عناصر الخطبة
1/نعمة البصر 2/ وجوب غض البصر 3/من آفات النظر إلى الحرام 4/مما يعين على غض البصر 5/فوائد غض البصر

اقتباس

والصَّلاةُ هي المَفْزَعُ إذا عَظُمَ الخَطْب، واشْتَدَّ الكَرْب، وهي مِنْ أَكْبَرِ الْأَدْوِيَةِ وَالْمُفَرِّحَاتِ التي تُفْرِحُ الْقَلْبَ وَتُقَوِّيْه، وكانَ نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- إذا حَزَبَه أَمْرٌ فَزِعَ إلى الصَّلَاة...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب70-71].

 

عبادَ الله: إِنَّهَا نِعْمَةٌ رَفِيْعَةُ القَدْر، جَلِيْلَةُ النَّفْع، بِهَا يُمَيِّزُ الإنسانُ الجَيِّدَ مِنَ الرَّدِيء، والحَسَنَ مِنَ القَبِيح، وبِهَا يَتَّقِي الخَطَر، ويَدْرَأُ الضَّرَر، إِنَّها نِعْمَةُ البَصَر! قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ)[البلد: 8].

 

وَنِعْمَةُ البَصَر، جَعَلَهَا اللهُ لِنَقُومَ بشُكْرِه وَذِكْرِه، والتَّفَكُّرِ في آياتِهِ وخَلْقِه؛ (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النحل: 78].

 

وَمِنْ شُكْرِ اللهِ على نِعْمَةِ البَصَر حِفْظُهُ مِنَ النَّظَرِ الحَرَام؛ لأنَّ البَصَرَ مَسْؤُوْلٌ! (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[الإسراء:36].

 

وقَدَّمَ اللهُ غَضَّ البَصَرِ على حِفْظِ الفَرْج؛ لأنَّ النَّظَرَ بَرِيْدُ الزِّنَا، وهو الذي يُوْصِلُ إليه؛ وَلِذَا أَمَرَ بِغَضِّه أَوَّلًا! "فالعَيْنُ تَزْنِي، وَزِنَاهَا النَّظَر!"(رواه أبو داود:4904، وصححه الألباني) (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)[النور:30].

 

وَالنَّظَرُ أَصْلُ عَامَّةِ الْحَوَادِثِ الَّتِي تُصِيبُ الإِنْسَانَ، والصَّبْرُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ؛ أَيْسَرُ مِنَ الصَّبْرِ على ألَمِ ما بَعْدَهُ!

 

كُلُّ الْحَوَادِثِ مَبْدَاهَا مِنَ النَّظَرِ *** وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ

 

وَمِنْ آفَاتِ النَّظَرِ الحَرَام: أَنَّهُ يُوْرِثُ الْحَسَرَات، فَيَرَى الْعَبْدُ مَا لَيْسَ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَلَا صَابِرًا عَنْهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْعَذَابِ! فالنَّظْرَةُ المُحَرَّمَة، سَهْمٌ مَسْمَومٌ مِن سِهَامِ إِبليس، يَسْرِي إلى القَلْبِ فَيُمْرِضُه، وَقَدْ يَقْتُلَه!

 

كَمْ نَظْرَةٍ فَتَكَتْ في قَلْبِ صَاحِبِهَا *** فَتْكَ السِّهَامِ بِلا قَوْسٍ ولا وَتَرِ

 

رَوَى ابْنُ القَيِّم: أَنَّ رَجُلًا كان يَلْزَمُ المَسْجدَ لِلْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ، فَرَقِيَ المنارَةَ على عادَتِهِ لِلْأَذَانِ، وكَانَ تَحْتَ المنارَةِ دَارٌ لِنَصْرَانِيٍّ، فَاطَّلَعَ فِيهَا، فَرَأَى ابْنَةَ صَاحِبِ الدَّارِ فَافْتُتِنَ بِهَا، فَتَرَكَ الأَذَان، وَنَزَلَ إِلَيْهَا، فَتَنَصَّرَ الرَّجُلُ لِيَتَزَوَّجَهَا، وَأَقَامَ مَعَهُمْ فِي الدَّارِ، فَلَمَّا كانَ في أثنَاءِ ذلكَ اليَوْمِ، رَقِيَ إلى سَطْحِ الدَّارِ، فَسَقَطَ مِنْهُ فَمَاتَ، فَلَمْ يَظْفَرْ بِهَا، وَفَاتَهُ دِينُه!

 

وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ ما يُعِيْنُ على غَضِّ البَصَر: أَنْ يَسْتَحِي العَبْدُ مِنْ رَبِّه حقَّ الحياء، فهو الذي أَعْطَاهُ البَصَر، وأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ يَرَاه، قال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر: 19].

 

سُئِلَ بَعْضُ السَّلَف: بِمَ يُسْتَعانُ على غَضِّ البَصَر؟، قال: بِعِلْمِكَ أَنَّ نَظَرَ اللَّهِ إِلَيْكَ، أَسْبَقُ مِنْ نَظَرِكَ إِلَى مَا تَنْظُرُهُ، وقال بَعْضُهُمْ: "اتَّقِ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكَ!".

 

وَمِمَّا يُعِيْنُ على غَضِّ البَصَر: أَنَّ مَنْ تَرَكَ المعصيةَ؛ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْهَا؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)[الطلاق:2-3].

 

قال ابْنُ القَيِّم: "وَاللهُ سُبْحَانَهُ يَجْزِي الْعَبْدَ عَلَى عَمَلِهِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ لِلَّهِ شَيْئًا عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ، فَإِذَا غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، عَوَّضَهُ اللَّهُ بِأَنْ يُطْلِقَ نُورَ بَصِيرَتِهِ، عِوَضًا عَنْ حَبْسِ بَصَرِهِ لِلَّهِ، وَيَفْتَحُ عَلَيْهِ بَابَ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَالْمَعْرِفَةِ وَالْفِرَاسَةِ الصَّادِقَةِ الْمُصِيبَةِ".

 

وغَضُّ البَصَر؛ بابٌ خَفِيّ، مِنْ أبوابِ الرِّزْقِ الإِلَهِيّ! قال تعالى: (وَلاتَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[طه:131].

 

أقول قولي هذ، واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

أَمَّا بَعْدُ: ما أَحْوَجَنَا إلى التَّذْكِيرِ بِغَضِّ البَصَر، في زَمَنٍ تُعْرَضُ فيهِ الفَتَنُ على القُلُوبِ والأَبْصَار، حتى تَحَوَّلَتْ صِنَاعَةُ الفِتَن، إلى بِضَاعَةٍ رائِجَةٍ في المواقعِ والقَنَوات، والأسواقِ والمُجَمَّعَات، وَخَلْفَ الشاشاتِ والجَوَّالات.

 

والواجِبُ -حينئذٍ- غَضُّ البَصَر، والبُعْدُ عن مَوَاطِنِ الخَطَر، مَعَ دَوَامِ التَّوْبَةِ والاسْتِغْفَار، للهِ الواحِدِ القَهَّار، ومَتَى تَلَطَّخْتَ بِنَظْرَةٍ خَائِنَة، فَاغْسِلْهَا بِتَوْبَةٍ مَاحِيَةٍ! فـ(إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)، وَمَنْ جَاهَدَ نَفْسَه؛ أَعَانَهُ رَبُّه! (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت:69].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

 

المرفقات
bbeXpFLWcitBylRmmFkUbQCRFfebIAswijk4uYbY.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life