عناصر الخطبة
1/الشباب درعُ الأمة وثروتُها الحقيقيةُ 2/شواهد من اهتمام النبي عليه الصلاة والسلام بالشباب ووقفات معها.اقتباس
ثم ألا يسترعي انتباهَكم إدارةُ النبيِ-صلى اللهُ عليه وسلم-للحوارِ بأسلوبٍ إقناعيٍ، وقدّمها على طبقٍ عاطفيٍ أبويٍ، ملؤهُ النصحُ والحبُ. وقد كان يُمكنُه أن يقولَ لذلك الشابِ: لا أجدُ لك رخصةً، وما نحسبُه لو...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذيْ لا خيرَ إلا مِنهُ، ولا فَضْلَ إلا مِن لَدُنْهُ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللُه وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلمَ عليه تسليمًا كثيرًا، أما بعدُ: فلنتقِ اللهَ، فهي العُدّةُ وعليها العِدَة.
إنهم درعُ الأمة، وثروتُها الحقيقيةُ. مَن هؤلاءِ؟! إنهمُ الشبابُ الذينَ كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُجالسُهم ويُقربُهم ويُحبُهم ويَحبُوهم ويَحتفي بهم. فيختصرُ فوارقَ السنِ، ويقوِّي التواصلَ بين الأجيالِ.
ولنتأمل قصتينِ من قصصٍ كثيرةٍ تؤكدُ هذا المعنى:
الأولى: ذاكَ الفتى الشابُ الذي أتى رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه حولَه قائلاً: يا رسولَ اللهِ ائذنْ لي في الزنا، وكانَ سؤالاً صاعقةً لفَتَ انتباهَ مَن كان جالسًا، فصاحُوا به: مَهْ مَهْ، فأقبلَ عليهمُ النبيُ -صلى الله عليه وسلم- وقال لهم: دَعُوهُ، ثم أقبلَ عليه فقال: ادْنُ، فدنا فقالَ له بأُبوةِ المعلمِ، وبصيرةِ المربي، وبراعةِ المحاوِرِ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ؛ أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟
لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لقَرَاباتِهم.
وعرفَ الفتى أنه كان في سَكرةٍ، فنقلَهُ نبيُك إلى فِكرةٍ، فاستأنسَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ لِي. فوضعَ الرحيمُ -صلى الله عليه وسلم- يدَه على صدرِ الشابِ، ثم قال: "اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ". قَالَوا : فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.
• يلفِتُ نظرَكم أن هذا الشابَ لم تَمنعهُ مكانةُ النبيِ -صلى الله عليه وسلم- ولا مهابتُه، ولا فارقُ السنِ بينَه وبينَه أن يسألَه بوضوحٍ عما يعتلجُ في نفسهِ، وهو في غايةِ الطمأنينةِ والأمانِ. وما كان هذا ليكونَ لولا أن نبيَك صنعَ جِسرًا آمِنًا من العلاقةِ بينَه وبينَ أصحابهِ. فهلّا صنعنا مع شبابِنا علاقةً كهذهِ؟!
• ثم ألا يسترعي انتباهَكم إدارةُ النبيِ-صلى اللهُ عليه وسلم-للحوارِ بأسلوبٍ إقناعيٍ، وقدّمها على طبقٍ عاطفيٍ أبويٍ، ملؤهُ النصحُ والحبُ. وقد كان يُمكنُه أن يقولَ لذلك الشابِ: لا أجدُ لك رخصةً، وما نحسبُه لو قيلَ له ذلك إلاّ سيرضى ويُسلِّمُ.
فهل نتعلمُ من ذلك أن الدعوةَ حبٌ، والتعليمَ حبٌ، وأننا لن نُوصِلَ رسالتَنا للناسِ ما لم نصل إلى قلوبِهم بالحبِ.
ولذا جعلَ الشيخُ ابنُ عثيمينَ -رحمهُ اللهُ تعالى- من مشكلاتِ الشبابِ الجفاءَ والبعدَ بين الشبابِ وكبارِ السنِ، وأوصى الشبابَ أن يُضمِروا لكبارِهم الإكرامَ واحترامَ الآراءِ وقبولَ التوجيهِ؛ لأنهم أدركوا من التجارِبِ ما لم يُدركْه هؤلاءِ، فإذا التقَتْ حكمةُ الكبارِ بقوةِ الشبابِ نالَ المجتمعُ سعادتَه بإذنِ اللهِ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي هدانا، والصلاةُ والسلامُ على من بعثَه اللهُ رحمةً فنجانا، أما بعدُ:
فأما القصةُ الثانيةُ فهي لفتىً في ريعانِ الشبابِ، إنه ابنُ عمهِ الفضلُ بنُ العباسِ، وقد ركبَ مرةً رِدْفَ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- على ناقتِهِ. فجاءت شابةٌ حسناءُ وضيئةٌ؛ لتستفتيَ عن مسألةٍ في الحجِ.
وكان الفضلُ ينظرُ إليها وأعجبَه حُسنُها، وهي تنظرُ إليه وأعجبَها حُسنُه، فالتفتَ نبيُك، وأخذ بذقنهِ وعدَّلَه إلى الشقِ الآخَرِ، فقال عمُه العباسُ: يا رسولَ اللهِ لويْتَ عُنقَ ابنِ عمكَ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً، فَلَمْ آمَنِ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا".
يبهرُكَ روعةُ التعليلِ الذي ردَ به النبيُ -صلى اللهُ عليه وسلم-بقوله: "شَابًّا وَشَابَّةً" وفي هذا الوصفِ نوعُ اعتذارٍ عنهما بحداثةِ السنِ وفوَرانِ الشهوةِ، ثم شمِلَهُما بالخوفِ عليهِما من عدوٍ خارجيٍ هو الشيطانُ.
ثم أرأيتُم رِفقَه -صلى اللهُ عليه وسلم- في تصحيحِ الخطأِ؛ فقد صحّحَ بلا عُنفٍ، ولم يقُل: كيفَ يفعلُ ذلكَ وأنا أمامَه؟! وكثيرٌ منا إذا وقعتِ الأخطاءُ أمامَ أعينهِم رأوا أن ذلكَ انتقاصاً لمكانتِهم.
فاللهم أصلحْ شبابَ وفتياتِ المسلمين، وقِهِمْ فتنَ الشبهاتِ والشهواتِ.
اللهم (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا أغَنْى النَّاسِ بك، وأفْقَرَ النَّاسِ إليْك.
اللَّهُمَّ أعْطِنَا من الخَيْرِ فوْقَ ما نَرْجُو واصْرِفْ عَنَّا من السُّوْءِ فَوْقَ ما نَحْذَر.
اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا وخَيْرَ أيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاك.
اللهم ادفع عنا المحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ عن بلدِنا وعن بلادِ المسلمينَ.
ونحمدُك اللهم أن صرفتَ عنا عامةَ الوباءِ، وكففتَ عنا صواريخَ الأعداءِ.
اللهم ردَ عنا كيدَ الكائدينَ وعدوانَ المعتدينَ واقطعْ دابرَ الفسادِ والمفسدينَ.
اللهم آمِنّا في أوطانِنا، وأصلح ولاةَ أمورِنا، وأيد بالحقِ إمامَنا ووليَ عهدِه، وأعزَهم بطاعتِك، وأعزَ بهم دينَك، وارزقهم بطانةَ الصلاحِ والفلاحِ التي تدُلُهم على الخيرِ وتعينُهم عليه.
اللهم احفظ أبطالَ الحدودِ والعيونَ الساهرةَ.
أيها الشاهدُ جُمعتَه: اقتربْ من حبيبِك -صلى اللهُ عليه وسلم- الذي قالَ: "أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ.. فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً كَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنِّي مَنْزِلَةً"(رواهُ البيهقيُ. وحسنَه المنذريُ وابنُ حجرٍ والعجلونيُ والألبانيُ).
فاللهم صلِ وسلم على عبدِك ورسولِك محمدٍ.
التعليقات