العبرة من حدث الهجرة

الشيخ محمد ابراهيم السبر

2024-07-30 - 1446/01/24
عناصر الخطبة
1/أهمية الهجرة النبوية 2/دروس مستفادة من الهجرة 3/من معالم الهجرة الإيمانية 4/ الأسس القوية لبناء المجتمع المسلم 5/المهاجر من هجر ما نهى الله عنه.

اقتباس

وَمِنْ تَمَامِ التَوَكّل: بَذَلُ الأَسْبَابِ وَحُسْنُ الإعْدَادِ؛ لتَحْقِيقِ الغَايَاتِ الحَمِيدَةِ، فَلَقدْ اختارَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ مَوْضِعاً لِهِجْرَتِهِ، وَحَدّدَ الزمَانَ وَالمَكانَ لرحْلتِهِ، وَهيَّأ الزادَ، وَاخْتَارَ الصَاحِبَ، وَالدَليلَ، وَأعدَّ للأمرِ عُدَّتَهُ.

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ؛ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَسَلَّمَ تَسليمَاً كثيراً.

 

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -مَعَاشِرَ المُؤمنينَ-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِن الأحْدَاثِ العَظِيمَةِ التِي غَيَّرتْ مَجرَى التَارِيخِ: الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة؛ ذلكُم الحَدَثُ الذِي ارتَبَطَ بِهِ تَارِيخُنَا الهِجرِي، فَفِي هِجْرَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- نَسْتَذْكِرُ مَا حَمَلَتْهُ مِنْ قِيَمٍ إِيمَانِيَّةٍ، وَمَبَادِئَ إِنْسَانِيَّةٍ؛ فكانتْ وَحْياً وَسِيرةً، وَتَارِيخاً وَأَخْلَاقاً؛ وَمَدْرَسَةً نَتَعَلَّمُ مِنْهَا الدُرُوسَ وَالعِبَرَ.

 

وإنَّ مِنْ أعْظَمِهَا أنْ يُرسِّخَ المُسْلمُ صِلَتَهُ بِرَبِّهِ، فيزدَاد بِهِ تَعَلُقاً، وَعَليهِ تَوَكلاً؛ فَلمَا أجْمَعتْ قُرَيشٌ عَلى قَتلِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَجنّدُوا لذلكَ فُرسَانَهم، وَبذلُوا لأجْلِهِ أمْوَالَهُم؛ نَجَّى اللهُ نَبيَهُ مِنْ مَكرِهِم وَكيدِهِم؛ (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[الأنفال: 30]؛ فَالتَوكُّلُ عَلى اللهِ هُوَ الحِصْنُ الحَصِينُ عِندَ نُزُولِ البَلاءِ، وَبَابُ النَّجَاةِ عِندَ انقطَاعِ الرَجَاءِ.

 

وَمِنْ تَمَامِ التَوَكّل: بَذَلُ الأَسْبَابِ وَحُسْنُ الإعْدَادِ؛ لتَحْقِيقِ الغَايَاتِ الحَمِيدَةِ، فَلَقدْ اختارَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ مَوْضِعاً لِهِجْرَتِهِ، وَحَدّدَ الزمَانَ وَالمَكانَ لرحْلتِهِ، وَهيَّأ الزادَ، وَاخْتَارَ الصَاحِبَ، وَالدَليلَ، وَأعدَّ للأمرِ عُدَّتَهُ.

 

وَيَأذَنُ اللَّهُ -تَعَالَى- لِنَبِيِّهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ؛ فَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِهِ الْوَفِيِّ، وَصَدِيقِهِ الصَفِيِّ؛ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، لِيَصْحَبَهُ فِي هِجْرَتِهِ، -وَلَا غَروَ- فَالْأَصْدِقَاءُ الصَّادِقِونَ، عُدَةٌ فِي السَرَاءِ وَالضَرَاءِ، وَرَبُّكمُ يَقُولُ: (اتَّقُوا اللَّهَ ‌وَكُونُوا ‌مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119].

 

وَالْيَقِينُ بِاللَّهِ، وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِ –سُبْحَانَهُ-، مِنْ مَعَالِمِ الْهِجْرَةِ الْإِيمَانِيَّةِ، فَحِينَ اسْتَشْعَرَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَدْ أُحِيطَ بِهِمْ؛ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا"؛ فأجابه -صلى الله عليه وسلم- بِلُغَةِ الْوَاثِقِ بِرَبِّهِ، الْمُطْمَئِنِّ لِرَحْمَتِهِ وَحِفْظِهِ: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟"(مُتَفَقٌ عَليهِ)؛ (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا)[التوبة: 40].

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لَقَدْ وَقَفَ نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَطْرَافِ مَكَّةَ؛ مُوَدِّعًا لَهَا، وَمُنَاجِيًا إِيَّاهَا، فِي مَشْهَدٍ يُجَسِّدُ حُبَّ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لِلْوَطَنِ، قَائِلاً: "لَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"(رَوَاهُ الترمِذِيَّ وَأحْمَد).

 

لَقَدْ هَاجَرَ مِنْهَا بِجَسَدِهِ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَهْجُرْهَا بِقَلْبِهِ، بَلْ ظَلَّ دَائِمَ التَّذَكُّرِ لَهَا، حَتَّى عَادَ إِلَيْهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلى حُبِّهِ لِوَطَنِهِ، وَحُسْن الْوَفَاءِ لَهُ.

 

لَقَدْ وَضَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْأُسُسَ الْقَوِيَّةَ لبِنَاءِ المُجتمَعِ المُسْلِمِ؛ فَفَوْرَ وُصُولِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ بَنَى الْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ؛ إذْ الْمَسْجِدُ يُوثِّقُ صِلَةَ المُؤمِنِ بِرَبِّ العَالمينَ، وَيُوحِدُ المُسلِمينَ، وَيَجْمَعُهُم عَلى البِرِّ وَالتقوَى، كمَا عَمِلَ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى المُؤاخَاةِ بينَ المُهَاجِرينَ وَالأنْصَارِ، وَهكَذَا يَكُونَ المُسلِمُ؛ بَاذِلًا لدِينِهِ، مُسْهِمًا فِي رُقِيِّ مُجْتَمَعِهِ، مُبَادِرًا إِلَى نَفْعِ غَيْرِهِ.

 

ومِنْ أَهَمِّ الدُروس الَّتِي نَتَعَلَّمُهَا مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ: قِيمَةِ السَّلَامِ، فَمَا إِنْ وَصَلَ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى خَطَبَ فِي النَّاسِ: "أَفْشُوا السَّلَامَ"(رَواهُ الترمذيُّ وابنُ مَاجَه). مُقَرِّرًا مَبْدَأَ السَّلَامِ بَيْنَ الْأَنَامِ، كَمَا عَزَّزَ التَّكَافُلَ وَالتَّعَاوُنَ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَأَسَّسَ قَوَاعدَ التعَاملِ بَيْنَ جَمِيعِ أَطْيَافِهِ، فَأَمَرَ بِكِتَابَةِ وَثِيقَةِ الْمَدِينَةِ، لِتُقَرِّرَ التَّعَاوُنَ فِي الْمَبَرَّاتِ، فَجَاءَ فِيهَا: "وَأَنَّ الْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ"(سيرة ابن هشام).

 

اللَّهُمَّ تقبَّلْ طَاعَاتِنَا، وَأصْلِحْ أعْمَالَنَا، وَكفِّرْ عنَّا سيئَاتِنَا، وَتُبْ عَلينَا، إنَّك أنتَ التوابُ الرَحِيمُ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَقَّ حَمْدِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَعَبْدِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اقْتَدَى بِهَدْيِهِ:

 

وَبَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلموا أنَّ مِنْ مَعْانَي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ تَحْقِيق التَقْوَى، وَهَجْر الشِرْكِ وَالبِدَعِ وَالرَّذَائِلِ: (‌وَالرُّجْزَ ‌فَاهْجُرْ)[المدثر: 5]، وَكَفّ الأذَى؛ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه"(مُتفقٌ عَليهِ).

 

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، كَمَا أَمَرَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فِي كِتَابِهِ المُبينِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ؛ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الْأَكْرَمِينَ.

 

الَّلهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ وَالمُسلِمينَ، وَاجْعلْ هَذَا البلدَ آمنًا مُطمَئنًّا وَسَائرَ بِلادِ المُسْلِمينَ.

 

الَّلهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الحَرَمينِ الشَرِيفَينِ، وَولِيَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وترْضَى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرامِ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، والْمُؤْمِنِينَ ‌وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ الْأَحْيَاء مِنْهُمْ وَالْأَمْوَات.

 

عِبَادَ اللَّهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life