عناصر الخطبة
1/الله صاحب الحكمة البالغة والعدل المطلق 2/صفات الراضون بالله العارفين به وجزاؤهماقتباس
ولا يزالُ العَبْدُ يَتَعَرَّفُ على اللهِ، حَتَّى تَتَمَكَّنُ مَحَبَّةُ اللهِ مِنْ قَلْبِه؛ فَتَطْمَئِنُ النَّفسُ لِخالِقِها، وتُسْلِمُ أَمْرَها لبارِئِها، تَخشاهُ وتَرْجوه، تَسأَلُهُ وتَدْعُوه، تَرْكَنُ إليهِ في النوائِبْ، وتأَويِ إليه في المُلِمَّات...
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أيها المسلمون: يتَولَّى صِعَابُ المَهامِّ مَنْ هُوَ لها أَهْلٌ، قَوِيٌ أَمينٌ، حَفِيْظٌ عَلِيْمٌ، بَارِعٌ مُتْقِنٌ، حَاذِقٌ فَطِن، يَتَوَلَّى الأَمرَ بِعِلْمٍ، ويَقودُهُ بِعَدْلٍ، ويُدَبِرُهُ بِدِرَايَة، فهو لِما يُحَمَّلُ من أَمانَةٍ أَهلٌ، وهو بِنَيْلِ الثِّقَةِ جَدِيْر.
اطْمَأَنَّتْ نَفْسُ المَلِكِ لأَمانَةِ يوسفَ -عليهِ السلام-؛ فاصطفاهُ عَلى عِلْمٍ، واختارَهُ علَى بَصِيْرَة؛ (قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ *قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ).
ولا تَزالُ نُفُوسُ الأًسْوياءِ، تَطْمَئِنُ لِمَنْ تَفَوَّقَ في فَنِّهِ، وتَمَكَّنَ في عِلْمِهِ، وبَرَع في تَخَصُّصِه، طَبِيْبٌ بِعِلْمِ الطِّبِّ بارِزْ، تُشَدُّ إليهِ الرِّحالُ، وتُقْطَعُ في طَلَبِهِ المفَاوِز، يُصْغِي المريضُ لِقَولِهِ لا يُمارِيْ، ويَنْقادُ العليلُ لنُصْحِهِ لا يُجادِل؛ فَقولُهُ لَدَيْهِ مسموعٌ، وأَمرُهُ فيهِ مُطاع.
ولِكُلِّ طَرِيْقٍ هادٍ، ولِكُلِّ عِلْمٍ إِمامٌ، ولِكُلِّ مُعْضِلَةٍ حَلَّالٌ؛ (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)، كُلُّ عالِمٍ، فَوقَهُ في العِلْمِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنه، حَتَّى يَنْتَهي العِلِمُ في كُلِّ أَمرٍ إلى مُنْتَهاه، يَنْتَهِيْ العِلْمُ إِلى عَالِمِ الغَيْبِ والشهادَة، عالِمِ السرِّ وأَخفى، خَالِقِ الخلائِقِ مُحصِيْ الوُجود، بارئِ الأَكوانِ الرَّبِّ المَعْبُود،
العَظِيْمُ العَلِيُّ، القَدِيْرُ القَوِيّ، المُدَبِرُ الوَلِيْ، الواسِعُ العَلِيْم، الخَبِيْرُ الحكيم، الرحمنُ الرحيم، يَقْضِيْ بِعِلْمٍ، ويُدَبِرُ بِلُطْفٍ، ويُقَدِّرُ بِحِكْمَة، لا يُعجِزُهُ شيءٌ في الأَرضِ ولا في السماءَ، لَه المُلكُ ولَه الحَمْدُ وهو على كُلِّ شيءٍ قَدِيْر.
يَقْضِيْ القَضاءَ، وهو بِما قَضَى أَعلْمَ، ويُقَدِّرُ الأَقدارَ وهو بِما يُقَدِّرُ أَحكَمْ؛ فَمَنْ عَرَفَ اللهَ بِحَقٍّ عَظَّمَه، ومَن تَفَكَرَ في آياتِه بِعُمْقٍ كَبَّرَه، ومَنْ تَدَبَّرَ في بَدِيعَ صُنْعِهِ وَقَّرَه، يَكِلُ أَمْرَهُ كُلَّهُ إِليه، ويعَتَمِدُ في شُؤونِهِ كُلِّها عليه، يُدْرِكُ أَنَّ أَمراً يُقَدِرُهُ اللهُ لَه، هو لَه خيرٌ وإِن تَبَدَّى في أَصْعَبِ صُورَة، وعاقِبَتُهُ لَهُ صلاحٌ وإِنْ تَجلى في أَقسى مَوْقِف. إِن العَبدُ رَضِيَ واحتَسَبَ وصَبَر.
لَه انْقِيَادِي بِسَرائيٍ وضَرَّائِي *** لَهُ خُضُوْعِي وشُكْرِي يَوْمَ نَعْمائي
له اسْتَكانَ فُؤادِي وانْحَنَى جَسَدِي *** لَه مَدَدْتُ يَدِيْ في يومِ لأَواءِ
رَضِيْتُ باللهِ رباً لا شَرِيْكَ لَه *** أَنْعَامُهُ قَدْ سَرَتْ في كل أَعْضَائِي
لَه الأَسماءُ الحُسْنى والصِفاتُ العُلى؛ "إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا ــ مِئَةً إلَّا واحِدًا ــ مَن أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ"(رواه البخاري ومسلم)، أَحْصاها: حَفِظَها، مؤْمِناً بِها، مُعْتَقِداً لِمَعانِيها، عامِلاً بِمُقْتَضَياتِها، يَتَفَكَرُ في أَسماءِ اللهِ الحُسْنَى، مُتَأَمِلاً في عَظِيمِ دَلالاتِها؛ فَيسأَلُ اللهَ بِكُلِ اسمٍ لَه بِما يَدُلُّ عليه، يا رَحْمَنُ رَحمتَكْ، يا غَفُوْرُ مَغفِرَتَك، يا فَتَّاحُ فَتْحَك، يا عَلِيْمُ عَلِّمْنِي، يا غَنِيُّ أَغْنِنِي، يا كَرِيمُ أَكرِمني؛ (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ).
ولا يزالُ العَبْدُ يَتَعَرَّفُ على اللهِ، حَتَّى تَتَمَكَّنُ مَحَبَّةُ اللهِ مِنْ قَلْبِه؛ فَتَطْمَئِنُ النَّفسُ لِخالِقِها، وتُسْلِمُ أَمْرَها لبارِئِها، تَخشاهُ وتَرْجوه، تَسأَلُهُ وتَدْعُوه، تَرْكَنُ إليهِ في النوائِبْ، وتأَويِ إليه في المُلِمَّات.
وَتُحْسِن الظَّنَّ بِهِ، فَتُبْصِرُ بإِيمانِها أَنَّ وَرَاءَ كُلِّ شِدَّةٍ فَرَجاً، وأَن خَلْفَ كُلَّ ضَائِقَةٍ مَخْرَجاً؛ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).
عَرَفَ اللهَ بِحَقٍّ، مَنْ قَابَلَ البَلاءَ بِالصَّبْر؛ (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، عَرَفَ اللهَ بِحَقٍّ، مَنْ قَابَلَ النَّعْماءَ بالشُّكرِ؛ (قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)، عَرَفَ اللهَ بِحَقٍّ، مَنْ تُؤلِمُهُ المُصِيْبَةُ بِحرارَتِها، فَيُداوِيِها بِبَرْدِ اليَقِين، ويُرَدِّدُ مُوقِناً؛ (إِنَّا للهِ وإِنَّا إِليهِ رَاجِعُوْن).
مَنْ عَرَفَ اللهَ بِحَقٍّ، قَوِيَ في اللهِ ثَباتُه، يُواجِهُ العِدَى بقَلْبٍ جَسُور، لا يُرْهِبُهُ مَكْرٌ، ولا يُقْعِدُهُ كيدٌ، ولا هُوَ في الشدائدِ يَخُور؛ (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ* مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُو َآخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنّ َرَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
مَنْ عَرَفَ اللهَ بِحَقٍّ، أَمِنَ يَوْمَ المَخاوِف، واطْمَأَنَّ يَومَ الفَزَع؛ (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).
مَنْ عَرَفَ اللهَ بِحَقٍّ، آمَنَ بما بِهِ اللهُ أَخبَر، واسْتَبْشَرَ بما بِهِ اللهُ بَشَّر، وأَيْقَنَ بِما بِهِ اللهُ وَعَد؛ (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا).
مَنْ عَرَفَ اللهَ بِحَقٍّ، اسْتَودَعَهُ أَمْرَه، يَأَوِي إِلى فِرَاشِه، فَيُناجِي اللهَ بالدَّعوات؛ "اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ وجْهِي إلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَغْبَةً ورَهْبَةً إلَيْكَ، لا مَلْجَأَ ولَا مَنْجَا مِنْكَ إلَّا إلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بكِتَابِكَ الذي أنْزَلْتَ، وبِنَبِيِّكَ الذي أرْسَلْتَ"(رواه البخاري ومسلم).
هُوْ رَبِي هو العَلِيْمُ بحالِي *** هو ذُخْرِي، لَه مَدَدتُ حِبَالي
كَمْ طَرِيْقٍ، كَرِهتُ سَيْرِيَ فيهِ *** فَسُرِرتُ، لما سُرُورٌ بَدا لِي
وطَريقٍ، حَثَثْتُ خَطْوِيَ فِيهِ *** أَبْتَغِيْ مَطْلَباً، أَشُدُّ رِحالي
والرَّدَى مُحْدِقٌ، أَنا لَسْتُ أَدْرِي *** عالِمُ الغَيْبِ، حَاطَنِي، ذُو الجلالِ
وكَفاني الرَّدَى بِلُطْفٍ خَفِيٍّ *** ووقَاني العَنا وبُؤسَ الليَالي
إِنْ يَكُنْ خَالِقِيِ بِدَرْبِي مُعِيْني *** نِلْتُ مِنْهُ المُنى، وحُسْنَ المآلِ
(وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
بارك الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً؛ أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.
أيها المسلمون: الرَّاضُونَ باللهِ، هُم الرَّاضُونَ بما قَدَّرَ وقَضَى، ودَبَّرَ وقَسَم، رَضُوا بِهِ رَباً مالِكاً مُدَبِراً، يَحْكُمُ ما يَشاءُ ويَفْعَلُ ما يُرِيْد، في حَدِيْثِ أَبي سَعيْدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا؛ وجَبَتْ له الجَنَّةُ"(رواه مسلم).
الرَّاضُونَ باللهِ، مُنقادُونَ لِحُكْمِه، مُذعِنونَ لِشَرْعِه، لا يُحَادُّوْنَ اللهَ والرَّسُولَ مِنْ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ لهم الهُدى، ولا يُشَاقُّوْنَ اللهَ وَرَسُوْلَهُ مِنْ بَعدِ مَا ظَهَرَ لَهم الحَق؛ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا).
الرَّاضُونَ باللهِ، إِنْ أَعطاهُم شَكَرُوا وإِن ابتلاهُمْ صَبَروا، وإِن أَذْنَبُوا اسْتَغْفَروا.
الرَّاضُونَ باللهِ، لا يَحسُدُنَ أَحداً على نِعْمَةٍ وُهِبَهَا؛ فالواهِبُ هو اللهُ؛ (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)، يَبْسُطُ الرزْقَ لِمَنْ يِشاءُ لِحْكْمَةٍ، ويَقْدِرُ الرِّزْقَ على مَنْ يَشَاءُ لِحْكْمَة، رَضُوا باللهِ، وهو القاسِمُ بَيْنَهُمْ مَعايِشَهُم؛ (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).
الراضُونَ باللهِ، لَهُم غايَةٌ لا تُسَامَى، ومَطْلَبٌ لا يُدَانَى، ومُبتغىً لا يُماثَل، غايَتُهُم رَضا اللهِ، ومَطْلَبُهُم رَحمَةَ الله، ومُبْتَغاهُم وَلايَةُ الله، (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَاد).
إِنَّهُمُ الرَّاضُونَ باللهِ، وعَنْهُمُ اللهُ رَضِي، أَعدَّ لَهُم نُزُلاً كَرِيماً، وادَّخَرَ لَهُم ثواباً عَظِيماً، مِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَنْ يَنْتَظِر؛ (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
إِنه الرِّضا باللهِ وعَن الله، عقيدَةٌ تَنْمو في القَلْبِ وتَتَمَكَّن، وتَتَأَصَلُ فيه وتَتَجذَّر، لا تُنالُ بالتَّمَني، ولا تُدْرَكُ بأَدْنَى الأَسباب، عقيدَةٌ يُدرِكُها مَن جَدَّ في طَلَبِها، متواضِعاً لله، مُنقاداً لِأَمرِه، يَتْلو الكتابَ بِتَدَبُر، ويْبصِرُ الآياتِ بِتَفَكُر. ويَبْتَهِلُ بالدعاءَ ويَتَضَرَّع.
ولَنْ يُدْرِكَ الرضا، مَن انْغَمَسَ في الهَوى، واسْتَرْسَلَ في الشَّهَوات، وغَرِقَ في الجَهلِ وأَعرضَ عَن تَدَبُّر الآيات؛ (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ).
اللهم ارْضَ عَنَّا وأَرْضِنا، اللهم اجْعَلْنا مِمَّنْ رَضِيَ بِكَ رَباً، وبالإسلامِ دِيناً، وبِمُحمَّدٍ نبياً.
التعليقات