عناصر الخطبة
1/تحية إعزاز وإكبار للشهداء الأبرار 2/بشرى النصر والتمكين لأبناء فلسطين 3/مكانة القدس في قلوب المسلمين وعبر التاريخ 4/القدس بوصلة الإيمان الصادقة 5/وجوب توحيد صفوف الفلسطينيين في صف واحد 6/رسالة إلى العرب والمسلمين أجمعيناقتباس
ومن علياء هذا المنبر الشريف نقول لكل أبناء شعبنا الفلسطيني: "آن الأوان، ولا عذرَ لكم بأي خلاف أو اختلاف، آنَ الأوانُ لتُوحِّدوا صفَّكم، وتَجمَعُوا شعثَكم، وتلمُّوا كلَّ إخوانكم في صف واحد، آن الأوان أن يكون الحوار الشامل لكل مقومات أبناء هذا الشعب الصابر...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، جعَل الأيام قوامًا لعدله، وجعَل العاقبة للمتقين بفضله، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، قال وقوله الحق: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الْمُنَافِقُونَ: 8].
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا وقائدنا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليله، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، ومَنْ سار على نهجهم واتبع سنتهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
وبعدُ أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، أيها المرابطون في المسجد الأقصى المبارك، في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: كرماء عند الله -تعالى-، أحياء عند ربهم يرزقون؛ إنهم الشهداء، وإن أقدسَ وأطهرَ موقع نترحم فيه على أرواحهم الطاهرة، التي ارتقت إلى العلا والمعالي، تجأر بالدعاء على ظلم الظالمين، واعتداء المعتدين، وتخاذُل المنافقينَ، إنهم الشهداء الذين رَوَوْا بدمائهم الزكية ثرى هذه الأرض الطاهرة المباركة، من أرجائها إلى أرجائها، ولا نجد مكانًا أقدسَ وأشرفَ من منبر المسجد الأقصى المبارك، لنقول جميعا: "رحم الله شهداءنا الأبرار، وأسكَنَهم فسيحَ جنانه، مع الذين أنعَم اللهُ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحَسُنَ أولئك رفيقًا".
ومن على هذا المنبر الشريف، نحيي كلَّ أبناء هذا الشعب الصابر المرابط، هذا الشعب الذي بشَّر به رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرينَ، لعدوهم قاهرينَ، لا يضرهم مَنْ خالَفَهم أو خذلهم حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك"، كما ندعو الله -تعالى- الفرج العاجل لكل الأسرى والمعتقَلين، وندعوه -جل شأنه- وهو على كل شيء قدير أن يمنَّ على جرحانا بالشفاء العاجل، وبالصحة والعافية، إنه على ما يشاء قدير.
كما نحيِّي من علياء هذا المنبر الشريف كلَّ أبناء هذا الشعب الصابر المرابط، بكل قواه الفاعلة، وفصائله العاملة، داعينَ الله -تعالى- أن يكتب لنا ولهم كل الخير والبركات، في أرض الإسراء والمعراج، في القدس الشريف التي قدَّسَها اللهُ وباركَها، وجعَل الرباطَ فيها من أكثر الأعمال الخيرة أجرًا وثوابًا، فكل ميت يُختَم على عمله إلا المرابط، فإن الله ينمِّي له أعمالَه إلى يوم القيامة، فهنيئًا لكم أبناء ديار الإسراء والمعراج هذا الفضل العظيم والشرف الكبير، الذي يغبطكم به كل مؤمن ومسلم، ويغيظ كلَّ منافق آثِم، وكلَّ متخاذِل متآمِر مُعرِض عن ذِكْر الله، هنيئًا لكم أهلَ ديار الإسراء والمعراج، ورسولكم الأكرم -صلى الله عليه وسلم- بشَّر معاذ بن جبل: "يا معاذ، إن الله -عز وجل- سيفتح عليكم الشام من بعدي، من العريش إلى الفرات، تلك الأرض المباركة، رجالهم ونساؤهم وإماؤهم مرابطون إلى يوم القيامة، فمن اختار ساحلًا من سواحل الشام أو بيت المقدس، فهو في جهاد إلى يوم القيامة"، وهكذا أنتم أيها المرابطون، أيها الصامدون، في كل أرض فلسطين الحبيبة، فلسطين التاريخية، فلسطين القدس والقداسة، فلسطين العزة والكرامة، فلسطين والقلب منها القدس.
نعم القدس التي بارَك اللهُ فيها، ومسجدها الأقصى مهوى أفئدة المؤمنين، ومحط أنظار المسلمين، والهمة العالية لكل كريم ينصر الله ورسوله، وينشر الحق المبين، ويقف مع القدس ومقدساتها.
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، أيها المعمِّرون للمسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك، وبعد شهر رمضان المبارك، يا من تشدون رحالكم صباحَ مساءَ، وفي جميع الأيام، وفي أيام الجمع المباركة: تشدوُّن رحالَكم، غيرَ آبهينَ بما تتعرضون له من المشقات، ومن الحواجز التي تُحاوِل منعَكم من الوصول إلى القدس والمسجد الأقصى المبارك.
أيها المؤمنون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: وحينما نقول القدس، فإن للقدس وقعَها في عقيدة المسلمين، وللقدس مكانتُها في عقيدة المؤمنين، وللقدس مكانتُها في عقيدة المخلِصين، وللقدس مكانتُها في عقيدة مَنْ رزَقَه اللهُ اليقينَ والمروءةَ، وإن للقدس مكانتها في نفوس العظماء على مدار التاريخ، للقدس مكانتها في قلب عمر الفاروق، ومن كان على شاكلته من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وللقدس مكانتها في قلب مَنْ كان مثل صلاح الدين، أو يعمل على منهاجه، وللقدس موقعها في قلب أحبابها ومحبيها، والمرابطين فيها، والذائدين عنها بأرواحهم وأموالهم وأنفسهم، خرجوا لله عن كل شيء، فأعطاهم اللهُ كلَّ شيء، وإذا كان الله معنا فمن علينا؟! (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الْمُنَافِقُونَ: 8].
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: القدس بوصلتها الصادقة، وبوصلتها التي لا تحيد عن الحق، هي العنوان، وهي التاريخ، وهي البرهان على قوة المسلمين أو ضعفهم، اقرؤوا التاريخ، قِفُوا على كل المواقف المشرِّفة، مواقف العطاء والفداء، تجدوا أن عزة القدس مع عزة المسلمين، وتجدوا أن ضياع القدس أو هوان القدس في هوان وتفرُّق المسلمين وهوانهم، فهي بوصلة صادقة، بوصلة ربانية، بوصلة تكشف صلب الحق والإيمان، وتُميِّزه عن صلب النفاق والتردد والطغيان، إنه البوصلة الأمينة الصادقة، التي مَنْ عَمِلَ بموجبها وباتجاهها فهو المؤمن الصادق، والمسلم الذي قال: "حسبي الله ونعم الوكيل"، بوصلة الرجال الذين منهم مَنْ قضى نحبَه، ومنهم مَنْ ينتظر ما بدَّلوا تبديلًا، بوصلة الصادقين دائمًا، وفي هذا المقام وفي موقف التميز والتمايز لا بد من تقرير حقيقة واقعة ومُشاهَدة؛ فمن كانت بوصلته باتجاه القدس ومقدساتها، وحماية أرضها وحماية شعبها فهي البوصلة الصادقة، بوصلة العز، بوصلة الإيمان، بوصلة الخير في قلب كل من اصطفاه الله للخير وفعله.
وأيُّ بوصلةٍ -أيها المسلمون- تنحرف عن القدس، أو تتجه إلى غير القدس كنا نقول عنها في زمن صادق: "لعل الذين انحرفوا بها وجعلوها مشبوهةً أن يعودوا إلى الحق والصواب، فكنا نُوصِّفها ونَصِفُها بأنها بوصلة مشبوهة، واليوم ومن علياء منبر الأقصى الشريف نقول وبأعلى الصوت: إن كل بوصلة لا تتجه إلى القدس، ولا تتوجه للقدس فهي بوصلة خائنة، بوصلة تحابي الأعداء، بوصلة تتولى الأعداء، والله يقول: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)[الْمَائِدَةِ: 51].
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: يقول رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: "وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، كل التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره الشريف، بحسب امرئ من الشر أن يَحقِرَ أخاه المسلمَ، كلُّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فيا فوزَ المستغفرين، استغفِروا اللهَ وادعوا اللهَ وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الداعي إلى ربه، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمَّدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد أيها المسلمون: من القدس، من قلبها المبارَك، المسجد الأقصى المبارك، ومن علياء هذا المنبر الشريف نقول لكل أبناء شعبنا الفلسطيني: "آن الأوان، ولا عذرَ لكم بأي خلاف أو اختلاف، آنَ الأوانُ لتُوحِّدوا صفَّكم، وتَجمَعُوا شعثَكم، وتلمُّوا كلَّ إخوانكم في صف واحد، آن الأوان أن يكون الحوار الشامل لكل مقومات أبناء هذا الشعب الصابر، ولا يقبل هذا الشعب منكم إلا أن تكونوا كذلك"، نعم آن الأوان لتلتقطوا هذه الفرصة، وأن تلتقِطُوا هذا الموقفَ الشريفَ المشرِّفَ؛ لتجتمعوا على قلب رجل واحد، في صف واحد يُمثِّل كلَّ الفلسطينيين، نعم يُمثِّل كلَّ المضحِّين، كلَّ الصادقين، كلَّ العاملين وقد عملوا من أجل القدس، ومن أجل مقدساتها وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، آن الأوان لحوار صادق يبتغي وجه الله -تعالى-، ويحافظ على القدس ومقدساتها، وعلى تضحيات هذا الشعب الصابر المرابط، ليكون لهذا الشعب وليكون لكل تضحياته مكان تحت الشمس، شمس الحرية، شمس الكرامة، شمس العزَّة التي قضى من أجلها الشهداءُ، وقضى من أجلها الأبرارُ، ولا زال المخلصون والصادقون من أبناء هذا الشعب ينتظرون أمرَ الله، وما هو من المؤمنين ببعيد.
وأمَّا أنتم يا أيها العرب: يا مَنْ تسارعون للتغطية على عجزكم في مؤسساتكم التي هي أعجز من أنظمتم، آن الأوان لتنفضوا غبارَ الذل والهزيمة، لتنفضوا غبار العار عن جبينكم وعن جبين دولكم وشعوبكم.
وأما أنتم أيها المسلمون، يا أبناء جمعية التعاون الإسلامي: كان اسمها "منظمة المؤتمر الإسلامي"، فأسميتُموها "جمعية التعاون الإسلامي"، آن الأوان لأن تُراجِعوا أعمالَكم مع ربِّكم، آن الأوان لتُحاسِبُوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبوا، آن الأوان لكي تقفوا في الدنيا بين العظماء، وإلا وقفتم وكنتم في مزابل التاريخ، آن الأوان للأمة الإسلامية أن تنهض من كبوتها، وأن تعيد حساباتها فعندها الكثير الكثير، إذا عَمِلَتْ بموجبه واستغلَّت عُدَّتَها وعُدَدَها كان لها مكان من العزة والكرامة، في هذه الدنيا الكريم.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: نقول دائمًا ولا زلنا نقول: "إن القدس هي مفتاح الخير، وهي مفتاح الحرب والسلام، فإذا كان المسلمون حيثما كانوا يريدون سلامًا لهم ولقدسهم ولمقدَّساتهم فليسلكوا طريقَ الحق الذي يُوصِل إلى السلام الصادق، السلام العادل، السلام الذي لا يتجاوز حقوقَ الفلسطينيين، السلام وليس الاستسلام المذِلّ.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: بارك الله فيكم، وبارك في جهودكم الطيبة الخيرة، وجعلكم إن شاء الله وأنتم كذلك بشارة رسولنا الأكرم: "لعلَّ اللهَ يرزقُكَ ذريةً يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون"، شُدُّوا الرحالَ دائمًا إلى المسجد الأقصى المبارك، واعمروه كما عمرتموه في رمضان، وبعد رمضان، وفي هذا اليوم، وفي كل يوم، فأنتم -بحول الله وقوته- الفئة التي وعدَها اللهُ بالنصر، ووعدَها اللهُ بالعزة، ووعَدَها اللهُ بالرباط في هذه الديار إلى أن يأتي أمر الله.
اللهم رُدَّنا إليك ردًّا جميلًا، وهيِّئْ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يوحد صفَّنا، ويجمع شملَنا، وينتصر لنا.
اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات. وأنت يا مقيم الصلاة أقم الصلاة.
التعليقات