عناصر الخطبة
1/أهمية الصلاح والإصلاح 2/ثمرات الصلاح وفوائده 3/عظم جزاء الصالحين في الدنيا والآخرة 4/العلاقة بين العمل الصالح والحياة السعيدة.اقتباس
ولذا يحرص المسلم على أداء الأعمال الصالحة؛ كالمحافظة على الجُمَع والجماعات، وتلاوةِ كتاب الله الكريم، وأداءِ الحج والعمرة ومتابعتِهما قدر الإمكان، وبذلِ الصدقة والإحسان، وملازمةِ مجالسِ العلماء، وحِلقِ الذكر، والاقترانِ بالمرأة الصالحة فإنها خير متاع الدنيا، ويُكْثر من الدعاء بأن يوفقه للعمل الصالح المُتقبَّل...
الخطبة الأولى:
الصلاح والإصلاح سمةُ رسلِ الله -عليهم السلام-، قال الله في معرض ذكر أنبيائه -عليه السلام-: (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ)[الأنعَام: 85]، وقال عن إبراهيم -عليه السلام-: (وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)[النّحل: 122]، وقال عن عيسى -عليه السلام-: (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ)[آل عِمرَان: 46].
وقد أمرهم الله -سبحانه وتعالى-: بأداء العمل الصالح فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا)[المؤمنون: 51]، ولذا قال سليمان -عليه السلام-: (وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)[النَّمل: 19]. قال ابن كثير -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (صَالِحًا تَرْضَاهُ)[النَّمل: 19]: "أي عملاً تحبه وترضاه".
وامتدح اللهُ أهلَ الصلاح فجعلهم مع أرفع خلقه منزلة، فقال -سبحانه-: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[النِّسَاء: 69]، بل إن صلاح العباد يكون فيه النجاة من المهالك في الدنيا، قال -سبحانه-: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[هُود: 117].
ومن صَلَحت نفسُه سَعَد وأسْعَد ذريتَه مِن بعده، قال -سبحانه-: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا)[الكهف: 82]، وهذا الأب هو الأب السابع، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "حُفِظا بصلاح أبيهما، ولم يَذكر لهما صلاحًا".
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير الآية: "فيه دليلٌ على أن الرجل الصالح يُحفَظُ في ذريته، وتشملهم بركةُ عبادته في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم، وَرَفْعِ درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة، لتَقرَّ عينُه بهم، كما جاء في القرآن ووردت به السنة".
والله -سبحانه- يتولى أمر الصالحين، قال -سبحانه-: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[الأعرَاف: 196]، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "هذا التولي لهم جزاء صلاحهم وتقواهم".
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "إذا أراد الله بعبده خيرًا استعمله"، فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: "يُوفّقه لعمل صالح قبل الموت"(رواه الترمذي).
والعبد الصالح عند وفاته يُحْسِن الظن بمولاه، ويُوفَّق لحسن الخاتمة، وتَخْرج روحه سهلة من جسده، وجنازة العبدِ الصالح تختلف عن غيرها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَسْرِعُوا بالجَنَازةِ، فَإِن تَكُ صالحةً فخيْرٌ تُقدِّمُونها إِليهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذلك فشرٌّ تضعونهُ عن رقابِكم"(رواه أبو داود).
وإذا وضُع في القبر، ورجع المالُ والولد، وبقي العمل، فإن الميت لا ينتفع إلا من ثلاث، وكلُّها أعمالٌ صالحة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"(رواه مسلم).
ثم بعد ذلك يهنأ بالجزاء العظيم، كما وردت به الآيات والسنة، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بِشْرٍ، مصداق ذلك في كتاب الله: (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[السَّجدَة: 17]"(متفق عليه).
وقال -سبحانه- في ثواب من آمن وصَلَح عملُه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)[المَائدة: 9]، وقال أيضًا: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً)[الكهف: 107].
وفقنا الله لعمل الصالحات.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحياة السعيدة مصدرُها صلاحُ العملِ الموافقِ للشرع، الذي عمله المؤمن أو المؤمنة، قال الله -سبحانه-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النّحل:97].
وإذا أدى العبدُ العملَ الصالح، فإنه الذي سيجني ثمرة عمله، قال -سبحانه-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)[فُصّلَت: 46].
فالعمل الصالح يلحق العبد في حياة المؤمن بركةً وتوفيقًا في عمره، وعمله، وماله، وولده، ويكون سالمًا بإذن الله من الشرور، ومن أدى العمل بإخلاصٍ لله ومتابعةٍ للرسول -صلى الله عليه وسلم- ظَفَر بمحبة الله، ومحبةِ ملائكته، وأهل الأرض، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا)[مَريَم: 96]، قال مجاهد -رحمه الله-: "أي: محبة الناس في الدنيا"، وقال ابن حيان -رحمه الله-: "ما أقبل عبد بقلبه إلى الله، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقَه مودتَهم ورحمتَهم".
والمسلم لا يستصغر أداءَ العملِ الصالح مهما كان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة، في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس"(رواه مسلم).
ولذا يحرص المسلم على أداء الأعمال الصالحة؛ كالمحافظة على الجُمَع والجماعات، وتلاوةِ كتاب الله الكريم، وأداءِ الحج والعمرة ومتابعتِهما قدر الإمكان، وبذلِ الصدقة والإحسان، وملازمةِ مجالسِ العلماء، وحِلقِ الذكر، والاقترانِ بالمرأة الصالحة فإنها خير متاع الدنيا، ويُكْثر من الدعاء بأن يوفقه للعمل الصالح المُتقبَّل كدعوة سليمان -عليه السلام-: (وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)[النَّمل: 19]، أو بدعوة يوسف -عليه السلام- (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)[يُوسُف: 101].
أسأل الله -عز وجل- أن تكون أعمالنا صالحةً وخالصةً لوجهه الكريم.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه؛ فصلوا عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات