عناصر الخطبة
1/الرقية الشرعية من أعظم وسائل العلاج 2/الرقية بالفاتحة والمعوذتين 3/أقسام الرقاة بالقرآن 4/تجاوزات وأخطاء بعض الرقاة.اقتباس
إنَّ الرُّقيةَ بالقرآنِ راحةٌ للأرواحِ، وعافيةٌ للأبدان، وليستْ رُعباً وهَلَعاً يجعلُ الإنسانَ يتهربُ أو يترددُ في العلاجِ بكتابِ اللهِ، بلْ على كلِّ واحدٍ منا أن يُربيَ نفسَه وأهلَ بيتِه على الرقيةِ لأيِّ ألمٍ، حتى يتقبَّلَ الجميعُ الرقيةَ. فيَا مَن يَشتَكِي أَمرَاضًا مُزمِنَةً وَأَعرَاضًا مُقلِقَةً، لم يَعرِفْ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، مغيثُ المستغيثينَ، ومجيبُ دعوةِ المضطرينَ، ورافعُ البلاءِ عن المستغفرينَ. وأشهدُ أن نبيَّنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، سيدُ ولدِ آدمَ أجمعين، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه الطاهرين، وصحابتِه الغرِّ الميامينِ، والتابعينَ ومَن تبعهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعدُ: فاتقوا ربَّكم واشكروه.
مَرِضَ، فسافَرَ لأماكنَ كثيرةٍ طلباً للشفاءِ، ولم يَجدْ شِفاءً، فجاءَ إلى أحدِ الرُّقاةِ الموثوقين؛ يطلبُ منه أنْ يقرأَ عليهِ، فقالَ لهُ هذا الراقيْ الموفقُ: لنْ أرقيَكَ الآن، ولكنِ اذهبْ إلى بيتِكَ، واقرأِ البقرةَ ثلاثةَ أيامٍ متتالية، ثم تعالَ بعدَ ذلكَ. وبعدَ ثلاثةِ أيامٍ جاءَ المريضُ للراقي وقد شُفيَ تماماً من مرضهِ ولم يَحتَجْ للرقيةِ، بل تحوَّلَ إلى راقٍ في بيتهِ، وأصبحَ بعدَها يحافظُ على الأذكارِ، ويوزِّعُ مطوياتِ أذكارِ طرَفَيِ النهار.
إنَّ الرُّقيةَ بالقرآنِ راحةٌ للأرواحِ، وعافيةٌ للأبدان، وليستْ رُعباً وهَلَعاً يجعلُ الإنسانَ يتهربُ أو يترددُ في العلاجِ بكتابِ اللهِ، بلْ على كلِّ واحدٍ منا أن يُربيَ نفسَه وأهلَ بيتِه على الرقيةِ لأيِّ ألمٍ، حتى يتقبَّلَ الجميعُ الرقيةَ.
فيَا مَن يَشتَكِي أَمرَاضًا مُزمِنَةً وَأَعرَاضًا مُقلِقَةً، لم يَعرِفْ لها الأَطِبَّاءُ أَسبَابًا ولم يجِدُوا لها عِلاجًا، قد يَكُونُ عِلاجُك عِندَ الرُّقَاةِ لا عِندَ الأَطِبَّاءِ.
ثِقْ بالشفاءِ، وعالِجْ قَدَرَ اللهِ بقَدَرِ اللهِ، فالداءُ منَ اللهِ، والدواءُ منَ اللهِ: أليسَ قد قالَ لنا رسولُنا -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلَّا قَدْ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ"(مسند أحمد 3578).
هل يموتُ الإنسانُ من الهمِّ؟! نعمْ؛ ألمْ يَتعوذْ نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- من الهَمِّ والحَزَن.
فاحذرْ أنْ تكونَ أسيراً لمرضِكَ أو أوهامِكَ. إياكَ أنْ يفترسَك الهمُّ، فيجلبَ لكَ الوهمَ؛ فإنه مَدخلٌ خطيرٌ من مَداخلِ الشيطانِ، ليُضعِفَ إيمانَك وتوحيدَك.
وبعضُهم تجدُه كلَّما رأى أحدًا يتكلمُ أو ينظرُ اتهمَه بأنه يصيبُه بالعين، فهذا الاتهامُ ظلمٌ إذا كان مبنياً على الظن.
ثمَّ إنْ كنتَ –حقًّا- مُصابًا بالعين: بدَلَ أنْ تملأَ قلبَكَ بالظنونِ، وتُشغِلَ بالَك بالدعاءِ، والحسبنة على مَن أصابَك.. أشغِلْ نفسَك ولسانَك بالدعاءِ والرقيةِ على نفسِك، ولا تَتَعَنَّ بالتردُّدِ على الرُّقاةِ وطَرْقِ أبوابِهم؛ لأنه لا أَخْلَصَ للإنسانِ من دعائِهِ لنفسهِ، ولو كانَ واقعًا ببعضِ المعاصي.
فإنْ قلتَ: لا أعرِفُ أَرقيْ نفسي؛ فيُقالُ: بل تَعرِفُ! أفلسْتَ تحفظُ أعظمَ سورةٍ؛ ألا وهيَ الفاتحةُ التي قالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لمن رَقَى بها: "وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟!"(صحيح البخاري 2276).
أفَلَسْتَ تحفظُ المعوذتينِ اللتينِ قال عنهُما النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا"(سنن أبي داود 1465).
قال ابنُ القيمِ: "وَهَذَا مِمّا لَا يَنَالُهُ عِلَاجُ الْأَطِبّاءِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ أَنْكَرَهُ أَوْ سَخِرَ مِنْهُ أَوْ شَكّ فِيهِ أَوْ فَعَلَهُ مُجَرّبًا لَا يَعْتَقِدُ أَنّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ"(زاد المعاد 4/ 154).
وثمَّة أمرٌ جديرٌ بالتحذيرِ؛ ألا وهوَ أنَّ بعضَ المعالجِينَ بالأعشابِ يستخدمونَ أعشابًا قد تكونُ فيها أضرارٌ على المريضِ، وقد يتحايَلونَ باستخدامِ الأعشابِ المركبةِ. وهذا تطبيبٌ بغيرِ علمٍ، و"مَنْ تَطَبَّبَ وَلاَ يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ"(سنن أبي داود 4588) أي يَضمنُ بدفعِ الديةِ أو القصاصِ.
ومن مصائبِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعي هذا الكمُّ الهائلُ من مقاطعِ الوَصفاتِ الطبيةِ التي ما أكثرَ ما يَنفيْها الأطباءُ وهيئةُ الغذاءِ والدواءِ، فاحذَرْ -يا عبدَ اللهِ- أن تُرسِلَ مثلَ هذه الوصفاتِ؛ فتبوءَ بإثمِها من حيثُ تريدُ الأجر.
الخطبة الثانية:
فالرُّقاةُ الذينَ يَقرؤونَ على المرضى القرآنَ؛ هم قِسمانِ:
قسمٌ همُ الأكثرونَ، مُحتسبونَ باذلونَ للرقيةِ، بل قد يُسافرونَ لمريضٍ احتسابًا، ويَزيدونَ على الرُّقيةِ دعوةً ونصيحةً للمرضى، يَبعثونَ في نفوسهمُ الأملَ، ويُنفِّسونَ لهمُ الأجلَ، فجزاهمُ اللهُ خيرًا وباركَ في أعمارِهم وأعمالهمْ، وكثَّر من أمثالهم.
وقِسمٌ جاهلونَ جَشِعونَ قليلونَ -لا كثَّرهمُ الله وهداهم-ارتكَبُوا تجاوزاتٍ منها:
أولاً: إيهامُ المريضِ بأنَّ العينَ أو السحرَ أصابَهُ من قرابتهِ أو الخادمةِ، فيَدخل هذا المريضُ في شكوكٍ ومشاكلَ أسريةٍ أكبرَ منَ المرض.
ثانيًا: بعضُ الرُقاةِ يَجعلُ همَّهُ جمعَ المالِ من المرضى، بل ربما يتفقُ مع بعضِ العطارين فيقرأُ على كراتين الماء؛ ليبيعَها باسمهِ، وهذ أكلٌ للمالِ بالباطل.
ثالثًا: "الرقيةُ لا بدَّ أن تكونَ على المريضِ مباشرةً، ولا تكونُ بواسطةِ مكبرِ الصوتِ، ولا بواسطةِ الهاتفِ.. وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أَحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليسَ منه فهوَ رَدٌّ"(متفق عليه).
رابعًا: استخدامُ أجهزةِ الصعقِ الكهربائي، أو كيُّ المريضِ بالنارِ، ويزعمونَ أنه لتعذيبِ الجنِّيِّ!! وهذا مخالفةٌ صريحةٌ لقولهِ-صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ" (سنن أبي داود 2675).
خامسًا: استخدامُ أسلوبِ الخنقِ، وربَّما يؤدي إلى مضاعفاتٍ سلبيةٍ. والرسولُ -صلى الله عليه وسلم- رقَى ولم يَخنق مَصروعًا قط.
سادسًا: الخلوةُ بالمرأةِ، وربَّما مَسَّ رأسَها ولو بحضورِ وليِّها. وهذا حرامٌ.
سابعًا: بعضُ الرُّقاةِ يُرهِقُ المريضَ بقراءةِ القرآنِ بشكلٍ كبيرٍ لا يُطيقُه المريضُ، فيبدأُ المريضُ، ثم يقِفُ فلا يُواصِلُ الرقيةَ، والمريضُ يحتاجُ مساعدةً وتشجيعًا، والأمرُ يحتاجُ إلى تدرُّجٍ.
رَبّنا أَعِنّا وَلَا تُعِنْ عَلَينا، وَانْصُرْنا وَلَا تَنْصُرْ عَلَينا، وَامْكُرْ لنا وَلَا تَمْكُرْ عَلَينا، وَاهْدِنا، وَيَسِّرْ هُدَانا إِلَينا، وَانْصُرْنا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَينا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنا لَكَ شَاكِرين، لَكَ ذَاكِرين، لَكَ رَاهِبين، لَكَ مِطْوَاعين، إِلَيْكَ مُخْبِتين مُنِيبين.
اللهم إنا نسألك خير المسألة، وخير الدعاء، وخير النجاح، وخير العمل، وخير الثواب، وخير الحياة، وخير الممات.
اللهم إنا نسألك أن ترفع ذكرنا، وتضع وزرنا، وتصلح أمرنا، وتطهر قلوبنا، وتحصن فروجنا، وتنور قلوبنا، وتغفر لنا ذنوبنا، ونسألك الدرجات العلى من الجنة.
التعليقات