السفير

تركي بن عبدالله الميمان

2023-03-07 - 1444/08/15
التصنيفات: شعبان
عناصر الخطبة
1/الحكمة من صيام شعبان 2/قضاء رمضان الفائت 3/من الأعمال الفاضلة تطهير القلب من الحقد 4/من أحكام شهر شعبان 5/دعوة لاستغلال شهر شعبان بالطاعات

اقتباس

وَشَعْبَانُ كَالمُقَدِّمَةِ لِرَمَضَان؛ وَلِذَا شُرِعَ فِيهِ الصِّيَام، وَانْكَبَّ الصَّالِحُونَ على القُرآن؛ لِتَسْتَعِدَّ النُّفُوسُ لِرَمَضَان، وَتَرْتَاضَ عَلى طَاعَةِ الرَّحْمَن...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْدُ: إِنَّهُ شَهْرٌ عَظِيمٌ، تُرْفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى رَبِّ العِزَّةِ والجَلَال؛ إِنَّهُ شَهْرُ شَعْبَان؛ فَعَنْ أُسَامَة بْن زَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: “قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَك تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنْ الشُّهُور مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَان؟” فقال -صلى الله عليه وسلم-: “ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَان، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ!”(رواه النسائي وحسّنه الألباني). قالَ ابْنُ رَجَب: “فِيهِ دَلِيلٌ على اسْتِحْبَابِ عِمَارَةِ أَوْقَاتِ غَفْلَةِ النَّاسِ بالطَّاعَة، وأَنَّ ذَلِكَ مَحْبُوبٌ للهِ -عز وجل-”.

 

والصِّيَامُ في شَعْبَان؛ كَالتَّمْرِينِ على صِيَامِ رَمَضَان، قالتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: “مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ”(رواه البخاري ومسلم).

 

قال العُلَماءُ: “صِيَامُ شَعْبَان: أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ الأَشْهُرِ الحُرُمِ؛ لِقُرْبِهِ مِنْ رَمَضَان، بِمَنْزِلَةِ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ مَعَ الفَرَائِضِ؛ فَيَلْتَحِقُ بِالفَرَائِضِ في الفَضْلِ!”.

 

وَشَعْبَانُ كَالمُقَدِّمَةِ لِرَمَضَان؛ وَلِذَا شُرِعَ فِيهِ الصِّيَام، وَانْكَبَّ الصَّالِحُونَ على القُرآن؛ لِتَسْتَعِدَّ النُّفُوسُ لِرَمَضَان، وَتَرْتَاضَ عَلى طَاعَةِ الرَّحْمَن،  قالَ بَعْضُ السَّلَف: “كانَ يُقَالُ شَهْرُ شَعْبَان: شَهْرُ القُرَّاء!”.

 

وَحَرِيٌّ بِمَنْ جَدَّ في شَعْبَان أَنْ يَجِدَ حَلَاوَةَ رَمَضَان، وَثَمَرَةَ الإِيمان، قالَ البَلْخِي: “شَهْرُ رَجَب: شَهْرُ البَذْرِ لِلزَّرْعِ، وَشَعْبَانُ: شَهْرُ السَّقْيِ لِلْزَّرْعِ، وَرَمَضَانُ: شَهْرُ حَصَادِ الزَّرْع!”.

 

وَفِي هَذَا الشَّهْرِ تُعْرَضُ الأَعْمَال عَلَى ذِي الجَلَالِ، قال ابْنُ القَيِّم: “عَمَلُ الْعَامِ: يُرْفَعُ فِي شَعْبَان. وَعَمَلُ الْأُسْبُوعِ: يُرْفَعُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ. وَعَمَلُ الْيَوْم يُرْفَعُ فِي آخِرِه، وَعَمَلُ اللَّيْل يُرْفَعُ في آخِرِهِ”. قال ابنُ حَجَر: “فَمَنْ كَانَ حِينَئِذٍ فِي طَاعَةٍ: بُورِكَ فِي رِزْقِهِ، وَفِي عَمَلِهِ”.

 

وَمِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ عِندَ رَفْعِ الأَعمالِ: تَطْهِيرُ القَلْبِ مِن الحِقدِ والحَسَدِ، والشَّحْنَاءِ والبغضاء، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ؛ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ”(رواه مسلم).

قالَ بَعْضُ السَّلَفِ: “أَفْضَلُ الأَعْمَال: سَلَامَةُ الصُّدُوْرِ، وَسَخَاوَةُ النُّفُوْس”.

 

وَمَنْ دَخَلَ عَلَيهِ شَعْبَانُ، وَبَقِيَ عَلَيهِ قَضَاء رَمَضَان؛ فَلْيُبَادِرْ إلى قَضَائِهِ قَبْلَ رَمَضَان! قالتْ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: “كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ”(رواه البخاري ومسلم).

 

وَلا يُشْرَعُ تَقَدُّمُ رَمَضَان بَصَوْمِ يَومٍ أو يَوْمَينِ. مَا لَمْ يَكُنْ صَوْمًا وَاجِبًا؛ مِثْل قَضَاءِ رَمَضَان، أَوْ وَافَقَ صَوْمًا مُعْتَادًا؛ كَصِيَامِ الإِثْنَينِ والخَمِيس، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: “لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ، إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ”(رواه البخاري ومسلم).

 

وَيَحْرُمُ صَوْمُ يَومِ الشَّكِ بِقَصْدِ الاِحْتِيَاطِ لِرَمَضَان. وَيَوْمُ الشَّكِ: هُوَ الَّذِي تَكُونُ لَيْلَتُهُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَان، وكانَ في السَّماءِ مَا يَمْنَعُ رُؤْيَة الهِلَال؛ فَحِيْنَئِذٍ يَجِبُ إِكْمَال شعبانَ ثَلاثِينَ يَوْمًا؛ قالَ عَمَّارُ بُنُ يَاسِر-رضي الله عنه-: “مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-”. قال النَّوَوِيُّ: “فَإِنْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ أَجْزَأَهُ؛ لأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَصُومَ فِيهِ تَطَوُّعًا لَهُ سَبَبٌ؛ فَالْفَرْضُ أَوْلَى”.

 

وَتَخْصِيصُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شعبان بِعِبَادَةٍ أو احْتِفَالٍ؛ لَمْ يَثْبُتْ فيهِ شَيءٌ عنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قالَ ابْنُ العَرَبي: “لَيْسَ في لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعبان: حديثٌ يُعَوَّلُ عَلَيه!”. قال ابنُ عُثَيْمِينَ: “لَيْلَةُ النِّصفِ مِنْ شَعبان: لا تُخَصُّ بِقِيَامٍ، وَلَكِنْ إِنْ اعْتَادَ أَنْ يَقُومَ اللَّيل؛ فَلْيَقُمْ لَيْلَةَ النِّصْفِ: كَغَيْرِهَا مِنْ اللَّيَالي”.

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

عِبَادَ الله: أَكْرِمُوا شَهْرَ شَعْبَان؛ فَهُوَ سَفِيرُ رَمَضَان، ومَحَطَّةٌ لِلْتَّزَوّدِ مِنْ الإِيمانِ، والتَّرْوِيضِ على فِعْلِ الطَّاعَات، وتَرْكِ المُنْكَرَات؛ اِسْتِعْدَادًا لِشَهْرِ الخَيْرَاتِ.

 

فَيَا مَغْرُوْرًا بِطُولِ الأَمَلِ: كُنْ مِنْ المَوتِ على وَجَلٍ؛ فَمَا تَدْرِي مَتَى يَهْجُمُ الأَجَلُ؛ فـ “كَمْ مِنْ مُسْتَقْبِلٍ يَوْمًا لا يَسْتَكْمِلُهُ! وَمِنْ مُؤَمَّلٍ غدًا لا يُدْرِكُهُ!”. (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[المنافقون: 11].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life