عناصر الخطبة
1/ منزلة الرضا عن الله 2/ السعادة في الرضا عن الله 3/ بعض علامات الرضا عن الله 4/ الغنى الحقيقي في الرضا عن الله 5/ حث المريض على الرضا عما أصابه وفضل ذلكاهداف الخطبة
اقتباس
الرِّضَا عن اللهِ -تعالى- مُسْتَرَاحُ العَابِدِينَ, وجَنَّةُ الدُّنيَا للعَارِفِينَ, مَن لَمْ يَدْخُلْ عَالَمَهُ لَمْ يَتَذَوَّقْ طَعْمَهُ في الآخِرَةِ, وهوَ أَعظَمُ أَعمَالِ القُلُوبِ, وهوَ قِمَّةُ الإِيمَانِ وحَلاوَتُهُ. من هذا المُنطَلَقِ أَرشَدَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- أن نُعْلِنَ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيَا عِبَادَ اللهِ: الرِّضَا عن اللهِ -تعالى- مُسْتَرَاحُ العَابِدِينَ, وجَنَّةُ الدُّنيَا للعَارِفِينَ, مَن لَمْ يَدْخُلْ عَالَمَهُ لَمْ يَتَذَوَّقْ طَعْمَهُ في الآخِرَةِ, وهوَ أَعظَمُ أَعمَالِ القُلُوبِ, وهوَ قِمَّةُ الإِيمَانِ وحَلاوَتُهُ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ باللهِ رَبَّاً, وَبِالْإِسْلَامِ دِينَاً, وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً" [رواه الإمام مسلم عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].
يَا عِبَادَ اللهِ: من هذا المُنطَلَقِ أَرشَدَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- أن نُعْلِنَ صَبَاحَاً ومَسَاءً رِضَانَا عن اللهِ -تعالى-, روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَلَّامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: "مَرَّ رَجُلٌ فِي مَسْجِدِ حِمْصَ فَقَالُوا: هَذَا خَادِمُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي حَدِيثَاً سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- لَا يَتَدَاوَلُهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ الرِّجَالُ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَقُولُ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: رَضِيتُ باللهِ رَبَّاً, وَبِالْإِسْلَامِ دِينَاً, وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- نَبِيَّاً, إِلَّا كَانَ حَقَّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
يَا عِبَادَ اللهِ: السَّعِيدُ من وُفِّقَ للرِّضَا عن اللهِ -تعالى- في قَضَائِهِ وقَدَرِهِ, والسَّعِيدُ من وُفِّقَ لذلكَ, روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَا أَبَا سَعِيدٍ, مَنْ رَضِيَ باللهِ رَبَّاً, وَبِالْإِسْلَامِ دِينَاً, وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيَّاً, وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ. فَفَعَلَ, ثُمَّ قَالَ: "وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ, مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ" قَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ, الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ".
ولكن يَجِبُ عَلَينَا أن نَعْلَمَ مَن هوَ الرَّاضِي عن اللهِ -تعالى-, حَتَّى نَنَالَ هذا الأَجْرَ العَظِيمَ؟ هَل هوَ مَن قَالَ هذا بِلسَانِهِ أم بِجَنَانِهِ؟
يَا عِبَادَ اللهِ: مِمَّا لا شَكَّ فِيهِ بِأَنَّ الرِّضَا عن اللهِ -تعالى- يَكُونُ بالجَنَانِ, ويُقِرُّ بِهِ اللِّسَانُ, فَمَن تَحَقَّقَ بذلكَ حَازَ الأَجْرَ العَظِيمَ, والفَضْلَ العَمِيمَ.
الرَّاضِي عن اللهِ -تعالى- يَسْتَوِي عِنْدَهُ العَطَاءُ والمَنْعُ, الخَفْضُ والرَّفْعُ, الغِنَى والفَقْرُ, القُوَّةُ والصِّحَّةُ, العَافِيَةُ والمَرَضُ, وهوَ يَسْأَلُ اللهَ -تعالى- بِقَوْلِهِ: "ولكن عَافِيَتُكَ أَوْسَعُ لِي".
يَا عِبَادَ اللهِ: من سَعَادَةِ المَرْءِ الحَقِيقِيَّةِ في الدُّنيَا: الرِّضَا باللهِ -تعالى- رَبَّاً, والرِّضَا عن اللهِ -تعالى- فِيمَا قَضَى وقَدَّرَ, وبذلكَ يَسْكُنُ القَلبُ إلى اخْتِيَارِ اللهِ -تعالى- في الخَيرِ والشَّرِّ, فَمَن رَضِيَ باللهِ -تعالى- رَبَّاً وحَكَمَاً ومُدَبِّرَاً, كَانَتِ النَّتِيجَةُ: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر: 27 - 30].
يَا عِبَادَ اللهِ: من وَصَايَا لُقمَانِ لِوَلَدِهِ, قَالَ لَهُ: "أُوصِيكَ بِخِصَالٍ تُقَرِّبُكَ من اللهِ, وَتُبَاعِدُكَ من سَخَطِهِ, أن تَعْبُدَ اللهَ لا تُشْرِكَ بِهِ شَيئَاً، وأن تَرضَى بِقَدَرِ اللهِ فِيمَا أَحْبَبْتَ وَكَرِهْتَ".
وَرُوِيَ عن سُفيَانَ الثَّورِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّهُ قَالَ يَومَاً عِنْدَ رَابِعَةِ العَدَوِيَّةِ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا-: "اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِّي" فَقَالَتْ: أَمَا تَسْتَحِي من اللهِ أَنْ تَسْأَلَهُ الرِّضَا وَأَنتَ غَيرُ رَاضٍ؟ فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ. فَقَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيمَانَ الضَّبْعِيُّ: فَمَتَى يَكُونُ العَبدُ رَاضِيَاً عن اللهِ -تعالى-؟ قَالَت: "إِذَا كَانَ سُرُورُهُ بالمُصِيبَةِ مِثْلَ سُرُورِهِ بالنِّعْمَةِ".
وَكَانَ الفُضَيْلُ يَقُولُ: "إِذَا اسْتَوَى عِنْدَهُ المَنْعُ وَالعَطَاءُ فَقَد رَضِيَ عن اللهِ -تعالى-".
يَا عِبَادَ اللهِ: السَّعِيدُ مِنَّا مَن وَفَّقَهُ اللهُ -تعالى- للرِّضَا عن اللهِ -تعالى- فِيمَا آتَاهُ, فَمَن رَضِيَ عن اللهِ فِيمَا آتَاهُ كَانَ أَغنَى العِبَادِ، روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ, أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟" فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. فَأَخَذَ بِيَدِي, فَعَدَّ خَمْسَاً وَقَالَ: "اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ, وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ, وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنَاً, وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمَاً, وَلَا تُكْثِرْ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ".
وروى ابنُ حِبَّانَ عَن أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- عَن رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ عَن سِتِّ خِصَالٍ، كَانَ يَظُنُّ أَنَّهَا لَهُ خَالِصَةً، والسَّابِعَةَ لَمْ يَكُنْ مُوسَى يُحِبُّهَا. قَالَ: يَا رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَتْقَى؟ قَالَ: الذي يَذْكُرُ ولا يَنْسَى. قَالَ: فَأَيُّ عِبَادِكَ أَهْدَى؟ قَالَ: الذي يَتَّبِعُ الهُدَى. قَالَ: فَأَيُّ عِبَادِكَ أَحْكَمُ؟ قَالَ: الذي يَحْكُمُ للنَّاسِ كَمَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ. قَالَ: فَأَيُّ عِبَادِكَ أَعْلَمُ؟ قَالَ: عَالِمٌ لا يَشْبَعُ من العِلْمِ، يَجْمَعُ عِلْمَ النَّاسِ إلى عِلْمِهِ. قَالَ: فَأَيُّ عِبَادِكَ أَعَزُّ؟ قَالَ: الذي إِذَا قَدَرَ غَفَرَ. قَالَ: فَأَيُّ عِبَادِكَ أَغْنَى؟ قَالَ: الذي يَرْضَى بِمَا يُؤْتَى. قَالَ: فَأَيُّ عِبَادِكَ أَفْقَرُ؟ قَالَ: صَاحِبُ مَنْقُوصٍ".
يَا عِبَادَ اللهِ: كُونُوا رَاضِينَ عن اللهِ -تعالى- لِتَنَالُوا الأَجْرَ العَظِيمَ, وخَاصَّةً أَصْحَابَ الأَمرَاضِ الذينَ ابْتَلاهُمُ اللهُ -تعالى- لِحِكْمَةٍ يُرِيدُهَا, وليَسْمَعْ أَصْحَابُ الأَمرَاضِ حَدِيثَينِ عن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، روى الإمام مالك في المُوَطَّأ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ بَعَثَ اللهُ -تعالى- إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ فَقَالَ: اُنْظُرَا مَاذَا يَقُولُ لِعُوَّادِهِ؟ فَإِنْ هُوَ إِذَا جَاءُوهُ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ رَفَعَا ذَلِكَ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَهُوَ أَعْلَمُ, فَيَقُولُ: لِعَبْدِي عَلَيَّ إِنْ تَوَفَّيْتُهُ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ, وَإِنْ أَنَا شَفَيْتُهُ أَنْ أُبْدِلَ لَهُ لَحْمَاً خَيْرَاً مِنْ لَحْمِهِ, وَدَمَاً خَيْرَاً مِنْ دَمِهِ, وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ".
وروى الإمام أحمد عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ عَادَ مَرِيضَاً خَاضَ فِي الرَّحْمَةِ, فَإِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ اسْتَنْقَعَ فِيهَا, وَقَد اسْتَنْقَعْتُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ فِي الرَّحْمَةِ".
وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِي اللهُ تعالى عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ عَادَ مَرِيضَاً خَاضَ فِي الرَّحْمَةِ، فَإِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ، فَإِنْ عَادَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ اسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِي، وَإِنْ عَادَ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ اسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ" فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ, هَذَا للعائدِ, فَمَا لِلْمَرِيضِ؟ قَالَ: "أَضْعَافُ هَذَا" وفي رِوَايَةٍ لَهُ في الأَوسَطِ, قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ, فَمَا للمَرِيضِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا مَرِضَ العَبْدُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ خَرَجَ من ذُنُوبِهِ كَيَومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ".
اللَّهُمَّ اجعَلنَا مِنَ الشَّاكِرِينَ عِنْدَ الرَّخَاءِ, ومن الصَّابِرِينَ عِنْدَ البَلاءِ, ومن الرَّاضِينَ بِمُرِّ القَضَاءِ، آمين.
أقُولُ هَذا القَولَ, وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم, فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
التعليقات