عناصر الخطبة
1/المسلم مطيع لأوامر الله مجتنب لنواهيه 2/الدعاء من أسباب رفع البلاء 3/سؤال الله العافية في الدين والدنيا من أعظم الدعاء 4/البلاء العام لا يرفعه إلا رب العالمين 5/من أسباب رفع البلاء التوبة والإنابة لله تعالىاقتباس
وإن البلاء العامَّ لا يرفعه إلا ربُّ العالمينَ، ومن أسباب رفعه التعاونُ على اتخاذ الأسباب الشرعية، والتجارب المباحة، وأعظم أسباب رفعه التوبةُ العامةُ من الأمة كلها، فالله -عز وجل- يرحم بالتوبة والدعاء، ما يعجز عنه العبادُ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله العَفُوِّ الكريم، الشكور الحليم، يدبِّر خلقَه بمشيئته ورحمته وقدرته، وهو بكل شيء عليم، أحمد ربي وأشكره على نِعَمه التي لا يُحصيها إلا هو، ما عَلِمْنا منها وما لم نعلم، والله ذو الفضل العظيم، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، ربُّ العرش الكريم، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، ذو الخُلُق العظيم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمد، وعلى آله وصحبه، ذوي النَّهْج القويم.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ بالقيام بالواجبات، ومجانَبة المحرَّمات، تفوزوا بالخيرات في الحياة وبعد الممات، وتتبوَّؤُوا مساكِنَكم في الجنات، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطَّلَاقِ: 5].
أيها الناس: من كان يريد الآخرةَ فالآخرة بيد الله وحدَه لا شريكَ له، بيَّن اللهُ -عز وجل- الأعمالَ لها قبل الموت، فنِعْم العملُ، ونعمَ الثوابُ، ومن أراد الدنيا ونسي الآخرةَ فَمَالِكُ الدنيا ربُّ العالمينَ، يؤتيه اللهُ منها نصيبًا، وما له في الآخرة من نصيب، قال سبحانه: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)[الْإِسْرَاءِ: 18-20]، وقال عز وجل: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)[الشُّورَى: 20]، وقال تعالى: (وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى)[اللَّيْلِ: 13]، فمَنْ طلَبَهما فلا يطلبهما إلا من الله تعالى.
والمسلمُ يتمتَّع بما خوَّلَه اللهُ في هذه الحياة متاعًا حسنًا، فلا يتعدَّى المباحات إلى المحرَّمات، ويلزم القصدَ ويُجانِب الإسرافَ والمباهاةَ، ويُصلح في الحياة فيما آتاه اللهُ، وينمِّي الخيرَ في رزق الله، ويجعل ما قسَم اللهُ له من الدنيا زادًا له إلى دار النعيم المقيم في الأخرى، قال الله -تعالى-: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [الْبَقَرَةِ: 200-202]، وقال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[الْقَصَصِ: 77].
أيها الناسُ: إنه لا يُنال ما عند الله من الخير إلا بطاعته، ولا يُصرَف عن الإنسان من الشر إلا بفضل الله ورحمته، قال الله -سبحانه-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[يُونُسَ: 107]، وأُذَكِّر بحقيقةٍ يسعى إليها كلُّ إنسان، وهي إن كُلًّا يعمل ويجتهد لينال الخيرات، ويحوز على الفضائل والمكرمات، وينجو ويعافى من الشرور والمهلِكات، ولكن هذا المطلب العالي، وهذا الفوز والفَلَاح الأعظم لا يُنال ولا يتحقَّق إلا باتباع طريق الرُّسُل، -صلَّى الله عليهم وسلَّم-، وخاتمهم نبينا وسيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام-، فمَنِ اتبَعَه فاز بخيرَي الدنيا والآخرة، وإن أصابَه مكروهٌ، وإن أصابَه ما يَكرَه من المصائب، عن صهيب بن سنان -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عجبًا لأمر المؤمن، إن أمرَه كلَّه خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابَتْه سراءُ شَكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضراءُ صَبَرَ فكان خيرًا له"(رواه مسلم).
ومَنْ أخطَأَ الطريقَ فحُرِمَ الإيمانَ فقد خَسِرَ دنياه وأخراه، ولا ينفعه ما نال من الدنيا، فمتاع الدنيا مضمحِلٌ زائلٌ، وسرورُها مشوبٌ بالحزن والغوائل، قال تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[الْحَدِيدِ: 20]، فَارْغَبْ -أيها الإنسانُ- إلى ربِّكَ، وداوِمْ على الدعاء بسؤال الله -تعالى- كلَّ خير، والاستعاذة به من كل شرٍّ، فربُّنا الرحمن الرحيم، يحب أن نسأله أعلى المطالب، قال سبحانه في الحديث القدسي: "يا عبادي، لو أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيتُ كلَّ واحد منهم مسألتَه ما نقَص ذلك ممَّا عندي إلا كما ينقص المخيطُ إذا أُدخِلَ البحر"(رواه مسلم، عن أبي ذر).
ومن الدعاء النافع لحفظ الدين وعافية الأبدان وحفظ مصالح الدنيا والآخرة سؤالُ الله -تعالى- العافيةَ، ولاسيما في هذه النازلة العامة، والمصيبة الطامة، عن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- قال: "قلتُ: يا رسول الله، علِّمْني شيئًا أدعو اللهَ به، قال: سَلْ ربَّكَ العافيةَ، فمكثتُ أيامًا ثم جئتُه قلتُ: يا رسولَ اللهِ، علِّمْني شيئًا أسأله اللهَ -تعالى-، قال: يا عباسُ، يا عمَّ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، سَلِ اللهَ العافيةَ في الدنيا والآخرة"(رواه الترمذي، وقال: هذا حديث صحيح)، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُجِلُّ العباسَ ويُحِبُّه، ويُنزِله منزلةَ الوالدِ، وكان يقول له: "يا عمِّ، أكثِرِ الدعاءَ بالعافية"(رواه الطبراني)، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يعظِّمون العباس، فكان عمر وعثمان -رضي الله عنهما- إذا مرَّا بالعباس نَزَلا عن دوابهما إجلالًا له.
قال إمام القراء والمحدِّثين في زمانه محمد بن محمد بن الجزري -رحمه الله-: "فلينظُر العاقلُ مقدارَ هذه الكلمة، التي اختارها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لعمِّه، فإن مَنْ أُعطِيَ العافيةَ فاز بما يرجوه ويُحِبُّه قلبًا وقالبًا، ودِينًا، ووُقِيَ ما يخافه في الدارينِ عِلْمًا يقينًا، فلقد تواتَر عنه -صلى الله عليه وسلم- دعاؤُه بالعافية، وورَد عنه لفظًا ومعنًى من نحو خمسين طريقًا، هذا وقد غفَر اللهُ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وهو المعصوم على الإطلاق حقيقةً، فكيف بنا ونحن عرضةٌ لسهام القَدَرِ، وغرضٌ بين النفس والشيطان والهوى" انتهى كلامه، رحمه الله.
وعن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سَلُوا اللهَ العافيةَ والعفوَ؛ فإن أحدًا لم يُعطَ بعدَ اليقين خيرًا من العافية"(رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد)، واليقينُ هو الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخِر، وبالقَدَر خيرِه وشرِّه، والتصديق الجازم بما جاء في القرآن والسُّنَّة، لا يخالِطه شكٌّ في ذلك، والركون إلى الله في كل شيء، وتفويض الأمور كلها إليه، وعن أنس -رضي الله عنه- أن رجلًا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسولَ اللهِ، أيُّ الدعاءِ أفضلُ؟ قال: سَلْ ربَّك العافيةَ والمعافاةَ في الدنيا والآخرة، ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله، أيُّ الدعاءِ أفضلُ؟ فقال له مثلَ ذلك، ثم أتاه في اليوم الثالث فقال له مثلَ ذلك، وقال: فإذا أُعطيتَ العافيةَ في الدنيا وأُعطيتَه في الآخرة فقد أفلحتَ"(رواه الترمذي).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "لَمْ يكن رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يدع هؤلاء الدعواتِ حين يُمسي وحين يُصبِحُ: اللهم إني أسألكَ العافيةَ في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمِنْ روعاتي، اللهم احفظني من بين يديَّ ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي"(حديث صحيح، رواه أو داود وابن ماجه والحاكم وابن حبان).
والدعاء يدفع اللهُ به هذا الوباءَ وغيرَه، عن سلمان -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يَرُدُّ القضاءَ إلا الدعاءُ، ولا يزيد في العمر إلا البِرُّ"(رواه الترمذي، والحاكم، وابن حبان)، والذِّكْرُ بأنواعه كلها دعاءُ عبادةٍ، يدفع اللهُ به، تأمَّل قولَ النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى الأشعري: "قُلْ: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله؛ فإنها كنزٌ من كنوز الجنة"(رواه البخاري ومسلم)، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله دواءٌ من تسعة وتسعين داءً، أيسَرُها الهمُّ"(رواه الطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرَك، وقال: صحيح الإسناد).
وتمامُ النفعِ في الذِّكْر بحضور القلب واليقين، وقد أمَر اللهُ -تعالى- المسلمينَ بالدعاء بطَلَب الخير ودفع كلِّ شرٍّ، وأمَر بالتوكُّل على الله، وصِدْق الالتجاء عليه، واعتماد القلب عليه، فقال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ)[الْفُرْقَانِ: 58]، وقال تعالى: (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ)[هُودٍ: 123]، وضَمِنَ اللهُ لمن توكَّل عليه حقًّا، والتَجَأَ إليه صدقًا ضمن له الكفايةَ، فقال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطَّلَاقِ: 3]، وأمَر الشارعُ بمباشَرة الأسباب مع التوكُّل على خالقها، عن أسامة بن شريك قال: "كنتُ عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وجاءت الأعرابُ فقالوا: يا رسولَ اللهِ، أنَتَدَاوى، فقال: يا عبادَ اللهِ، تَدَاوَوْا؛ فإن الله -عز وجل- لم يضع داءً إلا وضَع له شفاءً، غيرَ داء واحد، قالوا: وما هو؟ قال: الهرم"(رواه أحمد والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح).
والدعاء والتعوُّذ بالله من الشرور كلها العامِّةِ والخاصَّةِ من الأسباب المقدَّرة التي أُمِرْنا بها، أمَرَنا ربُّنا بالعمل بها، مع الأدوية، فعن عبد الله بن خُبَيْب -رضي الله عنه- قال: "قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: قُلْ هو الله أحد، والمعوِّذتين، حين تُمسي وحين تُصبِح ثلاثَ مراتٍ، تكفيكَ عن كل شيء"(رواه أبو داود والترمذي)، فقراءة قل هو الله أحد توسُّل إلى الله بأسمائه وصفاته، والمعوِّذتان بعد ذلك استعاذة بالله من الشرور كلها العامة والخاصة، وتعوُّذ من أسباب الشرور كلها، وجاء في الحديث: "لم يُسأل اللهُ بمثلِهِما"، وممَّا ينبغي تكرارُ التذكير به التعاون على أَخْذ الحيطة والتقيُّد بالإرشادات الصحية؛ ليتمَّ من الجميع تجاوُزُ هذه النازلة العصيبة، والشدة المعضِلة، وجزى اللهُ خيرَ الجزاء ولاةَ أمرنا -رعاهم الله-، على بذلهم السخيِّ في مواجَهة هذا الوباء الجارف، وحرصهم الشديد على صحة المواطنين والمقيمين، فالتقيُّد بالإرشادات والتعليمات يقلِّل من أضرار هذا الفيروس -بإذن الله-، وسيرفع الله -تعالى- هذا البلاءَ بإذنه، فرحمةُ الله واسعةٌ، وفَرَجُه قريبٌ، قال الله -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غَافِرٍ: 60].
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، ونفعنا بهَدْي سيدِ المرسلينَ، وقولِه القويمِ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله الذي خلَق كلَّ شيء فقدَّره تقديرًا، وَسِعَ كلَّ شيء علمًا، وأحصى كلَّ شيء عددًا، وكان الله سميعًا بصيرًا، أحمد ربي وأشكره على نِعَمه التي لا يُحصيها إلا هو، ما عَلِمْنا منها وما لم نعلم، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، لا يُعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، مَنِ استغاث به أنجاه، ومَنْ سأل كفايتَه كفاه، ومن استنصَرَه واستهداه آواه، وكفَى بربِّك هاديًا ونصيرًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، بعثَه اللهُ بشيرًا ونذيرًا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ، وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا اللهَ، اتقوا اللهَ -عز وجل-؛ فبالتقوى يمنُّ اللهُ بالثواب، ويُجير من العذاب.
أيها الناس: أنتم تسمعون وترون ما عمَّ الأرضَ من الكرب الشديد، وإن البلاء العامَّ لا يرفعه إلا ربُّ العالمينَ، ومن أسباب رفعه التعاونُ على اتخاذ الأسباب الشرعية، والتجارب المباحة، وأعظم أسباب رفعه التوبةُ العامةُ من الأمة كلها، فالله -عز وجل- يرحم بالتوبة والدعاء، ما يعجز عنه العبادُ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الحلالُ بَيِّنٌ، والحرامُ بَيِّنٌ"، وقد قصَّ اللهُ رفعَ العذاب عن قوم يونس -عليه السلام- بالتوبة فقال سبحانه: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)[يُونُسَ: 98]، قال ابن كثير -رحمه الله- الله في تفسيره: "لَمَّا فَقَدُوا نبيَّهم وظنُّوا أن العذاب دَنَا منهم قذَف اللهُ في قلوبهم التوبةَ، وَلَبِسُوا المسوحَ، وفرَّقُوا بين كل بهيمة وَوَلَدِهَا، ثم عجُّوا إلى الله أربعينَ ليلةً، فلما عرَف اللهُ منهم الصدقَ من قلوبهم والتوبةَ والندامةَ على ما مضى منهم كشَف اللهُ عنهم العذابَ بعد أن تدلَّى عليهم" انتهى كلامه.
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى اللهُ عليه بها عشرًا"، فصلُّوا وسلِّمُوا على سيدِ الأولينَ والآخِرينَ، وإمام المرسلينَ، اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا، اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعينَ، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديِّين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن التابعينَ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنا معهم بمنك وكرمك، اللهم وارض عنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك، يا أرحم الراحمين يا ذا الفضل العظيم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، اللهم أذل البدع، اللهم أذل البدع يا رب العالمين التي تضادُّ ما جاء به نبيُّك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم أذِلَّ البدعَ إلى يوم الدين، اللهم لا ترفع بدعةً تضادُّ دينَكَ يا ربَّ العالمينَ إلى يوم القيامة، إنكَ على كل شيء قدير، أنتَ القاهرُ فوقَ عبادِكَ، اللهم اجعلنا من المتمسِّكين بسُنَّة نبيِّكَ محمد -صلى الله عليه وسلم- في هذه الدنيا، وتَوَفَّنا على الإيمان الذي يرضيك يا رب العالمين، وأن تُعِيذَنا من شرور أنفسنا، اللهم أَعِذْنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ومن نزغات الشيطان يا رب العالمين، اللهم أعذنا وأَعِذْ ذرياتِنا من إبليس وذريته وشياطينه يا رب العالمين وأوليائه، إنك على كل شيء قدير، وأَعِذِ المسلمينَ من الشيطان الرجيم وذرياتهم يا رب العالمين.
اللهم إنَّا نسألكَ أن تغفرَ لموتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين يا رب العالمين، اللهم اكشف هذا البلاء، اللهم اكشف هذا البلاء عن الأمة، اللهم اكشف هذا البلاء وهذه النازلة وهذا الفيروس، وهذا المرض يا رب العالمين، اللهم يا رب العالمين ارفعه عن بلاد المسلمين، وارفعه من الأرض إنك على كل شيء قدير، اللهم عافِنا واعفُ عنا، اللهم عافنا يا رب العالمين منه وعافِ المسلمينَ منه يا ربَّ العالمينَ، وارفعه عن الأرض إنكَ على كل شيء قدير يا ربَّ العالمينَ، اللهم أَعِذْ بلادَنا من كل شر ومكروه، اللهم احفظ جنودَنا يا رب العالمين، إنكَ على كل شيء قدير، اللهم أَحْسِنْ عاقبتَنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة.
اللهم اغفر لنا ما قدَّمْنا وما أخَّرْنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم، وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم وفِّقْ خادمَ الحرمين الشريفين لِمَا تحب وترضى، اللهم وفِّقْه لهداك واجعل عملَه في رضاك يا رب العالمين، اللهم أَعِنْه على كل خير، اللهم إنَّا نسألكَ أن تُوَفِّقه للرأي السديد، ولِمَا فيه العزُّ للإسلام والمسلمين، اللهم وفِّق وليَّ عهده لِمَا تحب وترضى، اللهم وفقه لهداك واجعل عملَه في رضاكَ، وأَعِنْه على كل خير، ووفقه للرأي السديد يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير، اللهم لا تَكِلْنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ، وأصلح لنا شأنَنا كلَّه، اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابَه، اللهم إنا نسألك يا ذا الجلال والإكرام، أن تُحسِنَ العاقبةَ لنا وللمسلمين، إنك على كل شيء قدير.
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات