عناصر الخطبة
1/اتساع آمال الإنسان في الدنيا 2/السعادة الحقيقية في هذه الدنيا 3/سعادة من توكل على الله ولم يرج سواه 4/فوائد وأحكام يوم عاشوراءاقتباس
ألَا ما أهْنا مَنْ أقبَلَ على مولاه، ولم يَرْجُ أحدًا سِواهُ، لم تُلْهِهِ الدنيا وشهواتُها، ولم تَغُرَّه زخارفُها ومَلذَّاتُها، إن أُعطيَ شَكَرَ، وإِنْ مُنِعَ صَبَرَ، وإِنْ أذنَبَ استغفرَ عمَّا اقترفه وجَناه، تلك السعادةُ الحقُّة التي لِمِثلِها يعملُ العاملون، فمَنْ فاتَتْه فهو الخاسرُ المغبونُ....
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله حمدًا تشملنا به رحمتُه، وتعمُّنا منه نعمتُه، لا إله إلا هو، جلَّت قُدرتُه، وظهرت حكمتُه، وهو الأحقُّ أن تُخشى نقمتُه وسطوتُه، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وكيف تُشارِكُه خليقتُه؟! وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، بعثَه بالهدى ودين الحق لتَرشُد أمتُه، صلى الله وسلم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان، وأدم الله ذلك أبدًا لا تنقضي مدته.
أما بعدُ: فأوصيكم -أيها الناسُ ونفسي- بتقوى الله، فقد اقترَب للناس حسابُهم، وأَزِف مآبُهم، وسيوقِظُ النائمَ منهم الموتُ وسَكْرتُه، ويَضُمُّه القبرُ وتُوحِشُه ظُلمتُه، ويسألُه ربُّه وتَشغلُه مسألتُه، فاتقوا الله وأحسِنوا، فقد أنذَر وأعذَر وقامت حُجَّتُه.
أيها المؤمنون: الآمالُ في الدنيا عريضةٌ، والأماني فيها مُستفيضةٌ، ورغبةُ كلِّ آمِلٍ ومُنْيتُهُ أَنْ يَحيَا على ظهرها سعيدًا، هانئًا حميدًا، والسعادةُ رُوحٌ في الرُّوح تَجري، ونَفحةٌ في النفس تَسري، الإيمانُ باللهِ مَدَدُها، والعملُ الصالحُ عُدَدُهَا؛ قال الحق -سبحانه-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النَّحْلِ: 97]، حياة طيبة في هذه الدار، وجزاء كريم في دار القرار، وذكر الله -تعالى- سبب للأنس والسرور، والبهجة والحبور؛ (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرَّعْدِ: 28].
ومن تقضَّت في الجهالة ساعاته، وذهبت في المعاصي أوقاته، أحاطت به المخاوف والآلام، وحلت بقلبه الهموم والأسقام؛ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[طه: 124].
بِذَا قَضَى اللَّهُ بَيْنَ النَّاسِ مُذْ خُلِقُوا *** أَنَّ الْمَخَاوِفَ وَالْإِجْرَامَ فِي قَرَنِ
أيها المسلمون: ومن اتبع النبي محمدًا -صلى الله عليه وسلم- شرَح اللهُ صدرَه، قال الله: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)[الشَّرْحِ: 1]، فالله شرح لنبيه صدره، ولأتباعه من ذلك بقدر اتباعهم لسنته، واقتفائهم لملته.
وأسعدُ الناسِ -عباد الله- مَنْ منَح الناسَ معروفًا ويدًا، وأنالَهم كرمًا وجودًا ورِفدًا، قال الله -تعالى-: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرَّحْمَنِ: 60]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناس"(أخرجه الطبراني).
وأَحسنُ وَجهٍ في الورى وَجهُ مُحسِنٍ *** وَأيمنُ كَفٍّ فِيهُمُ كَفُّ مُنعِمِ
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية -رحمه الله-: "السعادةُ في معامَلةِ الخلقِ أن تُعاملَهم لله، فترجوَ اللهَ فيهم، ولا ترجوهم في الله، وتخافَهُ فيهم ولا تخافُهم في اللهِ، وتُحسِنَ إليهم رجاءَ ثوابِ اللهِ لا لمكافأتهم، وتَكُفَّ عن ظُلمِهِم خوفًا من الله لا منهم" انتهى كلامه.
ألَا ما أهْنا مَنْ أقبَلَ على مولاه، ولم يَرْجُ أحدًا سِواهُ، لم تُلْهِهِ الدنيا وشهواتُها، ولم تَغُرَّه زخارفُها ومَلذَّاتُها، إن أُعطيَ شَكَرَ، وإِنْ مُنِعَ صَبَرَ، وإِنْ أذنَبَ استغفرَ عمَّا اقترفه وجَناه، تلك السعادةُ الحقُّة التي لِمِثلِها يعملُ العاملون، فمَنْ فاتَتْه فهو الخاسرُ المغبونُ.
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعني وإيَّاكم بما فيهما من الآي والحكمة، أقول ما سمعتُم، وأستغفِر اللهَ لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفِروه، إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد، القيُّوم الصمد، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان صلاةً تترى وسلامًا سرمدًا.
أما بعدُ، فيا أيها المؤمنون: لله في خلقه أيامٌ دالَّةٌ على كمال قُدرته وعظمته، وشاهدةٌ على تمام عدله وحكمته، ومن أيامه العظيمةِ يومُنا هذا؛ يومُ عاشوراءَ؛ يومٌ أنجَى اللهُ فيه موسى -عليه السلام- وقومَه، وأغرَق فرعونَ وقومَه؛ فشُرِعَ صيامُه حمدًا لله وشُكرًا، وكان على ذلك الثوابُ الجزيلُ، والجزاءُ الجليلُ، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لَمَّا قدم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ وجَد اليهودَ يصومون عاشوراء، فسُئلوا عن ذلك فقالوا: هذا اليومُ الذي أظْفَرَ اللهُ فيه موسى وبني إسرائيلَ على فرعون، ونحن نصومه تعظيمًا له، فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ"، ثم أمَر بصومه. (أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ)، وقال عليه الصلاة والسلام: "صيامُ يومِ عاشوراءَ أحتسبُ على الله أن يُكفِّر السنةَ التي قبله"(أخرجه مسلم).
عباد الله: صلُّوا وسلِّموا على خيرة الله من خلقه، وأمينه على وحيه وشريعته، محمد بن عبد الله، النبي القرشي الهاشمي، فاللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى الآل والأصحاب، التابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب، وعنا معهم بمنك وكرمك يا كريم يا وهاب.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونَفِّسْ كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد يا رب العالمين، اللهم سَدِّدْ جندَنا المرابطينَ على الحدود والثغور، كن لهم معينًا وظهيرًا، ومؤيِّدًا ونصيرًا.
اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملًا صالحًا متقبَّلًا، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 53]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[النَّحْلِ: 90-91].
التعليقات