عناصر الخطبة
1/ مصيبة الفتور في آخر رمضان 2/ فضائل ليلة القدر 3/ شدة اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - في العشر الأواخر 4/ الحكمة من الاعتكاف 5/ سنن الاعتكاف وآدابهاهداف الخطبة
اقتباس
إِنَّ تَعَلُّقَ الْقَلْبِ بِاللهِ وَتَفَرُّغَهُ لِطَاعَتِهِ وَانْقِطَاعِهِ مِنَ الدُّنيَا وَشَهَوَاتِهَا وَمُلْهِيَاتِهَا, لَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ صَلاحِ الْعَبْدِ, وَمِنْ أَكْبَرِ مَا يَجْلِبُ لَهُ السَّعَادُةَ وَالأُنْسَ فِي هَذِهِ الدُّنيَا التِي جُبُلَتْ عَلَى الْكَدَرِ وَالتَّنْغِيصِ.. وكَانَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخُصُّ هَذِهِ الْعَشْرَ بِمَزِيدِ عِنَايَةٍ وَاجْتِهَادٍ وَيُمَيِّزُهَا بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلْهَا فِي غَيْرِهَا, فَحَرِيٌّ بِنَا الاقْتِدَاءُ بِه!
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الذِي خَصَّ شَهْرَ رَمَضَانَ بِمَزِيدِ الْفَضْلِ وَالإِكْرَام، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى إِحْسَانِهِ الْعَام، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، إِلَهٌ تَفَرَّدَ بِالْكَمَالِ وَالتَّمَام، شَهَادَةً مُبَرَّأَةً مِنَ الشِّرْكِ وَالشُّكُوكِ وَالأَوْهَام، أَرْجُو بِهَا النَّجَاةَ مِنَ النَّارِ وَالْفَوْزَ بِدَارِ السَّلَام، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَفْضَلُ مَنْ صَلَّى وَصَام، وَأَتْقَى مَنْ تَهَجَّدَ وَقَام، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ هُدَاةِ الأَنَامِ وَمَصَابِيحِ الظَّلَام، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الصَّائِمُونَ وَوَاصِلُوا اجْتِهَادَكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَعْمَالَ بِالْخَوَاتِيم, وَإِيَّاكُمْ أَنْ يَطُولَ عَلَيْكُمُ الأَمَدُ كَمَا طَالَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَقَعُونَ فِي الذَّمِّ الذِي نَالَهُمْ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ, قَالَ اللهُ –تَعَالَى-: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16].
إِنَّهُ مِمَّا يُحْزِنُ حَقَّاً أَنْ نَرَى بَعْضَ إِخْوَانِنَا صَارَ يَتَخَلَّفُ عَنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ شَيْئَاً فَشَيْئَاً حَتَّى رُبَّمَا يَكْتَفِي بِصَلاةِ الْعِشَاءِ, مَعَ أَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ مُجْتَهِدَاً فِي الصَّلَاةِ وَالْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ, وَهَذَا مَذْمُومٌ شَرْعَاً, فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يَا عَبْدَ اللهِ ! لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ, كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ, فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيلِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَأَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ يَتَخَلَّفُ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَيُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فِي الْبَيْتِ, بَلْ رُبَّمَا أَخْرَجَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا وَنَامَ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ, وَهَذِهِ وَاللهِ مُصِيبَةٌ كَبِيرَةٌ, فَإِنَّ الصَّلَاةَ آخِرُ مَعَاقِلِ الإِسْلَامِ فَمَنْ ضَيَّعَ صَلاتَهُ فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ!
فَتَدَارَكْ نَفْسَكَ أَخِي الْمُسْلِم وَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، وَنَظِّمْ وَقْتَكَ، وَاحْذَرِ السَّهَرَ الذِي يُضَيِّعُ عَلَيْكَ صَلاتَكَ .
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ: إِنَّ يَوْمَنَا هَذَا هُوَ آخِرُ الْعِشْرِينَ الأُولَى مِنَ رَمَضَانَ, وَهَذِهِ اللَّيْلَةُ بِإِذْنِ اللهِ نَدْخُلُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ التِي هِيَ أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ عَلَى الإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ فِيهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ. اللَّيْلَةُ التِي نَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ الْعَظِيم. اللَّيْلَةُ الْتِي هِيَ أَعْظَمُ اللَّيَالِي قَدْرَاً وَأَرْفَعُهَا شَرَفَاً, إِنَّهَا لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ, فَمَنْ عَمِلَ فِيهَا عَمَلَاً صَالِحَاً فَكَأَنَّمَا عَمِلَهُ فِي خَيْرٍ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ, فَهَذِهِ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ مَنْ حُرِمَهَا وَتَهَاوَنَ فِي اغْتِنَامِهَا فَوَ اللهِ مَا ذَاكَ إِلَّا بِسَبَبِ ذُنُوبِهِ, فَلْيَتَدَارَكْ نَفْسَهُ وَلْيَتُبْ إِلَى رَبِّهِ وَلْيَعْقِدَ الْعَزْمَ عَلَى الاجْتِهَادِ فِي هَذِهِ الْعَشْر .
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ : كَانَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخُصُّ هَذِهِ الْعَشْرَ بِمَزِيدِ عِنَايَةٍ وَاجْتِهَادٍ وَيُمَيِّزُهَا بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلْهَا فِي غَيْرِهَا, فَحَرِيٌّ بِنَا الاقْتِدَاءُ بِه !
فَمِنْ ذَلِكَ : إِحْيَاءُ اللَّيْلِ كَامِلاً, وَقَدْ كَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْعِشْرِينَ الأُولَى يَقُومُ وَيَنَامُ, وَأَمَّا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَكَانَ يَقُومُ إِلَى الْفَجْرِ, عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ - أَيْ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ - شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ". (مُتَّفَقٌ عَلَيْه).
فَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحْيِي اللَّيْلَ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ, هَذَا فَضْلَاً عَمَّا كَانَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَفْعَلُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ, حَيْثُ يَنْزِلُ إِلَى رَسُولِنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَتَدَارُسُ مَعَهُ الْقُرْآنَ.
وَكَانَ مِنْ شِدَّةِ اجْتِهَادِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا ذَكَرَتْهُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- بِقَوْلِهَا: "شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ". وَمَعْنَى (شَدَّ مِئْزَرَهُ) أَيْ قَوَّى رِبَاطَ الإِزَارِ وَهَذَا كِنَايَةً عَنْ شِدَّةِ الْاجْتِهَادِ وَعَنِ اعْتِزَالِ النِّسَاءِ, لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَكِفُ فَلا يَقْرَبُ النِّسَاءِ, وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيْضَاً يُوْقِظُ أَهْلَ بَيْتِهِ لِلتَّعَبُّدِ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ.
فَهَكَذَا يَنْبَغِي لَنَا -مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ- أَنْ نَفْعَلَ فِي أَنْفُسِنَا وَمَعَ أَهْلِنَا, قَالَ اللهُ –تَعَالَى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 23].
وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ الْيَوْمَ وَخَاصَّةً النِّسَاءُ وَالشَّبَابُ يَسْهَرُونَ طُولَ اللَّيْلِ وَلا يُفَكِّرُ أَحَدُهُمْ فِي اغْتِنَامِ وَقْتِ النُّزُولِ الِإلَهِيِّ آخِرَ اللَّيْلِ بِرَكْعَةٍ أَوْ دَمْعَةٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ، أَوْ ثُلُثَاهُ، يَنْزِلُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ" (رَوَاهُ مُسْلِم).
فَوَا أَسْفَاهُ عَلَى الْأَعْمَارِ التِي ضَاعَتْ وَعَلَى السَّاعَاتِ التِي أُهْدِرَتْ, وَإِلَّى اللهِ نَشْكُو ضَعْفَنَا, أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ * لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ) [سورة القدر].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ, وَنَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيم, أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُم فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَكَانَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ اجْتِهَادَاً فِي الْعِبَادَةِ وَطَلَبَاً لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ, فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ, حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ, ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ". (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَالْحِكْمَةُ مِنَ الاعْتِكَافِ: التَّفَرُّغُ التَّامُّ لِعِبَادَةِ اللهِ وَالأُنْسُ بِهِ وَالانْقِطَاعُ عَنِ الدُّنيَا وَشَوَاغِلِهَا, وَالتَّفَرُّغُ لِذِكْرِ اللهِ وَدُعَائِهِ !
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَعْتَكِفَ الْمُسْلِمُ هَذِهِ الْعَشْرَ كُلَّهَا, وَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ, وَلا يَخْرُجُ إِلَّا عِنْدَ اكْتِمَالِ الشَّهْرِ وَذَلِكَ بِغُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّلاثِينَ أَوْ بِرُؤْيَةِ هَلالِ شَوَّال!
وَيَنْبَغِي لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ وَالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِ مَعَانِيهِ! وَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَتَّخِذِ لَهُ مَكَانَاً خَاصَّاً إِمَّا خَيْمَةً صَغِيرَةً أَوْ حُجْرَةً أَوْ مَا أَشْبَهَهَا بِشَرْطِ أَنْ لا يُضَيِّقَ عَلَى الْمُصَلِّينَ!
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ تَعَلُّقَ الْقَلْبِ بِاللهِ وَتَفَرُّغَهُ لِطَاعَتِهِ وَانْقِطَاعِهِ مِنَ الدُّنيَا وَشَهَوَاتِهَا وَمُلْهِيَاتِهَا, لَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ صَلاحِ الْعَبْدِ, وَمِنْ أَكْبَرِ مَا يَجْلِبُ لَهُ السَّعَادُةَ وَالأُنْسَ فِي هَذِهِ الدُّنيَا التِي جُبُلَتْ عَلَى الْكَدَرِ وَالتَّنْغِيصِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
أيها الصائمون: تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ اللهِ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ الْمُبَارَكَةِ, وَاجْتَهِدُوا فِيهَا كُلَّ لَيْلَةٍ! وَاحْرِصْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ أَنْ تَعْمَلَ فِيهَا لِيُضَاعَفَ لَكَ الأَجْرُ, كَمَا لَوْ عَمِلْتَ فِي أكثر أَلْفِ شَهْرٍ ! أَيْ مَا يَزِيدُ عَلَى 83 سَنَة !
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ-: "إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ, وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ, مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ, وَلا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مُحْرُومٌ" (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).
فَاللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اللَّهُمَّ اشْرَحْ صُدُورَنَا لِطَاعَتِكَ وَأَعِنَّا عَلَى أَنْفُسِنَا الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ, اللَّهُمَّ كُنْ لِإِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي غَزَّةَ وَفِلَسْطِين, اللَّهُمَّ احْفَظْ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ, اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدِ الْيَهُودِ الْغَاصِبِينَ فِي نُحُورِهِمْ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ, اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا أَهْلَ السُّنَّةِ فِي الشَّامِ وَالْعِرَاقِ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ مِنَ الرَّافِضَةِ وَالْمُبْتَدِعَةِ الْخَوَارِجِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ لِلْحُكْمِ بِكِتَابِكَ وَالْعَمَلِ بِسُنَّةِ نَبِيِّكَ, وَوَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا خَاصَّةً لِكُلِّ خَيْرٍ, اللَّهُمَّ خُذْ بِأَيْدِيهِمْ لِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ, اللَّهُمَّ احْفَظْ عَلَيْنَا دِينَنَا وَأَمْنَنَا وَاسْتِقْرَارَنَا اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا أَوْ أَرَادَ بِلادَنَا أَوْ أَرَادَ مُقَدَّسَاتِنَا أَوْ أَرَادَ وُلَاةَ أَمْرِنَا أَوْ أَرَادَ عُلَمَاءَنَا أَوْ أَرَادَ شَبَابَنَا وَنِسَاءَنَا بِسُوءٍ اللَّهُمَّ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ وَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَى نَحْرِهِ, اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا وَدُعَاءَنَا وَصَالِحَ أَعْمَالِنَا.
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا فِي هَذِهِ الْعَشْرِ وَأَسْعِدْنَا بِالْفَوْزِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَاجْعَلْنَا مِنْ عُتَقَاءِكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ !
التعليقات