحَادَ فِيهِ، أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ أَسَّسَ بَيْتَهُ عَلَى التَّوْحِيدِ، فَوَفَدَ المُؤْمِنُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ بَلَّغَ دِينَ اللهِ -تَعَالى-، وَخَطَبَ قَائِلاً: "أيُّهَا النَّاسُ: قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا" صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ، وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ؛ فَقَدْ شَرَعَ الحَجَّ لِصَلاَحِ قُلُوبِنَا، وَزَكَاةِ نُفُوسِنَا، وَاسْتِقَامَةِ دِينِنَا؛ قَالَ اللهُ -تَعَالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[البقرة: 197].
أَيُّهَا النَّاسُ: الحَجُ فَرْضٌ عَلَى الأَنَامِ، فَاللهُ -تَعَالى- هُو القَائِلُ: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 97]، فَ "اللاَّمُ" فِي قَوْلِهِ: (وَللهِ) لاَمُ ِإيجَابٍ وَإلْزَامٍ، ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: (عَلَى) الَّتِي مِنْ أَوْكَدِ أَلْفَاظِ الوُجُوبِ، فَذَكَرَ اللهُ -تَعَالى- الحَجَّ بِأَبْلَغِ أَلْفَاظِ الوُجُوبِ؛ تَأْكِيدًا لِحَقِّهِ، وَتَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ، قَالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ -رحِمَهُ اللهُ-: ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِأَعْظَمَ التَّهْدِيدِ بِالكُفْرِ فَقَالَ: (وَمَنْ كَفَرَ) أَي: لِعَدَمِ التِزَامِهِ بِهَذا الوَاجِبِ وَتَرَكَهُ, ثُمَّ عَظَّمَهُ وَأَخْبَرَ أنَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ، لا حَاجَةَ بِهِ إلى حَجِّ أَحَدٍ، فَلَهُ الغِنَى الكَامِلُ التَّامُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ اعْتِبَارٍ، فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلاً على عِظَمِ مَقْتِهِ لِتَارِكِ حَقَّهُ الذي أَوْجَبَهُ عَلَيهِ.
عِبَادَ اللهِ: الحَجُّ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلاَمِ فَرَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ"؛ لِذَا تَشَوَّفَ المُسْلِمُونَ لِلْحَجِّ مِنْ مُخْتَلَفِ الأَقْطَارِ وَالأَجْنَاسِ، فَجَاءوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ, وَفي مَشْهَدٍ مَهِيبٍ وَرَهِيبٍ!
عِبَادَ اللهِ: عَجِيبٌ حَالُ مَنْ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَدَاءِ فَرِيضَةِ الحَجِّ حَوَائِلُ وَمَا هِيَ بِحَوَائِلَ، وَمَنَعَتْهُمْ مَوَانِعُ وَمَا هِيَ بِمَوَانِعَ، إِنْ هُوَ إِلاَّ تَزْيِينُ الشَّيْطَانِ، وَتَسْوِيفُ الإِنْسَانِ! تَجَاوَزَ إخْوَانٌ لَنَا الثَّلاثِينَ وَالأَرْبَعِينَ وَلازَالُوا يُسوِّفُونَ وَيتَحجَّجُونَ بِأَعْذَارٍ وَاهِيَةٍ! فَمَا دُمْتَ مُسْتَطِيعَاً فَأَدِّ مَا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيكَ, فأَنتَ تُؤَخِّرُ الحجَّ عاماً بعد عامٍ ولا تَدْري ما يَعرِضُ لكَ يقولُ نبيُّنا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: "تَعَجَّلُوا إلى الحجِّ يعني الفريضةَ فإنَّ أحدَكم لا يَدْري ما يَعرضُ له" كَيْفَ تَمُرُّ عَلَيكَ آيَاتُ وُجُوبِ الحَجِّ ولا تُحَرِّكُ فِيكَ سَاكِنَاً؟ بَلْ كَيفَ تَهْنَأُ بِنَوْمِكَ وَلَمَّا تَقْضِ فَرْضَكَ وَلَا عُذْرَ لَكَ؟! بِمَ تُجِيبُ رَبَّكَ حِينَ أَخَّرْتَ فَرْضَهُ، وَقَدَّمْتُ عَلَيْهِ غَيْرَهُ؟!
أيُّها المُؤمِنُونَ: مَنْ تَهَيَّأَتْ لَهُ فُرْصَةُ أَدَاءِ فَرْضِ الحَجِّ فَفَوَّتَهَا فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ فِي دِينِهِ.
عِبَادَ اللهِ: مِنْ رَحمةِ الله بِنَا: أنَّ الحجَّ مرَّةً وَاحِدَةً في العُمُرِ, خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أصحابَهُ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ فَحُجُّوا" فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا فَقَالَ: "لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ".
سُئل الشَّيخُ ابنُ العُثيمِينَ -رَحِمَه اللهُ-: هل وجوبُ الحجِّ على الفَورِ أَمْ على التَّرَاخِي؟ فقالَ: "الصَّحيحُ أنَّه واجبٌ على الفَورِ وأنَّه لا يجوزُ للإنسانِ الذي استَطَاعَ أنْ يؤخِّرَهُ" انتهى.
أتَدْرُونَ -يَا كِرامُ- لِما أَقُولُ هذا الكَلامِ وَأُأكِّدُ عليهِ في وقتٍ مُبَكِّرٍ عَنْ مَوسِمِ الحجِّ؟ لأنَّ يَومَ الخَمِيسِ القادِمِ هُوَ الأوَّلُ مِن شَهْرِ ذي القَعْدَةِ وَهُو مَوعِدُ بِدءِ التَّسجِلِ في مَوقِعِ وَزَارَةِ الحجِّ وَفي الغَالبِ يَمتَلئُ المَوقِعُ خلالَ سَاعاتٍ قَلِيلَةٍ ثُمَّ تَفُوتُ الفُرْصَةُ! خَاصَّةً فِي الحجِّ الاقْتِصَادِيِّ المُخفَّضِ, فَمَنْ كانَ عَازِمَاً على الحجِّ فليبادِرْ بالتَّوجُّهِ للحمَلاتِ أو لِيتَدَرَّبْ على مَوقِعِ الوَزَارَةِ فالأمْرُ ليسَ بالهَيِّنِ!
إخْوانِي: كَمْ مِنْ مُسَوِّفٍ لِلْحَجِّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ أَضْحَى عَاجِزًا فَقَطَّعَ النَّدَمُ قَلْبَهُ، إِمَّا بفَقَدِ مَالِهِ، أَوْ فَقَدِ صِحَّةٍ وَقُوَّةٍ، وَصَدَقَ رَسُولُ اللهِ -صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حينَ قَالَ: "مَنْ أَرَادَ الحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الرَّاحِلَةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).
سُبْحَانَ اللهِ: أتَعْجَزُ أنْ تُكَمِّلَ خَامِسَ أرْكَانَ دِينِكَ؟ ألا تُريدُ الجَنَّةَ؟ سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الأعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ".
فاللهمَّ أعنَّا على أنفُسِنَا والشَّيطانِ, اللهمَّ يَسِّرْنا للهُدى وَيَسِّرِ الهُدى لَنا.
أقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وأستغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسلمِينَ منْ كُلِّ ذَنَّبٍ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ حَقَّ حَمْدِه، أَشْهَدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ تَعظيمَاً لِمجدِهِ، وَأشْهَدُ أَنَّ مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أزكَى الأَنَامِ, وَأَفضَلُ مَنْ حجَّ البَيتَ الحَرَامَ، صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبَارَكَ عليه وعلى آلِهِ وصحبِه ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمَانٍ على الدَّوامِ.
أمَّا بعدُ. فيا عباد اللهِ: التزموا تقوى اللهِ -تعالى-, فمن أعظَمِ مَقَاصِدِ الحجِّ: أنَّهُ يُرَبِّي النَّاسَ على تَقوَى اللهِ وَطَاعَتِهِ, فالسَّعيدُ مَنْ بَادَرَ وَلَبَّي، والشَّقِيُّ مَنْ سَوَّفَ وَأَبَى.
أيَّها الكرامُ: بِحمدِ اللهِ -تعالى- مَلايينُ المُسلمينَ من مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغارِبِها، يَشُدُّونَ الرِّحَالَ بعْدَ أيَّامٍ إلى البَيتِ الحرامِ, لأنَّهُ أَفضَلُ بِقاعِ الأَرضِ على الإِطلاقِ قالَ عنها نَبيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "والله إنَّكِ لَخَيرُ أرضِ الله، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إلى اللهِ" فَأينَ مَنْ كَانَ مُسْتَطِيعًا لِلحَجِّ وَأَخَّرَهُ؟ فَهُوَ واللهِ آثِمٌ, وَكُلُّ سَنَةٍ يَتَأَخَّرُّ فِيها فَإنَّهُ يَزْدَادُ إثْمَاً! ثَبَتَ عَن عُمَرَ -رَضِي اللهُ عَنْه- أَنَّهُ قَالَ: "لِيَمُتْ يَهُودِيَّاً أَو نَصْرَانِيَّاً، رَجُلٌ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ وَجَدَ لِذَلِكَ سَعَةً وَخَلَّيتُ سَبِيلَهُ".
بَلْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "قَالَ اللَّهُ: إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ يَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ" فَمَا عَسَانَا أنْ نَقُولَ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ الفَرِيضَةَ إلى الآنَ؟ هَذا مَعَ تَيَسُّرِ السُّبُلِ, وَقِصَرِ المُدَّةِ.
عِبَادَ اللهِ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنَ الحَجِّ مَعْصِيَةٌ قَدْ أَصَرَّ عَلَيْهَا، فَيَقُولُ: لاَ أَحُجُّ حَتَّى أَتُوبَ مِنْهَا، فَاحْذَرْ أنْ تَجَمَعَ بَيْنَ مَعْصِيَتَيْنِ: تَرْكِ الحَجِّ وَالذَّنْبِ الَّذِي أَخَّرَكَ، فَمَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى مَعْصِيَةٍ فَلْيَتُبْ مِنْهَا، فَإِنْ غَلَبَهُ الشَّيْطَانُ فَلاَ يَتْرُكِ الحَجَّ لِأَجْلِهَا فَلَعَلَّ حَجَّهُ يَهْدِمُهَا فِي قَلْبِهِ، فَيَعُودُ مِنْ حَجِّهِ بِتَوْبَةٍ وَحَجٍّ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُؤَخِّرُ الحَجَّ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ، فَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ أَوْ دَيْنُ تَقْسِيطٍ، لَمْ يَحُلْ أَجَلُ سَدَادِهِ، فَهَذَا الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الحَجَّ؛ وَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّلَ بِهِ!
أحِبَّتي في اللهِ: نِدَاءٌ لِمَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَليهمْ بِالمَالِ, فَمَا تُنْفِقُوهُ تَجِدُوهُ خَيْرَاً وَأبْقَى, فَلَكُمْ إخْوانٌ مُشْتَاقُونَ لِحَجِّ بَيتِ اللهِ الحَرَامِ, فَسَاعِدُوهُمْ مِنْ صَدَقَاتِكُمْ لا مِنْ زَكَواتِكُمْ: "فَالدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ" كَمَا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا" فَأنْتَ بِإعانَتِكَ لِلحَاجِّ كَأنَّكَ حَجَجْتَ مِثْلَهُمْ.
أيُّها المُؤمِنُونَ: الحَجُّ وَاجِبٌ عَلى الفَورِ لا يَجُوزُ لِلمُسْتَطِيعِ أنْ يؤخِّرَهُ رَجَالاً وَنِسَاءً! أقُولُ هَذَا الكَلامَ وَأُكَرِّرُهُ, لأنَّ المُتَأَمِّلَ لِحَالِ إخوانٍ لَنا تَجَاوَزُ الثَّلاثِينَ وَالأَرْبَعِينَ لا زَالُوا يُسوِّفونَ وَيُؤجِّلُونَ وَيتَحجَّجُونَ بِأَعْذَارٍ وَاهِيَةٍ! ذَكَرْتُ ذَلِكَ في وَقْتٍ مُبَكِّرٍ؛ لأنَّ يَومَ الخَمِيسِ القادِمِ هُوَ الأوَّلُ مِن شَهْرِ ذي القَعْدَةِ وَهُو مَوعِدُ التَّسجِيلِ في مَوقِعِ الوَزَارَةِ فَمَنْ لَمِ يَعرِفِ الطَّرِيقَةَ وَلَمْ يُبادِرْ فَقَدْ تَفُوتُهُ الفُرصَةُ هذا العَامُ! فَتَعَرَّفُوا وَبَادِروا, وَسَجِّلوا, ولا تَستَخْسِروا مَا تَدفَعُونَ فَقد يَسَّرَ اللهُ علينا أكثَرَ مِن غيرنا! فَنحنُ بِحمْدِ اللهِ بِأَمْنٍ وَغِنَى, وَقُربٍ وَتَسهِيلاتٍ, وَغيرُنا يَقُدُمُ مِنْ شَتَّى البِلادِ, وَرُبَّمَا يَدْفَعُ كُلَّ مَا يَملِكُ؟ فَبادِر بِأَدَاءِ ما افتَرَضَ اللهُ عليكَ, وَقُمْ بأَخذِ التَّصاريح اللازمةِ, والاحتياطاتِ الصحيِّةِ المَطلوبةِ, وكن مع رِفْقَةٍ صَالِحَةٍ, واختَرْ من المَالِ أطيَبهُ, فإنَّ اللهَ طيبٌ لا يقبلُ إلا طَيِّبِاً,
وَمِن الإحْسَانِ لأولادِكَ: أنْ تُسَاعِدَهُمْ فِي أَدَاءِ فَرضِ اللهِ عليهِمْ, وَلا يَجِبُ عليكَ ذَلِكَ إنَّما إحْسَانٌ وَفَضْلٌ وَتَكَرُّمٌ مِنكَ عَليهِمْ.
فاللهم تقبَل منا إنكَ أنت السميع العليم وتب علينا إنكَ أنت التوابُ الرحيمُ.
اللهم أعنا على أداءِ الأمانَةِ, وحقِّ الرعاية.
اللهمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُورِنَا والقَائِمينَ على حَجِّ بَيتِكَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى, وَاجْعَلْهُمْ رَحْمَةً على النَّاسِ, وَاجْعَلْهُمْ مَفَاتِيحَ خَيرٍ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
اللهم اغْفِر لَنَا وَلِوَالِدِينَا والمًسلِمِينَ أجْمَعِينَ.
اللهمَّ اهدِنَا وَيَسِّرِ الهُدَى لَنَا, وَأعِنَّا على أدَاءِ فَرَائِضِكَ وَحَجِّ بَيتِكَ الحَرَامَ.
اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ, ودَمِّرْ أعداءَ الدينِ.
اللهمَّ من أرادَنا وَدِينَنا وَأَمْنَنَا بِسوءٍ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ، وَاجعَل كَيدَهُ فِي نَحْرِهِ.
اللهمَّ أدم على المُسْلِمينَ الأَمنَ والاستقرَارَ، وزِدْهم هُدىً وتَوفيقاً.
اللهمَّ إنا نعوذُ بك من الفتنِ ما ظَهَر منها وَمَا بَطَنَ.
اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطَّاعةِ، ويُذلُّ فيه أهلُ المعصيةِ، ويؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ربَّ العالمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
التعليقات