الليل

ناصر بن محمد الأحمد

2015-01-16 - 1436/03/25
عناصر الخطبة
1/الليل آية من آيات الله العظيمة 2/أهمية قيام الليل وفضله 3/وقفات وتأملات مهمة في آية الليل 4/بعض المسائل والأحكام المتعلقة بالليل
اهداف الخطبة

اقتباس

الليل هو محل الظلام، وفيه تتسلط شياطين الأنس والجن، ما لا تتسلط بالنهار، فإن النهار نور، والشياطينإنما سلطانهم في الظلمات، والمواضع المظلمة، وعلى أهل الظلمة، ولهذا كان سلطان السحر أعظم تأثيره إنما هو بالليل دون النهار، فـ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله...

 

أما بعد:

 

إن الله -جل وتعالى- بقدرته، وبالغ حكمته، خلق في هذه الدنيا متضادات لكي يستقيم أمر الحياة، فخلق الحياة والممات وأوجد الليل والنهار: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى)[النجم: 43-45].

 

وهذا سر من أسرار الكون ولا يستقيم أمر العالم إلاّ بهذا.

 

أيها المسلمون: الليل وما أدراكم ما الليل؟

 

هذا السواد الذي يغشى الكون إذا أقبل، أوجده المولى ليكون سكناً تسكن فيه الحركات، وتأوي فيه الحيوانات إلى بيوتها، والطيور إلى أوكارها، وتستجم فيه النفوس وتستريح من كد السعي والتعب، قال الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا)[الفرقان: 47].

 

وقال سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا)[غافر: 61].

 

أيها الأحبة: ولنا مع هذا الليل العجيب، بعض وقفات وتأملات، وبعض مسائل وأحكام:

 

إذا غاب قرص الشمس الجميل في الأفق نادى المنادي كل مسلم أن يصلي لله -تعالى- صلاة المغرب، ووقتها مع بداية الليل، وهي وتر الصلوات النهارية، وفي الليل ساعة يسْتَجَاب فِيهَا الدُّعَاءُ، وذلك كل ليلة، عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ"[رواه مسلم].

 

هل تدري -يا عبد الله- متى هذه الساعة؟

 

إنها ساعة التنزل الإلهي؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ"[رواه مسلم].

 

أين أنت -يا عبد الله- من هذه الساعة؟ هل تعرفها؟ هل تتذكرها؟ هل تحرص عليها؟ أم أنت مستغن عن هذا الفيض الإلهي؟

 

المحروم من حرم لذة هذه الساعة -يا عبد الله-، وذلك كل ليلة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ"[رواه البخاري].

 

أيها المسلمون: وفي الليل، هناك صلاة الليل، نعمة ولذة أخرى، لا يعرفها إلا أهلها، الخاصّون بها، لذة صلاة الليل يعجز لسان الخطيب عن وصفها، ويقف القلم وهو يكتب عنها، وفضلها لا يعد ولا يحصى.

 

كلنا يعرف حديث: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل" هل تدرون -أيها الأحبة- ما مناسبته؟

 

مناسبة هذا الحديث ساقه البخاري في صحيحه تحت باب فضل قيام الليل، فقال: عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا فَأَقُصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي، فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ، وَإِذَا فِيهَا أُنَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ النَّارِ، قَالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، فَكَانَ بَعْدُ لَا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا".

 

(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا)[المزمل: 1-7].

 

(كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الذاريات: 17 - 18].

 

ولقد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من الليل حتى تورمت قدماه، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكان يعلم أنه من أهل الجنة، قال عبد الله بن رواحة:

 

وفينا رسول الله يتلو كتابه *** إذا انشق معروفٌ من الفجر ساطع

أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا *** به موقناتٌ أنّ ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه *** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

 

أين نحن الآن -أيها الأحبة- من ليالي رمضان الجميلة وقيامه، والتي لم تبعد كثيراً عنّا حتى الآن، وما يزال الصالحون منا يعزي بعضهم بعضا على فراقه وما زالوا يستروحون لذة وبهجة تلكم الليالي، أيليق أن نترك ذلك كله حتى رمضان القادم؟

 

"نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل".

 

فيا شهر القيام فدتك نفسي *** تمهل بالرحيل والانتقال

فما ادري إذا ما الحول ولي *** وعدت بقابل في خير حال

اتلقاني مع الأحياء حيا *** أو انك تلقني في اللحد بالي

 

دع البكاء على الأطلال والدار *** واذكر لمن بان من خل ومن جار

وذر الدموع نحيباً وابك من أسف *** على فراق ليال ذات أنوار

يا لائمي في البكا زدني به كلفا *** واسمع غريب أحاديث وأخبار

ما كان أحسننا والشمل مجتمع *** منا المصلي ومنا القانت القاري

 

يكفيك -يا عبد الله- أن تتأمل في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما أوصانا في الحديث الصحيح، فقال: "عليكم بقيام الليل، فانه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد".

 

أيها الأحبة: إذا كان هذا شأن الصالحين مع الليل، فلا يغيب عنّا أن هناك من يستغل الليل في أشياء أخرى، فسواد الليل يخفي عن الأعين كثيراً من جرائم المفسدين، ولقاءات الشهوانيين، وترتيبات المحاربين للدين.

 

وأيضاً، فإن شياطين الإعلام ينشطون، فيفسدون في الليل أضعاف أضعاف ما يفسدون في النهار، فتقوم قنوات المحطات الفضائية ببث فسقها ومجونها في الليل، فتفسد على المؤمنين روحانية الليل الذي من أجله خلقه الله، فلكل وجهة هو موليها في جنح الليل: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)[البقرة: 220].

 

لكني أذكّر كل مذنب بالليل والنهار، بحديث أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ -عز وجل- يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا"[رواه مسلم].

 

أيها الأحبة: لقد كان من وصية أبي بكر الصديق لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أنه قال له: "واعلم أن لله حقاً بالليل لا يقبله بالنهار، وحقاً بالنهار لا يقبله بالليل، وأنه لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة"[مجموع الفتاوى (22/40)].

 

ومعلوم: أن الحقوق النهارية والليلية على المسلم كثيرة، ومن أعظمها: الصلوات، فصلوات الليل لا يصح فعلها في النهار، وصلوات النهار لا يصح فعلها في الليل.

 

وهناك حقوق وواجبات أخرى أوجبه الله عليك، يمكن أن تجمع بين الليل والنهار، وما لا يدرك هنا يقضى هناك، قال البخاري -رحمه الله-: بَاب الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ بِاللَّيْلِ" قال ابن حجر: قوله: باب العلم، أي تعليم العلم بالليل، وأراد المصنف التنبيه على أن النهي عن الحديث بعد العشاء مخصوص بما لا يكون في الخير.

 

أيها المسلمون: ومن التأملات: ما فرق الله -جل وتعالى- فيه بين صلاة الليل وصلاة النهار، في الجهر والإسرار، وفي هذا غاية المناسبة، والحكمة لمن تأملها، فإن الليل مظنّة هدوء الأصوات، وسكون الحركات، وفراغ القلوب، واجتماع الهمم المشتتة بالنهار، فالليل محل مواطأة القلب اللسان، ومواطأة اللسان الأذن.

 

ولهذا كان من السنة تطويل قراءة الفجر عن سائر الصلوات، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ فيها بالستين إلى المائة آية.

 

وكان أبو بكر الصديق يقرأ فيها بالبقرة، وعمر بالنحل وهود والإسراء ويونس، ونحوها من السور؛ لأن القلب أفرغ ما يكون من الشواغل حين انتباهه من النوم، فإذا كان أول ما يقرع سمعه كلام الله الذي فيه الخير بكل حذافيره صادفه خالياً من الشواغل، فتمكن فيه من غير مزاحم.

 

وأما النهار، فلما كان بضد ذلك كانت قراءة صلاته سرية إلا إذا عارض في ذلك معارض أرجح كالمجامع العظام في العيدين والجمعة والاستسقاء والكسوف، فإن الجهر حينئذ أحسنوأبلغ في تحصيل المقصود، وأنفع للجمع[إعلام الموقعين (2/137)].

 

ومن مسائل الليل: ما رواه البخاري في صحيحه من حديث جَابِرٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ، أَوْ قَالَ: جُنْحُ اللَّيْلِ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقْ بَابَكَوَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَوَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا".

 

قال ابن القيم -رحمه الله-: "إن الليل إذا أقبل، فهو محل سلطان الأرواح الشريرة الخبيثة، وفيه تنتشر الشياطين، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فكفوا صبيانكم، واحبسوا مواشيكم، حتى تذهب فحمة العشاء".

 

وفي حديث آخر: "فإن الله يبث من خلقه ما يشاء".

 

والليل هو محل الظلام، وفيه تتسلط شياطين الأنس والجن، ما لا تتسلط بالنهار، فإن النهار نور، والشياطينإنما سلطانهم في الظلمات، والمواضع المظلمة، وعلى أهل الظلمة، ولهذا كان سلطان السحر أعظم تأثيره إنما هو بالليل دون النهار، فالسحر الليلي أقوى تأثيراً.

 

ومن هنا أيضاً تعلم سر الاستعاذة برب الفلق، والفلق هو الصبح الذي هو مبدأ ظهور النور، وهو الذي يطرد جيش الظلام، وعسكر المفسدين في الليل، فيأوي كل خبيث وكل مفسد، وكل لص، وكل قاطع طريق إلى سردابه وغاره، وتأوي الهوام إلى حجورها، والشياطين التي انتشرت بالليل إلى أمكنتها.

 

فأمر الله عباده أن يستعيذوا برب النور الذي يقهر الظلمة ويزيلها، ويقهر عسكرها وجيشها، ولهذا ذكر الله في كتابه أنه يخرج عباده من الظلمات إلى النور، ويدع الكفار في ظلمات كفرهم، قال الله -تعالى-: (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ)[البقرة: 257].

 

وقال تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)[الأنعام: 122]"[بدائع الفوائد (2/218)] انتهى كلامه -رحمه الله-.

 

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه...

 

أقول هذا القول، فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان فيه خطأً فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله العلي العظيم منه، كما أني أستغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده ونبيه الذي اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله ...

 

أما بعد:

 

ومن المسائل المتعلقة بالليل: أنه يجب أن يجمع النية من الليل في صيام الفرض والقضاء والنذر، وكل صوم معين كصيام الست من شوال،ونحوها.

 

أما صيام النفل المطلق، فيجوز أن ينويه من أثناء النهار، وكذلك أن يقطعه لو أراد ذلك؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل عليّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فقال: هل عندكم من شيء؟ قلنا: لا، قال: فإني صائم، ثم جاءنا يوم آخر، فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيس فخبأنا لك منه، فقال: أدنيه فقد أصبحت صائماً، فأكل"[رواه مسلم].

 

ومن المسائل: أنه رُخّص للنساء والضعفة أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل إذا غاب القمر ليرموا جمرة العقبة قبل زحام الناس، قال البخاري -رحمه الله تعالى-: "بَاب مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ، فَيَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَدْعُونَ وَيُقَدِّمُ إِذَا غَابَ الْقَمَرُ".

 

ومن المسائل: النهي عن أن يطرق الرجل أهله ليلاً إذا قدم من سفر، قال البخاري -رحمه الله-: "بَاب لَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا إِذَا أَطَالَ الْغَيْبَةَ مَخَافَةَ أَنْ يُخَوِّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ".

 

ثم ساق حديث جابر بن عَبْدِ اللَّهِ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمْ الْغَيْبَةَ، فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا".

 

والحكمة كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه: "حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة".

 

ومن المسائل: أنه يجوز دفن الموتى ليلاً، قال البخاري -رحمه الله-: "بَاب الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ وَدُفِنَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- لَيْلًا".

 

ومن المسائل: النهي عن أن يسافر الإنسان وحده ليلاً، عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ"[رواه البخاري].

 

ومن المسائل: قول البخاري: "بَاب إِغْلَاقِ الْأَبْوَابِ بِاللَّيْلِ" ثم ساق حديث جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ بِاللَّيْلِ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الْأَبْوَابَ، وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، قَالَ هَمَّامٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَلَوْ بِعُودٍ يَعْرُضُهُ".

 

ومن المسائل: أن الإنسان إذا استيقظ من النوم ليلاً يسن له أن يبدأ بالسواك؛ فعَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ"[رواه البخاري].

 

ومن المسائل: الدُّعَاءِ إِذَا انْتَبَهَ الشخص من نومه بِاللَّيْلِ؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ، قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ"[رواه البخاري].

 

والشيء بالشيء يذكر، فمن دعا بسيد الاستغفار مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ دخل الْجَنَّةِ؛ فعن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"[رواه مسلم].

 

ومن المسائل: أن صلاة الليل مثنى مثنى؛ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا تَرَى فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، قَالَ: مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى"[رواه البخاري].

 

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.

 

اللهم...

 

 

 

 

المرفقات
الليل.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life