عناصر الخطبة
1/ ندرة الحكمة في الناس حال الفتن 2/ أصناف الناس إزاء الدعوة للإصلاح والتغيير 3/ ضرورة النظر في مآلات تلك الدعوات 4/ مكتسبات عدة تنعم بها بلادنا 5/ الإصلاح والتغيير مطلب شرعي وحقيقي 6/ العلماء يعملون على ترشيد الإصلاح ولا يقفون ضده 7/ اختلاف التغيير في البلاد التي تحكم الشريعة عن غيرها 8/ شروط التغيير الشرعي 9/ حثّ أهل الشأن والمسؤولين على النظر في المظالم 10/ تحمل المواطنين جانبًا من جوانب المسؤوليةاهداف الخطبة
اقتباس
ونَاصَرَ أناسٌ التغيير في روسيا، فثار الشعب على القيصر، فنتجت لهم الماركسية الشيوعية، ثاروا من أجل الخبز والرزق والحرية، فانتقلت البلاد إلى حال أسوأ بكثير مما كانت عليه أيام القيصر، مُنع الفرد من تملك بيته، أو مزرعته، أو متجره، وصار كل شيء ملكًا للدولة، وتجرع الناس سبعين سنة مرارة الحرمان والفقر والفساد إلى أقصى درجة يتخيلها العقل ..
إن الحمد لله...
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى.
معاشر المسلمين: الحكمة عزيزة، وهي عند الفتن أندر في الناس من الكبريت الأحمر، وإذا أقبلت الفتن لم يُبصرها إلا العلماء الحكماء، وإذا أدبرت وظهرت مآلاتها وتبينت خفياتها أبصرها كل أحد، وأصبح يتكلم فيها كل أحد، ويعرف جميع الناس مَنِ المصيب فيها ومن الذي كان على خطأ.
قال الله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [البقرة: 269].
نقول ذلك ونحن نشاهد الدنيا تموج حولنا، والقوارع تحل قريبًا من دارنا، ورياحها تسف علينا ورائحتها تعبر من حولنا، والدعوات تتزايد لكي تطل برأسها على بلدنا، والناس يستنشقون رياح التغيير، فمنهم من ينفر منها ويستعذب الأمن والاستقرار والحفاظ على المكتسبات، ومنهم من يطرب لهذه الفتن، ويستشرف لصخبها، وتوافق هوى في نفسه، ولهم في ذلك مشارب متعددة، وطرائق شتى، ومآرب لا تحصى.
ومنهم الصادق صاحب النية الصالحة، ومنهم الفاسد صاحب الطوية الخبيثة الخفية، يعلن للناس ما يُتفق عليه ويخفي من الأهداف ما يُختلف فيه، ومن هنا كان لزامًا على المناشدين بالتغيير والإصلاح، والمطالبين به والمتحمسين له، أن يعرفوا معَ منْ يقفون؟! فهل يقفون وينصرون كلَّ من لوح لهم بالتغيير، ثم يقوم هو بقطف الثمرة ويدعهم في سكرتهم يعمهون؟! أم يتبصرون في أمرهم وينظرون من يناصرون وفي أي طريق يسيرون؟!
فقد نَاصَرَ أناسٌ التغيير في إيران، فثار الشعب على شاه إيران، وكان الخميني يحضر لذلك من فرنسا، فجاءتهم حكومة الملالي وآيات قم وولاية الفقيه، ثم هم الآن يجأرون إلى الله تعالى منها، وقد كانوا يومًا مناصرين لها.
ونَاصَرَ أناسٌ التغيير في روسيا، فثار الشعب على القيصر، فنتجت لهم الماركسية الشيوعية، ثاروا من أجل الخبز والرزق والحرية، فانتقلت البلاد إلى حال أسوأ بكثير مما كانت عليه أيام القيصر، مُنع الفرد من تملك بيته، أو مزرعته، أو متجره، وصار كل شيء ملكًا للدولة، وتجرع الناس سبعين سنة مرارة الحرمان والفقر والفساد إلى أقصى درجة يتخيلها العقل، وبعد سبعين سنة أسقطوا الشيوعية التي ثاروا من أجلها يومًا، لقد كان قادة الثورة شيوعيين ماركسيين ملاحدة يقولون: "لا إله، والحياة مادة"، وناصرهم الناس دون علمهم بالقائم على الثورة، فكانت تلك الثورات في مقاييس شعوبها شرًّا محضًا وسقوطًا من الأعلى إلى الأسفل.
وناصر بعض الليبيين ثورة القذافي قبل أربعين سنة، ثم هو اليوم يقتل فيهم ويعاملهم بهذه الطريقة التي تشاهدون كل يوم في وسائل الإعلام.
بل نحن الآن لا ندري عن نتائج هذه الثورات الحاصلة في البلاد العربية، فالأيام والسنوات القادمة كفيلة بالجواب؛ مع بالغ دعائنا ورجائنا أن تكون العاقبة خيرًا على الناس جميعًا، وأن يجعلها فتحًا على الإسلام والمسلمين، وأن يكبت الطغاة والمستبدين.
معاشر المسلمين: ومع وصول الثورات والدعوات إليها إلى بلادنا فإننا يجب أن نتأمل في هذه الدعوات كثيرًا كثيرًا، ولا بد لنا أن ننظر في مآلاتها، وأن نتفكر في عواقبها: هل ستكون أفضل من حالنا الآن أم أنها ستتجه بنا لحال أسوأ مما نحن عليه؟! ولا بد لنا عند ذلك أن نستحضر النعم التي ننعم بها وأن نتفكر فيمن حولنا بعدما أصابهم ما أصابهم.
إننا -ولله الحمد والمنة- في هذا البلاد ننعم بنعم كثيرة، ولدينا مكتسبات عدة تُنفَق من أجلها الأموال وترخص الأرواح، ويطمع العقلاء والمصلحون في البلدان المجاورة إلى الوصول إلى بعضها، ولا يعرف قدرها إلا من حُرِمَها.
ألا إن من أهم هذه المكتسبات كون ولايتنا شرعية، تمت ببيعة شرعية على أسس صحيحة، وأن ولي أمرنا إمام شرعي معتبر له واجب السمع والطاعة، وأن هذه الدولة قامت على إعلاء شأن التوحيد، وتطبيق الشريعة في عامة شؤون الحياة كما نص على ذلك نظام الحكم "بأن المرجعية للكتاب والسنة"، وقامت بإحياء السنة ونشرها، والسعي لإماتة البدعة ودحرها، وهذا لعمري هو غاية ما يسعى لتحقيقه كل مؤمن بالله ورسوله.
والأمن وما أدراك ما الأمن؟! فرايته خفاقة على كافة أنحاء البلاد، فالرجل يسافر شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا لا يخاف إلا الله تعالى، آمنًا على نفسه، مطمئنًا على سلامة عرضه وأهله وماله، وهذا مكسب عظيم وهدف كبير يسعى كل عاقل إلى تحصيله، وقد تحقق ولله الحمد والمنة بفضل تطبيق الشريعة وتحكيم شرع الله تعالى، يقول الله -عز وجل-: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص: 57]، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) [العنكبوت: 67]، ألا إن الأمن في بلاد الحرمين يختلف عن الأمن في غيرها؛ لأن اختلاله في هذه البلاد المباركة يعطل العبادة والحج والعمرة، وهي مرتبطة بجميع المسلمين، وقد كان المؤرخون لهذه الجزيرة العربية يذكرون سنوات كثيرة لم يستطع الناس الحج فيها بسبب الخوف وعدم الأمن في الطريق.
وقد قرن الله تعالى عبادته عند بيته المحرم بنعمة الأمن من الخوف والإطعام من الجوع فقال سبحانه: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش: 3، 4].
إننا إذ ننبه إلى مآلات الأمور لا نقف ضد الإصلاح والتغيير؛ لأنه مطلب شرعي وحقيقي، ولا أحد يدعي الكمال، حتى المسؤولين في هذه البلاد يدعون إلى الحوار ويسعون في الإصلاح، وكبار العلماء في بيانهم يدعون إلى الإصلاح؛ لأن التغييرَ آت لا محالة، وليس هناك شيءٌ ثابتٌ أبدًا، ولا بقاء لأحد على هذه البسيطة إلا لوجهه سبحانه وتعالى، وإذا لم نطالب بالإصلاح الشرعي سيأتينا إصلاحٌ دعيٌّ لا يتناسب مع مجتمعنا يقوده الليبراليون والرافضة.
وإذا لم يطالب الصالحون بالإصلاح على الطريقة الشرعية سيطالب المنافقون به على الطريقة الغربية: (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) [البقرة: 12].
وإذا لم نطالب نحن بالإصلاح الشرعي بالأسلوب الحكيم الصحيح سيطالب الناس بالإصلاح بالأسلوب الخاطئ المتهور المجافي للصواب، فليس كل الناس من حَمَلة العلم والدعوة، ولا من أهل العقل الذين يحسنون تقدير الأمور وينظرون في العواقب والمآلات، بل الكثرة الكاثرة تحركهم مصالحهم وحاجاتهم، وهم عرضةٌ للتأثير عليهم من فئات داخلية وخارجية، تذكرهم بمكنوناتهم الخاصة، وتذكي فيهم نار المطالبة بالحقوق، ومن هنا يقعُ الخطأ في أسلوب الإصلاح ما دام القصور مستمرًا.
وإن العلماء والدعاة إلى الله تعالى لا يقفون في وجه الإصلاح والتغيير أبدًا، ولكنهم يعملون على ترشيده ليدفع الفتن ويقلل المفاسد، وأن يكون بأسلوب لا يُفقدنا المكتسبات، ولا يفرق جمعنا أو يهدد أمننا أو يخالف بين صفوفنا.
وفي مسألة الإصلاح في هذه البلاد لا بد أن نقول: إن الإصلاح لا بد أن يكون من خلال النظام وليس من خلال إسقاط النظام؛ لأنه نظام إسلامي مستمد من الكتاب والسنة، فهل يجرؤ مؤمن على المطالبة بإسقاط نظام إسلامي مستمد من الكتاب والسنة؟!
إنَّ المطالبة الصحيحة في هذا الموضع هي المطالبة بسن الضمانات التي تُلزم بتطبيق النظام الإسلامي، وحسن تنفيذه، وتنفي عنه التحريف والزيادة والنقصان.
وهذا هو مطلب كثير من الغيورين، وهو الذي يتحدث عنه أكثر الناس في المجالس الخاصة، وكثير من المجالس العامة، أو المنتديات، أو مواقع التواصل.
ومع إقرارنا بصحة هذا المطلب، واعترافنا بجوانب القصور والخلل، إلا أن ذلك ينبغي أن لا ينسينا أن القضية الكبرى هي الحكمة واليقظة في منهج إصلاحه ووسائل معالجته، وتقديم النصح لإخواننا وأبنائنا الذين قد تخدعهم بوارق الآمال الكاذبة والسراب اللاهب، فتصدهم عنه إلى ما يرسمه أفرادٌ معزولون بعيدون وراء البحار، يقحمون أتباعهم ومن يسير وراءهم في مغامراتٍ غيرِ محسوبة النتائج والمآلات، استغلالاً لطيبة قلوبهم، وتلاعبًا بمشاعرهم وعزفًا على جراحهم وآلامهم.
ونحن -ولله الحمد- في غنى تام عن كل منهج خارج عن شريعتنا، ولا نحتاج في الإصلاح إلى إملاء خارجي أيًّا كان مصدره، فكما أن الذين يقولون: إن العدلَ والحريةَ لا تأتي إلا على ظهر الدبابة الأمريكية خونة مارقون؛ فإنَّ الذين يظنون أن التظاهراتِ والتخريبَ والشغبَ يرفع الظلم الاجتماعيَ ويزيلُ الفسادَ الماليَ والإداريَ هم واهمون مخطئون، أو مجرمون آثمون.
فالتغيير في البلاد الإسلامية التي تُحكِّم الشريعة الإسلامية يختلف تمامًا عن التغيير في غيرها، فيجب أن يكون بالطريقة الشرعية القائمة على منهاج النبوة وأحكام الشريعة المطهرة التي ضمنت للرعية على الولاة من الواجبات ما لا تضمنه شريعة قط، كما حفظت لولاة الأمر على الرعية من الحقوق ما لا يحفظه نظام عادل قط.
إن التغيير في بلاد الإسلام التي ترفع راية الشريعة وتطبق أحكامها لا بد أن يعبر من خلال ثلاثة أمور مهمة لا يكون التغيير مشروعًا إلا بها، وإذا خلا منها فإنه لا يكون مشروعًا.
الأمر الأول: هل الوسائل المستخدمة في التغيير شرعية أم لا؟!
الأمر الثاني: هل الراية المرفوعة لإيجاد التغيير إسلامية أم جاهلية؟!
الأمر الثالث: هل عواقب التغيير مأمونة أم لا؟!
فهذه أمور ثلاثة لا يدخل أهل البصيرة والعلم والعقل في أمر التغيير إلاَّ مِن خلال تأملها، فإنْ سقط واحد منها؛ فالتغيير شر محض.
ونحن في هذه البلاد نشاهد أعداءً يتربصون بنا في حال السلم والأمن، فكيف سيكون حالهم في حال الفوضى والخوف.
ألم نشاهد بأم أعيننا حرص العدو على تدمير بلادنا وغزوها بكل ألوان الأسلحة؟! ألم تشاهدوا أطنان المخدرات التي تُرسل إلى بلادنا؟! ألم نسمع عن المخابرات والاتصالات بين بعض بني قومنا وسفارات الأعداء؟! ألم نعلم أن أناسًا ممن هم بين أظهرنا قد دانوا بالولاء المطلق لأعداء ملتنا وعقيدتنا؟! ناهيك عن ذوي الأطماع، وغيرهم من أهل العصبيات، فضلاً عن أقوام قد بدأت أعينهم تحدد فرائسها، وآخرين لا نعلمهم الله يعلمهم، فهل يُظن فيمن هذه حاله في السراء، أن يقف عن مكيدتنا والتربص بنا في الضراء؟! وهل سيصمد لهؤلاء، ويمنع أطماعهم، ويبدد أحلامهم، بل ويحيلها إلى سراب، إلا أن نعتصم بحبل الله جميعًا، وننبذ الفرقة والاختلاف، ونختار لمطالبنا من الوقت والطريقة ما يمنع استغلال المتربصين، ويعين المعنيين بالأمر على التدبر والتفكر واتخاذ القرار السليم.
إن الحديث عن الفتنة، والتحذير من الوقوع فيها، والعمل على وأدها، ومنع السبل الموصلة لها، ليس هو من باب التخدير، ولا هو من النفاق، بل هو والله عين العقل والحكمة، ومن تأمل قصة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وحال من قاموا عليه، وكيف كانت مطالبهم، وكيف استغلها من استغلها، وما وقع لأمة الإسلام بعدها، وماذا تحقق لرعاتها، لأدرك أن الفتن شرٌّ، وأن البعد عنها مكسب، وأن الحزم يقتضي أن يغلب العقل على العاطفة، وأن يكون الشرع فوق ذلك كله، ومهما استفزَّنا من استفزَّنا، أو رأينا مما تكرهه النفوس وتستثقله، فإننا يجب أن نصبر، وأن نتحلى بالحكمة، وأن لا نستعجل الأمور، وأن نثق أن موعود الله خير مما نؤمله في هذه الدنيا: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10]، (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) [القصص: 80]، (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى: 43]، وكما في الحديث الصحيح: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا...
أما بعد:
فيا عباد الله: إن حديثنا عن وجوب التلاحم، والبعد عن الفوضى، وقطع الطريق على بغاة السوء، وذوي الأطماع، لا يمنعنا من مخاطبة أهل الشأن، وحثِّهم على النظر في المظالم، ومراعاة جوانب الخلل، وتصحيح المسار، ونفي الخَبَث من البطانة والمستشارين، وتخفيف الاحتقان، والنظر في مصالح المجتمع، وترك المحسوبيات، وصيانة المال العام، ومراعاة الجوانب الشرعية، والعدل بين سائر أفراد الأمة، وإعادة النظر في كثير من القضايا، وأن لا يمنعهم من النظر فيها مظنة أن يقال: إن ذلك جاء استجابة للضغوط الخارجية ونحن لا نقبل الإملاءات، بل ينبغي النظر فيها كونها تحتاج إلى إصلاح، وأن رسالة الإصلاح منهج العقلاء والحكماء، وأن السير على الطريق المعوجَّة لا يوصل إلى نهاية الطريق، بل يحرف إلى حيث كان الاعوجاج.
على ولاة الأمر أن يعلموا أن الاحتقان الذي ملأ قلوب كثير من الناس، وضاقت به نفوسهم، ليس من العسير نزعه، ولا من المتعذِّر الوصول إلى علاجه، ولكن ذلك يتطلب منهم وقفة جادة في محاسبة الفساد، مهما كان صاحبه، والتجرُّد لله تعالى في ذلك، وإلا فسيبقى الاحتقان ويزداد، وسيبقى الحنق قائمًا ما قامت أسبابه.
كما يجب عليهم أن يعلموا أن المجتمع متدين بطبعه، محب للخير وأهله بفطرته، ولهذا فتمكين ذوي التوجهات المشبوهة، أو استفزاز الناس في مشاعرهم الدينية يزيد من احتقان الناس، ويؤلبهم على ولاة أمرهم ويجلب العواقب الوخيمة على البلاد والعباد.
معاشر المسلمين: ومع إقرارنا بوجود القصور ومقدرة ولاة الأمر على زيادته أو تلافيه، إلا أننا لا نبرئ أنفسنا ولا نخص حكامنا بالمسؤولية عن كل ما يقع في البلاد من الفساد والقصور، بل نحملها أنفسنا والأمة جميعًا كلاً في موقعه، فلولا تقصير أهل العلم والدعوة، بل مداهنة بعضهم وانسياق العامة وهلعهم وراء شهواتهم لما حدث كثير من الانحراف، ولولا تقاعس بعضهم عن نصرة من ينكر المنكر ويجتهد في الإصلاح على منهاج النبوة وسيرة السلف الصالح، لما عمّ الظلم وانتشر الفساد، بل من الإنصاف أن نقول: إننا كما نعلم ونشهد بوجود العديد من المظالم والمنكرات والتجاوزات من قبل الحكومة، فإننا نعلم ونشهد كذلك -وهذا من العدل الذي أمرنا به- بأن كثيرًا من المفاسد والمظالم الاجتماعية والأخلاقية، لولا أن الأنظمة الحكومية الإسلامية تحظرها وتحاربها لتقحَّم الناس إليها كل سبيل، وركبوا إليها السهل والوعر، وشواهد ذلك معروفة في الواقع، وما هروب فئات من الناس إلى الخارج كلما استطاعوا وإنفاقهم الأموال الطائلة فيما يغضب الله إلا أحد هذه الشواهد.
نسأل الله تعالى أن يعاملنا بعفوه، وأن لا يعاملنا بعدله. اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه...
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك.
اللهم صل على محمد...
التعليقات