عناصر الخطبة
1/أمنية صحابي صغير عظيم الهمة 2/من معاني السجود وأسراره 3/من فضائل السجود وبركاته 4/من أدعية السجود الثابتة

اقتباس

والسجدةُ التي يَحضرُ قلبُكَ فيها لا ترفعْ رأسَكَ حتى تَسُدَ جوعَ رُوحِك، وانثرْ أسرارَ صدرِك على سجادتِك؛ (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)[العلق: 19]، فإن القلبَ إذا سجدَ بالجسدِ اقتربَ وارتقبَ؛ فإن مسافاتِ البُعدِ تَطوِيها سجدةٌ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ كما خلقْتَنا ورزقْتَنا وهديتَنا، لكَ الحمدُ بالإسلامِ والقرآنِ والإيمانِ، ولكَ الحمدُ بالأهلِ والمالِ والمُعافاةِ، بسطْتَ رزقَنا، وأظهرْتَ أمنَنا، وجمعْتَ فُرقتَنا، ومِنْ كلٍ -واللهِ- ما سألناكَ ربَنا أعطيتَنا، أشهدُ أن لا إلهَ إلا أنتَ، وأشهدُ أن محمداً عبدُك ورسولُك، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ تسليماً كثيراً، أما بعدُ:

 

أيُها المسلمُ: ما طموحاتُك وما أغلَى أمنياتِك؟ وقارِنْها بأمنيةِ غلامٍ من الأصحابِ، هِمتُه كانت فوقَ السحابِ، كان فقيرًا صغيرًا، لكنهُ كان في همتهِ كبيرًا، فكانَ يأتي النبيَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقرِّبُ له وَضوءَه وحاجتَه، فأرادَ أن يكافئَه يوماً، فقالَ له: "سَلْني يا ربيعةُ"، فسكتَ ربيعةُ قليلاً، ثم قالَ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، فلما رأى نبيُك إصرارَه قالَ له: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ"(رواهُ مسلمٌ).

 

فمن عَلَتْ همتُهُ لينالَ القُربَ من النبيِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فليُكثرْ من السجودِ الذي هو: "سرُ الصلاةِ، وركنُها الأعظمُ، وما قبلَه من الأركانِ كالمقدماتِ له، فهو كطوافِ الإفاضةِ في الحجِ؛ ولهذا أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربهِ وهو ساجدٌ"(الصلاة وحكم تاركها).

 

وتأمل سرَ السجودِ، حيثُ خلقَ اللهُ العبدَ من الترابِ، فكانَ جديرًا بأنْ يلتصقَ بأصلهِ الذي خُلقَ منه، وأن يضعَ أشرفَ شيءٍ منه وأعلاهُ وهو الوجهُ أسفلَه؛ تذللاً، وتلذذًا، والسجودُ نزولٌ لكنَه أرفعُ ارتفاعٍ!.

 

ومن يستشعرُ لذةَ الصلاةِ، فسيُطوِّلُ بغيرِ شعورٍ قيامَها وسجودَها؛ ولذلك وصفَتْ عائشةُ -رضيَ اللهُ عنها- قيامَ النبيِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأنه: "يَسْجُدُ السَّجْدَةَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ"(رواهُ البخاريُ)، وأخبرَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الناسَ زمانَ الدجالِ يُقبِلونَ على الطاعةِ ويتلذذونَ بها، فقالَ: "حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"(متفقٌ عليهِ)

 

وجرّبْ في فراغِك وخلوتِك أن تُطيلَ ركعتينِ بسجداتِهِما الأربعِ، والسجدةُ التي يَحضرُ قلبُكَ فيها لا ترفعْ رأسَكَ حتى تَسُدَ جوعَ رُوحِك، وانثرْ أسرارَ صدرِك على سجادتِك؛ (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)[العلق: 19]، فإن القلبَ إذا سجدَ بالجسدِ اقتربَ وارتقبَ؛ فإن مسافاتِ البُعدِ تَطوِيها سجدةٌ!، وقد صَلَّى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَةً، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى نُودِيَ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ.

 

ولأجلِ السجودِ فإن غداً سيُخرِجُ اللهُ "قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا، إِلَّا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ"(رواه مسلم)، وغدًا يومَ يُؤتَى بالنارِ تُقادُ بخمسةِ ملياراتٍ من الملائكةِ الغلاظِ الشدادِ، والذين أبَوا السجودَ فسيَرَونَ من العذابِ ألوانًا، وسيَلْقَوْنَ ذلةً وهوانًا؛ (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)[القلم: 42، 43]

 

ولعظَمةِ السجودِ صارتْ أغيظَ المناظرِ على إبليسَ أن يَرى ابنَ آدمَ يسجدُ، بل إنه: يَبْكِي، "يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ! أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ، فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ، فَلِيَ النَّارُ"( رواه مسلم).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ الذي شرفَنا بالسجودِ له وحدَه، والصلاةُ والسلامُ على مَن لا نبيَ بعدَه.

 

أما بعدُ: أعرفتَ عظمةَ السجودِ لربِ الوجودِ، واعرِفْ أيضًا:

أن اللهَ -عزَ وجلَّ- يُحبُّ الساجدينَ ويرفعُهم: قالَ النبيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ؛ فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً"(مسلم).

 

واعرِفْ أن اللهَ قريبٌ من الساجدينَ، يسمعُ مُناجاتِهم، ويريدُ نجاتَهم: قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ"(رواه مسلم).

 

فإن قلتَ: بماذا أدعُوْ في سجودِي؟ فيُقالُ: خذْ ثلاثةَ أدعيةٍ نبويةٍ:

الأول: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي"(متفق عليه).

الثاني: "اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ"(مسلم).

والثالث: "رَبِّ أَعْطِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، زَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا"( رواه أحمد).

 

إذا فلنُطِلِ السجودَ مع باقي الصلاةِ، ولنُكثِرْ من السجداتِ سائرَ الساعاتِ، ولننثُرْ حاجاتِنا في سجداتِنا، ولتسجدْ قلوبُنا قبلَ أن تسجدَ جوارحُنا؛ حتى نُدركَ لذَّةَ السُّجودِ وحلاوتَه.

 

فاللهمَ لكَ صلاتُنا ودعواتُنا، إياكَ عبدْنا ولك سجدْنا، فاللهم ارفعْنا بالسجداتِ أعاليَ الدرجاتِ، اللهمَ إنا نعوذُ بك من الفقرِ إلا إليكَ، ومن الذلِ إلا لكَ، اللهمَ لا تُحْقِقْ علينا العذابَ ولا تقطعْ بنا الأسبابَ، اللهمَ اكشفِ البأسَ والبأساءَ عن إخوانِنا في غزةَ، وانصرهُم نصرًا من عندِك على اليهودِ الغاصبين، اللهم واحفظْ هذه البلادَ آمنةً مطمئنةً، هاديةً مهتديةً بتوحيدِك، مُحَكِّمةً لشرعِكَ، اَللَّهُمَّ وَفّقْ إمامَنا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. وَارْزُقْهُمْ بِطَانَةَ اَلصَّلَاحِ وَالْفَلَاحِ.

 

نستغفرُ اللهَ الحيَّ القيومَ ونتوبُ إليهِ، نستغفرُ اللهَ الحيَّ القيومَ ونتوبُ إليهِ، نستغفرُ اللهَ الحيَّ القيومَ ونتوبُ إليهِ، سبحانَ مَن يَسقِيْنا على معاصِيْنا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا هَنِيئًا مَرِيعًا طَبَقًا غَدَقًا مُجَلَّلًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَامًّا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ أَنَبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، وَاجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ.

 

اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمَ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ.

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life