عناصر الخطبة
1/أهمية الرؤى ودلالتها 2/رؤيا الأنبياء وحي3/أنواع الرؤى والمنامات في السنة النبوية 4/آداب الرؤى وتعبيرها والتحديث بها.اقتباس
ثم اعلموا أن التحصنَ بالأورادِ الشرعية في الصباح والمساء، والمحافظةِ على أداء الصلوات، وذكرِ الله، والنوم ِعلى طهارة، وقراءةِ آية الكرسي، أسبابٌ مهمةٌ في بُعد الشيطان عن العبد في منامه، فتنصرف عنه تلك الأحلام، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ آية الكرسي لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح"...
الخطبة الأولى:
الرؤيا مبدأُ الوحي، وأصدقُ الناس رؤيا أصدقُهم حديثًا، وعند اقتراب الزمان لا تكاد تَكْذِب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن"(رواه البخاري)، وذلك لبعد العهد عن النبوة وآثارِها، فيتعوض بالرؤيا، و"لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات"(رواه البخاري).
وإذا تواطأت رؤيا المسلمين لم تَكْذب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه -بشأن ليلة القدر-: "أرى رؤياكم قد تواطأت في العشر الأواخر، فمن كان مُتحَرّيها، فليتحرّها في العشر الأواخر من رمضان"(رواه البخاري).
ورؤيا الأنبياء وحي، فإنها معصومة من الشيطان، ولذا أقدمَ الخليلُ على ذبح ابنهِ إسماعيلَ -عليهما السلام- بالرؤيا، قال -تعالى-: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى)[الصَّافات: 102].
والرؤيا يراها الأنبياء -عليهم السلام- وغيرُهم، فقد رأى يوسفُ -عليه السلام- رؤياه، كما ذكرها الله: (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)[يُوسُف: 4].
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- رأى رؤًى عديدةً في الهجرةِ وبدرٍ وغيرهما، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رأيت في المنام أنى أهاجر من مكة إلى أرضٍ بها نخل، فذهب وَهَلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أنى هززت سيفًا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها أيضًا بقرًا والله خير، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بَعْدُ، وثوابُ الصدق الذي آتانا الله بَعْدَ يومِ بدر"(متفق عليه).
وقد قال -سبحانه- في بدر: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ)[الأنفَال: 43].
ولأهمية الرؤى، فقد أفردها المصنفون في مصنفاتهم، كما في صحيح البخاري "كتاب التعبير"، ومسلم "كتاب الرؤيا"، بل إن الإمام البخاريّ -رحمه الله- من أسباب جمعه الأحاديث المسندة الصحيحة، أنه رأى في المنام رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، وكأن البخاريَّ واقفٌ بين يديه، وبيده مرْوحة يَذُبُّ بها عنه، فظهر من تعبيره أنه يَذُبُّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكذب.
ولأهمية الرؤيا في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول لأصحابه -رضي الله عنهم-، "من رأى منكم رؤيا فليقصها أُعبِّرْها له"(رواه البخاري)، وإذا صلى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الصبحَ أَقْبلَ على الصحابة -رضي الله عنهم- فقال: "هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟"(رواه مسلم).
وجميع أوقات النوم زمن للرؤيا، قال ابن حجر -رحمه الله-: "إن رؤيا النهار مثلُ الليل"، وقد بوب البخاري -رحمه الله- بابًا لذلك، وساق ابنُ حجر -رحمه الله- قولَ القيرواني -رحمه الله-: "إنه لا فرق في حُكم العبارة بين رؤيا الليل والنهار، وكذا رؤيا النساء والرجال".
والرؤى والأحلام لا تُحدّ بسنّ ولا دين، وقد بوب الإمام البخاري بابًا سماه: "باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك"، وأورد قصة يوسف مع السجناء ورؤاهم: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[يُوسُف: 36].
ثم اعلموا أن من الرؤى ما هي منبهة، ودافعة للمرء على أداء العبادة، كما في حديث ابن عمر -رضي الله عنه- انه رأى رؤيا فقصها لحفصة -رضي الله عنها-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نعم العبد عبد الله، لو كان يصلي من الليل"، قال سالم: فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً"(متفق عليه).
وقد تكون منبهةً لأهل بلد معين، كما في رؤيا عزيزِ مصر حين قال: (إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ)[يُوسُف: 43]، فأعلمهم يوسف -عليه السلام- بأنهم سيمرون على مرحلة رخاءٍ ورغد عيش، ثم تأتي سنينَ عجافٌ، ثم يعود الخير مرة أخرى.
وأما تحقق الرؤيا فقد تكون قريبة، وقد تكون بعد أمد، قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير رؤيا يوسف -عليه السلام-: "إنها تحققت بعد أربعين سنة، وقيل: ثمانين".
ورؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- دخولَه مكةَ في قوله: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)[الفَتْح: 27].
فذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون فصُدُّوا عن البيت، فقال عمر -رضي الله عنه-: أوليس كنت تُحدُّثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنَّا نأتيه العام؟ قال: قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به"(رواه البخاري)، وتحققت هذه الرؤيا بعد نزول الآية بعشرة أشهر.
وفقنا الله لطاعته.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
قسَّمَت السنة المطهرة المناماتِ إلى ثلاثةِ أنواع:
النوع الأول: رؤيا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرؤيا من الله"(متفق عليه)، وفي رواية البخاري: "الرؤيا الصادقة من الله"، وفي رواية مسلم: "الرؤيا الصالحة من الله".
وإذا رأى أحد رؤيا فليحدث بها من يحب قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث بها إلا من يُحب"(رواه مسلم)، وليحمد الله عليها قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا رأى أحدكم ما يحب فليحمد الله، ولا يحدث بها إلا من يحب"(رواه الدارمي).
قال ابن حجر -رحمه الله-: "والحكمة في ذلك، أنه إذا حدَّث بالرؤيا الحسنة من لا يحب، قد يفسرها له بما لا يحب، إما بغضًا وإما حسدًا، فقد تقع عن تلك الصفة، أو يتعجل لنفسه من ذلك حزنًا ونكدًا".
والثاني: حديث النفس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الرؤيا على ثلاثة: بشرى من الله، وتحزين من الشيطان، والشيء يُحدِّث به الإنسان فيراه في منامه"(رواه النسائي).
والثالث: الأحلام، وهي تحزين وتخويف من الشيطان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرؤيا الصالحة من الله، والحُلُم من الشيطان، فإذا حَلَم أحدكم حُلمًا يخافه، فليبصق عن يساره، وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره"(رواه البخاري).
وعند مسلم قال: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثًا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثًا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه"، وفي رواية عند مسلم أيضًا: "فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليقم، فليُصَلّ، ولا يُحدّث بها الناس"، وحقيقة هذه الأحلام ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إنها أهاويلُ من الشيطان، ليَحْزُن ابنَ آدم".
وجاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسول الله! إني حَلَمت أن رأسي قُطع فأنا اتبعه، فزجره النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "لا تخبر بتلعب الشيطان بك في المنام"(رواه مسلم).
ولا تقص الرؤى على أي أحد إلا من عُرف بالديانة والأمانة، قال ابن حجر -رحمه الله-: "ولا يحدّث بها إلا لبيبًا، أو حبيبًا، ولا يقصها إلا على عالم، أو ناصح".
ولا تَقصَّ الرؤيا إلا على من تحب، وهي على رِجْلِ طائرٍ ما لم تُعبَّر، فإذا عُبِّرت وَقَعت.
وعلى المعٍّبر أن يتقى الله فيمن أهمَّتْهُ رؤيا، أو أحزنه حُلْم، ولا يكون همه الظهور، أو جلبَ المال، بل يعبِّرها كما كان يعبرها عمر -رضي الله عنه- إذا قُصت عليه رؤيا قال: "اللهم إن كان خيرًا فلنا، وإن كان شرًا فلعدونا".
قال ابن القيم -رحمه الله-: "المفتي والمعبِّر والطبيب، يطلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا فيما يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره".
ثم اعلموا أن التحصنَ بالأورادِ الشرعية في الصباح والمساء، والمحافظةِ على أداء الصلوات، وذكرِ الله، والنوم ِعلى طهارة، وقراءةِ آية الكرسي، أسبابٌ مهمةٌ في بُعد الشيطان عن العبد في منامه، فتنصرف عنه تلك الأحلام، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ آية الكرسي لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح"(رواه البخاري).
وفقنا الله لطاعته، وجنبنا معاصيه.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه؛ فصلوا عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات