عناصر الخطبة
1/ معنى السلامة لغة واصطلاحًا 2/ فضل السلام في الشرع 3/ فوائد إفشاء السلام 4/ من أحكام وآداب السلاماهداف الخطبة
اقتباس
ولعظيم منزلته فقد شرع للناس أن يلقوا على أنفسهم السلام إذا تلاقوا لتحل عليهم السكينة، وتغشاهم الطمأنينة، وتنتشر بينهم المحبة، وكلما ابتعدوا عن السلام نقصت المحبة بينهم، مصداقًا لحديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم".
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله وراقبوه وانظروا ما يقربكم إليه فسارعوا إليه حتى لا يكون أحد أسبق منكم إلى الله، فهذه الدار دار سباق وتنافس، ولعمري لقد أفلح السابقون إلى الله.
معاشر المؤمنين: إن الناظر في أحوال المسلمين في شتى بقاع العالم ليرى أن الهرج المذكور في الأحاديث قد عم وطم، والهرج هو القتل، حتى أصبح لفظ السلام يقال ولا يعمل به، ووالله إن لفظ السلام ليحوي معاني عظيمة من تدبرها خرج بفوائد جسيمة.
إن السلام في أصل اللغة هو السلامة، ولهذا سميت الجنة بدار السلام؛ لأنها دار السلامة من الآفات، ولعظيم معاني السلام كان من أسماء الله الحسنى السلام؛ لأنه سبحانه سالم من الآفات والنقائص، ولأنه هو الذي يهب السلام للناس، وكان من صفات عباد الرحمن أنهم إذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلامًا، وكان المفلح من العباد من جاء الله يوم القيامة بقلب سليم.
ولقد تكاثر ورود لفظ السلام في القرآن والسنة متنوعًا متفننًا في اللفظ والمعنى، ولعظيم منزلته فقد شرع للناس أن يلقوا على أنفسهم السلام إذا تلاقوا لتحل عليهم السكينة، وتغشاهم الطمأنينة، وتنتشر بينهم المحبة، وكلما ابتعدوا عن السلام نقصت المحبة بينهم، مصداقًا لحديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم".
قال أهل العلم: "معنى سلام عليكم، سلمتَ مني أن أضرك أو آذيك بظاهري وباطني". والإفشاء الإظهار.
قال ابن العربي: "من فوائد إفشاء السلام: حصول الألفة، فتتآلف الكلمة وتعم المصلحة وتقع المعاونة على إقامة شرائع الدين وإخزاء الكافرين، وهي كلمة إذا سمعت أخلصت القلب الواعي لها غير الحقود إلى الإقبال على قائلها". اهـ.
ولعظيم منزلة السلام في الشرع حثّ عليه المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، بل علق عليه العلو في الأرض والسلامة من الآفات، أخرج الطبراني في جامعه من حديث أبي الدرداء قال -صلى الله عليه وسلم-: "أفشوا السلام كي تعلوا".
قال المناوي: "كي تعلوا"، أي يرتفع شأنكم، فإنكم إذا أفشيتموه تحاببتم فاجتمعت كلمتكم فقهرتم عدوكم وعلوتم عليه، وأراد الرفعة عند اللّه".
وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث البراء قال -صلى الله عليه وسلم-: "أفشوا السلام تسلموا".
قال المناوي: "تسلموا"، من التنافر والتقاطع، وتدوم لكم المودة، وتجمع القلوب، وتزول الضغائن والحروب، فأخبر المصطفى -صلى اللّه عليه وسلم- أن السلام يبعث على التحابب وينفي التقاطع، قال الماوردي: وقد جاء في كتاب اللّه تعالى ما يفيده، قال اللّه تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، فحكي عن مجاهد أن معناه: ادفع بالسلام إساءة المسيء". اهـ.
ولقد جعل الله السلام هو تحيتنا في الدنيا والآخرة؛ أخرج الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذنه فقال له ربه: يرحمك الله يا آدم، اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فقل: السلام عليكم، قالوا: وعليك السلام ورحمة الله، ثم رجع إلى ربه فقال: إن هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم".
وقال تعالى: (تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ).
أيها المؤمنون: إن المشاهد الآن أن السلام بدأ يتلاشى بين الناس، فلا سلام يلقى إلا على من يعرف، ولربما اختلفت ألفاظ السلام واستبدل بألفاظ غربية أو محرمة إلا ما رحم ربي.
ولقد حكم الشرع على أن تارك السلام من أبخل الناس؛ أخرج الطبراني من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام".
وعلى العكس فإن باذل السلام هو أولى الناس بالله، كما أخرج أبو داود في سننه من حديث أبي أمامة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام".
ومن أراد أن يغفر الله له ذنوبه فلينشر السلام؛ فإن بذله من موجبات المغفرة، أخرج الطبراني من حديث هانئ بن يزيد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام".
عباد الله: من هذا المنطلق كان الواجب على المسلمين جميعًا بذل السلام ونشره بينهم ليعم السلام الحقيقي بين المسلمين، ولتزول النفرة المستقرة في قلوبهم، وليبذل السلام على كل المسلمين عرفناهم أم لم نعرفهم، عربًا كانوا أم عجمًا، فكل من لقيت فألق عليه السلام، فإن ذلك من خير الإسلام، أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الإسلام خير؟! قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".
اللهم وفقنا لهداك، وجنبنا ما يسخطك يا رب العالمين.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فأيها المؤمنون: إن للسلام أحكامًا وآدابًا يجب تعلمها وتطبيقها، فمن ذلك أن السلام يكون باللفظ الوارد؛ أخرج الترمذي في جامعه عن رجل من الصحابة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل: السلام عليكم ورحمة الله".
وأن يكون باللفظ لا بالإشارة إلا أن يكون بعيدًا لا يسمع، فيقرن بين اللفظ والإشارة، فإن السلام بالإشارة فقط من فعل اليهود؛ أخرج الترمذي من حديث ابن عمرو قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى؛ فإن تسليم اليهود الإشارةُ بالأصابع، وتسليمَ النصارى الإشارةُ بالأكف".
وأخرج البيهقي في الشعب من حديث جابر قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى؛ فإن تسليمهم إشارةٌ بالكفوف".
كما أن الواجب أن نرد على المسلم بأحسن مما بذل، فإن لم يكن فبالمثل كما قال تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً).
وبذل السلام من حقوق المسلم التي جعلها الله له؛ أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس".
ومن حِكَم السلامِ أن لا يطلع المسلم على عورة أخيه في غفلة منه، فالسلام ينبهه، أخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد: أن رجلاً اطلع على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: "لو علمت أنك تنظرُ لطعنت بها في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر".
ولهذا كان من عادته -صلى الله عليه وسلم- إذا طرق قومًا أن يبتعد عن الباب يمينًا أو شمالاً، أخرج أبو داود من حديث عبد الله بن بسر قال -صلى الله عليه وسلم-: "كان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: السلام عليكم السلام عليكم".
ومن آداب السلام: أن من تكلّم معك قبل أن يسلم فلا تجبه حتى يسلم إلا أن يكون جاهلاً فيعلم، أخرج الطيالسي في مسنده من حديث عبد الله بن عمر قال -صلى الله عليه وسلم-: "من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه".
ومن آداب السلام أن السلام يعلّم التواضع، فالراكب يسلم على الماشي، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير؛ أخرج الإمام أحمد من حديث عبد الرحمن بن شبل قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليسلمِ الراكبُ على الراجل، وليسلم الراجل على القاعد، وليسلم الأقل على الأكثر، فمن أجاب السلام فهو له، ومن لم يجب فلا شيء له".
عباد الله: لقد حسدتنا اليهود على السلام لما يعلمون فيه من الفضائل، فلا نبتعد عنه، أخرج الإمام أحمد من حديث عائشة قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين".
معاشر المسلمين: إن هذا الدينَ دينٌ عظيم، فلنتمسك به لنسعد وليعم السلام بيننا.
اللهم...
التعليقات