عناصر الخطبة
1/جريمة الجناية على العقل 2/وجوب المحافظة على العقل وحمايته 3/خطورة تعاطي المسكرات أو المخدرات 5/داء المخدرات داء خطير 6/ من أسباب انتشار المخدرات 7/وجوب مكافحة المسكرات والمخدرات.

اقتباس

إن متعاطي المخدرات لا يُعَدُّ من الأسوياء، فأين هو من اجتماعات المسلمين ومناسباتهم؟! أين هو من عمله أو دراسته؟! أين هو من طاعة ربه؟! أين هو من بر والديه وصلةِ رحمه؟! أين هو من أعمالِ الخير والإحسان؟! بل إنه خطر على أموالِ والديه وأهله، ولا يأمنه أقربُ الناس إليه على أعراضهم...

الخُطْبَة الأُولَى:

 

إن الحمد لله؛ نحمدُه ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمّةَ، فجزاهُ اللهُ خيرَ ما جزى نبيًّا من أنبيائه، صلواتُ اللهِ وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى صحابته وآل بيته، وعلى من أحبهم إلى يوم الدين.

 

عباد الله: اتقوا الله -تعالى- حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، فتقوى الله هي خير زاد ليوم المعاد، وهي المنجية من عذاب الله؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

معاشر المؤمنين: إن من أعظم الجنايات خطرًا، وأكبرها ضررًا، وأعظمها أثرًا في مسيرة الإنسان، في شخصه ونفسه، وفيمن حوله، وفي مجتمعه؛ أن يغيِّب العقل، وأن يَعبَث به، وأن يزول ذلك الميزان الذي يعرف به الإنسان الخير من الشر، ويميز به الحقَّ من الهدى، ويميز به ما ينفع مما يضر.

 

إن الجناية على العقل جناية تفوق كلَّ الجنايات، وهي مصدر كل بلاء، وهي مصدر كل آفة، فبها تَفسُد حياة الناس، وبها يفسد دينُهم، وبها تفسد مصالحُهم، وبها تضطرب حياتهم، وبها ينالون كل ضرر، ويدركون كل شر، وبها يَهلِك معاشهم ويندمون في معادهم.

 

أيها المؤمنون عباد الله: احمدوا الله على ما منَّ به عليكم من العقل، فهذا العقل نور يقذِفه الله -تعالى- في قلوب الناس، وهو يَكمُل كلما اعتنى به الإنسان، فكلما اقتَرب من الله طاعةً، والتزم شرعه ديانةً، كان ذلك من أسباب كمال عقله؛ يقول الحق -تبارك وتعالى-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)[التين: 4]، ويقول -جل وعلا-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء: 70].

 

وميَّز الله الإنسان عن سائر مخلوقاته بالعقل؛ لذا جاءت الشرائعُ السماويةِ بالمحافظة على هذا العقل، وحمايته عن كل داء وبليَّةٍ تؤثِّرُ فيه أو تُعطِّل فوائدَه، ومن أعظم الوسائل التي تُفسِدُ العقلَ تعاطي المسكرات أو المخدرات؛ لذا جاءت نصوصُ الشرعِ بتحريم كلِّ مُسكِرٍ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة: 90].

 

وفي الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، وفي رواية مسلم: "وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ".

 

وفي رواية أخرى: "إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ"، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: "عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ"، وسمَّاها الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمَّ الخبائث، فمن تعاطى المسكرات أو المخدرات، فقد أدخل على نفسه النقص في دينه وماله وعقله، وربما انسلخ من ذلك كلِّه، نسأل الله السلامة والعافية.

 

عباد الله: كم سمعنا وقرأنا عن مدمنين أضاعوا أموالهم ثم باعوا ممتلكاتهم، وختموها ببيع أعراضهم وكراماتهم، اللهم احفَظنا وذريَّاتنا وجميعَ المسلمين بحفظك.

 

أيها المسلمون: داء المخدرات داء خطير، وقد زاد انتشاره في المجتمعات، خاصة كلما غفل الناس عنه وتناسوا أمره، وقلَّ تحذير الناس من شره، عاد يتفشى بين المجتمعات.

 

ولعل من أسباب انتشار المخدرات: ضَعف الوازع الديني لدى المتعاطي؛ حيث إن المتمسك بدينه يبتعد كل البعد عن التعامل بها بيعًا وشراءً وترويجًا وتهريبًا، وتعاطيًا؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت: 45]، ومتى كان الشخص بعيدًا عن ربه، مفرطًا في أوامره، واقعًا في معاصيه، ففي الغالب أنه يكون قريبًا من الوقوع في شباكها.

 

وكذلك رفقاء السوء والفراغ الذي يمر به الشاب في حياته، وتصديقه لدعايات المروجين الكاذبة عن فوائد المخدرات، والمشاكل الأُسرية لدى بعض الأسر، تكون من الأسباب التي تورِّط كثيرًا من شبابنا في هذه المخدرات.

 

أيها الأحباب: إن متعاطي المخدرات لا يُعَدُّ من الأسوياء، فأين هو من اجتماعات المسلمين ومناسباتهم؟! أين هو من عمله أو دراسته؟! أين هو من طاعة ربه؟! أين هو من بر والديه وصلةِ رحمه؟! أين هو من أعمالِ الخير والإحسان؟! بل إنه خطر على أموالِ والديه وأهله، ولا يأمنه أقربُ الناس إليه على أعراضهم، فكم من الأعراضِ جُرِحت وانتُهكت من المدمنين وبسببهم، مُقابلَ مُتعةٍ مُحرَّمة، أو وهو سادرٌ في سكرته، لذا فإن المجتمع الذي تنتشر فيه المخدراتُ يسُودُهُ القلقُ والتَّوتُرُ، ويُخيِّمُ عليه الشقاقُ والتمزق.

 

عباد الله: إن أمر المخدرات لمقلق، والأمرُ الذي يجعلُنا في قلقٍ وخوفٍ من تلك السُّموم القاتلة؛ لأنَّ ضحاياها -مع الأسف الشديد- هم شبابٌ في سنِّ الزهور، فطلاب المرحلة الثانوية والجامعية هم أكثر الضحايا كما أعلن ذلك المسؤولون، فالمروِّجون لا يبحثون عن كبار السن، وإنما يتتبعون صغار السن بحجة مساعدتهم، ويكثر انتشارهم في الإجازة الصيفية وأيام الاختبارات، بحجة أن هذه الحبوب تزيد الذاكرة وتنشّط العقل، وكذبوا والله، وإنما هي سموم تدمر العقل وتفسده.

 

وكثيرًا ما رأينا شبابًا كانوا من المتفوقين وبعضهم قد أصبح معلمًا، ولَمَّا تورّط فيها أصبح كالمجنون يسيح في الشوارع ليلًا ونهارًا يتحدث مع نفسه في حالة يُرثى لها، ولقد حدثني أحد الأطباء أن المخدرات في هذه الأيام أصبحت أكثر خطورة من الماضي؛ فقد خُلِط معها بعض الزجاج المطحون الذي بسببه يضرب العقل في ستة أشهر، فيصبح كالمجنون.

 

فيا أيها الشباب: عقولَكم، عقولَكم، فهي نعمة من الله وهبكم إياها؛ فحافظوا عليها، لا يخدعنكم أعداء الدين وأعداء هذا الوطن، فلا تنجرفوا وراء هذه الشرور والمؤامرات التي تحاك ضدكم وضد وطنكم.

 

يا شباب الوطن: إياكم ورفقاء السوء، يا شباب الإسلام، الصلاة الصلاةَ مع الجماعة في المساجد تحفَظكم من الضياع، يا رجال المستقبل لا تخدعنكم دعايات وأكاذيب المروجين، يا أيها الأبناء إذا أحد منكم تورَّط -لا قدر الله- في هذه السموم، فلا يستسلم ولا يخاف من الفضيحة وتهديد المروِّجين له، عليك أن تكون شجاعًا، وتعرض حالتك على والدك؛ ليتخذ الإجراء السريع المناسب، أو على مَن تثق به في مساعدتك من أقاربك أو معلمك، أو إمام المسجد، ففضيحة يوم أو أسبوع أو شهر من هؤلاء، أهون من دمار عقلك وضياع دينك مدى الحياة.

 

يا أيها البطل: تأكَّد أن المروج هو جندي من جنود إبليس، فإن كنت شجاعًا فادْحَره من أول وهلة يعرض عليك هذه المخدرات، ولا تُصدِّقه في دعايته لها، وإياك أن تصاحبه بعدها.

 

يا أيها الآباء: حافظوا على أبنائكم، مُروهم بالصلاة جماعةً، واجلسوا معهم، واستخدموا لغة الحوار معهم، وتحاورا معهم بالتي هي أحسن، حذِّروهم من أصحاب السوء، وبيِّنوا لهم عواقب ذلك، ولا تُكثروا من النصائح لهم؛ حتى لا تنفروهم، وادعوا لهم بالصلاح في كل وقت أن يحفظَهم الله من كل سوءٍ، وأشغلوهم في الإجازة بما ينفعهم؛ إما بحلقات التحفيظ، أو الانخراط في العمل التجاري الصيفي؛ ليحفظ وقته ويستفيد خبرةً، أو ساعدوهم في التسجيل في دورات تدريبة نافعة، كل هذه الأنشطة خير لهم في حفظ أوقاتهم والاستفادة منها.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون حقَّ تقواه، وراقبوه مراقبة مَن يعلم أنه يسمعه ويراه، ويعلم سره ونجواه.

 

عباد الله: المخدرات وباء خطير نعوذ بالله منها، ولها أثرٌ فتاك في شبابنا، ولذلك يسعى ولاةُ الأمر في هذه البلاد بكل ما أُوتوا من جُهدٍ ومالٍ لمكافحةِ هذا الوباءِ الخطير، ومُلاحقةِ المهربين والمروجين، وتطبيقِ أقصى العقوباتِ عليهم.

 

ومن تلك الجهود: توعية الناس بخطورة المخدرات عن طريق الخطب والمواعظ وغيرها، ومن جهود حكومتنا -حفِظها الله- في هذا الشأن: إقامة المصحات النفسية لعلاج المدمنين، وتوجيههم وتأهيلهم، وتبصيرهم بأخطار الإدمان وعواقبه؛ ليكونوا أفرادًا صالحين في المجتمع.

 

ومن واجبات أفراد هذا المجتمع أن يكونوا فاعلين ومتعاونين مع الأجهزة والدوائر الحكومية المختصة في مواجهة هذا الخطر الذي يهدد مجتمعنا، وذلك بالإبلاغِ عمَّن يروِّجُ هذه المخدرات، فهذا من إنكار المنكر الواجب؛ ليكفَّ شرَّه عن المسلمين.

 

قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى": "لا ريبَ أن مكافحةَ المسكراتِ والمخدرات من أعظم الجهاد في سبيل الله، ومن أهمِّ الواجبات التعاون بين أفراد المجتمع في مكافحة ذلك؛ لأن مكافحَتَهَا في مصلحةِ الجميع، ولأن فُشُوَّها ورَواجَها مَضَرَّةٌ على الجميع، ومن قُتِلَ في سبيل مكافحة هذا الشرِّ وهو حَسَنُ النية، فهو من الشهداء، ومن أعان على فضحِ هذه الأوكار وبيانها للمسؤولين، فهو مأجور، وبذلك يعتبر مجاهدًا في سبيل الحقِّ، وفي مصلحة المسلمين وحماية مجتمعهم مما يضرُّ بهم" ا. هـ.

 

فاتقوا الله -عباد الله-، وصلُّوا وسلِّموا على مَن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

نسألك اللهم أن تحفَظ بلادنا من كيد الكائدين، وأن تكفّهَا خطر المتربصين، اللهم احفظ شباب المسلمين من الشرور كلِّها، واجعلهم هداةً مهتدين، ولدينهم ووطنهم حُماةً مجاهدين.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life