عناصر الخطبة
1/الحنين إلى البيت العتيق 2/نداء إبراهيم بالحج 3/بعض ما يجب على من أراد الحج 4/بعض أهداف الحج ومقاصده 5/الأعمال المشروعة لمن زار مكة والمدينة 6/خطبة حجة الوداع والدروس المستفادة منها 7/معالم وحدة المسلمين في الحجاهداف الخطبة
اقتباس
أيها المسلمون: يستعد الحجاج في هذه الأيام للتوجه إلى بيت الله العتيق، على بركة الله تسير قوافلهم يحذوها الشوق والإيمان لتحظى بزيارة الكعبة المشرفة، ولمشاهدة مهبط الوحي الذي عم البلاد، ولزيارة مسجد الحبيب -صلى الله عليه وسلم-. فالحج ركن من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائر الدين، ولكنه يختلف عن سائر الأركان؛ فهو عبادة مالية بـ...
الخطبة الأولى:
أيها المسلمون: يقول الله -تعالى- في كتابه الكريم: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحـج: 27].
يتطلع كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو حج بيت الله الحرام، حيث يتعلق قلبه وفؤاده بمشاهدة هذه الأماكن المقدسة التي فضلها الله -تعالى-، وبارك فيها، يستوي في ذلك الغني والفقير، والقريب والبعيد؛ لأن حب المسلم لها غريزة مطبوعة في نفسه، استجابة لدعوة أبينا إبراهيم -عليه السلام- في قوله تعالى: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم: 37].
وما تكاد أشهر الحج تهل على العالم الإسلامي حتى تحن قلوب المسلمين بالشوق إلى بيت الله الحرام، وما جاوره من أماكن مقدسة، وزيارة مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وغيره من المشاهد الإسلامية العظيمة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
إن الحج اجتماع جامع للمسلمين قاطبة، يجدون فيه أملهم العريق الضارب في أعماق الأمة، منذ سيدنا إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام-، فهو فريضة تأتلف فيها مصالح المسلمين، وتجتمع منافعهم، وتتجدد الروابط بينهم، وتصدق العزائم عند اللقاء الكريم.
أيها المسلمون: إن فريضة الحج المقدسة هي أغلى وأسمى مناسبة في تاريخ الأمة الإسلامية، نسترجع فيها ذكريات الماضي العريق، التي تعود إلى أعماق التاريخ، حين كانت مكة المكرمة وادياً قفراً غير ذي زرع، وأرضاً جرداء لا زرع فيها ولا ماء، صحراء قاحلة مقفرة ليس بها إنسان أو طير أو حيوان.
يأتي أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- ليقوم برفع قواعد الكعبة المشرفة في هذا المكان المقفر، لكن معجزة الواحد القهار الذي يقول للشيء كن فيكون، تغير ملامح المكان بعد أن أمر الله -سبحانه وتعالى- أبا الأنبياء إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- أن يؤذن في الناس بالحج، وتقبل أفواج الحجيج من كل صوب وحدب إلى هذه الأرض المقفرة لتتحول إلى أرض النور والقداسات والطهر.
وتتوالى مواكب الحجيج عبر العصور والأزمان إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج.
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) [الحـج: 27] "أي ناد في الناس بالحج داعياً لهم لحج هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر أنه قال: يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على الصفا، وقيل على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أن يحج إلى يوم القيامة لبيك اللهم لبيك".
أيها المسلمون: يستعد الحجاج في هذه الأيام للتوجه إلى بيت الله العتيق، على بركة الله تسير قوافلهم يحذوها الشوق والإيمان لتحظى بزيارة الكعبة المشرفة، ولمشاهدة مهبط الوحي الذي عم البلاد، ولزيارة مسجد الحبيب -صلى الله عليه وسلم-.
فالحج ركن من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائر الدين، ولكنه يختلف عن سائر الأركان؛ فهو عبادة مالية بدنية تحتاج منك -أخي الحاج-: إلى الصبر والجلد، وتحمل المشاق ابتغاء مرضاة الله، وليكن حجك من مال حلال.
وعليك أن تتحلى في سفرك بمكارم الأخلاق، وكن معطاء كريماً؛ فإن الحاج من طبيعته السخاء، وكما قال الشاعر:
إذا حَجَجْت بمال أصله دَنَسٌ *** فما حججت ولكن حجَّت العيرُ
لا يقبل الله إلاّ كـــل طيبـة *** ما كلُّ حـــج لبيت الله مبرور
أيها المسلمون: إن الهدف من الحج هو: تهذيب النفوس، والتعرف على المسلمين، ومعرفة أحوالهم والإحسان إليهم، والتعرف على مهد الإسلام ومنطلق الدعوة استجابة لدعوة سيدنا إبراهيم: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ)[الحـج: 27-28].
فإذا أكرمك الله بالوصول إلى تلك الربوع الطاهرة، وملأت عينيك من تلك الرياض على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فتأدب مع صاحبها، وتقدم لزيارته بلطف، وسلم عليه حيث أمكنك السلام واشتغل ما دمت هناك بفرضك الذي جئت من أجله.
واعلم أن ركعة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تساوي في الفضل ألف ركعة فيما سواه.
فإذا ذهبت إلى مكة المشرفة، وكنت في جوار الله، وفي ضيافته، فحيي بيته أولاً بالطواف، واستكثر من الصلوات بلا كلل.
واعلم أن ركعة في بيت الله الحرام تساوي في الفضل مائة ألف ركعة فيما سواه.
واخفض من صوتك، واغضض من بصرك، وأحسن لمن أساء إليك، وكن كالنخلة يقذفها الناس بالحجارة، وتلقي إليهم الرطب الجني.
وإن استطعت أن تكون خادماً للضعفاء، وعوناً لذي الحاجة، فلا تبخل بما أعطاك الله من صحة ومال، فإن من أجل مناسك الحج التعاون على البر والتقوى.
واعلم -أخي الحاج-: أنك ستفتح مع ا لله صفحة جديدة، وسترجع بثوب ناصع أبيض، وصحيفة بيضاء، فلا تسودها بالمعاصي قبل رجوعك، وكما جاء في الحديث: "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
وعليك -يا أخي الحاج-: حتى يكون حجك مبروراً، وسعيك مشكوراً، وذنبك مغفوراً أن تتعلم كيفية الحج، وأن تسأل عن أمور دينك: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل: 43].
وعليك أن تقتدي بحجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "خذوا عني مناسككم" حتى يكون حجك مبروراً، وسعيك مشكوراً، وذنبك مغفوراً.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله...
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: لقد حج الرسول -صلى الله عليه وسلم- في السنة العاشرة من الهجرة راكباً ناقته القصواء، وبهذه المناسبة نود الإشارة إلى أن هذه الحجة تسمى حجة الوداع؛ لأن الرسول -عليه السلام- ودع الناس فيها قائلاً: "لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا".
ولم يحج بعدها، وفي حجة الوداع خطب عليه السلام خطبته المشهورة في يوم عرفة في موقف خالد، ومشهد رائع وسط آلاف المؤمنين المحبين لنبيهم ودينهم، ألقى عليهم دستور الحياة، ووصيته الجامعة التي تكفل لهم السعادة في الدنيا والآخرة، والكل منتبه ومشدود إلى حيث الرحمة المهداة.
هذا الخطاب الجامع الذي اشتمل على حرمة الدماء والأموال والأعراض، وحرمة الربا والأخذ بالثأر، وعلى أداء الأمانة، وعلى مخالفة الشيطان، واشتمل أيضاً على حقوق النساء، وعلى الاعتصام بالكتاب والسنة، هذه الخطبة تحتاج إلى مجلدات عند شرحها، وهي عبارة عن ميثاق عظيم على البشرية أن تعمل به وأن تستفيد منه.
أيها المسلمون: إن الحج مؤتمر عالمي يتكرر كل عام مرة يعقد في الأرض المباركة بجوار الكعبة تحت شعار " أمة واحدة " قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92].
ووحدة المسلمين في الحج تشمل عدة مظاهر من الوحدة يتعايش الناس على ضوئها:
1- وحدة الأصل: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13].
وفي الحديث: "ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى".
2- وحدة الزمان: قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة: 197].
3- وحدة المكان: قال تعالى: (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ)[المائدة: 97].
وقوله أيضاً: (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) [البقرة: 125].
4- وحدة في الشكل والمظهر تتجلى في لباس الإحرام المكون من إزار ورداء أبيضين هو لباس كل الحجيج استعاضوا به عن لباسهم المعتاد في حياتهم العادية.
ومن المعلوم أن الحج يستمد عالميته من عالمية الإسلام الذي جاء رحمة للناس كافة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107].
وقال أيضاً: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سبأ: 28].
فما أحوج الأمتين العربية والإسلامية بصفة عامة، وشعبنا الفلسطيني المرابط بصفة خاصة إلى الوحدة، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة والدقيقة من تاريخ شعبنا المرابط، لذلك نحن نتوجه إلى الله بالدعاء بأن ييسر لشعبنا الفلسطيني سبل الوحدة والمحبة؛ إنه سميع قريب.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
التعليقات