عناصر الخطبة
1/دلالات ومعاني "الله أكبر" 2/الحث على الإكثار من التكبير 3/الآثار الإيمانية للتكبير 4/من هدي السلف في الذكراقتباس
أتدري كم نقولُ اللَّهُ أَكْبَرُ في اليومِ والليلةِ؟ احسِب معي: في الأذانِ والإقامةِ خمسونَ تكبيرةً، وفي الصلواتِ المكتوبةِ أربعٌ وتسعون تكبيرةً، وفي أدبارِ الصلواتِ الخمسِ مئةٌ وخمْسٌ وستونَ تكبيرةً، وإذا أضفتَ الرواتبَ والوترَ وسنةَ الضحى، فالمجموعُ يوميًا يتجاوزُ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ المتفردِ بالعظمةِ والكبرياءِ، والصلاةُ والسلامُ على خيرِ الأنبياءِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ الكبيرُ المتعالُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه الهادي لأحسنِ الأقوالِ والأفعالِ.
أما بعدُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ؛ كلمةٌ تُدوِّي في الآفاقِ، وتخترقُ الحُجُبَ والأعماقَ، لتُعلن للنفسِ ولكل الناسِ أن العظمةَ للهِ وحدَه، والكبرياءَ للهِ وحدَه.
اللَّهُ أَكْبَرُ؛ هيَ شِعَارُ الصَّلَوَاتِ وَالْأَذَانِ وَالْأَعْيَادِ، ينادَى بها إلى الصلاةِ، وتُستفتحُ بها الصلاةُ، وأدبارُ الصلواتِ، اللَّهُ أَكْبَرُ؛ يُختتمُ بها الصيامُ، اللَّهُ أَكْبَرُ عندَ ذبحِ بهيمةِ الأنعامِ، وعندَ رميِ الجمراتِ، اللَّهُ أَكْبَرُ في الأيامِ العشرةِ المعلوماتِ، وفي الأيامِ الأربعةِ المعدوداتِ.
نصعدُ شرفًا فنترنمُ بالعظمةِ اللَّهُ أَكْبَرُ، ويُعجبُنا الأمرُ فنصدحُ بالكبرياءِ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ فتحُوا بها المدائنَ، وحطمُوا بها الحصونَ، قالها خيرُ الخلقِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففُتحتْ خيبرُ، قالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ"(متفق عليه)، وستُفتحُ مدائنُ في آخرِ الزمانِ بالتكبيرِ فقط!؛ كما أخبرَنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-(مسلم).
التكبيرُ -أيُها المؤمنونَ- ذِكْرٌ جليلٌ، وطاعةٌ عظيمةٌ، دعا اللهُ -سبحانَه وتعالى- عبادَه إليها: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)[المدثر: 3]، (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الإسراء: 111].
أتدري كم نقولُ اللَّهُ أَكْبَرُ في اليومِ والليلةِ؟ احسِب معي: في الأذانِ والإقامةِ خمسونَ تكبيرةً، وفي الصلواتِ المكتوبةِ أربعٌ وتسعون تكبيرةً، وفي أدبارِ الصلواتِ الخمسِ مئةٌ وخمْسٌ وستونَ تكبيرةً، وإذا أضفتَ الرواتبَ والوترَ وسنةَ الضحى، فالمجموعُ يوميًا يتجاوزُ خمس مئةِ تكبيرةٍ!.
فإن قلتَ: ما معنى اللَّهُ أَكْبَرُ؟ فيُقالُ: معناها أنه لا أكبرَ منه -عزَ وجلَ-، وأنّه -سبحانَه- الكبيرُ المتعالُ الذي تَصاغرَ عندَ كبريائِه كلُّ كبيرٍ وعظيمٍ، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللَّهُ أَكْبَرُ، فَهَلْ شَيْءٌ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ اللَّهِ"(مسند أحمد).
اللَّهُ أَكْبَرُ تقولُ لك: تأملْ في نفسِك -أيُها العبدُ- تجدْ أنَّ أَوَّلَكَ نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وَأَمَّا آخِرُكَ فَجِيفةٌ قَذِرَةٌ، وأَنْتَ بَيْنَ ذَلِكَ تَحْمِلُ الْعَذِرَةَ"، ففيمَ تتكبرُ؟!.
إنها كلمةٌ تُعلنُ للناسِ قائلةً: لا تضطربُوا ولا تنحرفُوا فهذا المنهجُ، لا تتراجعُوا فهذا النداءُ، لا شيءَ يغلبُكم ما دامتْ كلمتُكم: "اللَّهُ أَكْبَرُ".
إنها كلمةٌ نقولُها في المواضعِ الكبارِ والمخاوفِ، ولذا قالَ ابنُ تيمية -رحمه الله-: "التَّكْبِيرُ مَشْرُوعٌ عِنْدَ كُلِّ أَمْرٍ كَبِيرٍ مِنْ مَكَانٍ وَزَمَانٍ وَحَالٍ وَرِجَالٍ؛ لِتَسْتَوْلِيَ كِبْرِيَاؤُهُ فِي الْقُلُوبِ عَلَى كِبْرِيَاءِ مَا سِوَاهُ، وَيَكُونَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ"(مجموع الفتاوى).
فإن قيلَ لكَ: ما فائدةُ قولِ اللَّهُ أَكْبَرُ؟ فقلْ: بهذا التكبيرِ المتكررِ تجديدٌ لعهدِ الإيمانِ، وربْطٌ للمسلمِ بالربِّ الكبيرِ الديانِ، استفتحَ رَجُلٌ صلاتَه بـ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عَجِبْتُ لَهَا؛ فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ"(صحيح مسلم).
اللَّهُ أَكْبَرُ ما أحلَى النداءَ بِها *** كأنَّها الريُّ في الأرواحِ يُحييها
نتكاسلُ عن إجابةِ داعِي اللهِ، فتأتي: اللَّهُ أَكْبَرُ على لسانِ المؤذنِ؛ لتُعلنَ أن اللَّهُ أَكْبَرُ من نفسِك الأمارةِ، فأجب نداءَ العظيمِ الأكبرِ، ولا تستسلم للهوَى؛ فتتكدرَ اللَّهُ أَكْبَرُ عندَ نزوتِك، اللَّهُ أَكْبَرُ في خلوتِك، اللَّهُ أَكْبَرُ عند حُزنِك وهمِك، ومن تعلقَ باللهِ الأكبرِ كفاهُ كلَ همٍ وحزنٍ.
فارْفَعْ يَدَيْكَ إِلَى السَّمَاءِ فَفَوْقَهَا *** رَبٌّ إِذَا نَادَيْتَهُ مَا ضَيَّعَكْ
هذه الكلمةُ العظيمةُ مع أخواتِها الباقياتِ الصالحاتِ كانت أَحَبَّ إِلَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، والجَنَّةُ قِيعَانٌ، وَغِرَاسُهَا "سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ"(سنن الترمذي).
فاللهم اجعلنا ممن يُكبِرُك تكبيرًا، ويُعظِمُك تعظيمًا كثيرًا.
الخطبة الثانية:
اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا، والصلاةُ والسلامُ على مَن للهُدى دعانا.
أما بعدُ: فقد مرتْ علينا دورةٌ تدريبيةٌ على الذكرِ والتكبيرِ، مدتُها أربعةَ عشرَ يومًا، وقد بقيَ منها ثلاثونَ ساعةً، تنتهي بغروبِ شمسِ الغدِ، نعم انتهتِ العشرُ، وقاربتِ التشريقُ على التغريبِ، لكنَّ ذكرَ اللهِ باقٍ، يحيا به الذاكرونَ اللهَ كثيرًا، ويزيدُ به إيمانُهم وقربُهم وحبُهم لربِهم.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "إِنِّي لَأُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ، قَدْرَ دِيَتِي"(مصنف ابن أبي شيبة)، وكَانَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ يُسَبِّحُ فِي الْيَوْمِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ سِوَى مَا يَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَقِيْلَ لِعُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ: كَمْ تُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؟ قَالَ: مِئَةَ أَلْفٍ، إِلَّا أَنْ تُخْطِئَ الْأَصَابِعُ.
أما في زمانِنا فالذاكرونَ اللهَ كثيرًا والذاكراتُ يَعدُّونَ بسبحاتِهم الإلكترونية وبجوالاتِهم آلافَ التسبيحاتِ والتكبيراتِ والتحميداتِ والتهليلاتِ، والصلواتِ على خيرِ البرياتِ، فاللهم اجعلنا منهم.
اللهم وتقبلْ ذِكرَنا وشُكرَنا وثجَنا وحَجَنا وما قدَمْنا لأنفسِنا من خيرٍ، اللهم وأعِدْ علينا بركةَ هذهِ الأيامِ المباركاتِ السالفاتِ، اللهم قد أجبتَ دعواتٍ بيومِ عرفةَ أنت أعلمُ بحصرِها، اللهم اجعلْ لنا بكرمِك من إجابةِ تلك الدعواتِ أوفرَ النصيبِ، ربَنا أوزِعْنا أن نشكرَ نعمتَك التي أنعمتَ علينا وعلى والدَينا وأن نعملَ صالحًا ترضاه وأدخِلنا برحمتِك في عبادِك الصالحينَ، اللهم احمِ حِمانا، واخذُل عِدانا، اللهم اجعلْ مليكَنا ووليَ عهدِهِ وجنودَنا وحجيجنا في ضَمانِك وأمانِك.
وصلِ اللهُم وسلِم على عبدك ورسولك محمدٍ.
التعليقات