عناصر الخطبة
1/ الأُنس بالله والسُّرور بمُناجاتِه 2/ منزلة الصلاة ومكانتها 3/ فضل التبكير إلى الصلاة 4/ انتِظارُ الصلاة سببٌ لمَحو الخَطايا ورفع الدرجات 5/ أقوالُ السلَف وأحوالُهم في التنافُس والمُسابَقَة إلى الصلاة 6/ سمات المنهج السلفي للمملكة العربية السعودية 7/ جريمة الاعتداء على حراس الحدود 8/ العنف ليس حلاً.اهداف الخطبة
اقتباس
هم المُوفَّقون .. أهلُ التُّقَى والهُدَى .. المُعلَّقةُ قلوبُهم بالمساجِد .. المُبكِّرون إلى الصلوات .. المشَّاؤُون في الظُّلُمات .. المُجيبُون داعِيَ الفلاح: حيَّ على الصلاة، على الفلاح .. المُتسابِقُون وإلى الصف الأول سابِقون .. المُدرِكُون تكبيرةَ الإحرام مع الإمام... فإذا ضاقَت نفسُك، ودخلَ عليك الضَّجَر، وأحسَستَ بالحاجة إلى الشكوَى، وحزَبَك بأمرٌ، فافزَع إلى قُرَّة عيون المُوحِّدين، وراحةِ نفوسِ المُؤمنين، وربيعِ قلوبِ المُخبِتين. افزَع إلى أم العبادات، وتاجِ الطاعات .. افزَع إلى ما كان يفزَعُ إليه حبيبُك ونبيُّك محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمدُ لله النافذِ أمرُه، الجليلِ قدرُه، العالِي ذِكرُه، أحمدُه - سبحانه - وأشكرُه توالَى علينا إحسانُه وبرُّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنارَ قلوبَ الخائِفين بمصابِيح أُنسِه، وبوَّأَ المُخلِصين مقاعِدَ العزِّ من قُدسِه، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أذلَّ الله رِجزَ الشيطان بعِزِّ سُلطانِه، وأنارَ ظُلمَ بُهتانِه بنُورِ بُرهانِه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه أقامَ الدينَ على قواعِد أركانِه، وعلى آله وأصحابِه وأتباعِه وأعوانِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا يُبلِّغُ المُنَى من رِضوانِه.
أما بعد: فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فقد صدقَ الزمانُ في صُروفِه وما كذب، ووعَظَ بتقلُّباتِه فأثارَ العجَب. فكم كدَّر من مسرَّة؟! وكم أخذَ على غِرَّة؟! فاستعِدُّوا - رحمكم الله - ليومٍ بضاعتُه الأعمال، وشهودُه الجوارِحُ والأوصال .. يومٍ لا يُقالُ فيه من ندِم، ولا عاصِمَ فيه من أمرِ الله إلا من رحِم، (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر: 3- 8].
معاشر المسلمين: عبادةُ الله هي الغايةُ المحبوبةُ لله، خلقَ الخلقَ لأجلِها، وأرسلَ الرُّسُلَ لإبلاغِها، وأنزلَ الكتُبَ لبيانِها. مدَحَ القائِمين بها، فقال - عزَّ شأنُه -: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) [الزمر: 9]. وتوعَّد المُستكبِرين عنها، فقال - جل وعلا -: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60].
العبادةُ هي الأُنسُ بالله، والسُّرور بمُناجاتِه، سُرورٌ لا ينقطِع، وبهجةٌ لا تنتهِي. فمن أرادَ السعادة فليلزَم العبادة؛ فالعبادةُ للقلوبِ أهمُّ من الطعام والشرابِ للأبدان.
يا عبد الله: إذا ضاقَت نفسُك، ودخلَ عليك الضَّجَر، وأحسَستَ بالحاجة إلى الشكوَى، وحزَبَك بأمرٌ، فافزَع إلى قُرَّة عيون المُوحِّدين، وراحةِ نفوسِ المُؤمنين، وربيعِ قلوبِ المُخبِتين. افزَع إلى أم العبادات، وتاجِ الطاعات .. افزَع إلى ما كان يفزَعُ إليه حبيبُك ونبيُّك محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - .. افزَع إلى الصلاة؛ فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: «أرِحنا بها يا بلال!»، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «وجُعِلَت قُرَّة عيني في الصلاة».
معاشر الأحِبَّة: إنهم المُوفَّقون .. أهلُ التُّقَى والهُدَى .. المُعلَّقةُ قلوبُهم بالمساجِد .. المُبكِّرون إلى الصلوات .. المشَّاؤُون في الظُّلُمات .. المُجيبُون داعِيَ الفلاح: حيَّ على الصلاة، على الفلاح .. المُتسابِقُون وإلى الصف الأول سابِقون .. المُدرِكُون تكبيرةَ الإحرام مع الإمام.
عباد الله: التبكيرُ إلى الصلاة وانتِظارُها، والاشتِغالُ بالذكرِ وقراءةِ القرآن قبلَها من أعظمِ جالِبات الخير والسعادة، ومُفرِّجات الضيقِ والهُموم. روى الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لو يعلَمون ما في التهجِير لسبَقُوا إليه». قال الإمام النووي - رحمه الله -: "التهجيرُ التبكيرُ إلى الصلاة أيّ صلاةٍ كانت".
واعلَم - حفِظَك الله - أنه إذا تمكَّنَ حبُّ الصلاة من القلبِ فلن يجِدَ حلاوةً ألذَّ منها. ويقول أهلُ العلم: "إن سببَ حُضورِ القلبِ هو الهمُّ؛ فمتى أهمَّك أمرٌ حضرَ قلبُك".
فإذا صرفتَ هِمَّتَك إلى الصلاة حضرَ قلبُك فيها، وحين يمتلِئُ القلبُ بالخُشوعِ يفيضُ على الجوارِحِ غضًّا وخفضًا، وأدبًا وسُكونًا، مُستشعِرًا جلالَ من يقِفُ بين يدَيه، يُصلُّون وهم يعلَمون ما يقولون، يُصلُّون وقلوبُهم بذِكرِ ربِّها مُطمئنَّة.
ومن لطائِفِ عبارات ابن الجوزيِّ - رحمه الله -: "من لمَحَ فجرَ الأجر هانَ عليه ظلامُ التكليف".
حفِظَك الله يا عبد الله: التبكير والمُبادرةُ عونٌ على حُضورِ القلبِ والخُشوع وحُسن الإقبال على الله، وعونٌ على الإتيان بالأدعية والأذكار المشروعة صباحًا مساءً، وعونٌ على الخَلوَة بالله ومُناجاتِه، وعونٌ على التبكيرِ في آلاءِ الله وآياتِه.
وفي الحديث: «الدُّعاءُ لا يُردُّ بين الأذانِ والإقامة»؛ (رواه أبو داود، وحسَّنَه الترمذي). هنيئًا له .. عبدٌ صالحٌ مُبكِّرٌ مُبادِر، تعلُوه السكينةُ والوقار، «من صلَّى قبلَ الظُّهر أربعًا، وبعدَها أربعًا حرَّمه الله على النار»؛ (رواه أهلُ السنن). و«رحِمَ الله امرأً صلَّى قبل العصر أربعًا»؛ (رواه أبو داود، والترمذي وحسَّنه).
وهل رأيتَ أسعدَ وأرجَى ممن يُبكِّرُ من أجل أن يأتِيَ بالرواتِبِ والنوافِل بين الأذانِ والإقامةِ! المُبادرةُ والتبكيرُ دليلُ تعظيمِ الصلاة وتوقيرِها ومحبَّتها وتعلُّق القلبِ بها، وعُمران بُيوت الله بالاشتِغال بها.
المُبكِّرُ مُبادِرٌ مُنافِسٌ ومُسابِقٌ، داخِلٌ فيمن عنَاهم نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - بقولِه: «لو يعلمُ الناسُ ما في النداء والصفِّ الأول ثم لم يجِدوا إلا أن يستهِمُوا عليه لاستَهَمُوا عليه»؛ (متفق عليه).
وفي قولِه - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله وملائكتَه يُصلُّون على الصفِّ المُقدَّم»، وفي لفظٍ: «على الصفِّ الأول»؛ (رواه النسائي وابن ماجه، وصحَّحه الألباني). وعند الإمام أحمد: "كان - صلى الله عليه وسلم - يستغفِرُ للصفِّ المُقدَّم ثلاثًا وللثاني مرَّةً".
عباد الله: مُنتظِرُ الصلاة لا يزالُ في صلاةٍ ما انتظَرَ الصلاة؛ ففي الحديث: «لا يزالُ أحدُكم في صلاةٍ ما دامَت الصلاةُ تحبِسُه، لا يمنَعُه أن ينقلِبَ إلى أهلِه إلا الصلاة» (متفق عليه).
مُنتظِرُ الصلاة تُصلِّي عليه ملائكةُ الرحمن، وتدعُو له بالمغفِرَة والرحمةِ ما دامَ في مُصلاَّه ما لم يُحدِث أو يُؤذِي؛ ففي الحديث: «الملائكةُ تُصلِّي على أحدِكم ما دامَ في مُصلاَّه ما لم يُحدِث: اللهم اغفِر له، اللهم اغفِر له، اللهم اغفِر له، اللهم ارحَمه»؛ (متفق عليه).
وفي لفظٍ عند البخاري: «ما لم يُحدِث فيه أو يُؤذِ فيه». انتِظارُ الصلاة سببٌ لمَحو الخَطايا ورفع الدرجات؛ بل إنه الرِّباط، يقول - عليه الصلاة والسلام -: «ألا أدلُّكم على ما يمحُو الله به الخَطايا ويرفعُ به الدرجات؟». قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغُ الوضوء على المكارِه، وكثرةُ الخُطَا إلى المساجِد، وانتِظارُ الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرِّباط، فذلكم الرِّباط»؛ (رواه مسلم).
معاشر الأحِبَّة: أما التبكيرُ يوم الجُمعة، فإن الملائكةَ تكونُ يوم الجُمعة على أبوابِ المساجِد، يكتُبُون الأولَ فالأول، فإذا جلَسَ الإمامُ طوَوا الصُّحُف وجاءُوا يسمَعون الذِّكرَ.
قال الإمام النووي: "فيه الحثُّ على التبكيرِ إلى الجُمعة، وأن مراتِبَ الناس في الفَضيلة فيا وفي غيرِها بحسبِ أعمالهم". فهنيئًا ثم هنيئًا لمن كتَبَتْه الملائكةُ في صُحُف المُبكِّرين! ويا لحسرَة من طوَت الملائكةُ عنه صُحُفَها ليكون من المُتخلِّفين.
يقول علقمةُ: خرَجنا مع عبد الله بن مسعودٍ - رضي الله عنه - إلى الجُمعة، فوجَد ثلاثةً قد سبَقُوه، قال: إني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الناسَ يجلِسُون من الله يوم القيامة على قدرِ رواحِهم إلى الجُمُعات: الأولَ والثاني والثالث». ثم قال عبدُ الله: "رابعُ أربعة! وما رابعُ أربعةٍ ببعيد" (رواه ابن ماجه والطبراني، وحسَّنه الترمذي والبوصيري).
أيها المسلمون: أما أقوالُ السلَف وأحوالُهم في هذا التنافُس والمُسابَقَة والمُبادَرة؛ فمما لا ينقضِي منه العَجَب، يقولُ سعيدُ بن زيدٍ: "ما أذَّن المُؤذِّنُ لصلاةِ الظهر منذ أربعين سنةٍ إلا وأنا في المسجِد، إلا أن أكون مريضًا أو مُسافِرًا".
ويقولُ يحيى بن معين، عن يحيى بن سعيد: "إنه لم يفُتْه الزوالُ في المسجِدِ منذ أربعين سنة". ويقول سعيدُ بن المُسيَّب: "ما فاتَني التكبيرُ والأذانُ منذ خمسين سنة، وما نظرتُ قفَا رجُلٍ في الصلاة منذ خمسين سنة".
ونُقِلَ عن أبي سعيدٍ أنه قال: "ما سمعتُ تأذينًا في أهلِي منذ ثلاثين سنة". وقال وكيعُ بن الجرَّاح: "كان الأعمشُ قريبًا من سبعين سنة لم تفُتْه تكبيرةُ الإحرام". ويقولُ ابنُ سماعة: "مكثتُ أربعين سنة لم تفُتْني التكبيرةُ الأولى إلا يوم ماتت أمي". ويقولُ سُفيانُ بن عُيينة: "إن من توقيرِ الصلاة أن تأتي قبل الإقامة".
وهذا الصائِغُ إبراهيمُ بن ميمون - من المُحدِّثين الثقات، مهنتُه الصياغةُ وطرقُ الذهب والفضَّة -، قال عنه ابنُ معين: "كان إذا سمِعَ المِطرَقة فسمِعَ النداءَ لم يرُدَّها". ومن طريفِ أقوالِ سُفيان بن عُيينة - رحمه الله - في حثِّه على الحُضور والتبكيرِ إلى الصلاة قبل النداء، يقول - رحمه الله -: "لا تكُن مثلَ عبدِ السوء، لا يأتي حتى يُدعَى، ائتِ إلى الصلاةِ قبل النداء".
وتأمَّلُوا - رحمكم الله - موعِظَةَ مُعاذ بن جبلٍ - رضي الله عنه - ووصيَّته لابنِه، قال له: "يا بُنيَّ! إذا صلَّيتَ فصلِّ صلاةَ مُودِّع، لا تظُنُّ أنك تعودُ إليها أبدًا". نعم، حفِظَكم الله .. صلاةُ مُودِّع يُرى عظيمُ أثرها في سمعِه وبصرِه وممشاهُ وسُكونِه؛ بل هي الجنةُ والنعيمُ المُعجَّلُ، وهذه من المطالِبِ الكبار التي تحتاجُ إلى هِمَمٍ كِبار وقلوبٍ حيَّة، ممن قدَّم طاعةَ مولاه على هواه ودُنياه. لا حرَمَنا الله وإياكم بمنِّه وكرمِه هذا النعيمَ العظيمَ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور: 36- 38].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأقولُ قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله خلقَ الجنَّ والإنسَ ليعبُدوه، وأغدقَ عليهم من نعمِه ليشكُروه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ من يخافُه ويرجُوه، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه فاسمَعوا له وأطيعُوه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِهِ وأصحابِه ومن بإحسانٍ اتَّبَعُوه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا إلى يوم أنتم مُلاقُوه.
أما بعد، أيها المسلمون: فهذه هي الصلواتُ الخمسُ، من حافظَ عليها كانت له نورًا وبُرهانًا ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يُحافِظ عليها لم تكُن له نورًا ولا بُرهانًا ولا نجاةً، وكان يوم القيامة مع قارُون وفِرعون وهامان وأُبَيِّ بن خلَف.
فاتقوا الله - رحمكم الله -، وشمِّروا وبادِروا، وأقيمُوا الصلاةَ مُنيبين لربِّكم، خاشِعين مُخبِتين مُتذلِّلين، كما يقول الحسنُ البصريُّ - رحمه الله -: "إذا قُمتَ إلى الصلاةِ فقُم قانِتًا كما أمرَكَ الله، وإياك والسهو .. ينظرُ الله إليك وأنت تنظُرُ إلى غيرِه".
ثم اعلَموا - رحمكم الله - أن الله قد أسبغَ علينا في بلادِنا - بلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية - أنعمَ علينا نعمةً كُبرى، ووفَّق لإنجازاتٍ عُظمى في إصلاحٍ وبناءٍ ونماءٍ، رغمَ كل ما يُحيطُ بالمنطقة من ظروفٍ وحروبٍ وفتنٍ واضطرابات.
فالحمدُ لله ثم الحمدُ لله على هذا الأمن والرخاء والاستِقرار ووحدة الصفِّ وتلاحُم القيادة والأمة. بلادٌ طيبةٌ تحبُّ الخيرَ للجميع، وتتعاوَنُ مع الجميع في نُصرة الدين والحقِّ والعدلِ والسلام.
كم وجَّه قائدُ البلاد - حفِظَه الله وأعزَّه -، كم وجَّه من نداءاتٍ، وقام بمُبادراتٍ لجمع الكلمة والتحذير من تنامِي خطر الإرهاب، ومُحاولات تشويه صُورة الإسلام؛ بل نادَى بإنشاءِ مركزٍ دوليٍّ لمُكافحَة الإرهاب؛ إدراكًا منه - حفِظَه الله - لأهمية التصدِّي لهذا الوباء الذي يُهدِّدُ العالَمَ كلَّه بجميع دُولِه ودياناته ومذاهبِه وأقطارِه. مُواصِلاً مساعِيَه المُبارَكة الهادِفة إلى تحقيقِ الاستِقرار في المنطقة، وتجنيبِ الأشقَّاء ويلات النِّزاع والفتن.نعم، هذه بلادُنا ..
بلادٌ طيبةٌ تقومُ على الإسلام وحُسن المُعتقَد، وسلامة المنهَج، في تحكيمٍ لكتابِ الله وسُنَّة رسولِه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، والسَّير على منهَج السلف الصالح. منهجُ السلَف منهجُ الصدقِ مع الله والصدقِ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، والصدقِ مع من ولاَّه الأمرَ، ومع الأنفُس ومع الأمة. بنهجٍ وسطٍ لا غلُوَّ فيه ولا تفريط.
منهَجُ السلَف التِزامٌ وليس ادِّعاءً، ليس فيه طوائِفُ يُبدِّعُ بعضُها بعضًا، أو يلعَنُ بعضُها بعضًا، أو يُكفِّرُ بعضُها بعضًا. ليس منهَج تصنيفٍ ولا تكفيرٍ ولا عُنفٍ ولا تفجيرٍ. منهَجٌ يستمسِكُ بالكتابِ والسُّنَّة، ويرجِعُ إلى أهلِ العلمِ الربَّانيين الثِّقاتِ الأثباتِ الذين يعرِفون المصالِح والمفاسِدَ والموازَنَة بينها، ممن شابَت لِحاهُم في الطلبِ والتحصيل، وانحَنَت ظهورُهم تعلُّمًا وتعليمًا، ومُدارَسَةً ومُزاحَمَةً.
علماءُ ثقات، راسِخون أثبات، لا يسكُتون على باطِلٍ؛ بل يُناصِحون في صدقٍ وإخلاصٍ، مُشافهةً ومُكاتَبَةً، في سرٍّ وعلانية من غير أن يفتَحوا أبوابَ الشرِّ على الناس لتُستبَاحَ الحُرُمات، وتُراقَ الدماء، وتُنزَع الثقة.
لا يجعَلُون عدمَ قبولِ نُصحِهم سببًا في رُكوبِ موجَة الخروجِ والعُنفِ والتأليب، فضلاً عن التكفير والتفجير. بهم وبعلمِهم وحُسن منهَجهم يحفَظُ الله الزمانَ من الفِتَن والشُّرور، وبمسلَكِهم وفِقهِهم تكونُ السَّكينةُ والاستِقرار.
معاشر الأحِبَّة:ومع هذا المنهَج الواضِح، والمسلَك البيِّن، والصلاحِ الظاهِر .. كم هو مُؤلِمٌ أن ترى ابنَكَ الذي علَّمتَه وربَّيتَه وغذَوتَه تراه يتربَّصُ ببلدِه، ويغدُرُ بأهلِه، ويعمَى ويعجَزَ أن يعرِفَ عدوَّه الحقيقي.
مُغرَّرٌ به مسكين، يحمِلُ معه السلاح، يُولِّي أعداءَه ظهرَه، ويستقبِلُ بالقتل والتخريبِ أهلَه وبلدَه .. في تصرُّفاتِهم الرَّعناء، وإقداماتهم الحَمقَاء، تأتي هذه العمليَّةُ الغادِرةُ البائِسَةُ اليائِسَة على حدودِنا الشماليَّة.
نقول - بكل ثقةٍ -: إنه عملٌ صغيرٌ حقيرٌ، لا أثرَ له - بإذن الله -؛ فهو جرَى في مساحاتٍ مفتوحةٍ، وصدَّه رجالُ أمننا مُبكِّرين، وتعامَلُوا معه تعامُلاً صحيحًا، لم يكُن أمامَ هؤلاء الأغرار إلا الاستِسلام.
نعم، نحن مُطمئِنُّون - بإذن الله - بما عوَّدَنا ربُّنا ثم بما عليه جنودُنا وقواتُنا من تأهيلٍ وجاهِزيَّة، مُطمئِنُّون أن مثلَ هذه الحركات الصغير والاستِفزازيَّة لا تُمثِّلُ خطرًا على بلادِنا؛ فبلادُنا - بعد توفيقِ الله وعونِه وحِفظِه - بلادُنا بقيادتِها وأهلِها وجُنودِها واثِقون - بإذن الله وعونِه - في وحدتها والتِفافِها حولَ قيادتِها.
كما أننا - بفضل الله - واثِقُون بما تقومُ به أجهزتُنا الأمنية، وكفاءاتها واستِعداداتها وقُدرتها، ليس على صدِّ ومُلاحَقَة المُجرِمين فحسب؛ بل مُبادراتُها الاستِباقية، وإحباطُ العمليات الإجراميَّة قبل وقوعِها، وخبرتُها وتجرِبَتُها وسوابِقُها خيرُ شاهدٍ .. فلله الحمدُ والمنَّة.
ومما هو محلُّ الفخر والإشادة أن جُنودَنا كلَّهم في المُقدِّمة، جنديُّهم وضابِطُهم .. فلا نامَت أعيُنُ الجُبَناء.
بقِيَت باقِية .. أن المسؤولية على الجميع في بذلِ الجُهد، والتصدِّي لهؤلاء الخوارِج. دليلُنا في ذلك: قولُ نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: «ولئن أدركتُهم لأقتُلنَّهم قتلَ عاد».
فلا بُدَّ من مُلاحقَتهم وكشفِهم في جميع الوسائل والمحافِل من العلماء وطلبة العلم والدعاة والخُطباء والمُعلِّمين والإعلاميين والمُفكِّرين وأصحابِ الرأي، بمُختلَف الوسائل والمنابِر مقروءًا ومسموعًا ومُشاهَدًا، في عزمٍ وحزمٍ.
أيها الأغرارُ المخدوعون! هل وجدتُم أن العُنفَ حقَّق مكسَبًا، أو كسَبَ مغنَمًا؟! هل نصرَ دينًا .. هل حفِظَ بلدًا؟! بل لقد ولَّد أضعافَ الأضعاف من الشرِّ والضرر والفُرقة والانقِسام، مع ما يُخشَى عليكم فيه من النوايا المدخُولة، والمقاصِد المشبُوهة، والدوافِع الشخصيَّة، والمصالِح الضيِّقة.
بل لقد حقَّقتُم للعدوِّ والشامِت في الداخِل والخارِج أضعافَ ما يرجُو، وأتَحتُم له فُرصَ التدخُّل والضربِ والطَّعن والتسلُّل في بلادِ المُسلمين؛ بل بغلُوِّكم وانحِرافِكم ارتفَعَ رأسُ النِّفاق، واستعلَى من في قلبِه مرض، وتتطاوَلُوا على الشرع، واتَّهَمُوا الصالِحين، واجترَءوا على المُتديِّنين.
أما نحن في بلادِنا .. فلا والله، ولله الحمدُ والمنَّة، ما رأينا إلا ازدِياد اللُّحمة، والالتِفاف حول القيادة، والثقةِ بقوَّاتنا، ومعرفةِ نعمةِ الله علينا في الأمن والرخاء والاستِقرار.
فمسؤوليَّتُنا: شُكرُ الله وحُسنُ عبادِه، ورعايةُ هذه المُنجَزات وصيانتُها والمُحافظةُ عليها، ورَدعُ كلِّ من يُحاوِلُ النَّيلَ منها أو العبَثَ بها.
وبعدُ، حفِظَكم: وبعد الوصيةِ بتقوى الله، فإننا بقدرِ حُزنِنا على من استُشهِد أو أُصيبَ من جُنودِنا البواسِل، إلا أن عزاءَنا احتِسابُ ما أصابَهم في سبيلِ الله، دفاعًا عن دين الله، وعن المُقدَّسات والمحارِم، وعن أهلِنا وبلدِنا، ولا نحسَب أن بعد هذا شرف. اللهم احفَظ بلادَنا، اللهم احفَظ بلادَنا آمنةً مُطمئنَّةً، اللهم احفَظ بلادَنا آمنةً مُطمئنَّةً يأتيها رِزقُها رغَدًا من كل مكان، كما عوَّدتَّنا ربَّنا.
اللهم وفِّق وأعِن وسدِّد وليَّ أمرِنا وإخوانَه وأعوانَه لما فيه صلاحُ البلاد والعباد، اللهم وألبِسه لباسَ الصحة والعافية، وعجِّل شفاءَه يا رب العالمين.
اللهم تقبَّل من فقَدناهم من رِجالِ أمننا شُهداءَ في سبيلِك، وأنزِلهم منازِلَ الأبرار مع الذين أنعمَ الله عليهم من النبيين والصِّدِّيقين والشهداء والصالِحين، وحسُن أولئك رفيقًا، ذلك الفضلُ من الله وكفَى بالله عليمًا.
واشفِ اللهم المُصابِين، واكتُب أجرَهم، وأعلِ قدرَهم جزاءَ ما قدَّموا لدينِهم ووطنِهم وأهلِهم، واحفَظ ذُرِّيَّاتهم، وأصلِح عقِبَهم.
اللهم رُدَّ كيدَ الكائِدين، اللهم رُدَّ عنَّا كيدَ الكائِدين، وحسدَ الحاسِدين، وكلَّ من أرادَنا وأرادَ بلادَنا وأمنَنا وبلادَ المُسلمين بسُوءٍ اللهم فادرَأ كيدَه في نحرِه، وتدبيرَه تدميرًا عليه.
اللهم وأنزِل لُطفَكَ ودِفئَك ورحمتَك على إخوانِنا في الشام، اللهم وأنزِل لُطفَكَ ودِفئَك ورحمتَك على إخوانِنا في الشام، اللهم إنهم جِياعٌ فأطعِمهم، وعُراةٌ فاكسُهم، وحُفاةٌ فاحمِلهم، اللهم ارحَم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم، وقوِّ عزائِمَهم، واجعَل دائِرةَ السَّوء على أعدائِهم يا قوي يا عزيز.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]. سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصِفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.
التعليقات