عناصر الخطبة
1/ ظاهرتي الكسوف والخسوف وتخويف الله لعباده 2/ الواجب على العباد تجاه ظاهرتي الكسوف والخسوف 3/ حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته.اقتباس
ووجب على العباد وهم يرون هذه الآيات تترأ في زمانهم حينا بعد حين أن يعودوا إلى الله بتوبة نصوح وعمل صالح ونية خالصة، مع العزم على اصلاح الأوضاع ورد المظالم وصفاء القلوب وتوحيد الكلمة وصيانة الدماء والأعراض، وتوجيه الطاقات والقدرات لتعمير الأرض ونشر الإسلام وإرساء العدل وتربية النفوس على القيم العظيمة، واللجوء إلى الله والتضرع بين يديه، وتذكر الآخرة والاستعداد لها...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب: 70 و71]، أما بعد:
عباد الله: الشمس والقمر آيتان من آيات الله العظيمة الدالة على كمال قدرته وعظيم خلقه سبحانه وتعالى؛ ولذا نجد أن الله يذكرهما دائما في كتابه العزيز عند ذكر الآيات العظيمة الدالة على أنه الإله الحق المتفرد بالخلق، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [فصلت: 37].
ولما حاج إبراهيم -عليه السلام- النمرود ذكر له من خصائص الله التي لا ينازعه فيها أحد تسيير الشمس وتحريكها، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 258].
وإن اختلال نظام هاتين الآيتين من الدلائل العظيمة على قرب القيامة ونهاية هذا العالم؛ فطلوع الشمس من المغرب من علامات الساعة الكبرى التي لا ينفع بعدها صلاح أو عمل، كما صح بذلك الخبر عن رسول الله، كما أن ذهاب الشمس والقمر دليل على قيام الساعة، قال تعالى: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ)[القيامة: 7-10].
قال السعدي -رحمه الله-: "وَخَسَفَ الْقَمَرُ ذهب نوره وسلطانه، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وهما لم يجتمعا منذ خلقها الله تعالى، فيجمع الله بينهما يوم القيامة، ويخسف القمر، وتكور الشمس، ويقذفان في النار؛ ليرى العباد أنهما عبدان مسخران، وليرى من عبدهما أنهم كانوا كاذبين".
ومن الظواهر التي كثرت في هذا الزمان ظاهرتي الكسوف والخسوف، ولا تنكسفان لموت أحد أو حياته، وإنما هما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده حين تكثر الفتن والمعاصي والاعراض عن ما جاء بالله في كتابه أو جاء به رسول الله -صل الله عليه وسلم- في سنته، ليعودوا إلى الله، وليذكروا حقيقة الحياة الدنيا والآخرة، وفي ذلك زجر وعظة وتخويف، قال -صلى الله عليه وسلم-بقوله: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وإنما يخوف الله بهما عباده" (حديث صحيح).
لذا فكل الظواهر الطبيعية من زلازل وبراكين وفيضانات وشهب ونيازك وكسوف الشمس و خسوف القمر تتعدى مفهوم الظاهرة الطبيعية عند المسلمين، لتصبح آية من آيات الله سبحانه وتعالى ينذر بهما عباده؛ فيسارعون إلى التوبة خوفا من عذاب أليم، ورجاء في رحمة الله ومغفرته ونيل رضوانه، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن الله إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه وعصوا رسله، وإنما يخاف الناس مما يضرهم، فلولا إمكان حصول الضرر بالناس عند الخسوف ما كان ذلك تخويفًا، قال تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59].
أيها المسلمون: ومما يدل على أن ظاهرتي الكسوف والخسوف فيهما تخويف وتذكير للعباد ما عُرض للنبي -صلى الله عليه وسلم-في مقامه بصلاة الكسوف مِن أمور الآخرة ما يزيد المؤمن مِن ربه خوفًا ورهبًا، ورجاء فيما عنده وطعمًا، وحبًا له وإجلالًا وتعظيمًا، ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- تصديقًا وتسليمًا وانقيادًا، ومِن ذلك:
أولًا: أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى الجنة والنار، حيث صحَّ أن الصحابة – رضي الله عنهم – قالوا: "يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَفَفْتَ، فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ".
ثانيًا: أنه النبي-صلى الله عليه وسلم- رأي بعض الناس يُعذَّبون في النار، حيث صحَّ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلَاتِي هَذِهِ، لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ، مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ: إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، وَرَأَيْتُ أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ".
ثالثًا: أنه أوحي إليه -صلى الله عليه وسلم- بفتنة الناس في قبورهم، حيث صحَّ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ مِثْلَ – أَوْ قَرِيبَ مِنْ – فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ أَوِ المُوقِنُ فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا، وَأَمَّا المُنَافِقُ أَوِ المُرْتَابُ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ".
معاشر المسلمين: كم مِن الآيات المُفزعات، والعظات الزَّاجرات، والعِبر المتتابعات، والمنذرات المتعاقبات، تمُرُّ علينا في هذا الكون المترامي الأطراف من أرض وسماوات، لا يَخاف عندها قلب، ولا تدمع لها عين، ولا يحصل حينها توبة، ولا معها وبعدها إكثار مِن طاعة، وإقلاع عن معصية، وقد حذَّرَنا ربنا -جلَّ وعلا- أن نكون كالكافرين في الإعراض عن آياته الحادثة والمشاهدة، فقال -سبحانه-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [يوسف:105-107].
والوجب على العباد وهم يرون هذه الآيات تترأ في زمانهم حينا بعد حين أن يهرعوا إلى الصلاة في مساجدهم وفي بيوتهم، ومن ذلك أن يعودوا إلى الله بتوبة نصوح وعمل صالح ونية خالصة، مع العزم على اصلاح الأوضاع ورد المظالم وصفاء القلوب وتوحيد الكلمة وصيانة الدماء والأعراض، وتوجيه الطاقات والقدرات لتعمير الأرض ونشر الإسلام وإرساء العدل وتربية النفوس على القيم العظيمة، وإن من الوجبات على العباد واللجوء إلى الله والتضرع بين يديه، وتذكر الآخرة والاستعداد لها؛ لذلك لما كسفت الشمس في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فزع وفزع معه المسلمون فزعاً شديداً، وخرج عليه الصلاة والسلام مسرعاً إلى المصلى حتى أن رداءه سقط من عليه ولم يشعر به من شدة فزعه وخوفه وهول تلك الآية العظيمة، وعندما وصل المصلى نادى مناد بالناس (الصلاة جامعة)؛ فاجتمع الناس رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً؛ فصلى بهم، والناس يصرخون ويبكون خوفاً من الله -تعالى-.
ومن ذلك كثرة الدعاء والابتهال إلى الله، وكثرة الذكر من تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل واستغفار وغيرها من الأذكار، ثبت في الصحيحين وغيرهما من عدة طرق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، وإنهما لا يكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا وادعوا الله حتى يكشف ما بكم"، وفي حديث آخر عند البخاري: "هذه الآيات التي يرسلها الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى ودعائه واستغفاره». وفي حديث آخر: «فافزعوا إلى الصلاة".
ومن هذه الواجبات، الصدقة والانفاق في سبيل الله فقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا"؛ فإنّ للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم بل من كافر، فإن الله يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه".
وقد دل النقل والعقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى الله رب العالمين، وطلب مرضاته، والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر، فما استجلبت نعم الله تعالى واستدفعت نقمه بمثل طاعته والتقرب اليه، والإحسان إلى خلقه.
ومن رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه.
وقد أوصانا نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فقال-: "صنائع المعروف تقي مصارع السُّوء والآفات والمهلكات، وأهل المعروف في الدُّنيا هم أهل المعروف في الآخرة" (رواه الحاكم، وصحَّحه الألباني)، وفي روايةٍ: "صنائع المعروف تقي مصارع السُّوء، والصَّدقة خفيا تطفئ غضب الرَّبِّ، وصلة الرَّحم زيادة في العمر، وكلُّ معروفٍ صدقةٌ، وأهل المعروف في الدُّنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدُّنيا هم أهل المنكر في الآخرة" (رواه الطبراني، وصحَّحه الألباني).
وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعتاقة في كسوف الشمس"؛ فهذه سبعة أشياء أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بها عند الكسوف وكلها ثابتة وهي: الصلاة، والدعاء، والاستغفار، والتكبير، والذكر، والصدقة، والعتق، ولو نظرنا إلى الاستغفار وحده، لعلمنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما يرشدنا إلى التوبة والإقلاع عن الذنوب والمعاصي التي جلبت هذا التخويف الإلهي، ومعلوم لدى الجميع أن الاستغفار مشروع في كل حين، ولكن في التأكيد عليه هنا وفي هذا الوقت دلالة واضحة وظاهرة على أن ذنوب العباد هي التي جلبت هذا التخويف.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وتولى أمرنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطــبة الثانـية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
عباد الله: لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حريص على أمته؛ فدلها على كل خير وحذرها من كل شر وكان بهم رؤف رحيم؛ ففي حديث ابن عمرو في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الكسوف : "فجعل ينفخ في آخر سجوده من الركعة الثانية ويبكي ويقول لم تعدني بهذا وأنا فيهم لم تعدني بهذا وأنا فيهم ونحن نستغفرك" (رواه النسائي في السنن الكبرى)، وفي رواية عند أحمد: "وَجَعَلَ يَنْفُخُ فِي الْأَرْضِ وَيَبْكِي وَهُوَ سَاجِدٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَجَعَلَ يَقُولُ رَبِّ لِمَ تُعَذِّبُهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ رَبِّ لِمَ تُعَذِّبُنَا وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُكَ"، وفي هذا الحديث يشير بأبي هو وأمي إلى قول الله -تعالى- (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "كَانَ فِيهِمْ أَمَانَانِ نَبِيُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالاِسْتِغْفَارُ قَالَ فَذَهَبَ نَبِي اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-وَبَقِىَ الاِسْتِغْفَارُ"، والشاهد أنه -صلى الله عليه وسلم- يدعو ربه ويستغفره في سجوده في صلاة الكسوف حتى لا يعذب أمته بذنوبهم التي أوجبت غضبه.
أيها المؤمنون: عودوا إلى ربكم وتوبوا إليه، وأحسنوا أعمالكم، وقوموا بواجباتكم، وأكثروا من الأعمال الصالحة، أنشروا ثقافة الحب والأخوة؛ فيما بينكم، واملئوا قلوبكم بالإيمان والتقوى، ونظفوا قلوبكم من الحقد والحسد والبغضاء والشحناء، وصونوا أعراضكم ودمائكم وأموالكم، التزموا بتعاليم دينكم، واعمروا هذه الدنيا بالخير والعدل والعمل والجد، واستعدوا لآخرتكم بكل ما يقربكم إلى الله، وخذوا الدروس من أحداث الزمان ومن هذه الظواهر الكونية، عند ذلك يدفع الله عنكم الشرور والبلايا والمصائب، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 2- 3].
هذا وصلوا وسلموا على خير البرية: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
التعليقات