عناصر الخطبة
1/ جملةٌ من أخطاء المصلين 2/ بيان أحكامها 3/ أمور تتعلق بهااهداف الخطبة
اقتباس
مواصلة للحلقة الماضية في الجمعة السابقة، في "النصيحة المهداة في أخطاء الصلاة"، فمع الحلقة الثانية؛ إتمامًا للموضوع، وحرصاً على صلاةٍ خاضعةٍ بخشوع.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل الصلاة عنوان السعادة وصلاح الحياة، وأشهد أن لا إله إلا الله القائل: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) [البقرة:238]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المُصوّب مَن أخطأ في الصلاة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ ففي التقوى يُدرك المطلوب، ويُدفع المرهوب، وتُفرّج الكروب، وتُزال الخطوب.
إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التُقى *** ولاقيت بعد الموت مَن قد تزودا
ندمت على ألا تكون كمثله *** وأنك لم ترصد كما كان أرصدا
أيها المسلمون: مواصلة للحلقة الماضية في الجمعة السابقة، في "النصيحة المهداة في أخطاء الصلاة"، فمع الحلقة الثانية؛ إتمامًا للموضوع، وحرصاً على صلاةٍ خاضعةٍ بخشوع.
عباد الله: مضى معنا عشرة أخطاء، وتنبيهاتٌ وذكرى.
والحادي عشر، من التنبيهات أيها المعشر: مَن يُصلي في ثوبٍ أو لباسٍ أو بيجاماتٍ أو ألبسةٍ رياضية عليها تصاوير، وفيها صور ذوات الأرواح، لاسيما الصغار. ويشتد الأمر خطرًا حينما تكون الصور صورا لرموز الكفر، أو شعاراتٍ لأهل الكفر، أو ألبسة أهل الكفر. وهل يليق بالمسلم أن يُصلي لله وهو يحمل صور أعداء الله؟ بل حتى صور أهل الفسق والمجون مما تنُزه عنه الصلاة وبيوت الله؟ وكذا الصلاة بشعارات وصور الفُسَّاق، مما يحملها بعض الشباب على أكتافهم ولباسهم وأجسادهم، والصور... ولو كانوا صالحين؛ فكيف بصور الفُسَّاق والكافرين؟!.
والثاني عشر: الصلاة بالثوب المُسبل، سواءً كان الإسبال في الثياب أو السروال أو المِشلح أو البنطال، فيحرُم الصلاة لمَن كان مُسبلًا ثيابه ومُرخيًا إزاره.
ومَن صلى مُسبلًا؛ فصلاته صحيحة، مع الإثم والوزر العظيم، وهذا الصحيح من قولي العلماء، مع العلم أن بعض العلماء ذهب إلى بطلان صلاته، مما يدل على خطورة الأمر وعقوبته، وفي الباب حديث عند أحمد وأبي داود: "لا يقبل الله صلاة رجلٍ مُسبلٍ إزاره"، لكن الصحيح ضعفه، فالصلاة صحيحة، والإسبال محرمٌ كبيرة.
والثالث عشر من الأخطاء: التهاون بالسواك عند الصلاة، وهو وإن كان سُنةً إلا أنه سُنةٌ مؤكدة، حث عليه الرسول حتى كاد أن يكون فريضة، وقد ورد فيه ما يُقارب مائة حديث، وله مواطنه المعروفة.
ومع ذلك كله تنظر إلى صفوف المسلمين فلا تكاد تجد إلا الواحد والاثنين من المُستاكين! ومع أنه سُنةٌ قوليةٌ فعلية إقرارية، رخيصٌ سعره، عظيمٌ أجره، خفيفٌ حمله، أصبح من السُنن المهجورة، وعند النساء من الأعمال المجهولة! فاستاكوا، وعلموا أولادكم وأزواجكم، فهو مطهرةٌ للفم، مرضاةٌ للرب، لاسيما في الصلاة، فهو من سُننها، سواءً كانت فريضة أو نافلة، فقد صح عن سيد الأمة: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
والرابع عشر، من الأخطاء والدُرر: التساهل في اتخاذ السُترة، فيُصلي المرء بين المصلين وليس قُدامه سُترة، والسُترةُ سُنةٌ مؤكدة، وفي الحديث: "إذا صلى أحدكم فليُصلِّ إلى سُترة"، فبعض الناس لا يُبالي حينما يُصلي في طريق المارة أو وسط الصفوف أو وسط المسجد، مما يؤدي إلى قطع صلاته أو نقصانها، أو يتسبب في إثم المار بين يديه، وتفويت أجرها.
وعدم اتخاذ السُترة يجمع خطأين: خطأ المُصلي بدون سُترة، وخطأ المار بين يدي المُصلي.
ومما تجهله النساء خصوصًا، اتخاذ السُترة، فتجد مَن تُصلي في الغرفة أو الفناء الواسع وبين يديها مَن يمر بين يديها ولا تتخذ سُترة لها في صلاتها.
فاحرص على اتخاذ سُترة في الصلاة، إلا إذا دعت الحاجة والضرورة إلى غير ذلك، كمَن كان في الحرم المكي وقت الزحام.
ومن خصائص السفر، عن سيد البشر، أن السُترة لا تفارقه في السفر والحضر؛ مما يدل على آكديتها والقدر، وقد تواترت النصوص باتخاذها والترغيب في فعلها، والترهيب من التساهل بها. وتُتخذ السُترة حتى ولو كان المرء يُصلي وحده.
والخامس عشر من أخطاء المصلين، معشر المسلمين: كف الثوب وتشميره ورفعه، كمَن يكف أكمامه أو ثوبه أو بنطاله، وقد ورد النهي عن هذه الهيئة، كما في الصحيح عنه -عليه الصلاة والسلام-: "أُمرت أن أسجد على سبعةٍ، ولا أكف شعرًا ولا ثوبًا"، فإذا سجدت فلا ترفع ثيابك، واجعلها تسجد معك.
والسادس عشر من أخطاء الصلوات، وفقكم الله لفعل الخيرات: ترك تحية المسجد والإمام يخطب؛ فبعض الناس إذا دخل المسجد والإمام يخطب جلس، يظن أن الصلاة مكروهة أو ممنوعة، أو استعدادًا لسماع الخُطبة، وهذا مخالفٌ للسُنة، ففي الصحيحين: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما"، فمَن دخل المسجد والإمام يخطب يُصلِّ ركعتين ويُخففهما.
وبوّب عليه البخاري في صحيحه: باب مَن جاء والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين. بل أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- مَن جلس وهو يخطب وقال له: "أصليت ركعتين؟" قال: لا. قال: "فصلِّ ركعتين". وفي رواية: "أصليت يا فلان؟" قال: لا. قال: "قم فاركع" فلا تجلس ولا تقف، ولكن صلِّ ركعتين خفيفتين.
والسابع عشر من الأخطاء في الصلاة: ما نراه من كثير ممَن يأتون متأخرين والإمام قد صعد المنبر، وهو أنه إذا دخل الإنسان الجامع والمؤذن يؤذن وقف قائمًا يُجيب المؤذن، فإذا انتهى المؤذن من أذانه صلى تحية المسجد، وهذا خطأ، والواجب إذا دخل المرء المسجد والمؤذن شرع في الأذان لصلاة الجمعة أن يُبادر ويُصلي ولا يُجيب المؤذن، بل يُصلي ويُخفف؛ ليسمع الخُطبة من أولها، فإجابة المؤذن سُنة، وسماع الخُطبة فريضة، والواجب مُقدم على السُنة.
ومن ذلكم، بارك الله فيكم، الثامن عشر، جعلني الله وإياكم في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مُقتدر: تغطية الرجل فاه في الصلاة، أو التلثم وتغطية فمه وأنفه، وهذا من المكروهات في الصلوات، إلا لضرورة وحاجة، خصوصًا أيام الشتاء أو الغبار، فالبعض يُصلي وقد غطى فمه أو غطى أنفه أو غطاهما كليهما بدون حاجة أو ضرورة.
والتاسع عشر من الأخطاء، أيها الأوفياء: أن يُصلي في مكان فيه صور لذوات الأرواح، سواءً معلقة أو مفروشةً يسجد عليها أو أمامه يراها، ولما كان قِرامٌ لعائشة -رضي الله عنها- سترت به جانب باب بيتها، قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أميطي عنَّا قِرامكِ هذا؛ فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي". والقِرامُ: ستر رقيق، يقول ابن حجر -رحمه الله-: ويُستنبط منه كراهية كل ما يُشغل عن الصلاة من الأصباغ والنقوش ونحوها.
فكل ما يُذهبُ ويُنقص الخشوع، كالزخارف والألوان والنقوش، أو الشاشات والقنوات، وارتفاع الأصوات، ومشاهدة المباريات أو المسلسلات والمسرحيات، أو الضجيج و الصراخ، وأماكن اللعب والعبث واللهو؛ كل ذلك يجب على المُصلي أن يُطهر مكانه منه، ويُصلح حاله، ويخشع في صلاته لربه.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم. سبحانك ربنا وبحمدك، غفرانك ربنا وإليك المصير.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد: والعشرون من الأخطاء: رفع البصر إلى السماء، وكل ما علاك يُسمى سماء، ومنه السقف، فبعض الناس إذا صلى قلّب بصره إلى السقف أو السماء، فقد جاء الوعيد الشديد، كما في البخاري ومسلم: "ما بال أقوامٍ يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟"، فاشتد ذلك حتى قال: "لينتهُنّ عن ذلك أو لتُخطفنّ أبصارهم"، وسواء كان الرفع قائمًا أو قاعدًا، والمطلوب الخشوع في الصلاة، والنظر إلى مُصلى الإنسان والسجود، وخفض البصر وقصر النظر، حتى ولو كان المرء أمام الكعبة فينظر إلى مصلاه ومكان سجوده، وبعض الناس إذا كان في الحرم أمام الكعبة صوب نظره إليها، وهذا من الأخطاء.
الحادي والعشرون، أيها المؤمنون: مما هو منتشرٌ ظاهر، كثرة الحركة في الصلاة مما لا حاجة إليها، فتجد بعض المصلين له في كل ثانية، حركةٌ تالية، لا يفتر من الحركات والعبث بالأيدي والجسم واللباس والتنقلات، وهذا مما يُذهِب الخشوع ويُنقصه في الصلوات، كمَن يُشبك أصابعه ويُفرقعها، ويُنظف أنفه وأظافره، ويُحرك قدميه يتقدم تارة ويتأخر تارةً أخرى، أو يُراوح بينهما ذات اليمين وذات الشمال، أو يُسوي شِماغه وغترته وطاقيته والعِقال، أو النظر كل لحظة في الساعة والجوال، أو يحكك جسمه ويعبث بلحيته ويُنشف أعضاءه وكأن الإنسان في صالةٍ رياضية، أو مكان نظافة! ينهش هذا تارة وهذا تارةً أخرى، فحركاته أكثر من سكناته، وعبثه وتقلباته أكثر من سكونه واستقراره. والحركة في الصلاة ظاهرة سيئة، فلا يُباح منها إلا بقدر الحاجة.
ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- قومًا يعبثون بأيديهم في الصلاة ويُحركونها قال: "ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذنابُ خيلٍ شُمسٍ؟ اسكنوا في الصلاة" رواه مسلم.
والعبث بالصلاة وتعديل اللباس نافٍ للخشوع، ولا يخفاكم أن لُبّ الصلاة وحياتها وأُسها وراحتها في الخشوع والخضوع، (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2].
والحركة المبطلة للصلاة ما كانت كثيرةً متواليةً، ولو أن إنسانًا وقف أمام ملكٍ أو أمير أو مسؤولٍ أو وزير أو مَن له قدرٌ أو مدير، هل يُتابع حركاته؟ هل يعبث بأسنانه ويُحرك جسمه؟ هل يُعدل لباسه أمامه؟ هل يليق أن يُدخِل أصابعه في أنفه؟ هل يليق أن يُصلح هندامه وغترته؟ ألا يُعتبر هذا الفعل وأمثاله من سوء الأدب وقلة الحياء وعدم الاحترام والتقدير؟ وفي الوقت نفسه؛ ماذا يُنظر إليه ويُقابل عليه؟ ربما وصل إلى الإخراج والطرد والإبعاد والازدراء، هذا إذا كان مخلوقا ضعيفا، فكيف بالخالق العظيم؟ تقابله بكثرة الحركات، والعبث في الصلوات، وكأن المرء قد تفرغ في هذه الدقائق المعدودات لإصلاح حاله وحركات جسمه!.
وبعضهم يزيد الطين بِلَّة بأن يُخرج القذر ويتنخم ويتنظف ويتنحنح ويتململ في صلاته!.
فاسكنوا -عباد الله- في صلاتكم، وقللوا حركاتكم، تفلحوا وتنجحوا وتستفيدوا من صلاتكم وتربحوا.
هذا، وللحديث بقية سيأتي -بإذن الله- ذكرها.
أيها المسلمون: صلوا وسلموا على النعمة المُهداة، والمِنة المُسداة، نبيكم محمد بن عبد الله.
يا رب صلِّ على نبيك مثلما *** يرضى وترضى بكرةً وأصيلا
فخري ونبراسي وقرة مهجتي *** أني اتخذت مع الرسول سبيلا
التعليقات