عناصر الخطبة
1/تعريف الرفق 2/رفق النبي صلى الله عليه وسلم 3/فضل الرفق 4/أثر الرفقاقتباس
من الناس ما يظن أنَّ العنف قوة، وأنَّه طريق يوصل إلى الخير، ويحصل به المطلوب، ويُنال به المبتغى، بينما الأمر على العكس؛ فإنَّ الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه؛ فلا يصلح ولا يزين مع العنف أمر، بل العنف يولِّدُ عنفاً، والغلظة تقابل بالغلظة والشدة بالشدة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله على نعمه العظيمة وآلائه الغامرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مَنَّ علينا بالإسلام وهدانا له، فله الحمد كله حمداً طيباً مباركا فيه كما يحب ويرضى، وأشهد أنَّ محمداً عب ده ورسوله، وصفه الله بأنَّه على خلق عظيم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله -يا عباد الله-، وأخلصوا لله في أعمالكم، واقتدوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وتخلَّقوا بأخلاقه، قال الله -تعالى- مثنياً عليه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم:4].
قال الإمام السمعاني -رحمه الله-: "أَي: على الخلق الذي أدَّبك الله بِهِ مِمَّا نزل بِهِ القرآن من الْإِحْسَان إِلَى النَّاس، وَالْعَفو، والتجاوز، وصلَة الْأَرْحَام... وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، وَمَا أشبه ذَلِك".
معاشر المسلمين: إنَّ الرفق هو: حسن الانقياد لما يؤدي إلى الجميل والتَّوَسُّط واللطافة فِي الْأَمر ولِينُ الْجَانِبِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالْأَخْذِ بِالْأَسْهَلِ وَهُوَ ضد العنف.
ومن رحمة الله أن جعل نبينا -صلى الله عليه وسلم- ليِّناً في تعامله وأخلاقه، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[آل عمران:159].
قال السعدي -رحمه الله-: أي: برحمة الله لك ولأصحابك، منَّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك، وخفضت لهم جناحك، وترقَّقت عليهم، وحسَّنت لهم خلقك، فاجتمعوا عليك وأحبُّوك، وامتثلوا أمرك.
معاشر المسلمين: إنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- هو القدوة الحسنة لأمته؛ فمن اقتدى به هُديَ ورَشَد، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الأحزاب:21].
قال الإمام السمعاني: أَي: قدوةً حَسَنَة، والتأسي: هُوَ الاقتداء.
ومن الأمثلة السامية في رفق النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما ورد في الحديث المتفق عليه عند البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كَانَ اليَهُودُ يُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَطِنَتْ عَائِشَةُ إِلَى قَوْلِهِمْ، فَقَالَتْ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ" فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: "أَوَلَمْ تَسْمَعِي أَنِّي أَرُدُّ ذَلِكِ عَلَيْهِمْ، فَأَقُولُ: وَعَلَيْكُمْ".
في هذا الحديث الحث على الرفق، والصبر على الإساءة، والحلم مع المخالف، واللطف مع الناس عند محادثتهم، وفيه بيان عظيم خلقه -صلى الله عليه وسلم-.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ"(أخرجه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حُرِمَ الرِّفْقَ، حُرِمَ الْخَيْرَ أَوْ مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ"(أخرجه مسلم)؛ فالرفق يوصل إلى الخير الذي يسعى الحصول عليه جميع الناس.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ"(أخرجه مسلم).
قال القاضي معناه: "يَتَأَتَّى به من الاغراض ويسهل من المطالب مالا يَتَأَتَّى بِغَيْرِهِ".
معاشر المسلمين: من الناس ما يظن أنَّ العنف قوة، وأنَّه طريق يوصل إلى الخير، ويحصل به المطلوب، ويُنال به المبتغى، بينما الأمر على العكس؛ فإنَّ الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه؛ فلا يصلح ولا يزين مع العنف أمر، بل العنف يولِّدُ عنفاً، والغلظة تقابل بالغلظة والشدة بالشدة.
إنَّ الرفق واللين والصفح والعفو والصبر والحلم والإحسان بالقول والعمل، كلُّها أخلاق تَزِينُ بها الأمور وتصلح وهي مما ينبغي على المسلم، قال الإمام ابن باز -رحمه الله-: "ينبغي أن يكون المسلم رفيقاً بإخوانه رحيماً بهم، يغفر زلاتهم ويعفو عن إساءاتهم، يرحم ضعيفهم ويوقر كبيرهم، ولا يُشِقُّ عليهم، بل يجادلهم بالتي هي أحسن".
معاشر المسلمين: إنَّ الرفق مطلوب حتى ممن يتولى أمراً من أمور المسلمين، ليدخل في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ"(أخرجه مسلم).
قال الإمام ابن باز -رحمه الله-: "هذا وعد عظيم في الرفق ووعيد عظيم في المشقة". انتهى ما قال رحمه الله؛ فاحرص يا عبد الله أن تكون رفيقاً في أقوالك وأعمالك.
أيها المسلمون: إنَّ المحبَّة تُستزرع في القلوب بالرفق؛ فالمسؤول الذي يرفق بالناس، والجار الذي يرفق بجاره، والرجل الذي يرفق مع أهل بيته، والرجل الذي يرفق مع أقاربه ومع الناس؛ فإنَّ كل هؤلاء يحبُّونه ويلهجون بالثناء عليه وبالدعاء له إن جاء ذكره، إضافةً إلى الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله -تعالى-؛ لاتصافه بالرفق الذي هو قربة يتقرب بها العبد إلى خالقه ومولاه -سبحانه وتعالى-.
معاشر المسلمين: تجدون من الناس من يرفق حتى مع المسيء؛ سواء كان قريباً أو جاراً أو من عموم الناس؛ فصفة الرفق والإحسان والتغافل عن زلات غيره نحوه، صفة ملازمة له، وهي صفة كمال؛ يهنأ بها صاحبها قبل غيره، ويثاب عليها، ويحصل له بها الطمأنينة والراحة النفسية، ويُعطى عليها من الفضائل والثمرات الطيبة ما لا يعطى غيره؛ فالرفق طريق يوصل إلى الجنة، وصفة يُنال بها محبة الله ومحبة الناس، وهي دليل على صلاح المتخلق بهذا الخلق العظيم، وفوائدها على المجتمع ببعث المحبة والتعاون على الخير وتوثيق الترابط بين أفراده؛ فيصبح مجتمعا قوياً يعمل على ما ينفع الصالح العام للأمة.
جعلني الله وإياكم والسامعين ممن يتصف بهذه الصفة اقتداءً وتعبُّداً ومَنَّ علينا بالإخلاص في القول والعمل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات