عناصر الخطبة
1/لكل نبي حوض وأعظمها حوض النبي صلى الله عليه وسلم 2/الحوض وصفته 3/المكرمون بالشرب من الحوض والمحرومون منه 4/أعمال تورد أصحابها الحوض

اقتباس

ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- صنفين من الناس سيكونون أول الشاربين من حوضه -صلى الله عليه وسلم-: الصنف الأول: هم فقراء المهاجرين، ويدل على ذلك ما رواه ثوبان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم– قال: "أول الناس...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

 

عباد الله: إذا أذِنَ الله للأجساد الميتة أن تُبعَث مرة أخرى؛ خرج الناس من قبورهم، مغبرَّة رؤوسهم، حافية أقدامهم، عارية أجسادهم، فيُحشَرون في الموقف، والشمس تكون قريبة من رؤوسهم قدر ميل، فيصيبهم من العطش ما يصيبهم، فهم أحوج ما يكونون إلى شربة ماء يروون بها ظمأهم، فيكون هناك الحوض في أرض المحشر.

 

حيث يُكرِم اللهُ -تعالى- أنبياءَه في عَرَصَات القيامة بالحوض المورود؛ لكل نبيٍ حوض يرده المؤمنون من أمته، وحوضُ نبيكم -صلى الله عليه وسلم- أعظمُها وأفضلُها، قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن لكل نبي حوضًا، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردةً، وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردةً". (صححه الألباني).

 

إن الحوض مكرمة ومنّة عظيمة للرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ ليواصل المؤمنون به الشرب الحسي، كما شربوا في الدنيا الشرب المعنوي، من الاهتداء والاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، ولا يشرب من الحوض إلا من شرب من هديه وسنته -عليه الصلاة والسلام- في الدنيا.

 

أيها المسلمون: الحوض منّة الله على رسوله في الآخرة، قال الله: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)[الكوثر: 1]؛ فالكوثر هو النهر الذي وعد الله به نبيه – صلى الله عليه وسلم – في الجنة، والحوض هو مجمع الماء في أرض المحشر، وماؤه مستمد من الكوثر فماؤهما واحد، إلا أن أحدهما في الجنة، والآخر في أرض المحشر، قال – صلى الله عليه وسلم – في وصف الحوض: "يَغُت فيه ميزابان، يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من ورق"(رواه مسلم)، يغت: أي يدفق دفقا شديدا متتابعاً، قال الحافظ ابن حجر: "وظاهر الحديث أن الحوض يجانب الجنة؛ ليصب فيه الماء من النهر الذي داخلها" .

 

وأحاديث الحوض متواترة عن الصحابة –رضي الله عنهم-، ولقد كان الصالحون يتشوقون للقاء نبيهم عند حوضه، فيشربوا منه شربة لا يظمؤوا بعدها أبدا، عن أنس قال: دخلت على ابن زياد وهم يذكرون الحوض، فقلت: "لقد كانت عجائز بالمدينة كثيرًا ما يسألن ربهنّ أن يسقيهنّ من حوض نبيهنّ".

 

أيها الإخوة: وردت أحاديث صحيحة في وصف حوضه –عليه الصلاة والسلام-، منها: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "حَوْضي مَسيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الْجَنَّةِ"(متفق عليه)، وقال عن مائه: "أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورق" يغت: يدفق فيه دفقا دائما متتابعا -الورق: الفضة- الميزاب: أنبوبة تركب في جانب البيت من أعلاه لينصرف منها ماء المطر.

 

إنها صفات تسلب العقل، وتثير الإيمان، وتجدِّد العهد مع الله، والمؤمن الصادق إذا سمع بمثل هذه الأحاديث عن حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- اشتاقت نفسه إليه، وعملت كل ما تستطيع حتى تشرب منه، شربة هنيئة تنالها من يد المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

 

الحوض موعدنا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، الحوض مأوى أهل الإيمان قبل دخول الجنة، الحوض يُروى عنده الظمأى، الحوض يَأمن عنده الخائفون، الحوض يَسعد عنده المحزونون، الحوض يقف عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، وبقية الصحب الكرام، الحوض يقف عليه سادات الأمة وعلماؤها، الحوض يرتوي منه مصلحو الأمة ودعاتها، الحوض بداية فرح المؤمن في الآخرة؛ لأنه لا يرده إلاّ وقد نجا من هولٍ عظيم وكربٍ جسيم.

 

وكان أبو مسلم الخولاني يقوم الليل فإذا تعب ضرب على فخذيه وقام يصلي ويقول: "ايظن اصحاب محمد ان يستأثروا برسول الله دوننا (يعني بالعمل) والله لنزاحمنهم على الحوض حتى يعلموا أنهم تركوا خلفهم رجالا"

 

 

أيها المؤمنون: ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- صنفين من الناس سيكونون أول الشاربين من حوضه -صلى الله عليه وسلم-:

الصنف الأول: هم فقراء المهاجرين، ويدل على ذلك ما رواه ثوبان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم– قال: "أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين، الشعث رؤوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم السدد"(رواه الترمذي).

 

والصنف الثاني: هم أهل اليمن، فعن ثوبان - رضي الله عنه - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم – قال: "إني لبعقر حوضي، أذود الناس لأهل اليمن، أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم – يسيل عليهم –"(رواه مسلم). قال الإمام النووي: "معناه: أطرد الناس عنه غير أهل اليمن، ..وهذه كرامة لأهل اليمن في تقديمهم في الشرب منه، مجازاة لهم بحسن صنيعهم وتقدمهم في الإسلام.. فيدفع غيرهم حتى يشربوا، كما دفعوا في الدنيا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعداءه والمكروهات".

 

أيها الإخوة: أتعلمون أنه يُطردُ أناس عن ذلك الحوض؟! أتعلمون أن الحوض حرام الشرب منه لأهل الحدث والفجور؟! أتعلمون أن الحوض لا يرده إلا المؤمنون الصادقون؟!

روى البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقول: "أنا فَرطُكُم -أي أتقدمكم- على الحوض فمن ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليردنَّ علي أقوامٌ أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي"، ومنها ما رواه مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إني على الحوض، أنتظر من يرد علي منكم، فوالله ليقتطعن دوني رجال، فلأقولن: أي رب مني ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم".

 

قال أهل العلم: "فكل من ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله، ولم يأذن به الله، فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، وأشدهم طردا من خالف جماعة المسلمين، وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والذين يطعنون في الصحابة ويسبونهم.. وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وطمس الحق، وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستحفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع".

 

فيا أخي الحبيب: إن الأمر جد، فمن كان على بدعة فلينتبه، ومن كان مجاهرًا بكبيرة فلينتبه، ومن كان مصرًّا على معصية فلينتبه؛ عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليَّ منكم، وسيؤخذ ناس دوني فأقول: يا رب مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟! والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم". فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن عن ديننا. (رواه البخاري).

 

إياك والبدع فإن أهلها مطرودون عن الحوض؛ لأنه يقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. وقد قال هو -صلوات ربي وسلامه عليه-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".

 

أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وآله وصحبه، ومن تبعه، وبعد:

 

أيها المسلمون: يوم القيامة يوضع منبر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يخطب عليه في الدنيا على حوضه؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "ومنبري على حوضي"(رواه البخاري)؛ فتأمل ذلك الجلال وانظر إلى هذه المعاني التي تزيد المؤمن إيمانًا.

 

ويرد حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجملة كل مؤمن لم يتلبس بمانع من موانع ورود الحوض التي تضمنتها الأحاديث السابقة، غير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر بعض الأعمال الخاصة التي هي أسباب لنيل شرف وردود حوضه –عليه الصلاة والسلام-، منها:

 

الصبر عند الأَثَرة: ويدل على ذلك حديث عبد الله بن زيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في وصيته للأنصار -رضي الله عنهم-: "إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض"(متفق عليه)، ومعنى ستلقون بعدي أثرة، أي: أن الأمراء بعدي يفضلون عليكم غيركم ممن هو أقل كفاءة منكم.

 

عدم الدخول على أئمة الجور ممالأةً ونفاقاً لهم، وعوناً لهم على باطلهم، فعن كعب بن عجرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أنه ستكون بعدي أمراء، من دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس يرد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد على الحوض"(رواه الترمذي والنسائي).

 

أهل الوضوء والصلاة: فقد زار النبي -صلى الله عليه وسلم- البقيع فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنّا قد رأينا إخواننا"، فقالوا: أوَلسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: "بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد". قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك؟! قال: "فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض". (مسلم)، ويقول -عليه الصلاة والسلام- عن حوضه: "لهو أشد بياضًا من الثلج وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم، وإني لأصُدّ الناس عنه كما يَصُدّ الرجل إبل الناس عن حوضه"، قالوا يا رسول الله أتعرفنا يومئذ؟ قال "نعم لكم سيما ليست لأحد من الأمم تردون على غرا محجلين من أثر الوضوء"(مسلم)، المحجل: أبيض مواضع الوضوء من اليدين، والغر: جمع الأغر وهو أبيض الوجه.

 

فأهل الوضوء والصلاة يردون على حوض النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتاركو الصلاة لا يُرَدُّون؛ لأن تاركي الصلاة لا يكونون غرًّا محجلين، كيف تكون لهم علامة التحجيل وهم لا يصلون؟!؛ فحافظ على الوضوء، وصلِّ الصلاة المفروضة مع الجماعة، وابتعد عن البدع، فلا سلامة إلا بذلك.

 

ألا صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

 

 

المصدر: الحوض؛ للشيخ د. ناصر بن محمد الأحمد

 

المرفقات
الحوض.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life