عناصر الخطبة
1/ (لا إله إلا الله) فَصْلُ ما بين الكفر والإيمان 2/ تقييد (لا إله إلا الله) بالعلم بها 3/ السعي لتحقيقها اعتقادا وقولا وعملااقتباس
إن ديوان الكلمات لا يحصيه عد، ولا تجمعه يد، وإن بين هذه الكلمات كلمة عظيمة المقدار، جديدة الآثار، لأجلها خلق العباد، وبها شُرعت سيوف الجهاد، وخلق الله الجنة والنار، وانقسم الخلق إلى مؤمنين وكفار. هي كلمة التقوى، والعروة الوثقى؛ هي أحسن الحسنات، ومكفرة السيئات، هي التي قامت بها الأرض والسماوات، هي: "لا إله إلا الله".
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:10،]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المؤمنون: إن ديوان الكلمات لا يحصيه عد، ولا تجمعه يد، وإن بين هذه الكلمات كلمة عظيمة المقدار، جديدة الآثار، لأجلها خلق العباد، وبها شُرعت سيوف الجهاد، وخلق الله الجنة والنار، وانقسم الخلق إلى مؤمنين وكفار.
هي كلمة التقوى، والعروة الوثقى؛ هي أحسن الحسنات، ومكفرة السيئات، هي التي قامت بها الأرض والسماوات، هي: "لا إله إلا الله".
فلا إله إلا الله ما هلل المهللون، ولا إله إلا الله ما ذكره الذاكرون، فإن هذه الكلمة العظيمة هي الكلمة التي لأجلها خُلقنا، وهي الكلمة التي بها أمرنا، قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]. وقال -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) [النحل:36].
وإن هذه الكلمة العظيمة لا تنفع قائلها إلا بقيود ثقيلة، من أعظمها ما أخبر عنه -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة"، فلا تنفع قائلها حتى يعلم حقيقتها، معتقدا معناها أنه لا معبود بحق إلا الله، فلا يجعل شيئا من العبادة -صغر أو كبر، جل أو كثر- لغير الله -سبحانه وتعالى-، فالخوف من الله، والتوكل على الله، والاستعانة بالله، والدعاء لله، والذبح لله، والنذر لله؛ قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:16،-163].
فالعبد مأمور بأن تكون أعماله كلها مما يتقرب به لله وحده لا شريك له، فلا يجعل منها شيئا لغير الله، محققا ما علمه من لا إله إلا الله أنه لا معبود حقا غير الله؛ فمتى تحقق العبد بذلك صار له حظ من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة".
وأما من يقول لا إله إلا الله وهو يدعو غير الله، أو يقول لا إله إلا الله، وهو يستغيث بغير الله، أو يقول لا إله إلا الله وهو يذبح لغير الله، أو يقول لا إله إلا الله وهو ينذر لغير الله؛ فإنه لم يعلم لا إله إلا الله.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، رب السماوات ورب الأرض رب العرش العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، حجته على خلقه، ورحمته المهداة للعالمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أيها المؤمنون: إن الله لما بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- فعلمه لا إله إلا الله أمره أن يدعو الخلق إليها، فكان -صلى الله عليه وسلم- يتخلل أسواق الموسم ويقول لهم: "يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا"، أي قولوها معتقدين معناها، عاملين بمقتضاها؛ تحصلوا الفلاح العاجل والآجل.
وإنه -صلى الله عليه وسلم- لما قام وقعد وأبدى وأعاد في دعوة الناس في مكة، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة، كان مما انزل عليه في المدينة قوله -تعالى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) [محمد:19]، تعظيما بالعلم بأنه لا إله إلا الله.
فاعلموا -أيها المؤمنون- لا إله إلا الله، وحققوها بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم؛ اعتقادا في القلوب، وقولا باللسان، وعملا بالجوارح والأركان؛ تكونوا من أهل لا إله إلا الله، فتفوزوا في الدنيا والآخرة.
اللهم أحينا على لا إله إلا الله، وتوفنا على لا إله إلا الله، واجعلنا جميعا من أهل لا إله إلا الله.
التعليقات