عناصر الخطبة
1/قصة وعبرة 2/من أسباب استقرار الأسرة 3/وجوب طاعة الزوج في المعروف 4/حقوق القوامة ومقتضياتها 5/من مفاسد ومساوئ الحركة النسوية 6/وصية لكل المقبلين على الزواج 7/وصية لكل أب وأم.اقتباس
ينادونَ بشعاراتٍ زائفةٍ ظاهرُهَا الحرصُ علَى المرأةِ، وباطنُهَا دمارُهَا وبؤسُهَا؛ فتبدأُ بالشعاراتِ البرَّاقَةِ كالمساواةِ وحقوقِ المرأةِ والحُرِّيَّةِ، ثمَّ تنتهِي بإسقاطِ القَوامَةِ والتَّمَرُّدِ علَى الزوجِ وتركِ الطاعةِ، وغيرِ ذلكَ ممَّا صِرْنَا نسمعُهُ ونشاهدُهُ فِي الواقعِ ووسائلِ الإعلامِ...
الخطبةُ الأولَى:
تقدمَ الشابُّ إلَى وظيفةٍ مرموقةٍ وتمَّ قبولُهُ فيهَا..
غدًا هوَ أولُ يومٍ لهذَا الشابِّ فِي الحياةِ المهنيةِ فِي مؤسَّسَةٍ محترمةٍ لَهَا سُمْعَتُهَا.
يأخذُ أحدُ المحبِّينَ بِيَدِ هذَا الشابِّ فيُوصِيهِ بعدَّةِ وصايَا يكونُ منْ أبرزِهَا: احذرْ مُديرَكَ، لَا تجعلْهُ يتسلَّطُ عليكَ، لَا تكنْ ذلكَ الموظَّفَ المطيعَ الَّذِي يُنفِّذُ كلَّ التعليماتِ والتوجيهاتِ، إنْ رَفَعَ صوتَهُ عليكَ فارفعْ صوتَكَ عليهِ، وإنْ رأيتَ مِنْهُ سوءَ معاملةٍ فانتقمْ منهُ مباشرةً حتَّى لَا يتمرَّدَ عليكَ.
يَا تُرَى كيفَ ستتوقَّعُونَ المستقبلَ الوظيفيَّ لهذَا الشَّابِّ فِي المؤسسةِ؛ إنِ استمعَ إلَى هذَا الكلامِ الساذجِ؟! نفسٌ مشحونةٌ، إساءةٌ للظنِّ، توتُّرٌ فِي العلاقاتِ، ثمَّ ضياعُ الوظيفةِ أوْ كثيرٍ منْ ميزاتِهَا وترقياتِهَا.
أستميحكُمْ عذرًا؛ فالمثالُ قدْ يكونُ ليسَ واقعيًّا، فلَا يوجدُ عاقلٌ مُحِبٌّ يُوصِي فِي الحياةِ المهنيَّةِ بمِثْلِ هذِهِ الوصايَا الَّتِي يعلمُ الجميعُ أنَّ تَطْبيقهَا هوَ سَيْرٌ فِي طريقِ الطَّيْشِ والضَّيَاعِ.. ولكنْ ثَمَّةَ مؤسَّسَةٌ مُختلِفَةٌ -خارجَ المجالِ المهنيِّ- أصبحَ مَنْ يدخلُهَا يسمعُ كثيرًا منَ هذَا الكلامِ.
المؤسفُ أنَّ هذِهِ المؤسسةَ الاستقرارُ فيهَا أهمُّ، والميزاتُ فيهَا أكبرُ، والحياةُ فيهَا أطولُ..
إنَّهَا بيتُ الزوجيةِ والَّتِي تتكوَّنُ منَ الزوجِ وزوجتِهِ ابتداءً، ثمَّ الأبناءُ والبناتُ لاحقًا.
هذَا البيتُ يتلقَّى اليومَ هجومًا كثيفًا، وحربًا شعواءَ، يخوضُهَا كثيرٌ منَ النَّاسِ -بقصدٍ أوْ بدونِ قَصْدٍ-، ينخرُ فِي أعمدةِ استقرارِهِ وأركانِ اطمئنانِهِ.
ومنْ أبرزِ معالِمِ هذِهِ الحربِ: الهجومُ علَى مُحْكَمٍ منْ مُحْكَمَاتِ الشريعةِ، وثابتٍ منْ ثوابتهَا القطعيَّةِ، وهيَ شريعةُ القوامةِ التِي كلَّفَ اللهُ بهَا الرجالَ علَى النساءِ، كمَا قالَ -سبحانَهُ-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ علَى النِّسَاءِ)[النساء: 34]، تلكَ الشريعةُ التِي فرضَهَا الحكيمُ العليمُ ليحفظَ الكيانَ الأُسرِيَّ ويُحَقِّقَ لَهُ سعادتَهُ واستقرارَهُ.
عبادَ اللهِ: كلَّفَ اللهُ كلاً منَ الرجلِ والمرأةِ بالأدوارِ المناسبَةِ لفطرتِهِ، ووضَعَ الخطوطَ العريضةَ التِي تكفُلُ لمنِ التزمَ بِهَا السعادةَ وتحقيقَ أعلَى مستوياتِ الكفاءةِ فِي المؤسَّسةِ الزوجيَّةِ.
فالرَّجُلُ هوَ القَيِّمُ الَّذِي يَلِي شُؤُونَ الأسرةِ بِمَا فضَّلَهُ اللهُ منْ قُوَّةٍ فِي الجسدِ، ورزانَةٍ فِي العقلِ، وقدرةٍ علَى النَّفقَةِ، وتوفيرِ كافَّةِ احتياجاتِ زوجتِهِ وأولادِهِ، قالَ اللهُ -تعالَى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ علَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ علَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء: 34].
والمرأةُ مَوْكُولٌ إليهَا رعايةُ الشؤونِ الداخليَّةِ للبيتِ، وتربيةِ الأجيالِ، وغمرِ أهلِ البيتِ بالحنانِ والرعايةِ، وكلُّ ذلكَ بمَا آتاهَا اللهُ منْ عاطفةٍ جيَّاشةٍ تدفعُهَا للتضحيةِ فِي سبيلِ سعادةِ أهلِ بيتهَا، فتُعِدُّ طعامَهُمْ، وتُدَاوِي مَرِيضَهُمْ، وتُوَاسِي حزينَهُمْ، وتَسْهَرُ معَ صَغِيرهِمْ، وغيرَ ذلكَ منَ الأدوارِ التِي لَا يستطيعُ أحدٌ أنْ يُؤَدِّيهَا علَى أكملِ وجهٍ إلَّا هيَ..
بهذَا التكاملِ تُحَقِّقُ هذِهِ المُؤسَّسَةُ أَعْلَى صُوَرِ الكَفَاءَةِ وأعظمَ السَّعَادَةِ.
ولهذَا جاءتِ الأوامرُ منَ اللهِ ورسولِهِ بأنْ يتحمَّلَ القائِدُ مسؤوليتَهُ فِي هذِهِ المؤسَّسَةِ العظيمةِ؛ فهوَ مأمورٌ بِحُسْنِ العِشْرَةِ، كمَا قالَ -سبحانَهُ-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[النساء: 19]، وهوَ مسؤولٌ عنْ رعيتِهِ يُسْأَلُ عنهُمْ يومَ القيامةِ، وعمَّا قامَ بحقِّهِمْ ومَا قصَّرَ فِيهِ، كمَا قالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "والرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ"، وهوَ مُوصًى بهمْ منْ رَسُولِ الهُدَى -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فإنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ"، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ ظُلْمِهِمْ وَبَخْسِ حُقُوقِهِمْ واللهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ يَرْقُبُهُ فِي السِّرِّ والعَلَنِ، قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)[النساء: 34].
وَكمَا جاءتِ التكاليفُ علَى القَيِّمِ؛ فقدْ جاءتِ التكاليفُ علَى الزوجةِ بالطاعةِ فِي المعروفِ (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ -أيْ: مُطيعاتٌ لربِّهِنَّ وأزواجهنَّ- حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النساء:34]، وكذلكَ عدمُ الإذنِ لأحدٍ فِي الدخولِ إلَى البيتِ إلَّا بإذنِهِ، ولَا الصومَ إلَّا بإذنِهِ، كمَا قالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "لَا يَحِلُّ للمرأةِ أنْ تَصُومَ وزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بإِذْنِهِ، وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ".
وكلُّ ذلكَ لَيْسَ مجرَّدَ سَوْطٍ سلَّمَتْهُ الشريعةُ للرجالِ حتَّى يتسلطَ بِهِ علَى المرأةِ، وإنَّمَا هوَ "آليَّةٌ تنظيميَّةٌ تفرضُهَا ضرورةُ السَّيْرِ الآمِنِ للأُسْرَةِ المسلمةِ"، فكيفَ لمُؤَسَّسَةٍ أنْ تَسِيرَ بلَا قائدٍ تُسْمَعُ توجيهاتُهُ فيهَا، ويَحْسِمُ الخلافَ بينَ أفرادِهَا؟!
وحفاظًا علَى هذِهِ القوامةِ التِي هيَ مِنْ أعظمِ أسبابِ استقرارِ الأسرةِ؛ فقدْ رتَّبَ الشرعُ أجورًا مذهلةً للمرأةِ التِي تحافظُ علَى تماسكِ أسرتِهَا بطاعتهَا لزوجِهَا.. فقدْ قالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "إذَا صلَّتِ المرأةُ خَمْسهَا، وصامتْ شهرَهَا، وحصَّنَتْ فَرْجَهَا، وأطاعَتْ زَوْجَهَا، قيلَ لهَا: ادْخُلِي الجنَّةَ مِنْ أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شِئْتِ".
وقالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "خَيْرُ النِّساءِ تَسُرُّكَ إذَا أَبْصَرْتَ، وَتُطِيعكَ إذَا أَمَرْتَ، وَتَحْفَظُ غَيْبَكَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِكَ".
وَكمَا رغَّبَ الشرعُ فإنَّهُ رهَّبَ مِنْ مغبَّةِ التمرُّدِ علَى الزوجِ، والَّذِي يُؤدِّي حتمًا إلَى تفكُّكِ الأسرةِ، ثمَّ ضياعِ الأبناءِ ثمَّ المجتمعِ.. ففِي الحديثِ: أَنَّ امرأةً أتتِ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فِي حاجةٍ ففرغتْ منْ حاجتهَا؛ فقالَ لهَا النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "أذاتُ زوجٍ أنتِ؟" قالتْ: نعمْ. قالَ: "كيفَ أنتِ لَهُ؟"، قالتْ: مَا آلوهُ -أيْ لاَ أُقَصِّرُ فِي حقِّهِ- إلَّا مَا عجزتُ عنْهُ. قالَ: "فانظُرِي أينَ أنتِ منهُ؛ فإنَّمَا هوَ جنَّتُكِ وَنارُكِ"؛ أيْ هوَ سببُ دخولكِ الجنَّةَ إنْ قمتِ بحقِّهِ، وسببُ دخولكِ النارَ إنْ قصَّرتِ فِي ذلكَ.
وقدْ عاشَ آباؤُنَا وأجدادُنَا وهذِهِ المفاهيمُ راسخةٌ لديهمْ رُسُوخَ الجبالِ، فكانتِ البيوتُ مطمئنةً والحياةُ مستقرةً.. وحينَ اغتاظَ أعداؤنَا منْ هذَا الاستقرارِ فِي ظلِّ تشرذمِ أُسَرِهِمْ، بدؤُوا ينفثُونَ سُمُومَهُمْ بينَ أبنائنَا وبناتِنَا، ويعقبونَ الكَرَّةَ تِلْوَ الكَرَّةِ هجومًا علَى هذِهِ المفاهيمِ الشرعيَّةِ التِي كانتْ يومًا مَا راسخةً لَا يناقشُ فيهَا أحدٌ.
فتجدهمْ ينادونَ بشعاراتٍ زائفةٍ ظاهرُهَا الحرصُ علَى المرأةِ، وباطنُهَا دمارُهَا وبؤسُهَا؛ فتبدأُ بالشعاراتِ البرَّاقَةِ كالمساواةِ وحقوقِ المرأةِ والحُرِّيَّةِ، ثمَّ تنتهِي بإسقاطِ القَوامَةِ والتَّمَرُّدِ علَى الزوجِ وتركِ الطاعةِ، وغيرِ ذلكَ ممَّا صِرْنَا نسمعُهُ ونشاهدُهُ فِي الواقعِ ووسائلِ الإعلامِ ومواقعِ التواصلِ.
وأصبحتِ المرأةُ المطيعةُ لزوجِهَا عندَ بعضِ منْ تأثَّرَ بهمْ تُلْمَزُ بعبوديَّةِ الزوجِ وضعفِ الشخصيَّةِ. وصارَ بيتُ الزوجيَّةِ الجميلُ الدافئُ الَّذِي يُؤدِّي كلٌّ منَ الزَّوجَيْنِ فيهَا مهامَّهُ وواجباتِهِ، يُصوَّرُ علَى أنَّهُ سجنُ المرأةِ، وأنَّهَا لَا بُدَّ أنْ تَفُكَّ قَيْدَهَا مِنْهُ، فتكونَ حرَّةً طليقةً كمَا شاءتْ بدونِ اعتبارٍ لزوجهَا الشِّرِّيرِ. وصارتِ الزوجةُ -خصوصًا الحديثاتِ منهنَّ- تسمعُ منَ الكلامِ مَا يشحنُ نفسهَا تجاهَ زوجهَا، فبدلَ أنْ تدخلَ بيتهَا بالحُبِّ، تدخلَهُ بالحذرِ والتَّوخِّي منَ هذَا الزوجِ الماكِرِ، الَّذِي يُصوَّرُ لهَا بأنَّهُ يريدُ أنْ يستعبدَهَا.
وممَّا يُلاحَظُ فِي الفترةِ الأخيرةِ: كثرةُ حالاتِ الطلاقِ، خصوصًا عندَ حديثِي الزواجِ، ومِنْ أبرزِ أسبابِ ذلكَ: هذِهِ الثقافةُ التِي بدأتْ تستشرِي فِي المجتمعِ، والتِي تلغِي قوامةَ الرجلِ وتجعلُ كلمتَهُ لَا قيمةَ لهَا، ومَا مصيرُ السفينةِ التِي لَا يُسمعُ لتعليماتِ قبطانِهَا إلَّا الغرقُ والدمارُ.
ولذلكَ صرنَا نسمعُ كثيرًا منْ قادةِ هذِهِ الحركةِ المنظَّمَةِ، والتِي تُدْعَى بالحركةِ النسويَّةِ، وتنشرُ هذِهِ الثقافةَ البائسةَ، ونسمعُ منَ المتأثرينَ بهمْ عندنَا التشجيعَ علَى الطلاقِ بكُلِّ صراحةٍ وبجاحةٍ.
تقولُ "بيتي فرايدن" مُؤسِّسةُ التنظيمَ القوميَّ للمرأةِ: "إنَّ الأسرةَ معسكرُ اعتقالٍ مريحٍ لَا بدَّ أنْ نُحرِّرَ المرأةَ منهُ".
وتقولُ "ستيلا كرونان" إحدَى أكثرَ قادةِ الحركةِ النسويَّةِ المتمرِّدةِ نشاطًا: "طالمَا أنَّ الزواجَ عبوديَّةٌ للمرأةِ، فإنَّ علَى الحركةِ النسويةِ أنْ تُهاجمَهُ...، إنَّ الطلاقَ هوَ سبيلُ النِّساءِ المحبطَاتِ والعاجزَاتِ والمُغامِرَاتِ".
وتقولُ "مل كرانتزلر" عمَّا تسميهِ بـ"الطلاقِ الخلَّاقِ": أنْ تقولَ المرأةُ: وداعًا للزواجِ؛ فإنَّهَا تقولُ فِي الحقيقةِ: أهلاً بحياةٍ جديدةٍ؛ حيثُ الحريةُ، والتأكيدُ علَى الذاتِ، أهلاً بأسلوبِ حياةٍ جديدٍ ونظرةٍ جديدةٍ للحياةِ، إنَّ قرارَ الطلاقِ بالنسبةِ للمرأةِ هوَ أفضلُ قرارٍ تتخذُهُ فِي حياتِهَا".
هكذَا يصوِّرونَ الطلاقَ الَّذِي هوَ تفكُّكُ الأسرةِ، وتفرُّقُ الأولادِ، ومصدرُ الهمومِ.. ونحنُ لاَ ننكرُ أنَّ الطلاقَ قدْ يكونَ حلًّا شرعيًّا فِي بعضِ الأحيانِ لأسبابٍ حقيقيَّةٍ، لكنَّ الَّذِي نُنْكِرُهُ أشدَّ الإنكارِ أنْ يكونَ سببُ الطلاقِ هوَ عدمَ رسوخِ مفهومِ طاعةِ الزوجِ فِي نفسِ المرأةِ المسلمةِ، والتمرُّدَ عليهِ وضعفَ إيمانِهَا بضرورةِ الالتزامِ بذلكَ دينًا إنْ أرادتِ الجنَّةَ، ودنيَا إنْ أرادتِ استقرارَ بيتهَا، وَغَمْرَهُ بالسُّكُونِ والدِّفْءِ.
وكلامنَا السابقُ لَا يعنِي أننَا ندعُو إلَى ذوبانِ شخصيَّةِ المرأةِ فِي شخصيَّةِ زوجهَا، فالمرأةُ المسلمةُ لهَا شخصيتهَا المستقلَّةُ، ولهَا كاملُ الحقِّ فِي بَذْلِ آرائهَا ومُناقشةِ زوجهَا وتَسييرِ شؤونِ بيتهَا، وممارسةِ عباداتهَا وتنميةِ ذاتهَا، وغيرِ ذلكَ. ولكنْ إنْ جاءَ الأمرُ فِي المعروفِ منَ الزوجِ فيجبُ طاعتُهُ، كمَا يجبُ علَى الابنِ أنْ يطيعَ أباهُ فِي المعروفِ بدونِ أنْ تذوبَ شخصيتُهُ، وكمَا يجبُ علَى الرعيةِ أنْ يُطيعُوا وليَّ أمرهِمْ فِي المعروفِ بدونِ أنْ تذوبَ شخصياتهمْ.
نسألُ اللهَ أنْ يُصلحَ أحوالنَا، وأنْ يملأَ بيوتنَا دفئًا وأمانًا وسكنًا واستقرارًا..
باركَ اللهُ لِي ولكُمْ...
الخطبةُ الثانيةُ:
إنَّ منْ أعظمَ مَا يجلبُ السعادةَ الدنيويةَ والأخرويةَ هوَ اتباعَ هُدَى اللهِ الَّذِي أنزلَهُ علينَا (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طه: 123-124].
فالشريعةُ جاءتْ بتحقيقِ المصالحِ ودرءِ المفاسدِ، وكفلتْ لكلِّ الناسِ كافَّةَ حقوقِهِمْ، فمتَى كانَ كِلَا الزوجَيْنِ يسيرانِ علَى طريقِ الشريعةِ؛ فقدْ نالُوا منَ السعادةِ والمصالِحِ أعلاهَا، ومتَى مَا انحرفُوا عنْ شرعِ اللهِ وقصَّرَ كلٌّ منهمَا فِي حقوقِ الآخرِ؛ نقصَ منَ السعادةِ والمصالحِ بقَدْرِ ذلكَ.
وهذِهِ وصيةٌ لكلِّ مُقْبِلٍ علَى بيتِ الزوجيَّةِ أوْ قدْ دخَلَهُ؛ أنْ يتعلَّمَ ويقرأَ ويُثَقِّفَ نفسَهُ هوَ وشريكةُ حياتِهِ.
ووصيةٌ لكلِّ أبٍ وأُمٍّ لَهُمْ أبناءُ وبناتٌ أنْ يبذلُوا كافَّةَ جُهُودهُمْ فِي تعليمهِمْ ذلكَ وترسيخِ المُحْكَمَاتِ والثَّوابِتِ الشرعيَّةِ لديهِمْ، وتثبيتهمْ عليهَا فِي أوقاتِ الهزاتِ والمشكلاتِ؛ فإنَّهَا السنواتُ الخداعاتُ التِي يُصدَّقُ فيهَا الكاذبُ، ويُؤْتَمَنُ فيهَا الخائنُ، وينطقُ التَّافِهُ فِي أمورِ العامَّةِ.
أعاذنَا اللهُ وأبناءنَا وبناتنَا منْ مُضلَّاتِ الفتنِ وقرناءِ السوءِ وضيقِ الحالِ.
التعليقات