الشهرة والمشاهير .. ضوابط ومحاذير

الشيخ د عبدالرحمن السديس

2022-11-04 - 1444/04/10
عناصر الخطبة
1/عقيدة الإسلام الصافية تؤهل لاستشراف المستقبل 2/حب الظهور معكر لصفو الإخلاص 3/حال سلفنا الصالح مع الشهرة 4/مشكلات الشهرة وعواقبها الوخيمة 5/المعنى الحقيقي للشهرة 6/ضرورة التصدي لمحبي الشهرة ومجانينها 7/فضل الله بأمن وأمان ورخاء بلاد الحرمين الشريفين

اقتباس

للهِ درُّ مشاهيرِ الخيرِ والإيجابيَّةِ والمصداقيَّةِ والموضوعيَّةِ والموثوقيةِ، الذين سخَّرُوا شهرتَهم في نشر العلم النافع، والعمل الصالح والقِيَم النبيلة، والأهداف السامية، بوركت جهودهم؛ فهم موفَّقون مُسدَّدون، والآخرون محرومون مخذولون مدحورون، والله المستعان على ما يصفون...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله حمدًا لم يزل مدرارًا وكَّافًا، نحمده -سبحانه-، حمدًا يتوالى أضعافًا، لك الحمد حمدًا طيِّبًا ومباركًا، لكَ الحمدُ مولانا عليكَ المعولُ، لك الحمد أعلى الحمد والشكر والثنا، أعز وأزكى ما يكون وأفضل، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادة تعنو لها القلوب خضوعًا وامتثالًا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، خير من عظَّم الله أقوالًا وأفعالًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأُلى دام فيهم الفضل هطَّالًا، والتابعينَ ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقَب النَّيِّرانِ وتوالَا، وسلَّم تسليمًا مباركًا سلسالًا.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن التقوى نور القلوب، إلى خشية علام الغيوب، (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)[الْأَعْرَافِ: 26]، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[الْحُجُرَاتِ: 13].

إن التُّقَى خيرُ زادٍ أنتَ حَامِلُهُ *** والبِرُّ أفضلُ شيءٍ نالَهُ بَشَرُ

 

إخوةَ الإسلامِ: في دُنيا الفتن المُدْلهِمَّة، وواقع التحدِّيات المُحْدِقة بالأمة، وفي عالمٍ اعْتَسَفَتْ طرائقَ الحَقِّ الصُّرَاحِ فيه وسائلُ ومستجِدَّاتٌ، وتحوُّلات وأزمات وتحديات، يجدر بنا أن نقف وقفةً جادَّةً؛ لاستشراف المستقبل ورَسْم آفاقه، في ضوء عقيدة صافية، وقِيَم سامية، لقد جاء الإسلام بِعَقِيدَةِ التَّوحِيدِ الخَالِصَةِ؛ كما هي دعوة الأنبياء والرُّسُل -عليهم الصلاة والسلام-، وتلك هي وظيفةُ المسلمِ في الحياة؛ إخلاصُ العبوديةِ لله وحدَه لا شريكَ له، في بُعْد عن الرياء والسمعة، قال سبحانه: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)[الزُّمَرِ: 2-3]. ولَمَّا استبدَل بعضُ الناس في أعقاب الزمن بنورِ الوحيينِ سواهما، ابتُلُوا بالفِرَق والخلافات، والطوائف والانقسامات، والأحزاب والتصنيفات، يضخمون الهَناتِ، ويتتبعون الهفواتِ، وينشغلون بالكبوات، فخالَفُوا صحيحَ المنقول وصريحَ المعقول، واتبعوا أهواءهم: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ)[الْقَصَصِ: 50].

 

ولقد حرصَتِ الشريعةُ الغَرَّاءُ على تحقيق مجتمَع متماسِك، بعيدًا عن إثارة الفتن والشُّبُهات، وأمَرَنا ربُّ العالمينَ أن نعتصمَ بحبلِه المتينِ، قال سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آلِ عِمْرَانَ: 103].

 

أيها المؤمنون: وإن مما يُعكِّر صفوَ الإخلاص، ويشقّ عصا الوحدة دون مناص؛ حُبَّ الظهور بين الناس، بل قُل إن شئتَ: شهوة الشهرة وسطوة التصدر والظهور، وتلك قاصمة الظهور.

 

وإن مِنَ المؤلمِ حقًّا أن نرى بعضَهم يسعى إليها سعيًا حثيثًا حتى أنَّه لا يرى في الدنيا شيئًا غيرَها، ورُبَّما تخلَّى عن قِيَمِهِ ومبادئه، وأخلاقه وعقيدته؛ من أجل سراب خادع يحسَبُه الظمآنُ ماءً.

 

ولقد كان سلفنا الصالح -رحمهم الله- يكرهونها، بل يَفِرُّونَ منها، وقد نهى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه، من حديث ابن عمر -رضي الله عنه-، نهى عن لباس الشهرة، ورتَّب عليه الوعيدَ الشديد، (خرَّجَه أحمدُ وأبو داود والنَّسائيُّ وابنُ ماجه)، يقول سفيان الثوري -رحمه الله-: "إياكَ والشهرةَ؛ فما أَتَيْتُ أحدًا إلا وقد نهى عن الشهرة"، وقال بِشْرُ بن الحارث: "مَا اتَّقَى اللهَ مَنْ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ"، وقال ثابت البُنانيُّ: "قال لي محمد بن سيرين: لم يكن يمنعني من مجالستِكم إلا خوفُ الشهرةِ"، وقال إمامُ أهلِ السُنَّةِ أحمدُ -رحمه الله-: "أُرِيْدُ أَنْ أَكُوْنَ فِي شِعْبٍ من شعابِ مَكَّةَ حَتَّى لا أُعرَفَ، قَدْ بُليتُ بِالشُّهرةِ"، الله أكبر، وهو المستعان، وعليه التكلان، ونعوذ بالله من الخِذلان. هكذا مضى سلفُنا الصالحُ على هذا المنهاج، وكان هذا دِينَهم ودَيْدَنَهم، فأين هذا من أقوام غلَبَهم حبُّ الشهرة، خاصةً في هذا الزمان الذي عَظُمَتْ فيه الفتنةُ بمن يُسمَّوْن: مشاهيرَ وسائل التواصُل الاجتماعيّ؛ فنحن في عصر الثَّوْرَة التِّقَانِيّة المذهِلة، التي أسْفَرَتْ عن وسائل الاتصال السريعة المُتطوِّرة، فَخوَّلَتِ الإنسانَ أنْ يَتَواصلَ مع مَنْ شاء، متى شاء، كيف شاء، في أيِّ مكان من المعمورة، وفي أيْ وقتٍ وزمن، في بثٍّ مُبَاشِرٍ مُفَصَّلٍ، يَحْمِل الصَّوتَ والصُّورَةَ مَعًا؛ فينشرون على الناس طعامَهم وشرابَهم ومجالِسَهم، ويتعرَّضون للخصوصيات، ويخترقون أستارَ الأُسَر والبيوتات...!!!

 

فيَا للهِ كم جنَتْ هذه المسالك على الأمة في عصرنا الحاضر، وأصبح الناسُ يَعقِدُون المقارَناتِ بينَ وَاقِعِهم الذي يعيشونه، وبينَ ما يرونه على شاشات المعلومات، فكثرت المشكلاتُ الأسريةُ، وشاعت الضغائنُ والأحقادُ، والحسدُ والغيرةُ وغيرُها من أمراض القلوب وأدواء النفوس، في الوقت الذي نرى فيه كثيرًا من أبناء الأمة هَمُّه في لَيْلِهِ ونهارِه أن يكون مشهورًا أو مُتابِعًا للمشاهير، مَهمَا كلَّفَه ذلك، ودونَ النظر في عواقب الأمور ومآلاتها، فنطقتِ الرويبضةُ، وتحدَّثت الغوغاءُ والمفاليسُ في أُطروحات وخصوصيات بل قل سفاهات وتفاهات وغثائيات، وعامةُ المجتمعاتِ تعيش إدمانَ مطالَعة هذه الشبكات المحمومة، وهوس الفضاءات المسمومة، يرومون، وبئس ما يرومون؛ الإثارة والتشويش والتشهير والتحريش، والبلبلة والتهويش، في أدواء نفسيَّة، وتصحرات قلبية، وبكل صفاقة وبجاحة ممقوتة.

إنَّ الزرازيرَ لَمَّا قـامَ قائمُها *** توهَّمَت أنَّها صارَت شَواهينا

بَيادِقٌ ظَفِرَتْ أيدي الرِّخَاخِ بها *** ولو تركناهمُ صادوا فَرازينا

 

بل امتطى بعضُهم لباسَ الشهرة العاريَ، وهو من ثوب التقى عارٍ، بالطعن في العقائد والثوابت والأعراض والرموز والقدوات، وهذا من الإفك المبين، والكذب الصُّرَاح، والبهتان العظيم، والجرم الشنيع، والافتراء البشيع؛ (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)[النَّحْلِ: 105]، والتشبُّع بما لم يُعطَ المرءُ ولا عزاءَ للهمج الرعاع، والإمَّعات أتباع الناعقينَ، وأشياع المارقينَ، الذين أسلَمُوا عقولَهم لأعدائهم؛ (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)[النُّورِ: 16]، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[النُّورِ: 11].

 

أُمَّةَ الإسلامِ: وليستِ الشهرةُ مرادةً في ذاتها، وإنَّما المراد أن يرَاكَ اللهُ حيث أمرَكَ وأن يفقدكَ حيث نهَاكَ، تلكم هي المسؤوليَّة الحقة التي تستشعر خشية الله ومراقبته، مع كل قبسة قلم، وهمسة فم، وإعداد معلومة، ونشر تغريدة؛ فهي حقًّا لمن يَستشِعر عِظَمَ المسؤوليَّة، وثقلَ الأمانةِ، مغارم لا مغانم، وتبعات تستوجِب صادقَ الدعوات وإنكارَ الذات، كما كان هديُ سلفِنا الصالح -رحمهم الله-.

 

أيها المسلمون: وعلى إثْرِ هذه الغوائل السُّلُوكيَّة، والجنُوحات المَأزومَة الفكريَّة، لفِئامٍ ممَّن تلبَّسُوا بالشهرة والظهور الدائم، وانتشر أمرُهم بينَ الأنام؛ لَزِم الأمَّةَ؛ ساستَها، وعُلَمَاءَها، ودُعاتها، ونُخَبَ الفِكر والثَّقافة والإعلام؛ وكذا النَّصَفَة في العَالَمِين، بِشَتَّى الوَسَائل والقنوات التَّوَارُد على التّحذير مِن هذا الأمْر العظيم، الذي زاد المَرَارَةَ على الواقِع، والخَرْقَ على الرَّاقع، بل وسنُّ الأنظمة الحازمة، ووضعُ الجزاءات الرادعة؛ والحوكمة العادلة، ومواثيق الشرف الملزمة؛ لضبطِ مساراتِها وتوجيه دفَّتها، وتحديد موضوعاتها، وحوكمة محتواها؛ صونًا للقِيَم، وحفظًا للأخلاق الفاضلة والشِّيَم، وإذكاءً للذوق العامّ، والحفاظ على البقية الباقية من المروءة؛ حيث خشية انحطاطها:

ظنَّت تَأَنِّي البُزاةِ الشُهبِ عن جزَعٍ *** ومَا دَرَتْ أنَّه قَد كانَ تَهوينَا

لَم يُغنِهِمْ حقُّنا عَن نَهـبِ أنفسِنا *** كأنَّهم في أمانٍ مِن تَقاضِينَا

 

وعند الله تجتمع الخصوم؛ (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)[الزُّمَرِ: 31].

 

أيها المشاهيرُ: يَا مَنْ لكم مكانٌ ومكانةٌ في نفوس الأتباع من خلال الاستكثار مِنَ المتابِعِينَ، والشهرة الإعلاميَّة والتِّقنيَّة: اتقوا الله في أنفسكم ومتابعيكم، وأطروحاتكم، واعلموا أن الشهرة ابتلاء، ولها ضوابطها، ومحاذيرها، تَجَافَوْا بِعَزَائمِكم عن المَعَرَّات والإهمال، واسْمَوْا بِصِدْقِكُم وإخْلاصِكم عَن الإثارة والمِطَال، واسْتَمْجِدُوا بِهِمَمِكم عظيمَ المقاصِدِ والطُّمُوحَاتِ الغَوَال، استثمِرُوا الشهرةَ بالدعوة إلى الدِّين الحقِّ، وخدمةِ الأوطانِ وتنميتِها وأَمنِها، كونوا مفاتيحَ للخير، مغاليقَ للشرِّ، وسخِّروا الشهرةَ في الحفاظ على ثوابت الدين والقِيَم، والذَّبِّ عن أعراض المسلمين، وبيان الحق ونصرته وأهله.

 

ولله درُّ مشاهير الخير والإيجابيَّة والمصداقيَّة والموضوعيَّة والموثوقية، الذين سخَّرُوا شهرتهم في نشر العلم النافع، والعمل الصالح والقِيَم النبيلة، والأهداف السامية، بوركت جهودهم؛ فهم موفقون مسددون، والآخرون محرومون مخذولون مدحورون، والله المستعان على ما يصفون.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الْحُجُرَاتِ: 6].

 

نفعني الله وإيَّاكم بهدي الكتاب، وبسُنَّة النبي الأوَّاب، وبارك لي ولكم في الوحي، وبهدي المصطفى خير هدي، قد قلت هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو التواب الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا حمدًا، والشكر له شكرًا شكرًا، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أرفع الخليقة ذكرًا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، بركات تتوالى، وسلامًا يترى.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -عبادَ اللهِ-، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

 

إخوةَ الإسلامِ: ولا تتحقق أهليَّة من ذاع صيته، وانتشر في الناس اسمه ورسمه، إلا بتحقق المسؤوليَّة في أجلى مظاهرها، "فكُلُّم راعٍ وكلُّكُم مسؤولٌ عن رعيته"(خرَّجاه في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-)، يُتوَّج ذلك بمعاقد الصدق والرفق والحِلْم والحكمة، وصالح الأخلاق والقيم.

 

ألَا وإن من فضل الله -عز وجل- وعظيم آلائه، وجزيل نعمائه، ما منَّ به على هذه الأمة من تمكين الحرمين الشريفين، وما ينعمان به من أمن وأمان وراحة واطمئنان، وما هَيَّأ لهما من قيادة أريبة حكيمة تَشرُف بخدمتهما ورعايتهما، وتلك شهرة الخير بحمد الله، وتُقدِّم لقاصديهما منظومةً متكاملةً، من بديع الخَدَمات؛ لتحقيق جلائل الآمال والطموحات، وتستمر المسيرةُ المعطاءُ، مع بداية عامها التاسع والمديد -بإذن الله-، في خدمة الإسلام والمسلمين، في شتَّى البقاع ومختلف الأصقاع، وهنا تُؤَكَّد البيعةُ الشرعيةُ على السمع والطاعة لولاةِ أَمرِنا -أعزَّهُم اللهُ ونصرهم-، وعلى الكتاب والسُّنَّة عقيدةً وعبادةً وقربةً نتقرَّب بها إلى الله، وثقةً فيما عندَه -سبحانه-، في نأيٍ بالنفوس عن المهاتَرات والتطاولات، والملاسَنات والمزايَدات، وزَمٍّ لها عن الانسياق وراءَ شنيع الشائعات والأراجيف الكاذبات، والحَمَلات الممنهَجة المأجورة المفضوحة المدحورة ضدَّ الإسلامِ وأهلِه، وهذه البلادِ وقادتِها وعلمائها.

إنَّا لَقومٌ أَبَتْ أخلاقُـنَا شَرَفًا *** أَن نَبتدي بِالأَذى مَن لَيسَ يُؤذينا

 

ولجميل سِتر الله علينا:

كمْ يَطلبون لنا عيبًا فيُعجزُهم *** ويأبَى اللَّهُ مَا يأتـونَ والكـرمُ

وقُلْ للعيونِ الرُّمْدِ للشمسِ أعينٌ *** سِوَاكِ تراها في مغيبٍ ومَطلَعِ

وسَامِحْ عيونًا أطفَأ اللهُ نورَها *** بأهوائها، لا تستفيق ولا تَعِي

 

وأنتم يا أيها المستهدَفون البُرَآءُ: هنيئًا لكم، ويا بُشراكم، (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)[النُّورِ: 11]، في دِينكم ودنياكم، صبرٌ ونصرٌ وثقةٌ ورفعةٌ ومضاعَفةٌ للحسنات ورفعةٌ للدرجات، وتلك ضريبةُ النجاحات والامتيازات، والطريقُ سابلةٌ، والسُّنَّةُ ماضيةٌ، والحق يعلو ولا يُعلى عليه؛ (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)[الرَّعْدِ: 17]، (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 18].

 

وبعدُ معاشرَ الأحبة: إنَّ من أشرفِ أعمالِكم وأزكاها عند بارئكم كثرةَ صلاتكم وسلامكم على نبيِّكم المصطفى الصادق الأمين، إمام المتقين، ورحمة الله للعالمين، كما أمرَكم بذلك ربُّكم رب العالمين، فقال تعالى قولًا كريمًا في كتابه المبين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

فصلَّى اللهُ والأملاكُ جمعًا *** على داعي البرية للرشادِ

وآلٍ صالحينَ لهم ثناءٌ *** بنورِ القلبِ سطَّرَهم مدادي

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهم بَارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ وعن سائر الصحابة والتابعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأعلِ بفضلكَ كلمةَ الحق والدين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم وَفِّقْه لِمَا تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، وإلى ما فيه الخير للإسلام والمسلمين، اللهم وفقهم للبطانة الصالحة، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم احفظ على هذه البلاد عقيدتها، وقيادتها، وأمنها، ورخاءها واستقرارها، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم اجعلها دائمًا حائزة على الخيرات والبركات، سالمة من الشرور والآفات، اللهم اصرف عَنَّا شر الأشرار وكيد الفجار، وشرَّ طوارق الليل والنهار، رُدَّ عَنَّا كيدَ الكائدين، وعدوانَ المعتدين، ومكرَ الماكرين، وحقدَ الحاقدينَ، وحسدَ الحاسدينَ، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ.

 

حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلتُ وهو ربُّ العرش العظيم، لا إله إلا أنتَ برحمتكَ نستغيث، فلا تَكِلْنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ، وأصلِح لنا شأنَنا كلَّه، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألف ذات بينهم، وأصلح قلوبهم وأعمالهم، واجمعهم يا حي يا قيوم على العطاء والسنة، يا ذا العطاء والفضل والمنة.

 

اللهم انصر جنودنا، ورجال أمننا، المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم تقبل شهداءهم، اللهم اشف مرضاهم، وعاف جرحاهم، وردهم سالمين غانمين.

 

 (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128]، واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم، والمسلمين والمسلمات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life