الكتاب الأخير

تركي بن عبدالله الميمان

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/حقيقة كتاب الأعمال 2/لكل عبد كتاب وعند موته يطوى 3/نشر الكتب يوم القيامة وحال المؤمنين والكافرين عند استلامها 4/املؤوا كتبكم بما يسركم يوم القيامة

اقتباس

إِنَّهُ الكِتَابُ الأَخِيْر، وَهُوَ الَّذِي يُحَدِّدُ المَصِير؛ فَهُوَ كِتَابٌ كَامِل، وَتَقْريْرٌ شَامِل، مِنْ وِلَادَةِ الإِنْسَانِ وَحَتَّى وَفَاتِه؛ إِنَّهُ كِتَابُ الأَعْمَال...

الْخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوْا اللهَ وَرَاقِبُوه، وأَطِيْعُوهُ ولاَ تَعْصُوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

 

عِبَادَ الله: إِنَّهُ الكِتَابُ الأَخِيْر، وَهُوَ الَّذِي يُحَدِّدُ المَصِير؛ فَهُوَ كِتَابٌ كَامِل، وَتَقْريْرٌ شَامِل، مِنْ وِلَادَةِ الإِنْسَانِ وَحَتَّى وَفَاتِه؛ إِنَّهُ كِتَابُ الأَعْمَال.

 

وهَذَا الكِتَابُ الأَخِير تَفْصِيلٌ وبَيَانٌ لِكُلِّ مَا عَمِلَهُ الإِنْسَانُ مِنْ إِسَاءَةٍ وإِحْسَان، قال تعالى: (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

 

وَنَشْرُ الكُتُب، وَتَطَايُرُ الصُّحُف مَرْحَلَةٌ عَصِيْبَةٌ، مِنْ مَرَاحِلِ القِيَامَة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً حُفَاةً". فقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، واسَوْأَتَاهُ! يَنْظُرُ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ؟، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "شُغِلَ النَّاسُ". قُلْتُ: مَا شَغَلَهُمْ؟، قال: "نَشْرُ الصُّحُفِ، فِيهَا مَثَاقِيلُ الذَّرِّ، ومَثَاقِيلُ الْخَرْدَلِ"(رواه الطبراني).

 

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ؛ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا!" وَذَكَرَ مِنْهَا: "وَعِنْدَ الْكِتَابِ؛ حِينَ يُقَالُ: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) [الحاقة:19]؛ حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ"(رواه أبو داود، وصححه الحاكم)

 

وَكِتَابُ أَعْمَالِكَ هُوَ الَّذِي يُقَرِّرُ مَآلَكَ وَيُحَدِّدُ مُسْتَقْبَلَكَ الحَقِيْقِي، وَمَصِيْرَكَ الأَبَدِيّ، حَيْنَ تَسْتَلِمُ النَّتِيْجَةَ النِّهَائِيَّة، عِنْدَمَا تَطِيْرُ الصُّحُفُ إِلى الْأَيْدِي، (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا) [الإنشقاق:7-11].

 

وَكِتَابُ الأَعْمَالِ، يُطْوَى عِنْدَ الْمَوْتِ، وَيُنْشَرُ عِنْدَ الْحِسَابِ، قال تعالى: (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ)[التكوير:10].

 

وَمِنْ عَدْلِ اللهِ: أَنْ جَعَلَ لَكَ كِتَابًا، وَوَكَّل بِكَ مَلَكَانِ يَكْتُبَانِ حسَنَاتِكَ وسَيِّئَاتِك؛ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُكَ طُوِيَتْ صَحِيفَتُكَ، فَجُعِلَتْ فِي عُنُقِكَ، قال تعالى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)[الإسراء:13].

 

وَيُخْرِجُ اللهُ للإِنْسَانِ كِتَاب عَمَلِه، فَيَلْقَاهُ مَفْتُوْحًا أَمَامَه، (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)[الإسراء:14]. قال بَعْضُهُمْ: "عَدَلَ وَاللَّهِ؛ مَنْ جَعَلَكَ حَسِيْبَ نَفْسِكَ".

 

ويَأْخُذُ المُؤْمِنُ كِتَابَهُ بِيَمِيْنِه؛ فَيَفْرَحُ فَرْحَةً مُدَوّيةً؛ (فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ)[الحاقة: 19] (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ) [الحاقة:25]. وَجَاءَ في الحَدِيْث: "يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ! قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ! فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ"(رواه البخاري ومسلم)

 

وَيَقِفُ المُجْرِمُونَ عَلى كِتَابِ أَعْمَالِهِمْ، وَقَدِ اطَّلَعُوا عَلَى مَا فِيْهَا مِنْ تَسْجِيْلٍ كَامِلٍ، لِلْجَرَائِمِ الَّتِي كانُوا يَتَفَنَّنُوْنَ في ارْتِكَابِهَا! وَحِيْنَئِذٍ يَدْعُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْوَيْلِ؛ لِوُقُوْعِهِمْ فِي الْهَلَاكِ، واليَأْسِ مِنَ الفِكَاك، (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مَا لِهذا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا)[الكهف:49].

 

يَقُولُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: "يَا وَيْلَتَاهُ! ضِجُّوا إِلَى اللَّهِ مِنَ الصَّغَائِرِ قَبْلَ الْكَبَائِرِ".

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.

 

عِبَادَ الله: الأَيَّامُ صَحَائِفُ الأَعْمَال، فَسَطِّرُوا فِيْهَا أَحْسَنَ الأَفْعَال، قال تعالى: (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ* وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ)[القمر:52-53] ، قال المُفَسِّرُوْن: "أَيْ كُلّ ما فَعَلُوهُ مَكْتُوبٌ في صَحَائِفِ الأَعْمَالِ".

 

والسَّعِيْدُ مَنْ طَهَّرَ كِتَابَهُ مِنَ السيّئَات، وَمَلَأَهُ بِالحَسَنَات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا"(رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)

 

اللَّهُمَّ يَمِّنْ كِتَابَنَا، وَيَسِّرْ حِسَابَنَا، وَثَبِّتْ على الصِّرَاطِ أَقْدَامَنَا.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمشركين.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المهمومين، وَنَفِّسْ كَرْبَ المكروبين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنِا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، واشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

 

المرفقات
vBYR44wWgDYm1kUDmgjZoyrcLJGmAJnRfq5J428x.doc
kYTDahbMzwOPG9UmSGIUtMPp60qYD4OrmZsMx67p.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life