عناصر الخطبة
1/ تعريف الشكر 2/ الشكر من أخلاق الأنبياء والمرسلين 3/ شكر المصطفى صلى الله عليه وسلم 4/ من أسباب شكر النعم 5/ أحوال المسلم مع البلاءاقتباس
إن التقصير في شكر النعم لما كان ناشئاًَ عن الجهل به أو عن الغفلة عنها ونسيانها، كان الطريق إلى شكرها بنظر كل امرئ إلى حاله وما خص به دون غيره، فإنه ما من عبد -كما قال بعض العلماء- إلا وقد رزقه الله تعالى في صورته أو أخلاقه أو صفاته أو أهله أو ولده أو مسكنه أو بلده أو رفيقه أو أقاربه أو جاهه أو سائر محابه، أموراً لو سلبها وأعطي ما خص به غيره لما رضي بذلك ..
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده سبحانه.. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له.. يحب من عباده الشكر ويجزي الشاكرين.. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله خاتم النبيين وسيد ولد آدم أجمعين، اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطاهرين وصحبه الطيبين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واذكروا وقوفكم بين يديه في ذلك اليوم الحق ( يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) [الإنفطار:19]
أيها المسلمون: إن من عظيم منن الله تعالى على الصفوة من عباده ما اختصهم به من كريم السجايا وجميل الصفات، التي عظمت بها أقدارهم وسمت بها منازلهم وارتفعت بهم درجاتهم عند ربهم، وإن من أجل هذه الصفات قدراً وأعظمها أثراً صفة الشكر.. وهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافاً، وعلى قلبه محبة وشهوداً، وعلى جوارحه طاعة وانقياداً.
وهو دليل على كمال عقل وصلاح قلب وصحة نفس وسلامة صدر، وقد جاء في كتاب الله الأمر به كما جاء النهي عن ضده، وهو الكفران وجحود النعم وعدم الإقرار بها أو استعمالها فيما يكره المنعم، فقال سبحانه: ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ )[البقرة:125].. وجاء فيه أيضا الثناء على أهل الشكر حيث وصف به أفضل خلقه فقال عن خليله إبراهيم -عليه السلام-: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) [النحل:120-121] وقال عن نوح -عليه السلام-: (...إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ) [الإسراء:3] أي كثير الشكر يحمد الله على كل حال.
وأخبر أن أهل الشكر هم المنتفعون بآياته ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) [لقمان:31] وجعل الشكر سبباً لزيادة فضله، وحارساً حافظاً لنعمته، " وإذا تأذن ربكم....لشديد " وقلة أهل الشكر في العالمين دليل على أنهم خواص خلقه، كما قال سبحانه: (... اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) [سبأ:13] ومضى رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه على طريق من سبقه من الرسل في لزوم الشكر لله في كل حال، شكراً تترجم عنه الأعمال وتصوره الأفعال، ففي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم -يعني في صلاة الليل- حتى تورمت قدماه. فقيل له: قد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فقال -صلى الله عليه وسلم- " أفلا أكون عبداً شكوراً ".
كما كان من دعاءه صلى الله عليه وسلم أنه سأل الله تعالى أن يجعله كثير الشكر له سبحانه على آلائه، فقد أخرج الإمام أحمد -في مسنده- وأبو داود والترمذي والنسائي -في سننهم- بإسناد صحيح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات " اللهم أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شكاراً لك ذكاراًَ لك رهاباً لك مطواعاً، إليك مخبتاً إليك أواهاً منيباً..." الحديث.. وقال صلوات الله وسلامه عليه لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه-: " يا معاذ والله إني لأحبك أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكر وحسن عبادتك " أخرجه أبو داود والنسائي -في سننهما- بسند صحيح.
عباد الله: إن التقصير في شكر النعم لما كان ناشئاًَ عن الجهل به أو عن الغفلة عنها ونسيانها، كان الطريق إلى شكرها بنظر كل امرئ إلى حاله وما خص به دون غيره، فإنه ما من عبد -كما قال بعض العلماء- إلا وقد رزقه الله تعالى في صورته أو أخلاقه أو صفاته أو أهله أو ولده أو مسكنه أو بلده أو رفيقه أو أقاربه أو جاهه أو سائر محابه، أموراً لو سلبها وأعطي ما خص به غيره لما رضي بذلك، لا سيما من خص بالإيمان والقرآن والعلم والسنة والصحة والفراغ والأمن، وغير ذلك، ولذا جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه بإسناد حسن عن عبيد الله بن محصن -وكانت له صحبة- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصبح منكم آمنا في سربه، معافاً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا ".
ومن أسباب شكر النعم أيضا اعتبار المرء بحال من هو دونه في المال والولد والصحة وسائر المحبوبات الدنيوية، كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم -في صحيحه- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعم الله ".
وإنه يا عباد الله لتدريب تربوي عظيم يأخذ به كل من أراد أن يطمئن قلبه وتستقيم حاله وتطيب حياته، بالسلامة من اضطراب الفكر وكآبة النفس، ورحيل السرور وحلول الهموم، ونزول العلل واستحكام الآفات التي تذيب الأجساد وتكدر صف العيش، وتنغص مباهج الحياة.
هذا وإن الوقوف في مقام الشكر لله رب العالمين ليس مختصاً بذوي النعم، بل يدخل فيه أيضاً أهل البلاء من فقر أو مرض أو خوف أو نقص في الأنفس.. إذ أن في كل بلاء أربعة أشياء يسر بها أولوا الألباب فيشكرون الله عليها.. أولاها أن من المتصور أن يكون وقوع هذه المصيبة على درجة أكبر مما هي عليه، فمجيئها على هذا الدرجة نعمة تستوجب الشكر..والثاني أنها لم تكن في الدين ، إذ لا مصيبة أعظم من المصيبة فيه.. والثالث أن فيها من ثواب للصابر عليها ورفعة مقامها وتكفير سيئاتها ما يحولها إلى رحمة ونعمة، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان -في صحيحيهما واللفظ للبخاري- عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه "..
والرابع أنها كانت مكتوبة في أم الكتاب ولم يكن بد من وصولها إلى من كتبت عليه، ولا مناص له من التسليم والرضا بها، ذلك الرضا الموعود صاحبه برضوان ربه، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه بإسناد حسن عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ".
فاتقوا الله -عباد الله- واعملوا على القيام بحق الشكر لله رب العالمين، على عظيم نعمه وجميل آلاءه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ* وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) [إبراهيم:32-42].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له.. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فيا عباد الله: إن في أمر الله عباده بشكره في قوله عز وجل ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ) [البقرة:152] في هذا الأمر إنعام آخر على العبد، وإحسان منه سبحانه إليه.. ذلك أن من منفعة الشكر -كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله- ترجع إلى العبد دنيا وآخرة لا إلى الله، والعبد هو الذي ينتفع بشكره، كما قال تعالى: (... وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) [النمل:40].
فشكر العبد إحساناً منه إلى نفسه دنيا وآخرة، فإنه محسن إلى نفسه بالشكر لا أنه مكافئ به لنعم الرب، فالرب تعالى لا يستطيع أحد أن يكافئ نعمه أبداً، ولا أقله ولا أدنى نعمة من نعمه، فإنه تعالى هو المنعم المتفضل الخالق للشكر والشاكر وما يشكر عليه، فلا يستطيع أحد أن يحصي ثناء عليه فإنه هو المحسن إلى عبده بنعمه، والمحسن إليه بأن أوزعه شكرها، فشكر نعمة من الله أنعم بها عليه تحتاج إلى شكر آخر وهكذا.
ومن تمام نعمه سبحانه وعظيم بره وكرمه وجوده، محبته له على هذا الشكر، ورضاه منه به، وثناءه عليه به.. ومنفعته مختصة بالعبد ولا تعود منفعته على الله، وهذا غاية الكرم الذي لا كرم فوقه، ينعم عليك ثم يوزعك شكر النعمة، ويرضى عنك ثم يعيد إليك منفعة شكرك، ويجعلك سبباً لتوالي نعمك واتصالها إليك والزيادة على ذلك منها، وهذا الوجه وحده يكفي اللبيب لينتبه به على ما بعده.
فاتقوا الله -عباد الله- وقفوا بمقام الشكر لله في كل حال تطب حياتكم وتستقم أموركم، وتحظوا بالمزيد من ربكم، واذكروا على الدوام أن الله تعالى قد أمركم بالصلاة والسلام على خير الأنام، فقال سبحانه -في أصدق الحديث وأعظم الكلام-: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر أعداء الدين، وسائر الطغاة والمفسدين، وألف بين قلوب المسلمين، ووحد صففوهم، وأصلح قادتهم واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين..اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، وهيئ له البطانة الصالحة، ووفقه لما تحب وترضى يا سميع الدعاء، اللهم وفقه وولي عهده وإخوانهم إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، يا رب العالمين، وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، يا من إليه المرجع يوم التناد.
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزم هؤلاء الصهاينة الطاغين المعتدين، اللهم اهزمهم وزلزلهم الله اهزمهم وزلزلهم، الله عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك..
اللهم إنا نسألك أن تكفينا أعداءنا وأعداءك بما شئت يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تكفينا أعداءنا وأعداءك بما شئت يا رب العالمين.. اللهم إنا نجعلك في نحور أعداءك وأعدائنا ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلك في نحور أعداءك وأعدائنا ونعوذ بك من شرورهم.. اللهم احفظ هذا البلد حائزة على كل خير، سالمة من كل شر، وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.. اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالصالحات أعمالنا.. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا ومحمد وعلى أله وصحبه أجمعين
ألقيت أيضا بتاريخ: 1430/02/04
التعليقات