عناصر الخطبة
1/خيرية أمة الإسلام على سائر الأمم 2/أهمية الدعوة وعظم شأنها 3/صفات يجب توفرها في الدعاة إلى الله 4/تحريم الوسائل والأساليب المحدثة في الدعوةاقتباس
اعلموا أن الله -تعالى- قد منَّ على هذه الأمة بأن جعلها خير الأمم, وبعث فيها أفضل الرسل وجعل شريعته أفضل الشرائع، والقرآن الذي أنزل عليه مهيمناً على الكتب وخاتماً لها. ومن أعظم خيريّة هذه الأمة: قيامها بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن الله -تعالى- قد منَّ على هذه الأمة بأن جعلها خير الأمم, وبعث فيها أفضل الرسل وجعل شريعته أفضل الشرائع، والقرآن الذي أنزل عليه مهيمناً على الكتب وخاتماً لها.
ومن أعظم خيريّة هذه الأمة: قيامها بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد ورد في نصوص الكتاب والسنة ما يدل على فضل الدعوة إلى الله -تعالى-, وكذلك ورد في الكتاب والسنة ما يدل على الأمر بالدعوة, وذم تركها, وعقوبة من تركها وتخلف عنها.
ويكفي في ذلك أن الدعوة إلى الله -تعالى- هي مهمة الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم-, وهي مهمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[يوسف: 108].
أي: قل للناس: (هَذِهِ سَبِيلِي) أي: طريقتي التي أدعو إليها، وهي السبيل الموصلة إلى الله وإلى دار كرامته, المتضمنة للعلم بالحق, والعمل به، وإيثاره، وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له.
(أَدْعُو إِلَى اللّهِ) أي: أحث الخلق والعباد على الوصول إلى ربهم, وأرغّبهم في ذلك, وأرهّبهم مما يبعدهم عنه، ومع هذا فأنا: (عَلَى بَصِيرَةٍ) من ديني أي: على علم ويقين من غير شكٍ ولا افتراء ولا مرية (أَنَاْ) وكذلك (وَمَنِ اتَّبَعَنِي) يدعو إلى الله كما أدعو, على بصيرة من أمره (وَسُبْحَانَ اللّهِ) عما ينسب إليه مما لا يليق بجلاله أو ينافي كماله: (وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) في جميع أموري, بل اعبد الله مخلصاً له الدين.
وإذا كان هذه هو شأن الدعوة إلى الله -سبحانه-، وأنها سبيل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه، فيجب على الداعية أن يراعي ما يلي:
أولاً: العلم: وهذا مأخوذ من قوله: (عَلَى بَصِيرَةٍ).
ثانياً: الإخـلاص: لقوله -تعالى-: (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ).
ثالثاً: العناية التامة بالتوحيد، وكذلك النهي عن الشرك، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ).
ومن قوله: (وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
فالعناية بالتوحيد، وما يتعلق به من حقوق ومكملات، والنهي عن الشرك ووسائله المفضية إليه هو منهج القرآن، وهو منهج الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
رابعاً: وحدة المنهج: وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (سَبِيلِي)؛ فالطريق واحد، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)[آل عمران: 103]، ولما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الفرق الهالكة والفرقة الناجية، قال: "ما كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي"؛ فمن لم يكن كذلك فليس من أتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب, حتى وإن أفنى عمره في الدعوة، وانتسب إليها.
فالواجب هو التمسك بسبيل واحد، وطريق واحد، وهو السبيل الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه وعلى رأسهم الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-.
خامساً: الحرص على الاجتماع، ونبذ أسباب الفرقة والاختلاف: وهذا من لوازم قوله: (سَبِيلِي)؛ فالاجتماع رحمة، والفرقة عذاب.
والاجتماع لا يحصل إلا ببذل أسبابه الشرعية، وهي: الإخلاص لله -تعالى-، وأن يكون المنهج واحداً, وهو منهج السلف الصالح -كما تقدم-.
والاجتماع حول ولاة الأمر، والالتفاف حول العلماء، وأعني بالعلماء: علماء الكتاب والسنة السائرين على منهج السلف.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفُوا أحد، فاطر السماوات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحةً مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، ما يفتحِ الله للناس من رحمةٍ فلا مُمسكَ لها، وما يُمسك فلا مُرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عباد الله: إن الإمامة في الدين, لا تُنَال إلا بالصبر واليقين، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[السجدة: 24]، (لَمَّا صَبَرُوا) أي: على العلم والتعلم والدعوة إلى الله والأذى في سبيله, وكفوا أنفسهم عن جماحها في المعاصي واسترسالها في الشهوات (وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) أي: وصلوا في الإيمان بآيات الله إلى درجات اليقين؛ لأنهم تعلموا تعلماً صحيحاً وأخذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين.
ومن اليقين بآيات الله: أن يجزم الداعية بأن الله لا يخذل من دعا إلى دينه إذا كان على منهج صحيح.
ومن اليقين: أن لا يتخلّى الداعية عن المنهج الصحيح الذي سار عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بحجة أن الزمان تغير, وأن الناس لا يقبلون منا دعوتنا, فيلجأ إلى الأساليب والطرق المبتدعة، ويميّع عقيدته وسلوكه, باسم الدين والدعوة, بل يجب على الداعية إلى الله أن يتمسك بمنهج السلف وإن رفضه الناس، وإن ردوا دعوته ولم يقبلوها، وإن قالوا: إن المنهج الذي أنت عليه انتهى وقته, أو لا يصلح للناس.
وقد بيّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن سبب هلاك بني إسرائيل وانحراف علمائهم, هو سلوك هذا الطريق، حيث قال: "إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا".
أي لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص، والطرق المحدثة، وعوّلوا عليها، واكتفوا بها, وزهدوا بما ورَّثَه أنبياؤهم.
وعلى هذا، فلا يجوز إشغال المسلمين خصوصاً الشباب بغير كتاب ربهم وسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، ومنهج أهل العلم, والعدولُ عن ذلك إلى الأساليب المحدثة التي يسلكها المُدَّعون للعلم والدعوة, من اللهو واللعب, والغناء الذي ينسب إلى الدين باسم الإنشاد الإسلامي، حتى صار ميدان الدعوة مرتعاً لهؤلاء الذين يجارون الممثلين والمغنين ومُقَلِّدِي الأصوات والحركات والضحك باسم الدعوة.
فاتقوا الله -عباد الله-، وعليكم بالسير على ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم-, علماً وعملا.
واعلموا أنه لن يُصْلِحَ أمرَ هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
التعليقات