عناصر الخطبة
1/ التعريف بالنفاق والمنافقين 2/ بعض صفات المنافقين وأخلاقهم 3/ بعض عقوبات المنافقين في الدنيا والآخرة 4/ الحذر من الوقوع في شراك المنافقيناهداف الخطبة
اقتباس
المنافقون ينفرون الناس عن دين الله والاحتكام إليه، ويثبطونهم عن الأعمال الصالحة. المنافقون يحاربون المعروف، ويبغضون التواصي بالحق، ويدعون إلى الرذيلة والفساد. المنافقون ينادون إلى إفساد المجتمع باسم الحضارة، ويسعون لنشر الرذيلة باسم الحرية، وينافحون لنبذ الفضيلة باسم المدنية، ويدعون لنشر...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فإن النفاق مرادف للكذب، وهو إظهار أمرٍ، وإبطان نقيضه.
فالمنافقون يظهرون أمام الناس بمظهر المسلمين، وهم في قرارة أنفسهم يكفرون بالإسلام ولا يؤمنون بالله ولا برسله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [البقرة: 8 - 9].
فإظهارهم لشعائر الإسلام كذب وبهتان، وتزييف وخداع، يقولون بألسنتهم ما تخالفه قلوبهم، ويحسبون أن ذلك يخفى على الله: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون: 1].
المنافقون، كُسالى عن كلِّ خير، لا ينشطون إلا في المحافل، ولا يعبدون الله إلا مراءاة للناس: (كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 142].
المنافقون، إذا اجتمعوا بأهل الإيمان كانوا هم العباد الناسكون، والفقهاء المنظرون، وإذا خلوا بأمثالهم تواثقوا على كفرهم وعنادهم: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) [البقرة: 14].
المنافقون، ويدعون إلى تحكيم القوانين البشرية، ونبذ الاحتكام إلى شريعة الله: (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) [النساء: 60].
المنافقون، ينفرون الناس عن دين الله والاحتكام إليه، ويثبطونهم عن الأعمال الصالحة: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب: 12].
(إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 49].
المنافقون، يحاربون المعروف، ويبغضون التواصي بالحق، ويدعون إلى الرذيلة والفساد: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) [التوبة: 67].
المنافقون، ينادون إلى إفساد المجتمع باسم الحضارة، ويسعون لنشر الرذيلة باسم الحرية، وينافحون لنبذ الفضيلة باسم المدنية، ويدعون لنشر الباطل باسم التقدم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) [البقرة: 11 – 12].
المنافقون، دأبهم الاستهزاء بدين الله، والسخرية من شعائر الله، والتندر بالمصلحين، في منتدياتهم وقنواتهم وسائل وتواصلهم: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [التوبة: 79].
(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ) [المطففين: 29 - 32].
المنافقون، يستخفون بشريعة الله، ولا يعظمون شعائر الإسلام، ولا يوَقِّرون الصحابة -رضي الله عنهم- ولايُجِلُّون أئمة الإسلام، ولا يعطوا العلماء قَدْرَهم: (قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) [التوبة: 64 - 65].
فيا عبدالله: احذروا قنواتهم، وتفطنوا لما يكتبون في صحفهم، وما ينشرون في حسابات، لا تشارك في منتدياتهم، وتحضروا مجالسهم، حتى لا تشاركهم إثمهم، ويحل عليك عقابهم: (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء: 140].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أما بعد:
فإن الله -تعالى- توعد المنافقين بالهوان في الدنيا والآخرة، وتوعدهم بالعذاب الشديد يوم القيامة: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) [الحديد: 13].
(وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) [التوبة: 68].
(وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [الفتح: 6].
لكن الله الرحيم بعباده، الرؤوف بخلقه، يفتح باب الأمل لمن سلك سبل التوبة، وأناب إلى ربه وبيَّن، وأصلح ما كان أفسد: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 145 - 146].
فاتقوا الله -عباد الله-، واحذروا الوقوع في شراك المنافقين، واسلكوا سبل الثبات على دينكم، والْتَفُوا حول العلماء الربانيين الصالحين المصلحين، ولا تنخدعوا بشعارات أهل النفاق والشقاق ودعاوى أهل الهواء.
اللهم إنا نعوذ بك من أسباب النفاق والشقاق، وسيء الأخلاق، واجعلنا يا ربنا مؤمنين صادقين، واجعلنا من عبادك المخلِصين.
اللهم بارك لمن حَضَرَ معنا صلاتنا هذه في علمه وعمره وعمله، وبارك له في بدنه وصحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله يا ربنا مباركًا موفقًا مسددًا أينما حَلَّ أو ارتحل.
اللهم يا ربنا أدم علينا أمننا، وبارك اللهم في أماننا، واجعل بلدنا هذا آمنًا مطْمئنَا وسار بلاد المسلمين.
الَّلهُمَّ ادْفَعْ عن بلَادَنَا الفِتَنِ وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ، وأعذنا يا ربنا من العجز والكسل، والجبن والبخل والهرم، والقسوة والغفلة، والبلاء والغلاء وسيء الأسقام.
الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ.
الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، واحفظ اللهم جندنا المرابطين في الثغور، وأيِّدهم وانصرهم على عدوهم، ورُدَّهم لأهليهم سالمين غانمين.
الَّلهُمَّ وَفِّقْ ولِيَّ أَمْرِنَا ونائبيه وإخوانه وأعوانه لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَواصِيهم لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُم سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ.
اللهم وفق حكام المسلمين في كل مكان بتحكيم شرعك والعدل في رعاياهم.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
التعليقات