عناصر الخطبة
1/ فضائل القرآن العظيم 2/ القرآن منهج حياة 3/ فوائد التمسك بالقرآن في الدنيا والآخرة 4/ آثار قرار فتح فصول لحفظ القرآن 5/ إحصاءات عن أثر حفظ القرآن في المدارس والسجون.اهداف الخطبة
اقتباس
لقد أدركت حكومتنا المباركة منذ زمن أهمية دراسة وتعليم القرآن الكريم في مدارس البنين والبنات، وبتوفيق من الله –تعالى- ثم بقيادة حكيمة وقرار صائب من وزير التربية والتعليم -حفظه الله- بفتح الفصول لتحفيظ القرآن الكريم في المدارس الحكومية العامة، وإن هذا القرار قد أبهج كل محبّ للقرآن، فهو قرار مسدد، يُذكر فيُشكر، ويدعى لأهله، ويشد على أيديهم، نصرة وحباً في القرآن. وإنه – والله للأسف – خرجت فئة من كُبار الكتاب والمفكرين، يدّعون الحب للوطن، معترضين على هذا القرار .. يظنون ظن السوء أنه قرار رجعي متخلف، يظنون ظن السوء أنه قرار ينشئ جيل إرهاب وتكفير – والعياذ بالله –، واتهموا وزير التربية بالتخبط.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة ... اعلموا أن الله –تعالى- قد أكرمكم بإنزال القرآن على نبيكم، وخصكم بشرف أعظم كتبه (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة: 15- 16].
إنه القرآن الكريم .. العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، وهو شفاء لما في الصدور، والحكم العدل عند مشتبهات الأمور، وهو الكلام الجزْل، وهو الفصل الذي ليس بالهزل، سراج لا يخبو ضياؤه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه، وبحر لا يُدرك غورُه، بهرت بلاغتُه العقولَ، وظهرت فصاحته على كل مقول.
كِتَابُ اللَّهِ ... فِيهِ نَبَاُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أضَلَّهُ اللَّهُ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْألْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إذْ سَمِعَتْهُ أنْ قَالُوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْانًا عَجَبًا) مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ اُجِرَ، وَمَنْ دَعَا إلَيْهِ هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب، وصرفه بأبدع معنى وأعذب أسلوب، لا يستقصي معانيه فهمُ الخلق، ولا يحيط بوصفه على الإطلاق ذو اللسان الطلق، فالسعيد من صرف همته إلى القرآن، ووقف فكره وعزمه على القرآن، والموفق من وفقه الله لتدبر القرآن، واصطفاه للتذكير بالقرآن.
القرآن .. يملأ القلوب بشرًا، ويبعث القرائح عبيرًا ونشرًا، يحيي القلوب بأوراده (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ) [غافر: 15]، فسماه روحًا لأنه يؤدي إلى حياة الأبد، ولولا الروح لمات الجسد، فجعل هذا الروح سببا للاقتدار، وعلما على الاعتبار.
عباد الله .. إن هذا القرآن أنزل ليكون منهج حياة هي خيرُ حياة وأسعدُها، ومرشداً إلى سبيلٍ هو أقومُ سبيل وأنجحُه، يهذّبُ النفوس ويزكيها، ويقوِّم الأخلاق ويعليها، يقودُ من اتبعه إلى سعادة الدارين، وينجيه من شقاوة الحياتين (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً) [طه: 123- 124].
عباد الله .. كتاب ربنا بين أيدينا، نزَّهَه ربنا عن الخطأ والزلل (لاَّ يَأْتِيهِ الْبَـاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)، فهو الضياء والنور، وبه النجاة من الغرور، وفيه شفاء لما في الصدور، من تمسك به فقد هُدي، ومن عمل به فقد فاز. جعل الله فيه الهداية لمن شاء من عباده المتقين (ذلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتَّقِينَ) [البقرة: 2].
فسبحان من أنزل أعظم كتاب في أعظمِ شهر في أعظم ليلة هي خير من ألف شهر. وعد الله بحفظه من عبث العابثين، وتحريف الغالين (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـافِظُونَ) [الحجر: 9]، وإن من أسباب حفظه في القلوب والمصاحف: استدامة تلاوته، والمواظبة على دراسته، مع القيام بآدابه وشروطه، والمحافظة على ما فيه من الأعمال الباطنة، والآداب الظاهرة.
وإنما أراد الله من العباد بإنزال كتابه أن يأتمروا بأمره، وينتهوا بنهيه، ويصدِّقوا أخباره، ويوقنوا بما أخبر به من أمور الغيب، ويتخذوا من قصص الأمم الماضية المواعظ والعبر (كِتَـابٌ أَنزَلْنَـاهُ إِلَيْكَ مُبَـارَكٌ لّيَدَّبَّرُواْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الألْبَـابِ) [ص: 29]، (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24].
لقد كان سلفنا الصالح يعملون بالقرآن، ويقومون به علمًا وعملاً، يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا)، أضحوا سادة العالم، ومنار الهداية للحيارى، فقادوا الناس به إلى ربهم وجنته.
ولما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الفتن! قيل له: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: "كتاب ربكم وسنة نبيكم"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "ترَكْتُ فيكم أَمرينِ؛ لَن تضلُّوا ما تمسَّكتُمْ بِهِما: كتابَ اللَّهِ وسنَّةَ رسولِهِ"، فاعتصموا - عباد الله - بالكتاب والسنة، وعليكم بما فيهما من الأوامر والنواهي.
القرآن منهج حياة، ودستور ونظام، شريعة الله إلى أهل الأرض، قضى ألا يحتكموا إلا إليها، فالحاكمية لله وحده، فهو الحكم العدل (أَفَحُكْمَ الْجَـاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة: 50].
يا مسلمون، يا أمم الأرض، يا من ينشدون السعادة ويرجون النجاة، كتاب الله بين أيدينا كلامه ونوره ورحمته شفاؤه، من أراد الهدى فبالقرآن (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) [الإسراء: 9]، من أراد الغنى فبالقرآن! وهذا - والله - هو الربح والغنى.
من أراد مضاعفة الأجور فبالقرآن، فـ"من قرأ حرفًا من كتاب الله كان له حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ".
ومن أراد الشفاعة فبالقرآن قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يأتي القرآن شفيعًا لأصحابه".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي زين أولياءه بزينة الإيمان، وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله.
معاشر المؤمنين ... قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران"، وقال عليه الصلاة والسلام: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها"، وقال عليه الصلاة والسلام: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
لقد أدركت حكومتنا المباركة منذ زمن أهمية دراسة وتعليم القرآن الكريم في مدارس البنين والبنات، وبتوفيق من الله –تعالى- ثم بقيادة حكيمة وقرار صائب من وزير التربية والتعليم -حفظه الله- بفتح الفصول لتحفيظ القرآن الكريم في المدارس الحكومية العامة، وإن هذا القرار قد أبهج كل محبّ للقرآن، فهو قرار مسدد، يُذكر فيُشكر، ويدعى لأهله، ويشد على أيديهم، نصرة وحباً في القرآن.
وإنه – والله للأسف – خرجت فئة من كُبار الكتاب والمفكرين، يدّعون الحب للوطن، معترضين على هذا القرار .. يظنون ظن السوء أنه قرار رجعي متخلف، يظنون ظن السوء أنه قرار ينشئ جيل إرهاب وتكفير – والعياذ بالله –، واتهموا وزير التربية بالتخبط.
وعلى الجانب الآخر، انبرى آلاف السعوديون، بينهم نخبة من المثقفين والأكاديميين، بالدفاع عن قرار "فصول القرآن"، قائلين: إن من يرفض هذا القرار يكشف عن الوجه الحقيقي في العداء للإسلام؛ فلا يكره القرآن، ولا ينفر منه إلا منافق.
وهذه دراسة مهمة جدًا تبيّن أن طلبة مدارس تحفيظ القرآن تفوقوا على نظرائهم في المدارس الأخرى على مستوى معدلات الثانوية العامة، كما تفوقوا أيضًا في اختبارات "القدرات، والقياس"، سواء على المدارس الحكومية، والخاصة.
بل ظهرت دراسة على طلاب المنطقة الشرقية .. تبين أن نسبة 98% من الطلاب المتفوقين هم مما لحقوا بحلقات تحفيظ القرآن الكريم.
وهذه – والله - من بركةِ القرآن أنه يُربي صاحبَه على التميزِ والذكاء، وتَوَقُّدِ الذاكرة.
ومن بركةِ القرآنِ أنه يَحُدُّ من الجريمة، وإفسادِ البلاد، والاعتداءِ على العباد. ففي دراسة أُجريت في سجون الرياض انتهت أن الجريمة تقل مع حفظ القرآن؛ حيث أجريت دراسة في حفظ جزء عم وتبارك، وأثرها على عدم العودة للسجن، وخلصت الدراسة أن نسبة من التحقوا بهذا البرنامج انخفضت إلى 11%، وأنها انخفضت 100% لمن حفظ القرآن كاملاً.
ولقد أدرك أعداء الإسلام أن قوة المسلمين هي في قرآنهم، فهو الذي يدفعهم للذبّ عن دينهم ونصرته، وتبليغه. ولذا ناصب هذا الخير أعداء متكشفون، وأبناء عاقون متسترون، فسعوا إلى تجفيف منابع هذا القرآن وتنحيته، وإغلاق مدارسه، وتشويه أهله، أو التشكيك في نوايا معلميهم، وقالوا: هذه المحاضن تفرّخ الإرهاب وتصنع التشدد، (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا) [الكهف: 5].
إن بلادنا يا أهل الإيمان هي مأرز الإيمان، وفيها قبلة المسلمين، وفيها نزل الروح الأمين بخير الكتب الإلهية وأعظمها، لذا قامت هذه البلاد على الكتاب والسنة، وكان للقرآن مزيد عناية بين أهلها، حكاما ومحكومين، ووزراء ومسئولين، وأهل جاه وموسرين.
حفظ الله لبلادنا أمنها وإيمانها، وكفاها عداء كيد المتربصين، وشر نفثات المنافقين .
وصلى الله على نبينا محمد ...
التعليقات