عناصر الخطبة
1/التعريف بالنوافل 2/أهمية النوافل وفضلها 3/من صور النوافل ومجالاتها 4/المداومة على النوافل 5/قبح الانقطاع عن النوافل

اقتباس

ومما يؤكد على أهمية النافلة أن الله -تعالى- يَجْبُر بها كسرَ الفريضةِ والتقصيرَ فيها، فعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أول ما يُحَاسَب به العبدُ المسلمُ يومَ القيامةِ الصلاة المكتوبة، فإن أتمها وإلا قيل: انظروا هل له مِنْ تطوُّع؟ فإن كان له تطوُّع أُكملت الفريضة من تطوُّعه، ثم يُفعل بسائر الأعمال المفروضة مثلُ ذلك".

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعدُ:

 

عبادَ اللهِ: إن مَنْ أَحَسَّ وذاقَ طعمَ التعبد لله والتقرب منه لم تَكْفِهِ الفرائضُ، بل طلَب الاستزادةَ من النوافل والتطوعات، يبتغي بها مرضاتَ ربه والتلذذ بمعيته وخدمته وعبادته، فما أحلى وما أشهى وما أجمل أن يُقيم المسلمُ نفسَه في عبادة الله من غير أن تُطلَب منه طلبًا جازمًا، وأن يبادِرَ إلى طاعته من غير أن تُفرض عليه؛ يصنع ذلك نافلةً منه، حُبًّا ورغبةً وشوقًا إلى جوار ربه ومرضاته.

 

أيها المسلمون: إن كلمة "نافلة" تعني: زائدة، وفي القرآن يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً)[الأنبياء: 72]، قال القرطبي: "أي: زيادةً؛ لأنه دعا في إسحاق وزِيدَ يعقوبَ من غير دعاء فكان ذلك نافلة، أي زيادةً على ما سأل"؛ فنوافل العبادة هي الزيادة على ما فرضه الله -تعالى- على عباده، فإذا صليتَ الصلواتِ الخمسَ فما زدتَ عليها فهو نافلة، وإذا صمتَ شهرَ رمضانَ فما صمتَ من سواه فهو نافلة، وإذا أديتَ زكاةَ مَالِكَ فما تصدقتَ به بعدَها فهو نافلة، وإذا حججتَ حجةَ الفريضة فإن حججتَ بعدَها فهي نافلة...

 

أيها المؤمنون: إن للنوافل عند الله -عز وجل- فضلًا عظيمًا، ولها في ديننا أهمية بالغة، من ذلك أنها سبب في حُبّ اللهِ -عز وجل-؛ ففي الحديث القدسي يقول الجليل -سبحانه وتعالى-: "وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به، ويدَه التي يَبْطِشُ بها، وَرِجْلَهُ التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعِيذَنَّه"(رواه البخاري).

 

ومما يؤكد على أهمية النافلة أن الله -تعالى- يَجْبُر بها كسرَ الفريضةِ والتقصيرَ فيها؛ فعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنَّ أولَ ما يُحاسب به العبدُ المسلمُ يومَ القيامةِ الصلاةُ المكتوبة، فإن أتمها، وإلا قيل: انظروا هل له مِنْ تطوُّع؟ فإن كان له تطوُّع أُكملت الفريضةُ مِنْ تطوُّعه، ثم يُفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك"(رواه ابن ماجه).

 

ومن فضائل النوافل أنها من مُوجِبَات دخول الجنة؛ فعن ربيعة بن كعب الأسلمي، قال: كنتُ أبيتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتيتُه بوضوئه وحاجته فقال لي: "سَلْ" فقلتُ: أسألكَ مرافقتَكَ في الجنة. قال: "أو غيرَ ذلك" قلتُ: هو ذاك، قال: "فَأَعِنِّي على نفسك بكثرة السجود"(رواه مسلم)، والمقصود بكثرة السجود هو الاستكثار من نوافل الصلاة، وعن أم حبيبة، زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد مسلم يصلي لله كلَّ يوم ثنتي عشرة ركعةً تطوُّعًا، غيرَ فريضة، إلا بنى اللهُ له بيتًا في الجنة"(رواه مسلم).

 

ومنها: أن النوافل وقاية مِنْ تَرْك الفرائض؛ فإن من عادة العبد أنه إذا فَتَرَ أو كسل أو كَلَّ أو تَعِبَ قصَّر أو عجز عن أداء بعض ما اعتاد عليه من الطاعات، فإن كان مُكْثِرًا من النوافل والتطوعات، فإنه إن ترك فقد يترك بعض النوافل، لكنه إن لم يكن يصلي إلا الفرائض فقط فما عساه يترك إذا فَتَرَ أو عَجَزَ؟! فإن في عدم أداء النوافل تعريضَ الفرائضِ للضياع، وفي المحافظة عليها صيانة وحفظ وتأمين على الفرائض.

 

عبادَ اللهِ: إن النوافل أشكال وألوان وأنواع؛ فمنها: نوافل الصلاة، وأفضلها:

السنن الرواتب للحديث السابق: "ما من عبد مسلم يصلي لله كلَّ يوم ثنتي عشرة ركعةً تطوعًا، غيرَ فريضة، إلا بنى اللهُ له بيتًا في الجنة"(رواه مسلم)، وهي اثنتان قبل الفجر، وأربع قبل الظُّهْر، واثنتان بعدَه، واثنتان بعد المغرب واثنتان بعد العشاء، وأكثرها تأكيدًا هي سُنَّة الفجر القَبْلِيَّة، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- على شيء من النوافل أشدّ منه تعاهُدًا على ركعتي الفجر"(متفق عليه)، وعنها أيضًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رَكْعَتَا الفجرِ خيرٌ من الدنيا وما فيها"(متفق عليه).

 

ومن نوافل الصلاة: الوتر، وأقله ركعة واحدة، ولا حدَّ لأكثره، وعن وقت صلاة الوتر تقول عائشة: "من كل الليل قد أوتر رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السَّحَر"(متفق عليه)، وينبغي أن يكون آخر صلاة يصليها الإنسان، لحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اجعلوا آخِرَ صلاتكم بالليل وترًا"(متفق عليه).

 

ومن نوافل الصلاة: صلاة الضحى، فعن نعيم بن همَّار أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال ربكم -عز وجل-: صَلِّ لي يا ابن آدم أربعًا في أول النهار أَكْفِكَ آخرَه"(رواه أحمد)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: "صومُ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر، وصلاة الضحى، ونومٌ على وتر"(متفق عليه)، ووقتُها ممتدّ من بعد ارتفاع الشمس إلى قبيل الظهر قبل الزوال، وأقلها ركعتانِ، وقد صلاها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ثماني ركعات خفيفات، فعن أم هانئ أنها رأت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي الضحى يومَ فتحِ مكة ثماني ركعات، تقول: "فما رأيتُه صلى صلاةً أخفَّ منها غير أنه يُتم الركوعَ والسجودَ"(متفق عليه).

 

ومن النوافل: نوافل الصيام ومنها:

صيام الاثنين والخميس؛ فقد حكت عائشةُ عن صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "كان يتحرَّى صيامَ الاثنين والخميس"(رواه ابن ماجه)، ومنها كذلك: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: "صوم ثلاثة أيام من كل شهر..."(متفق عليه)، وقد حدَّد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هذه الأيامَ الثلاثةَ وسمَّاها: "الأيام البيض"، فعن جرير بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، وأيام البيض صبيحة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة"(رواه النسائي).

 

ومن نوافل الصيام أيضًا: صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفِّر السَّنَة التي قبلَه، والسَّنَة التي بعدَه، وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يُكَفِّر السَّنَةَ التي قبلَه"(رواه مسلم).

 

وقد رغَّب القرآن والسُّنَّة بالإنفاق في سبيل الله والإنفاق على الأرامل والفقراء والمساكين والتصدق وإطعام الطعام وكفالة الأيتام... -وكلُّ ما يُنفق في الخير بعد الزكاة فهو من نوافل الإنفاق- فقال -عز من قائل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ)[البقرة: 254]، وقال -تعالى- مادحًا: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[الإنسان: 8-9]، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تمرةٍ من كسب طيب، ولا يقبل اللهُ إلا الطيبَ، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه، كما يربِّي أحدكم فَلُوَّهُ، حتى تكون مثل الجبل"(متفق عليه).

 

معاشرَ المسلمينَ: لقد كان حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غيرَ حال أغلبنا؛ فقد كان -صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملًا صالحًا أثبته وداوم عليه، فإذا فاته لعذر قضاه، فتروي أمُّ المؤمنين عائشة فتقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملًا أثبتَه، وكان إذا نام من الليل، أو مرض، صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة"(رواه مسلم).

 

وعند البخاري أنها قالت: "وأحبُّ الصلاةِ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما دُووم عليه وإن قَلَّتْ، وكان إذا صلى صلاةً داوم عليها"، وسُئلت -رضي الله عنها- عن السجدتين اللتين كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليهما بعدَ العصرِ، فقالت: "كان يصليهما قبلَ العصرِ، ثم إنه شُغِلَ عنهما، أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها"(رواه مسلم).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده، أما بعدُ:

 

أيها المؤمنون: قد يداوم الإنسان على النوافل حِينًا ثم ينقطع عنها، وهذا ما حذَّر الله -تعالى- منه حين قال: (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ)[الحديد: 16]، فإن مِنَ الناس مَنْ يُقيم الليلَ ويحسّ بلذته، ثم يُحْرَمُ هذه اللذةَ لسبب ما -إما لذنب وإما لغيره- فإذا به ينقطع عما اعتاده، فنسأل الله الدوامَ على الهدى.

 

ولقد عاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَنِ انقطع عن نوافل العبادات بعد أن اعتاد عليها، فعبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عبدَ اللهِ، لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل، فترك قيام الليل"(متفق عليه)، قال الصنعاني: "وفيه استحباب الدوام على ما اعتاده المرءُ من الخير من غير تفريط، ويُستنبط منه كراهةُ قَطْع العبادة".

 

هذا في صلاة قيام الليل، وأما في منع إنفاق ما زاد عن الحاجة، فيروي أبو أمامة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا ابنَ آدمَ إنكَ أن تبذل الفضل خير لكَ، وأن تُمسكه شرّ لكَ، ولا تُلام على كفاف"(رواه مسلم)، وقد توعَّد اللهُ -عز وجل- بالعقوبة من منع نوافل ما آتاه الله، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم..." فعدَّ منهم: "ورجل مَنَعَ فضلَ ماء فيقول الله: اليومَ أمنعكَ فضلي كما منعتَ فضلَ ما لم تعمل يداكَ"(متفق عليه).

 

ولما انقطع أبو بكر الصديق عن الانفاق على مِسْطح بن أثاثة لَمَّا خاض في عِرْض أُمِّ المؤمنين عائشة، نزَل القرآنُ يقول: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[النور: 22]، فعاود أبو بكر الإنفاقَ عليه.

 

فاللهم اجعلنا من المحافظين على النوافل المتقربين إليك بها بعد الفرائض.

 

وصل اللهم على محمد...

 

المرفقات
النوافل.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life