عناصر الخطبة
1/استغلال الوقت في طاعة الله 2/التقوى: أهميتها وفضلها والمقصود بها 3/نعمة التوفيق للعمل ونعمة قبوله 4/معنى قبول العمل 5/أسباب عدم القبول الأعمال الصالحة 6/خوف السلف من عدم قبول العمل 7/علامات قبول الأعمال الصالحة 8/ثمرات وفوائد الطاعاتاهداف الخطبة
اقتباس
عظموا ما عظم الله، واعلموا: أنَّ حياة الإنسان الحقيقية، هي: بطاعة الله -عز وجل-. فبالطاعة يطمئن الإنسان في حياته: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]. ويأمن في عيشه، ويهتدي في أموره: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82]. والطاعة سبب لتفريج الكربات، و...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...
أما بعد:
فما أقرب القاصي من الداني، وكل ما هو آت آت.
أين أيام عشر ذي الحجة، ويوم الحج الأكبر، وأيام التشريق المعدودات؟
أيام عظيمة، ومواسم كريمة، لا رجعة لها إلا في عام قادم، والله أعلم من يدركها، وهو سبحانه أعلم بمن يدركه مفرق الجماعات: (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [النحل: 61].
فاحمدوا الله على فضله، واشكروه على تيسيره، ونية المؤمن خيرٌ من عمله.
فأبواب الخير للراغبين مشرعة، وطرق تحصيل الثواب متنوعة.
وجماع ذلك كله: تقوى الله -تعالى-، وهي وصية الله للأوَّلين والآخرين، ولا أنفع من وصية الله -تعالى-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) [النساء: 131].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معاذ: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".
فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتقوى الله في كل مكان في حضر أو سفر، في سرٍ أو علانيةٍ: "حيثما كنت".
ثم بعد تقوى الله، مجتهداً في فعل أمره، تاركاً كل نهيه، يأتي التسديد والإصلاح لما قد يقع فيه العبد من زلةٍ إثر غفلة، أو معصية بسبب جهالة: "واتبع السيئة الحسنة تمحها".
(إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود: 114].
فالسيئة نكتة سوداء في صحيفة ابن آدم، وإنما سميت سيئة لأنها تسوء صاحبها فهي ضيقٌ في صدره، وسببٌ لنزعِ البركة من عمره، وعمله وماله.
وهي كذلك حسرة في آخرته: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا)[آل عمران: 30].
وإنَّ نعمة الله على العبد بالعمل الصالح نعمة عظيمة، الناس غافلون وأنت مشتغل بعبادة الله، رخصت أوقات قوم، فهم على لهوهم مقيمون، وأنت أدركت فضائل الأوقات، وتبصرت مواسم الأجور، فشحت نفسك بدقائقها، واستمسكت بلحظاتها.
فماذا بعد نعمة العمل؟
بعد نعمة العمل تأتي نعمة القبول.
ومعنى القبول: أن عملك مرضي عند الله، موافق لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فهو مسطر في صحيفة حسناتك، تزداد به درجاتك، ويحط الله به ما شاء من سيئاتك.
واستمع إلى خسارة من عمل عملا لم يصادف قبولاً عند الله، يقول تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً)[الغاشية: 2- 4].
فهي خاشعة ذليلة أجهدت نفسها، فهي عاملة نصبت أي تعبت من العمل، ثم نهايتها تصلى ناراً حامية؛ لأنها كانت مرائية في عملها فهي خاشعة خشوع النفاق، أو هي عاملة على وفق الهوى، ليس على وفق الهدى.
فهم على يهودية محرفة، ونصرانية باطلة.
ومن هؤلاء الفرق التي اجهدت نفسها بعبادات ما أنزل الله بها من سلطان؛ فهم من أصحاب تعظيم القبور، وتأليه الأسياد، والترنم بالأدعية، والتوسلات الشركية: (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الحـج: 11].
فاطلب القبول بعد تيسر العمل: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: 127].
فأحسن الظن بالله مع خوفك أن يكون في عملك شيء من موانع القبول ورد العمل.
ألا وإن من أعظم أسباب عدم القبول: العجب بالعمل، والمنة به على الله: (قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ) [الحجرات: 17].
وقال الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ) [المدثر: 6].
قال الحسن البصري في معنى الآية: "لا تمنن بعملك على ربك تستكثره".
وقد أثنى الله -تعالى- على الذين عملوا واجتهدوا، ومع ذلك خافوا عدم القبول، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون: 60].
أي يعطون العطاء وهم خائفون وجلون أن لا يتقبل منهم لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشرط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط؛ فعن عائشة أنها قالت: "يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله -عز وجل-؟ قال: "لا يا بنت الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق، وهو يخاف الله -عز وجل-" [رواه الإمام أحمد].
وفي رواية: "لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يتقبل منهم".
فأعظم -يا عبد الله- الرجاء، وأكثر الدعاء.
والزم الاستغفار، فمهما حرص الإنسان على تكميل عمله، وتحسينه، فإنه لابد من نقص، أو تقصير، وبالاستغفار بعد العبادات يسد الخلل، ويستدرك ما فات: (ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [البقرة: 199].
أيها العبد الموفق: العمل الصالح شجرة مباركة بالسقي تزداد ثمارها، وتورق أغصانها، وسقيها بالعمل الصالح؛ فمن علامة القبول: صلاح الحال بعد العمل الصالح، والإتيان بعمل صالح آخر فالحسنة بعد الحسنة منة، ونعمة ودليل على صدق ورغبة، فمن فضل الله ورحمته أنه يكرم عبداً من عباده إذا فعل حسنة، واخلص فيها لله أن يفتح له باباً وهمة إلى حسنة أخرى ليزداد قربة، وتبقى صلته بخالقه، قال الله -تعالى-: "ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".
فالله الله بدوام العمل.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب...
الخطبة الثانية:
فعظموا ما عظم الله، واعلموا: أنَّ حياة الإنسان الحقيقية، هي: بطاعة الله -عز وجل-.
فبالطاعة يطمئن الإنسان في حياته: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].
ويأمن في عيشه، ويهتدي في أموره: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].
والطاعة سبب لتفريج الكربات، والخروج من الورطات: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2- 3].
والطاعة سبب للبسط في الرزق، والتوسعة في العيش: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا) [الجن: 16].
ويبقى فوق كل ذلك: أن الطاعة سبب لنيل رحمة الله التي يدخل بها الإنسان الجنة: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص: 83].
(وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا) [الطلاق: 11].
التعليقات