عناصر الخطبة
1/ من يصلح للصحبة؟ 2/ وصف الصحبة 3/ الإخوان ثلاثة 4/ كرام الناس 5/ الواجب على العاقل 6/ حقوق الجليساقتباس
أيها الحبيب: إذا أجدبت الأرض، وضاقت المسالك، وادلهمت الخطوب وتاهت الدروب، هناك يظهر لك الأخ الصادق والوفي، تستأنس برأيه، وتتقوى بهمته يهون عليك المصيبة، ويحمل عنك ما أثقل كاهلك.
أما إذا اخضرت الأرض وابتسمت لك الدنيا، فالـ....
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا أيها المسلمون أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل.
عباد الله: إن الإنسان وهو يسير في هذه الدنيا ويقطع مراحل حياته فيها، يحتاج إلى من يؤانسه في الطريق، ويسلي وحدته في السفر، ويكون له عونًا عند نزول الملمات والحوادث، يفرح لفرحه ويحزن لحزنه، أصاب من الدين أوفره ومن الأدب أكثره، جمع الله له بين الدين والخلق.
إنه الأخ المسلم الناصح المشفق، صاحب الخلق والدين.
ولا يخفى أن ثمرة الخلق الحسن، الألفة وانقطاع الوحشة، قال الله تعالى مظهرًا عظيم منته على الخلق بنعمة الألفة: (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)[الأنفال:63].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أقربكم مني مجلسًا أحاسنكم أخلاقًا الموطَّئون أكنافًا الذين يألفون ويؤلفون" [رواه الطبراني وصححه الألباني].
أخي المسلم: إن التحاب في الله والأخوة في دينه من أفضل القربات، وألطف ما يستفاد من الطاعات في مجاري العادات.
واعلم أنه لا يصلح للصحبة كل إنسان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" [رواه أبو داود، والترمذي بإسناد صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن- رياض الصالحين ص188].
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يعني أن الإنسان يكون في الدين، وكذلك في الخلق على حسب من يصاحبه، فلينظر أحدكم من يصاحب، فإن صاحب أهل الخير؛ صار منهم، وإن صاحب سواهم؛ صار مثلهم.
فينبغي للإنسان أن يصطحب الأخيار، وأن يزورهم ويزوروه لما في ذلك من الخير.[شرح رياض الصالحين، لابن عثيمين رحمه الله].
واعلم أنه ينبغي فيمن تؤثر صحبته خمس خصال: أن يكون عاقلاً حسن الخلق، غير فاسق، ولا مبتدع، ولا حريص على الدنيا.
وقد أثنى الله جل وعلا على الصحبة الطيبة وجعلها سببًا لدخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي"[رواه مسلم].
بل ورفع الله عز وجل ذكر الكلب برفقته للصالحين، فقال تعالى: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ)[الكهف:22].
وانظر إلى موقف الأخلاء من بعض يوم القيامة، وهو أهم المواقف وأعظمها شأنًا، قال جل وعلا يصف حالتهم: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف:67].
أيها المسلمون: وفي وصف عجيب وتصوير دقيق للصحبة وأثرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا منتنة"[رواه مسلم].
وقال علي رضي الله عنه: "عليكم بالإخوان فإنهم عدة في الدنيا والآخرة، ألا تسمع قول أهل النار: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)[الشعراء:100-101].
وللأخوة حقوق، قد ذكرها عطاء بن ميسرة، بقوله: "تعاهدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، وإن كانوا مشاغيل فأعينوهم، وإن كانوا نسوا فذكروهم.
قال المأمون: "الإخوان ثلاثة: أحدهم: مثله مثل الغذاء لا يستغنى عنه، والآخر: مثله مثل الدواء يحتاج إليه في وقت دون وقت، والثالث: مثله مثل الداء لا يحتاج إليه قط، ولكن العبد قد يبتلى به، وهو الذي لا أنس فيه ولا نفع".
فما عليك إلا بحسن الاختيار، والحرص والتحري، وانظر مع من تجتمع؟ وعلى ماذا تجتمع؟ وكيف تختار الأصدقاء؟! أهم الذين قال الله فيهم: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[العصر:3].
فأعانوا على الطاعة والاستقامة والسير إلى الله، أم هم أهل الضياع والضلال والخسران؟
وليست موافقة الصاحب مقصورة على الحياة فحسب، بل إن نفع هذا الخليل يمتد إلى ما بعد ذلك وهو استمرار لهذه المحبة الصادقة، والأخوة الظاهرة، فقد كان محمد بن يوسف الأصفهاني يقول: وأين مثل الأخ الصالح؟ أهلك يقتسمون ميراثك ويتنعمون مما خلفت، وهو منفرد بحزنك، مهتم مما قدمت وما صرت إليه، يدعو لك في ظلمات الليل، وأنت تحت أطباق الثرى.
ورأينا هذا الفعل في كثير من الأخلاء الصالحين، يتصدقون عن صاحبهم ويدعون له، وما ذكر في مجلس إلا ترحموا عليه ودعوا له بالمغفرة.
وقبل أيام جاءني شاب يريد أن ينظر إلى مغسلة الأموات التي غُسِّل فيها صاحبه، بعد وفاته بشهر، وهو يفكر فيه وفي أحواله بعد الموت ويدعو له.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر:10].
قال مالك بن دينار: كل جليس لا تستفيد منه خيرًا فاجتنبه.
وعندما سئل إبراهيم بن أدهم: لم لا تصحب الناس؟ قال: إن صحبت من هو فوقي تكبر علي، وإذا صحبت من هو دوني لم يعرف حقي، وإذا صحبت من هو مثلي حسدني.
انظر إلى حالهم في الدنيا، وإلى نماذج من صورهم الطيبة، وأفعالهم الزكية، فقد دخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه فجعل يبكي، فقال: ما شأنك؟ قال: عليَّ دين!! قال: كم هو؟ قال: خمسة عشر ألف دينار، قال: فهو عليَّ.
الله أكبر، أين نحن من هؤلاء؟
نعم من يحجبُ الإنسان عن التخلق بالخلق الحسن؟ ومن يمنع المرء عن معالي الأمور؟
قال بعض الناصحين: لا تصحب من الناس إلا من يكتم سرك، ويستر عيبك، فيكون معك في النوائب، ويؤثرك بالرغائب، ينشر حسنتك، ويطوي سيئتك، فإن لم تجده فلا تصحب إلا نفسك.
قال الشافعي:
سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها *** صديقٌ صَدُوقٌ صادِقُ الوعدِ مُنْصِفا
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة:119].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أيها الحبيب: إذا أجدبت الأرض، وضاقت المسالك، وادلهمت الخطوب وتاهت الدروب، هناك يظهر لك الأخ الصادق والوفي، تستأنس برأيه، وتتقوى بهمته يهون عليك المصيبة، ويحمل عنك ما أثقل كاهلك.
أما إذا اخضرت الأرض وابتسمت لك الدنيا، فالكل أصحاب وأحباب!!
كان بعض السلف يتفقد عيال أخيه بعد موته أربعين سنة، فيقضي حوائجهم.
الله أكبر، أين نحن من هؤلاء؟!
أيها المسلمون: وللرفيق حقوق وللصديق واجبات، وقد ذكر سعيد بن العاص ذلك بقوله: لجليسي علي ثلاث: إذا دنا رحبت به، وإذا حدث أقبلت، وإذا جلس أوسعت له.
وقد ذكر الله عز وجل بعضًا من تلك الصفات الحميدة بين المؤمنين، فقال تعالى: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح:29] إشارة إلى الشفقة والإكرام.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه"[رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
هذه صحبة الأخيار، ورفقة الصالحين تناديك، فهي عون لك في الشدائد، ومنبه لك عند العثرات، إعانة على الخير وتواصي بالصبر، فالزم أهل الخير، وجاور أهل التقى.
وكان العارفون يتحرون للصحبة كبار السن، من جَمَّل الشيب مفارق رءوسهم، وعلا الوقار حديثهم، عصرتهم الأيام وخبرتهم الليالي، أهل الدين والعقل والحكمة.
فهناك تخرج من أفواه الكبار الحكمة والقصة وتذكر السنين الماضية، وما بينهما إلا ذكرٌ لله واستغفار وتسبيح وتحميد.
جعلنا الله وإياكم من المتحابين فيه، وجمعنا ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا وأقاربنا في جنات النعيم.
ثم صلوا وسلموا على الهادي البشير.
التعليقات
Alitale1 Alitale1
11-07-2017جزاك الله خير الجزاء وجعل ذلك في ميزان حسناتك