عناصر الخطبة
1/فضل الله بإكمال الدين وإتمام النعمة 2/بعض خصائص ومميزات دين الإسلام الحنيف 3/بعض أحكام الأضحية 4/مظاهر الفرح الممدوح في العيداقتباس
دين يحتضن كلَّ الشعوب والقبائل والعرقيَّات، ويَصهَر النعراتِ والعصبياتِ في بوتقة الأمة الواحدة، لا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ، ولا أعجميٍّ على عربيٍّ، ولا أحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلَّا بالتقوى، دين يستوعب متغيِّرات العصر، ويستجيب لاحتياجات البشر، ويواكب مستجِدَّات الحياة في ظل مقاصد الدين...
الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أكبر، الله وأكبر ولله الحمد.
الحمد لله، فاض خيرُه، وعمَّ فضلُه، وعلا أمره، وجلَّ جلالُه، واستقر سلطانه، نحمده حمدًا لا ينتهي مدًّا، ونشكره شكرًا لا ينقضي عدًّا، بفضله وحفظه، نغدو ونروح، وشذا آيات كتابه في النفس يفوح، ودلائل عظمته في الكون تلوح، الحمد لله الذي شرع لنا أفضل دين، وجمَع الأمةَ صوبَ البلد الأمين، ونعمه تغمرنا في كل وقت وحين، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، رب العالمين، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، النذير المبين، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
في حجَّة الوداع، وفي يوم عرفة العظيم، نزلت آيةٌ عظيمةٌ، هي أكبرُ نعمةٍ على هذه الأمة؛ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[الْمَائِدَةِ: 3]، ومات رسولُ -صلى الله عليه وسلم- بعد يوم عرفة، بواحد وثمانين يومًا، أكمَل اللهُ به الدينَ؛ فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيِّهم، -صلى الله عليه وسلم- أكمَل اللهُ هذا الدينَ فلا يحتاجون إلى زيادة أبدًا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أحدَث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ".
دينٌ كَمُلَتْ أصولُه وقواعدُه وأخلاقُه وبلغت ذروةَ الكمال، دينٌ أبديٌّ عالَميٌّ ثابتٌ، هو المنهج الأقوم للحياة، مَهمَا تغيَّرت الأزمنةُ، وتعددت العصورُ، قال صلى الله عليه وسلم: "فإنَّه مَنْ يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسَّكُوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدَثاتِ الأمور".
رَضِيَ اللهُ للمؤمنين هذا الدين، ولا يقبل من الناس غيره، قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 85]، شريعة الإسلام أحكم ما تساس به الأمم، وأصلح ما يُقضى به بين الناس، صالحٌ لكل زمان ومكان، وأُمَّة وحال، وكلما تقدمت العصورُ وترقَّت الأممُ ظهَر برهانٌ جديدٌ على صحة الإسلام ورفعة شأنه.
ومن كمال الإسلام أنَّه كلٌّ لا يتجزأ، ووحدة لا تتفرق، لا تجد في أحكام الدين تناقضًا، ولا في شرعه اختلافًا، الإسلام منهج متكامل للحياة، يُنظِّم عَلاقةَ الإنسان بأخيه، ويُلبِّي كلَّ حاجات الناس في أمور الدنيا والآخرة، في السِّلْم والحرب، في السياسة والاقتصاد، قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)[النَّحْلِ: 89].
الإسلام تشريع رباني يُصلِح الظاهرَ ويُهذِّب الباطنَ، خالٍ من العيوب، لا يخضع لأذواق البشر، دينٌ متوازنٌ في النظرة إلى الدنيا والآخرة؛ فلا رهبانية في الإسلام، والانغماس في الدنيا مذموم، بل جعَل الدنيا مزرعةَ الآخرة.
دين يحتضن كلَّ الشعوب والقبائل والعرقيَّات، ويَصهَر النعراتِ والعصبياتِ في بوتقة الأمة الواحدة، لا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ، ولا أعجميٍّ على عربيٍّ، ولا أحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلَّا بالتقوى، دين يستوعب متغيِّرات العصر، ويستجيب لاحتياجات البشر، ويواكب مستجِدَّات الحياة في ظل مقاصد الدين، والالتزام بثوابته، تشريع واقعيّ لا ضيقَ فيه ولا أغلالَ.
ديننا يحفظ العقول؛ ولهذا حرَّم الخمرَ والمخدِّراتِ، وكلَّ ما يؤدِّي إلى فساد العقل، يحفظ الأموال؛ ولهذا حثَّ على الأمانة وحرَّم السرقةَ، يحفظ الأنفس؛ ولهذا حرَّم قتلَ النفس بغير الحق، يحفظ الصحةَ.
ديننا يصون العَلاقاتِ والأنسابَ، بنظام الزواج والأسرة، يحفظ الشرف والكرامة، لا يدع الغرائزَ تنطلق دون وعي ولا ضابط، فحمى النسل، وصان المرأة، ووضع نواة للأسرة.
ديننا دين العدل مع الغريب والصديق والبعيد حتى مع العدو، قال الله -تعالى-: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[الْمَائِدَةِ: 8].
دين القوة والجِدّ والعمل والحزم، قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ"، الإسلام يدعو إلى تآلُف القلوب، ووحدة الصفوف، وهو دين المحبة والاجتماع والألفة والرحمة، ويأتي العيد ليجدد هذه المعانيَ، ويؤكِّد الأواصرَ ويوثِّق الروابطَ.
علَّمَنا دينُنا أنَّ الإيمانَ سببٌ لحصول الأمن وحفظه، قال الله -تعالى-: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)[قُرَيْشٍ: 3-4].
دينُنا يحثُّ على امتثال أحسن الأخلاق والأعمال، دينُنا يأمر بستر العورات، وقضاء حاجات المسلمين، وتنفيس كُرَبِهم، وعيادة المريض وتشييع الجنائز، وأن تُحِبَّ لأخيكَ ما تُحِبُّ لنفسِكَ.
ديننا يأمر ببِرّ الوالدينِ، وحُسن المعامَلة للزوج والأولاد، وصلة الأرحام وإكرام الجار، والرفق بالحيوان، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90].
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قُولِي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلَقَنا في أحسن تقويم، وجعَل أصلَنا من تراب، أحمده -سبحانه- وأشكره، كرَّم المؤمنينَ بأعمالهم، وأعمالُ الكافرينَ سرابٌ، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، إليه المرجع والمآب، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، حذَّر من الغيبة والنميمة والسباب، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة إلى يوم الحساب.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
إنَّ يومكم هذا يوم عظيم؛ يوم الحج الأكبر، فيه يشترك الحجاج وغير الحجاج بإراقة دماء الهَدْي والأضاحي؛ تقرُّبًا لله -عز وجل-، قال الله -تعالى-: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)[الْحَجِّ: 37].
وقت ذبح الأضاحي من بعد صلاة العيد إلى غروب شمس يوم الثالث عشر من أيام التشريق، ويبدأ التكبير المقيَّد بعد الصلوات المكتوبة، من فجر يوم عرفة، إلى صلاة العصر من آخِر أيام التشريق.
أيها المسلمون: افرحوا بالعيد؛ فالفرحُ سلوكٌ راقٍ، وهدفٌ منشودٌ، يُنعِش القلبَ، ويُجدِّد النشاطَ، وكلٌّ يسعى إلى فرح قلبه، وزوال همه وغمه، يتحقق ذلك بأن نعيش الفرحة في كل لحظاتها، والبهجة بكل معانيها، في حدود الشرع ومرتَكَزات القِيَم والأخلاق، الفرح بمفهومه الشامل مركزُه القلبُ، وميدانُه السلوكُ، ومظهرُه اللباسُ والزينةُ والكلمُ الطيبُ، والشعورُ الحسنُ.
تقبَّل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم بخير.
ألَا وصلُّوا -عبادَ اللهِ- على رسول الْهُدَى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهم بَارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان وعلي، وعن الآل والصحب الكرام، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، وأَذِلَّ الكفرَ والكافرينَ، ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مطمئنًا وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول وعمل، اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الغنى والفقر، نسألك نعيمًا لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم إنا نسألك خير المسألة، وخير الدعاء، وخير النجاح، وخير الفلاح، وخير العمل، وخير الدعاء برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تَدَعْ لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دَينًا إلا قضيتَه، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا مبتلًى إلا عافيتَه، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم احفظ رجال أمننا، واحفظ حدودنا، واحفظنا بحفظك يا ربَّ العالمينَ، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميره يا ربَّ العالمينَ، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم وفِّقْه لهداكَ، واجعل عملَه في رضاكَ يا ربَّ العالمينَ، ووفق ولي عهده لما تحب وترضى يا أرحم الراحمين، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا أرحم الراحمين.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات