عناصر الخطبة
1/عبودية الدعاء 2/توجيه القرآن للمؤمنين بدعاء الله تعالى وطلب الحاجات منه 3/وجوب إخلاص الدعاء 4/من آداب الدعاء.اقتباس
فَلَن يَهلِكَ مَعَ الدُّعاءِ أَحَدٌ، وَلَن يَخِيبَ مَنْ للهِ رَجَا، فَكَم من بليَّةٍ رَفَعَهَا اللهُ بالدُّعاء! وكم من معصيةٍ غَفرَهَا بالدُّعاء! وكم من نعمةٍ كانت بسبَبِ الدُّعاء! عَن عَائِشَةَ -رَضِي اللهُ عنها- قَالت: قَال رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُغني حذَرٌ مِن...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله مُجيبِ الدَّعواتِ، نَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ربُّ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، وَنَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحَمَّداً عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ المُرسَلُ بِالآياتِ صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وَأَصْحَابِهِ والتَّابِعينَ لَهم بِإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المَمَاتِ, أَمَّا بَعدُ:
أيُّها الصَّائِمونَ: نَمْلِكُ بِحَمْدِ اللهِ عِبَادَةً عَظِيمَةً: هِيَ صِلَةٌ بِرَبِّنا, وَأُنْسُ قُلُوبِـَنا, وَسِلاحُنا فِي الشِّدَّةِ والرَّخَاءِ! هَذَا السِّلاحُ لا يَمْلِكُهُ إلَّا أَنْتُم -يَا مُؤمِنُونَ- كَفَاكُمْ شَرَفَاً أنَّهُ سِلاحُ الأَنْبِياءِ وَالأَتْقِيَاءِ, استَمِعُوا لِهَذِهِ العِبَادَةِ الجَلِيلَةِ في قَولِ البَارِي -جَلَّ وَعَلا-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة: 186]؛ إنَّهً الدعاء سلاحٌ نجَّى اللهُ به نوحًا فأخذَ اللهُ قَومَهُ بِالطُّوفانِ, ونجَّى بِهِ مُوسى فَأَغْرَقَ اللهُ فِرْعَونَ وَقَومَهُ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ, سِلاحٌ أَعزَّ اللهُ فيه مُحمَّدًا عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ! حَقَّاً ، كَما قَالَ اللهُ عَنْهُمُ: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء: 90].
أبشِروا يا مُؤمِنُونَ: فَلَن يَهلِكَ مَعَ الدُّعاءِ أَحَدٌ، وَلَن يَخِيبَ مَنْ للهِ رَجَا، فَكَم من بليَّةٍ رَفَعَهَا اللهُ بالدُّعاء! وكم من معصيةٍ غَفرَهَا بالدُّعاء! وكم من نعمةٍ كانت بسبَبِ الدُّعاء! عَن عَائِشَةَ -رَضِي اللهُ عنها- قَالت: قَال رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُغني حذَرٌ مِن قَدَرٍ، والدُّعاءُ ينفَعُ مِمَّا نَزَلَ ومِمَّا لم يَنْزِل، وإنَّ البلاءَ لَيَنزِلُ فَيلقَاهُ الدُّعاءُ، فَيَعْتَلِجَانِ إلى يومِ القيامةِ"؛ يعني يتصارعانِ!
أيُّها الصَّائِمُونَ: ولـَمَّا كان شهرُ رمضانَ حريًّا أن تُعمَر أوقاتُه بالعبادةِ فإن الدُّعاءَ أولى العباداتِ بذلِكَ؛ فقد قال رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: "الدعاءُ هو العبادةُ"، ثمَّ تلا: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غافر: 60].
وتأَمَّلُوا -يا رَعَاكُمُ الله- في قولِ اللهِ -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة: 186].
لقد جاءت بعد آياتِ الصيامِ مباشرةً! لأنَّ الصِّيامَ مَظِنَّةُ إجابةِ الدعاء؛ وَقَدْ اسْتَنْبَطَ أهلُ العلم: أَنَّهُ يَنْبَغي الدُّعاءُ في آخرِ يومِ الصَّائِم، عند فِطْرِهْ, لأنَّ لَهُ دَعْوَةً لا تُردُّ! الدعاءُ -يا مؤمنونَ-: كرمُ الباري وإحسانُه, وَمِنَّتُهُ, وَهُوَ طَاعَةٌ للهِ وامتثالٌ لأمره -عزَّ وجلَّ-، القَائِلَ: (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[الأعراف: 29]، الدُّعاءُ أكرمُ شيء على الله -تعالى- كما قَال -صلى الله عليه وسلم-: "ليسَ شيءٌ أكرمَ على اللهِ من الدِّعاءِ".
الدعاءُ محبوبٌ لله -تعالى-، وسببٌ لانشِراحِ الصدر وتفريجِ الهمِّ وَتَيسيـِر الأُمُور، لأنَّكَ تَعْلَمُ أنَّ لَكَ رَبَّاً سَمِيعَاً عَلِيمَاً قَرِيبَاً مُجِيبَاً! صحَّ عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-أنَّه قَالَ: "مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللهَ يَغْضَبْ عَلَيهِ"، الدُّعاءُ -يَا كِرَامُ-: دَليلٌ على صدقِ التوكـُّلِ على اللهِ -تَعالى-, ودَليلٌ على عُلوِّ هِمَّةِ المُؤمِنِ وَشُمُوخِهِ لأنَّهُ يَعلَمُ أنَّ اللهَ وَحْدَهُ بـِيدِهِ مَقَالِيدُ الأُمُورِ فَيقطعُ أيَّ طَمَعٍ مِمَّا فِي أَيدي النَّاسِ، وَهَذا رَأْسُ العِزِّ وَالفَلاحِ، وَأَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَز عن الدُّعاء، كَمَا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُنا-صلى الله عليه وسلم-.
يا صائمون: لم لا نكثرُ من دعاء الله؟ وربحُه ظاهرٌ ومَضْمُونٌ فَقَد قَالَ نَبِيُّنَا -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِنْ مُسلمٍ يدعو ليس بإثمٍ ولا بقطيعةِ رَحمٍ إلَّا أَعْطَاهُ اللهُ إحدى ثلاثٍ: إمَّا أن يُعجِّلَ له دَعْوَتَهُ، وإمَّا أن يَدَّخِرها له في الآخرةِ، وإمَّا أنْ يَدْفَعَ عنه من السُّوءِ مِثْلَـَها" قَالُوا: "إذًا نُكثرُ يا رسولَ الله؟": قال "اللهُ أكثر".
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ؛ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله مُجِيبِ دَعوةِ المضطرِّين، وكاشِف البلوى عن المؤمنينَ، نشهَد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، الملكُ الحقُّ المبينُ، ونشهَدُ أنَّ محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُه، بعثهُ اللهُ بشيراً ونذيراً، ورحمةً وسراجاً منيراً، من أطاعَه دخلَ الجنَّة، ومن عصاه فَلن تَجِدَ لَهُ مِن دُونِ الله وَلِيَّاً وَلاَ نَصِيراً صَلَّى اللهُ وَبَارَكَ عليهِ وعَلى آلِهِ وَأصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْليمَاً مَزيدَاً، أمَّا بعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -تعالى- وَأَطِيعُوهُ: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)[البقرة:235].
لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، مَا أَكرَمَ الخَالِقَ وَأَقرَبَهُ, مَا أحلـَمه وَأَرحَمَهُ! وَمَا أَغفَلَ العَبدَ وَأَبعَدَهُ! الدُّعَاءُ يا صائمونَ: لا يَدَعُهَ إِلاَّ عَاجِزٌ، وَلا يَغفَلُ عَنهَ إِلاَّ مَحرُومٌ، صَحَّ عَن نَبِيّنا-صلى الله عليه وسلم-، أَنَّ اللهَ -تَبارَكَ وَتَعَالى- يَقُولُ: "أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَاني".
فَهَلُمَّ -يا عِبَادَ اللهِ-: في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ إلى الدُّعَاءِ وَالابتِهَالِ وَالنِّدَاءِ؛ فارفَعُوا إِلى رَبِّكِمُ الحَاجَاتِ، وَأَلِحُّوا بِالمَسأَلَةِ في شَهرِ النَّفَحَاتِ؛ وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِقُربِ الفَرَجِ، فَقَد قالَ: "يُستَجَابُ لأَحَدِكُم مَا لم يَعجَلْ، يَقُولُ: "دَعَوتُ فَلَم يُستَجَبْ لي"، وكلَّما اشتدَّ الإخلاصُ وَقَوِيَ الرَّجاءُ، كُلَّمَا كَانَتِ الإجَابَةُ أَقْرَبَ وَأَحْرى، يَقُولُ: "اُدعُوا اللهَ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ لا يَستَجِيبُ دُعَاءً مِن قَلبٍ غَافِلٍ لاهٍ"؛ فَأَطِبْ مَطعَمَكَ، واحذَرِ الظُّلمَ فإنَّهُ ظُلُماتٌ, وَتَعَفَّـف عَن الشُّبهاتِ والشَّهواتِ، وقدِّم بين يدي دُعَائِكَ عَمَلاً صَالِحاً, ونادِ ربَّكَ بِقلبٍ حاضِرٍ, وتخيَّرْ من الدُّعَاءِ أَحْسَنَهُ وَأَجمعَهُ، وَتحرَّ من الأوقاتِ أَفْضَلَها، وَمِنْ الأَحْوَالِ أَرْجَاهَا، فَالثُّلثُ الأَخِيرُ مِن اللَّيلِ مَظِنَّةُ الإجَابَةَ, وَعِنْدَ الأَذَانِ، وَبَينَ الأَذَانِ وَالإقَامَةِ؛ دَعْوَةٌ لا تُرَدُّ, قَالَ رَسُولُنا: "إنَّ الدُّعَاءَ لا يُردُّ بَينَ الأَذَانِ وَالإقَامَةِ؛ فَادْعُوا"، وَأَقْربُ مَا يَكُونُ العَبدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ, وَللصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ لا تُرَدُّ! وَفِي يَومِ الجُمُعَةِ، "سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصلِّي، يَسْأَلُ اللهَ شَيئًا؛ إلاَّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ"؛ فلنحرص على رَفْع اليَدَينِ أَثْنَاءَ الدُّعاءِ فَقَدْ قَالَ رَسُولُنا: "إنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحِيي إذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إليهِ يَدَيهِ أنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَينِ".
أيُّها المُؤمِنُونَ: إذا اجتمعَ مع الدُّعاءِ حُضُورُ القَلْبِ, وَقْتُ إِجَابَةٍ، وَانْكِسَارٌ بَينَ يَدَيِّ الرَّبِّ، وَذُلٌّ لَهُ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَكَانَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَرَفَعَ يَدَيهِ لِمَولاهُ, وَبَدَأَ بِحَمْدِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيهِ، ثُمَّ ثَنَّى بِالصَّلاةِ عَلى مُحَمَّدٍ، وَقَدَّم َبَينَ يَدَي حَاجَتَهِ تَوَبَةً وَاسْتِغْفَارَا، وَأَلَحَّ عَلى اللهِ فِي المَسْأَلَةِ، وَدَعَاهُ رَغْبَةً وَرَهْبَةً، وَتَوَسَّلَ إِليه بِأَسْمَائِهِ الحُسْنى, وَصِفَاتِهِ العُلا، وابْتَعَدَ عَنْ الظُّلْمِ وَأكْلِ الحَرَامِ؛ فَدُعَاؤهُ لا يَكَادُ يُرَدُّ أبدًا.
يَا رَبُّ عَفوُكَ ليس غيرُكَ يُقصدُ *** يـا من له كلُّ الخلائِقِ تَصمُدُ
أَبْوَابُ كُلِّ مُمَلَّكٍ قد أوصِدَتْ *** ورأيتُ بابَك واسعَاً لا يُوصَدُ
فاللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، اللهم أكرمنا بالتقوى، وجمِّلنا بالعافية، وطهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، اللهم ثبتنا بِالقَولِ الثَّابِتِ, اللهم إنا نسألك فواتح الخير، وخواتمه، وجوامعه وأوله وآخره، وظاهره، وباطنه والدرجات العلى من الجنة.
اللهم كُنْ لإخْوَانِنا المُسلِمينَ ولا تَكُنْ عليهم, وانصُرهم ولا تَنْصُرْ عَلَيهم، اللَّهُمَّ سَلِّطْ على الرَّافِضَةِ والحَوثِيِّنَ جنداً من جندك, اللَّهُمَّ خُذهم أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ, اللهم أرنا فيهم عجائبَ قدرتِكَ, اللَّهُمَّ احفظ حُدُودَنا وانْصُرْ جُنُودَنا وتَقَبَّل موتَاهم في الصَّالِحينَ, وَوفَّق ولاةَ أُمُورنا والمُسلمينَ لما تُحبُّ وترضى، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201]، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
التعليقات