عناصر الخطبة
1/ الإقبال على الله تصديقا لدعوى محبته2/ قبول الله الرحيم الودود التوّاب لتوبة عباده 3/ الاعتبار بالأيام والاستعداد للرحيل 4/ اغتنام اجتماع الفضائل في الشهر الفضيلاهداف الخطبة
اقتباس
فيبقى أن يسأل كل منا نفسه فيقول لها: أيا نفس، ها قد صح منك الجسد، وطال العمر، وعشت الموسم؛ فما فعلت بهذه الفرصة؟ هل اغتنمت؟ هل اجتهدت؟ أم هي مجرد أمنيات كاذبات، ودعاوى باطلات؟ تدّعين حب الكريم وأنت عن كرمه معرضه! تدعين الفقر إليه وأنت عن جوده مستغنية!...
الحمد لله الكريم المنان، يسأله من في السماوات والأرض، كل يوم هو في شأن.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تفضل على خلقه، فتعرف إليهم بالجود والإحسان، ومنّ عليهم بمواسم تزداد فيها طاعتهم ويقينهم والإيمان.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، ومبعوثه إلى الثقلين الإنس والجان؛ فبلغ رسالة ربه، وأدى الأمانة بالصدق والإتقان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ما تعاقب الجديدان، وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون، فإن تقوى الله غاية العبادات، تعين على الطاعات، وتورث الجنات.
ثم اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن من فضل الله علينا أن هدانا للإسلام، وكم من خلق الله من ضل عنه فلم يهتد إليه، ولم يتعرف عليه.
ومن فضل الله علينا أن وفقنا للسُّنة، فاتبعنا الأثر، وسرنا على منهج خير البشر، صلى الله عليه وسلم، وكم من مسلم يشهد الشهادتين ثم لا يستسلم ولا يتبع! بل يعترض ويبتدع! فلله الحمد، ثم لله الحمد على نعمه التي لا تحصى ولا تعد.
ومن فضل الله علينا أن أطال أعمارنا حتى بلغنا هذه الأيام المباركات، التي هي موسم النفحات، وتنوع البركات، والعتق من النار، والفوز بالجنات؛ وكم من مسلم لم يدركها، أو حيل بينه وبينها فلم ينتفع منها.
فيبقى أن يسأل كل منا نفسه فيقول لها: أيا نفس، ها قد صح منك الجسد، وطال العمر، وعشت الموسم؛ فما فعلت بهذه الفرصة؟ هل اغتنمت؟ هل اجتهدت؟ أم هي مجرد أمنيات كاذبات، ودعاوى باطلات؟ تدّعين حب الكريم وأنت عن كرمه معرضه! تدعين الفقر إليه وأنت عن جوده مستغنية!.
فما لك يا نفس -إن كنت صادقة فيما ادعيتِ- تعلمين نزول الكريم، الغني الحليم، البر الرحيم، في كل ليلة، وهو في هذه الليالي أرجى، ما لك تعلمين، ثم لا تتعرضين؟ أما سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟" أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وعند أحمد من حديث أبي هريرة وأبي سعيد -رضي الله عنهما- أنهما شهدا على النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله عز وجل يمهل حتى يذهب ثلث الليل، ثم ينزل فيقول: هل من سائل؟ هل من تائب؟ هل من مستغفر؟ هل من مذنب؟" قال: فقال له رجل: حتى يطلع الفجر؟ قال: "نعم".
وعند مسلم من حديث أبي هريرة أيضاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول: أنا الملك، أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر".
وفي رواية أخرى عند مسلم أيضا، ومن حديث أبي هريرة أيضاً، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا مضى شطر الليل، أو ثلثاه، ينزل الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل يعطى؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ حتى ينفجر الصبح".
فيا نفس؛ أما علمت؟ أما استيقنتِ؟ فلم أعرضتِ؟ لم تكاسلتِ؟ لماذا استغنيتِ؟ كيف وقفتِ بكل باب، وتجاوزتِ بابه؟ مع علمكِ بأنه البابُ الذي لا يوصد، وكل من طرقه لا يرد، وأنتِ مثقلة بالهموم، فلم لم تسأليه أن يجلي همك؟ مثقلة بالذنوب فلم لم تسأليه أن يغفر ذنبك؟ كم لك من حاجة! كم لك من غاية! لِم لم تعرضي عليه حاجتك؟ ولم تسأليه غايتك؟ أتشكّين في غناه؟ فهو الغني الحميد! أتظنين أنه لك لا يستجيب؟ فقد أخبرك أنه قريب، ووعدك أن يجيب!.
أيها المسلمون: عجبا والله لأمرنا! الغني يتعرض للفقير ليعرض عليه حاجته، والفقير يعرض عنه ويتثاقل عرض المسألة! فقف -أيها المسلم- عند أمر الله لنا بقوله: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]، وقوله: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى:25]، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:118]. ثم يتفضل علينا فيفتح لنا الباب كل ليلة ونحن عن ذكره معرضون، وعن فتحه بابه غافلون!.
تأمل -يا عبد الله- كيف يقر المرء منا بذنوب كالجبال، وأوزار ثقال، وكثير من سيء الأقوال والأعمال، ثم يزعمون أنهم منها مشفقون، وعن حملها عاجزون، فيفتح لهم الباب عن مصراعيه، ملك غني كبير متعال، فيزيدون الذنوب ذنباً بإعراضهم، ويتخذونه وراءهم ظهريا، وكل منهم يقول بلسان الحال، وهو أبلغ من لسان المقال: إني وإن كنت بأوزاري شقيا، فأنا عن مغفرتك ما زلت غنيا؛ وإن كنت إلى ما تنزل إليّ من خير فقيرا، فلن أكون لك عبداً أو ولياً!.
ويزيد العجب إذا كان هذا ممن يعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يتوب إلى الله في اليوم أكثر من مئة مرة!. أخرجه مسلم.
ويزداد العجب عجباً فوق عجب إذا كان هذا المحروم قد سمع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَلَّهُ أفرح بتوبة عبده المؤمن"، "لله أفرح بتوبة عبده المؤمن" عجبا! كيف يفرح الرب بتوبة العبد؟ وماذا يملك العبد حتى يفرح الرب بتوبته؟ وهو عنه غني، بل العبد في كل لحظة إلى ربه فقير، لا يملك لنفسه شيئا دون ربه، نفَسا فما فوقه، غمضة عين فما فوقها، وهو القائل في الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني"، ومع كل هذا يفرح بتوبة عبده.
وقِفْ ثم قف عند قوله: "بتوبة عبده"؛ لتدرك مدى خسران من يفرح الله بتوبته فلا يتوب، ويعرض عليه كل ليلة مغفرته، فلا يستغفر ولا يؤوب، ويعرض عليه استجابة دعوته، فلا يدعو، ويعرض عليه أن يعطيه مسألته فلا يسأل، فهو عبد آبق، دائم الهروب.
وقد روي أن الله -تعالى- أوحى إلى داود -عليه السلام- فقاله له: يا داود، لو يعلم المدبِرون عني كيف انتظاري لهم، ورفقي بهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم؛ لماتوا شوقا إلي، وتقطعت أوصالهم من محبتي. يا داود، هذه إرادتي في المدبرين عني، فكيف إرادتي في المقبلين إلي؟.
وقال أحدهم: من الاغترار أن تسيء، فيحسن إليك، فتترك التوبة توهما أنك تسامح في الهفوات.
عباد الله: عجبا كل العجب ممن يأمن، وهو يعلم كم قد أخذ الله آمنا من مأمن! ومن تفكر في الذنوب علم أن لذات الأوزار قد زالت، والمعاصي بالعاصي إلى النار قد آلت، وربما بُغت العاصي بأجله، ولم يبلغ بعض أمله، وكم من خير فاته بآفاته! وكم من بلية في طي جنباته! قال لقمان لابنه: يا بني، لا تؤخر التوبة، فإن الموت يأتي بغتة.
قائدُ الغفلةِ الأَمَلْ *** والهوَى رائدُ الزَّلَلْ
قتَل الجهلُ أهلَهُ *** ونجا كُلُّ مَن عقل
أيها المبتني الحصو *** نَ وقد شاب واكتهل
أنتَ فِي منزلٍ... *** حلَّهُ نازلٌ رَحَل
فيا أيها العقلاء، فيا أيها النبلاء، أنتم في زمن المهلة، وفي موسم قد لا يعود إذا فات، وقد يأتي وقد قيل عنك: فلان مات؛ فاغتنم ساعاته، بل ودقائقه وثوانيه، خاصة في الليل البهيم، في ساعات السحر، فقد امتدح الله تعالى من عباده: المستغفرين بالأسحار، (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات:17-18].
وقبل أن ترقد أو أن تعجز أو تتكاسل تخيل أنك تطرق باب الملك فيقول لك الملك: لبيك، ما تريد؟ فيقول له: عليّ ذنوب أريد منك أن تغفرها، فيغفر لك؛ وتقول له: لدي حاجة أريد أن تقضيها، فيقضيها لك. وتقول له: عليّ أوزار عجزت أن أحملها، فيضعها عنك، ثم تصبح مغفورا لك، مقضية حاجتك، ومحطوطة أوزارك، مزاحة عنك أثقالك.
تسأله الولد، والمال، والجنة، والرضا، والنجاح، والفلاح، والمنصب الرفيع، والغنى عن الناس، وكل ما شئت فلا يرد لك طلباً، ولا يخيب لك رجاء.
فلا والله! لا نعدم الخير من رب هذه صفاته، ورحمته سبقت غضبه، فهو الرحمن الرحيم، الجواد الكريم، القريب المجيب، الغفور الودود، إذا وعد وفا، وإذا أوعد عفا؛ فتعرّضْ لنفحاته، وتصور ما أعد لك في جناته، قبل أن يأتيك الموت وما أنَبْت، ويقال لك قد ناديناك كل ليلة فما أجبت! وأخبرناك بقدومك علينا فما تأهبت، وبارزتنا بالمعاصي وما ترددت، فلا تلم إلا نفسك؛ فأنت الذي فرطت.
وقد كنتَ علمت أن من تنقضي بالجهل ساعاته، وتذهب بالمعاصي أوقاته، لخليق أن تجري على خده دموعه، ويقل في الدجى هجوعه، ويمضي الليل وقد كثر سجوده وركوعه، أَنْحَلَ بدنَه صيامُه، وأتعب قدمه قيامه، فأقبل على الله جسدا وروحا، ونصب عينه: توبا إلى الله توبة نصوحا.
فلا والله! لا يكون العاقل أبدا ممن ربح القوم وهو نائم، وعاد بالخسارة وهم قد رجعوا بالغنائم، فكم من محروم يصلي الناس القيام وهو راقد، ويصوم الناس وهو شريك للبهائم، وما علم أن الأيام مراحل، ويوماً ما ستصل الرواحل.
دهر يشيِّع سبتَه أحدُهْ *** مُتتابعٌ ما ينقضي أمَدُهْ
يومٌ يُبكِّينا وآونةٌ *** يوم سيبكينا عليهِ غدُه
مَن أقرضَ الأيام أتلفها *** وقضى جميعَ قروضها جسدُه
حتى يُغَيَّبَ في مُطَمْطَمَةٍ *** لا أهلُه فيها ولا وَلَدُهْ
أيها الأحبة: ربٌّ يناديكم وأنتم عبيده، ويدنيكم وأنتم عبيده، ويعطيكم وأنتم عبيده، ويغنيكم وأنت عبيده، فاستمعوا له وهو يقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].
ويقول لكم في حديث أبي ذر -رضي الله عنه-: "يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم".
ألا فاستغفروا الله إنه كان غفارا، وتوبوا إليه، فهو التواب الرحيم، واسألوه وألحوا في مسألته، فهو الجواد الكريم.
واغتنموا اجتماع الفضائل جميعا، في هذه الليالي والأيام، فقد يجتمع عليكم وقت النزول، وهو وقت إجابة ومغفرة، وليل رمضان، وهو وقت عتق من النار ومغفرة، وليلة القدر، وهي وقت للعطايا والمغفرة، فالمحروم من حرم هذه الخيرات، وأعرض عن هذه النفحات، ولم ينل شيئا من هذه العطيات، وتلك الهبات، وخرج رمضان ولم يعتق من النيران، ولم يفز بالجنة والرضوان، أجله قد دنا، ولكن أمله قد شغله، وحرص على بدنه فروّضه وطبّبه، وأما قلبه فأهمله، فافعل ما شئت أيها المحروم، فبعد قليل حساب وزلزلة، ومهما تنعم الجسد منك، فلا بد للدود أن يأكله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور:25-28].
بارك الله لي ولكم المجيد، ونفعني بالهدي السديد، والرأي الرشيد، فاستغفروا الله وتوبوا إليه ولوذوا بالركن الشديد.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه...
أما بعد: فتقوى الله -تعالى- هي وصية الله للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131].
وهي وصية الحبيب -صلى الله عليه وسلم- لأمته، كما في حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه-: قالوا يا رسول الله، كأنها موعظة مودع! فَأَوْصِنَا، قال: "أوصيكم بتقوى الله".
فاتقوا الله أيها المسلمون، وراقبوه في سركم وعلانيتكم، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون.
عباد الله: إن المتأمل في الدنيا يرى العجب من أمرها، يسقم الصحيح، ويعافى السقيم، ويعان الضعيف ويوهن القويم؛ ولهذا فإن من اغتر بها واتبع هواها فتلذذ بنعيمها، وغفل عن نهايتها وخاتمتها لمغبون، وإنما العاقل من لجم النفس عن هواها، وحرم الجسد لياليَ معدودة، وأوقاتا محدودة، حرمه فيها لذة الراحة، لينال بذلك التعب تمام الراحة؛ فالجنة لا نصب يصيب أهلها ولا لغوب.
فتأمل أيها الحبيب عجيب حكمة الله، وجميل صنعته، وكامل قدرته، فعباده بين طائع وأثيم، وبين تائب منيب، وباق على الذنوب مقيم، ومرجع هذا إلى الجنة، ومرجع ذاك إلى الجحيم؛ فاغتنم ما بقي من عمرك، فالأعمال بالخواتيم.
وقد والله ذهب موسى راعيا للغنم، وما عاد إلا وهو الكليم! ولما ذهب ذو النون مغاضبا، التقمه الحوت وهو مليم.
وقد عاش سيد الخلق يتيما، فدانت الأرض وفتحت له رغم ذلك؛ وعصى آدم فتاب، وعصى كل من آدم وإبليس، بيد أن هذا مرحوم، وذاك رجيم، والفرق أن آدم تاب فتاب الله عليه وهو التواب الرحيم، واستكبر اللعين فقيل له: وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين.
فلا تتردد مهما كانت حالك الآن أو فيما مضى أن تتوب، فإن الله تعالى غفار للذنوب، سِتِّير للعيوب.
فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله -تعالى-: "يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي؛ يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك؛ يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
فبادِر قبل أن تبادَر؛
فلو أن المفرط وهو حيٌّ *** توخَّى الباقياتِ الصالحاتِ
لفاز بغبطةٍ وأصاب حَظَّاً *** ولم يغْشَ الأمورَ الْمُوبِقَاتِ
ووجه لنفسك عائدا مكرّاً: أيا نفس، أين الذين كانوا في الملذات يتقلبون؟ أما مزجت لهم كؤوس المنايا فباتوا يتجرعون، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون! حمل كل منهم في كفن، إلى بيت البلى والعفن، وما صحبهم ما كانوا يجمعون؛ وسّدهم أحبابُهم في التراب، وتقطعت بهم الأسباب، ووجدوا أن ليس في قبورهم إلا ما كانوا يزرعون؛ بلا جنود أو خدم، بلا فرش أو نعم، فكم من قائل: ربِّ ارجعون!.
فتخيل أنك قد رجعت، وكنت للعمل الصالح قد طلبت، فشمر واجتهد، فكأنك معهم يلحدون قبرك، وأحبابك يرجعون.
اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
التعليقات