عناصر الخطبة
1/فضل سورة الفلق 2/تفسير سورة الفلق 3/حاجة العبد إلى الاستعاذة بالمعوذتيناقتباس
والطَّرِيْقُ لِلْتَّخَلُّصِ مِنْ جَمِيْعِ الشُّرُوْر: أَنْ يُعَلِّقَ الإِنْسَانُ قَلْبَهُ بِرَبِّ البَرِيَّة، وَيَسْتَعْمِلَ الأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّة، وَيَبْتَعِدَ عَنِ الأُمُوْرِ المُحَرَّمَةِ وَالشِّرْكِيَّة...
الْخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوْا اللهَ وَرَاقِبُوه، وأَطِيْعُوهُ ولاَ تَعْصُوه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
عِبَادَ الله: إِنَّهَا تَعْوِيْذَةٌ إِلَهِيَّةٌ، وَتَأْمِيْنٌ شَامِلٌ مِنَ الشُّرُوْرِ الظَّاهِرَةِ والخَفِيَّة؛ إِنَّهَا سُوْرَةُ الفَلَقِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا تَعَوَّذَ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ؟"، قِيْلَ: بَلَى، فَقَالَ: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، وَأَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ"(رواه أحمد، وصحّحه الألباني) قال ابْنُ القَيِّم: "اشْتَمَلَتْ سُوْرَةُ الفَلَقِ على الاسْتِعَاذَةِ مِنْ كُلِّ شَرٍّ في العَالَم".
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)[الفلق:1]؛ أَيْ: أَسْتَجِيْرُ بِرَبِّ الصُّبْحِ، مِنْ جَمِيْعِ الشُّرُوْرِ الَّتِي أَخَافُ مِنْهَا؛ كَما قالَ تعالى: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ)[الأنعام: 96]، قالَ الشَّوْكَانِي: "الْقَادِرُ عَلَى إِزَالَةِ الظُّلُمَاتِ عَنْ هَذَا الْعَالَمِ؛ يَقْدِرُ أَنْ يَدْفَعَ عَنِ الْعَائِذِ كُلَّ مَا يَخَافُهُ".
(مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)[الفلق:2] وَهَذَا يَشْمَلُ جَمِيْعَ مَا خَلَقَ الله؛ فَيُسْتَعَاذُ بِخَالِقِهَا، مِنْ الشَّرِّ الَّذِي فِيْها، وَأَوَّلُ مَا يَدْخُلُ في ذَلِكَ: نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْك؛ لِأَنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوْء.
وَمِنَ الشُّرُوْرِ الَّتِي يُسْتَعَاذُ مِنْهَا: شَرُّ اللَّيْلِ إِذَا أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ، قال تعالى: (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ)[الفلق:3]؛ فَفِي اللَّيْلِ: تَكْثُرُ حَوَادِثُ السُّوءِ، وَتَنْتَشِرُ النُّفُوْسُ الشِّرِّيْرَة، وتَخْرُجُ الحَيَوانَاتِ المُؤْذِيَّة، وَيَنْبَعِثُ أَهْلُ الشَّرِّ على الْفَسَادِ، قال المُفَسِّرُوْن: "وَجْهُ تَخْصِيصِ اللَّيْلِ: أَنَّ الشَّرَّ فِيهِ أَكْثَرُ، وَالتَّحَرُّزَ مِنَه أَصْعَبُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمُ: اللَّيْلُ أَخْفَى لِلْوَيْلِ".
وَمِنَ الشُّرُوْرِ الَّتِي يُسْتَعَاذُ مِنْهَا: شَرُّ السِّحْر! (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)[الفلق:4]؛ أي: مِنْ شَرِّ السَّوَاحِرِ وَالْسَّحَرَةِ، الَّذِينَ يَسْتَعِيْنُوْنَ على سِحْرِهِمْ بِالنَّفْثِ في العُقَد.
وَمِنَ الشُّرُوْرِ الَّتِي يُسْتَعَاذُ مِنْهَا: شَرُّ الحَسَد؛ (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)[الفلق:5].
والحَسَدُ: مِنْ أَخَسِّ الطَّبَائِع؛ فَهُوَ مَذْمُوْمٌ طَبْعًا وَشَرْعًا، وَهُوَ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فِي السَّمَاءِ والْأَرْضِ.
والحَاسِدُ يُحِبُّ زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنِ المَحْسُوْد؛ فَيُحْتَاجُ إلى الاسْتِعَاذَةِ بِاللهِ مِنْ شَرِّهِ، وَإِبْطَالِ كَيْدِه.
وَيَدْخُلُ في الحَاسِدِ: العَائِن؛ فَإِذَا اسْتَعَاذَ باللهِ مِنْ شَرِّ الحَسَد؛ دَخَلَ فِيْهِ العَيْن، قال القُرْطُبِي: "أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ مِنْ جَمِيعِ الشُّرُورِ؛ وَجَعَلَ خَاتِمَةَ ذَلِكَ الحَسَد؛ تَنْبِيْهًا عَلَى عِظَمِهِ، وَكَثْرَةِ ضَرَرِهِ".
وَخَصَّ اللهُ اللَّيْلَ والسِّحْرَ والحَسَدَ؛ لأَنَّ الشّرَّ فِيْهَا خَفِيٌّ! وَإِلَّا فَهِيَ دَاخِلَةٌ في قَوْلِهِ: (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ).
والطَّرِيْقُ لِلْتَّخَلُّصِ مِنْ جَمِيْعِ الشُّرُوْر: أَنْ يُعَلِّقَ الإِنْسَانُ قَلْبَهُ بِرَبِّ البَرِيَّة، وَيَسْتَعْمِلَ الأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّة، وَيَبْتَعِدَ عَنِ الأُمُوْرِ المُحَرَّمَةِ وَالشِّرْكِيَّة.
قال ابْنُ عُثَيْمِيْن: "الأَوْرَادُ الشَّرْعِيَّةُ حِصْنٌ مَنِيْع، أَشَدُّ مِنْ سَدِّ يَأْجُوْجَ ومَأْجُوْج! وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ اسْتَعْمَلُوا الأَوْرَادَ على مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيْعَة؛ لَسَلِمُوا مِنْ شُرُوْرٍ كَثِيْرَة".
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.
عِبَادَ الله: سُوْرَةُ الفَلَقِ والنَّاس؛ هُمَا الْمُعَوِّذَتَانِ مِنْ كُلِّ شَرّ؛ فَلَهُمَا تَأْثِيْرٌ خَاصٌّ في دَفْعِ الشُّرُوْر، وَلِهَذَا تُقْرَآنِ بَعْدَ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، وفي الصَّبَاحِ والمَسَاء، وَعِنْدَ النَّوْم، وفي الأَلَمِ والمَرَضِ؛ فَقَدْ كَانَ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا اشْتَكَى، يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِـ(الْمُعَوِّذَتَيْنِ) وَيَنْفُثُ (رواه البخاري ومسلم)، وكانَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ؛ حَتَّى نَزَلَت الْمُعَوِّذَتَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا، وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا (رواه الترمذي، وصحّحه الألباني)، قالَ ابْنُ القَيِّم: "حَاجَةُ العَبْدِ إلى الاسْتِعَاذَةِ بِهَاتَيْنِ السُّوْرَتَيْن؛ أَعْظَمُ مِنْ حَاجَتِهِ إِلى الطَّعَامِ والشَّرَاب؛ فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ التَّوَكُّلَ على الله، والاسْتِعَاذَةَ بِه، فَهُوَ الَّذِي يُؤَمِّنُ الخَائِفَ، وَيُجِيْرُ المُسْتَجِيْرَ، وَهُوَ (نِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيْر)[الأنفال:40]".
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، واشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
التعليقات