عناصر الخطبة
1/ قيمة العمل في الإسلام 2/ العمل في حياة الأنبياء 3/ أسباب البطالة 4/ وسائل القضاء على البطالة 5/ دعوة للعمل الحلالاقتباس
الإسلام رغَّب في الكد والعمل والتحصيل، وذم البطالة بشتى صورها، وحذر منها؛ لما فيها من الجمود والاتكالية، فبقاء الفرد عاطلاً دون عمل معتمدًا على غيره يجعله ذليلاً مكسور الجناح، واضعًا نفسه تحت رحمة الخلق وشفقتهم، يرجو برهم وعطفهم، ويخاف شرَّهم وعقابهم، فهو إن لم يسايرهم منعوا عنه العطاء، ومخرجه من ذلك ..
الخطبة الأولى:
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون.
لقد وجّهت الشريعة الإسلامية أفرادها إلى العمل، وحثّتهم على التكسب وطلب الرزق، وبينت لهم أن الكسب باليد خيرُ ما يُجمع، وهو سبيل أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، وحذَّرت أشد التحذير من الاعتماد على التسول واستجداء الناس والتذلل لهم؛ لما يورثه من المذلة والمهانة في الدنيا والآخرة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره، فيأتي به فيبيعه، فيأكل منه ويتصدق منه، خير له من أن يأتي رجلاً أعطاه الله من فضله فيسأله، أعطاه أو منعه" [متفق عليه].
لقد أمر الله -تعالى- المؤمنين بترك البيع والشراء والتجارة ساعة أداء العبادة المفروضةِ عليهم، وذم من يشتغل بالتكسب في ذلك الوقت، وأذن لهم بالانتشار وطلب الرزق بعد أدائها، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة:9].
يقول القرطبي -رحمه الله- عند قوله -تعالى-: (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) [الجمعة:10]: هذا أمر إباحة، أي: إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم، (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) أي: من رزقه.
وبيّن الله -تعالى- في كتابه الكريم أن العمل لكسب العيش وتحصيل ما لا بد منه كان دأب أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، قال -تعالى-: (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ) [الفرقان:20].
قال القرطبي -رحمه الله-: "هذه الآية أصل في تناول الأسباب وطلب المعاش بالتجارة والصناعة وغير ذلك"، وقال ابن كثير -رحمه الله-: "يقول -تعالى- مخبرًا عن جميع من بعثه من الرسل المتقدمين أنهم كانوا يأكلون الطعام ويحتاجون إلى التغذي به، ويمشون في الأسواق للتكسب والتجارة، وليس ذلك بمنافٍ لحالهم ومنصبهم، فإن الله -تعالى- جعل لهم من السمات الحسنة والصفات الجميلة والأقوال الفاضلة والأعمال الكاملة والخوارق الباهرة والأدلة القاهرة ما يستدل به كل ذي لبٍ سليم وبصيرةٍ مستقيمة على صدقِ ما جاؤوا به من الله" ا.هـ.
وأخبر -جل وعلا- عن داود عليه السلام بقوله جل شأنه: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) [الأنبياء:80]، والمراد باللبوس هنا الدروع.
يقول الإمام القرطبي -رحمه الله-: "هذه الآية أصل في اتخاذ الصنائع والأسباب، وهو قول أهلِ العقول والألباب، لا قول الجهلةِ الأغبياء القائلين بأن ذلك إنما شُرع للضعفاء، فالسببُ سنةُ الله في خلقه، فمن طعن في ذلك فقد طعن في الكتاب والسنة، ونَسَبَ من ذكرنا إلى الضعفِ وعدمِ المُنَّة، وقد أخبر الله -تعالى- عن نبيه داود عليه السلام أنه كان يصنع الدروع والخوص، وكان يأكل من عمل يده، وكان آدمُ حَرّاثًا، ونوحُ نجارًا، ولقمان خياطًا، وطالوت دباغًا، وقيل: سقّاء، فالصنعة يكف بِها الإنسان نفسه عن الناس" ا.هـ
وعن المقداد بن معدي كرب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أكل أحدٌ طعامًا قطّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" [رواه البخاري].
والحكمة في تخصيص داود بالذكر -كما يقول الحافظ ابن حجر- أن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة؛ لأنه كان خليفة الله في الأرض، وإنما ابتغى الأكل من طريق أفضل.
وقد ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان زكريا نجارًا". قال الإمام النووي: "فيه جواز الصنائع، وأن النجارة لا تُسقط المروءة، وأنها صنعة فاضلة".
لقد باشر الأنبياء كلهم -عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام-، باشروا رعي الغنم؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم"، فقال أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ فقال "نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة".
لقد كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتَّجرون وهم فقراء، فيغنيهم الله من فضله، وفي قصةِ عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- ما يوضح ذلك ويبينه، روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قدم عبد الرحمن بن عوف، فآخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وعند الأنصاري امرأتان، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فأتى السوق، فربح شيئًا من أقط وشيئًا من سمن، فرآه النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أيام وعليه صفرة، فقال: "مَهْيَمْ يا عبد الرحمن"؟ فقال: تزوجت أنصارية، فقال: "فما سقت إليها"؟ قال: وزن نواة من ذهب، قال: "أولم ولو بشاة" [رواه البخاري].
يتضح من كل ما تقدم تأكيد الشريعة الإسلامية على أهمية العمل والاكتساب، وأن على كل فرد قادر أن يسعى بنفسه لتحصيل ما يحتاجه من مقومات الحياة، والله -تعالى- قد قدّر الأرزاق وكتبها، وعلى المرء أن يأخذ بجميع الأسبابِ الممكنة لتحصيل الرزق وجمعه، وأن لا يبقى خاملاً ينتظر رزقه، فإن الله -تعالى- أمر بالسعي في الأرض والتنقل بين أرجائها طلبًا للعمل والكسب، قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك:15].
وقد روى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا" [رواه أحمد والترمذي]، فأثبت لها رواحًا وغدوًا لطلب الرزق مع توكلها على الله -عز وجل-، وهو المسخر المسير المسبب.
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وأن الله -تعالى- إنما يرزق الناس بعضهم من بعض"، وتلا قول الله -تعالى-: (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة:10].
فالسعي لكسب العيش وطلب الرزق جهاد في سبيل الله تعالى؛ فعن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- قال: مرَّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فرأى الصحابةُ من قوته ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يُعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان" [رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع].
وهكذا فإن الإسلام رغَّب في الكد والعمل والتحصيل، وذم البطالة بشتى صورها، وحذر منها؛ لما فيها من الجمود والاتكالية، فبقاء الفرد عاطلاً دون عمل معتمدًا على غيره يجعله ذليلاً مكسور الجناح، واضعًا نفسه تحت رحمة الخلق وشفقتهم، يرجو برهم وعطفهم، ويخاف شرَّهم وعقابهم، فهو إن لم يسايرهم منعوا عنه العطاء، ومخرجه من ذلك أن يكون عاقلاً منتجًا، وأن يوجد لنفسه مهنةً، يكتسب من خلالها، وأن يكون في عداد المثمرين المنتجين، حتى لا يبقى عالة على نفسه ومجتمعه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون..
أيها المسلمون: سؤال يدور في أذهان الكثيرين، ما هي أسباب البطالة؟
1- إن أسباب البطالة تعود في الدرجة الأولى إلى الأب والأم, وذلك بسبب توفير جميع ما يطلب الابن من غير جهد؛ حيث إنه من واجبهما تربية النشء منذ الصغر وحسن رعايتهما للطفل, فعندما ينشئ الطفل ويقوم كلا من والديه بإشغال وقت فراغه [مثل حلقات التحفيظ وتعليمه استخدامات الحاسب، وتعليمه كيفية تنظيم وقته ومن يصاحب، وفي إجازته يأخذه للعمل لكي يتعلم كيف يعمل في أي مجال، وفي سن البلوغ يحرص على أن يوفر له أي عمل يتناسب معه، فكسب المهارات والخبرات ضرورية في هذا الوقت].
2- عدم الثقة في النفس.
3-مصاحبة رفقاء السوء والذين لديهم وقت فراغ كبير.
4 - الخوف من مجابهة الآخرين.
5- عدم الاعتماد على الذات في كل أموره.
6- عدم القبول بأي راتب يُعرض عليه بحجة أنه لا يكفيه.
7- الحياء.
8- الخوف من المستقبل.
9-تستر المواطنين على بعض العمالة التي تقيم بطريقة غير شرعية وتوظيفهم بسبب صعوبة الاستقدام.
10- تستر بعض السعوديين على عمالة تشتغل لحسابها الخاص وتخالف التعليمات.
11- تسيب بعض العمالة من كفلائهم، والعمل لدى الغير بطريقة غير قانونية.
12- ومن أبرز الأسباب كثرة الخريجين والخريجات من الجامعات وعدم توفر فرص العمل الوظيفي الحكومي.
كما ينبغي أن يعلم أنه أكثر من نصف مليون مواطن ومواطنة يبحثون عن فرص عمل وقد أدت هذه الأسباب كلها لوجود ظاهرة البطالة أو بالأحرى مشكلة البطالة، والتي قد أحدثت طابوراً طويلاً من الشباب العاطل عن العمل ولا يعرف كيف يشغل وقته مما قد يؤدي إلى الانسياق لمجالات غير صحيحة كالجريمة أو المخدرات أو غيرها [ وأكدت دراسة أعدتها جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية أن 69%من السجناء في السعودية ترجع أسباب سجنهم إلى عدم توفر وظيفة أو مصدر رزق لهم، وأن 85%تعرضت أسرهم لانحرافات سلوكية بسبب غياب ولي الأمر].
فيا من تبحث عن العمل والوظيفة:
1- اجعل نصب عينيك دائماً تقوى الله تعالى، فالله -تعالى- يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3].
وقد تكون الوظائف نادرة أو معدومة، وقد تكون الحاجة ملحة لكسب الرزق، وقد تضيق الأمور بالناس، وقد تعم البطالة، فإياك إياك أن تذهب لأعمال محرمة وتقول لم أجد وظيفة، فقد ورد في الحديث "ما ترك عبد شيئًا لا يتركه إلا لله إلا عوّضه الله منه ما هو خير له في دينه ودنياه" [الجامع الصغير عن ابن عمر].
تعامل مع الله مباشرة، استقم على أمره، وارفع رأسك، وكن عزيزاً، وقل: يا رب، أنت الذي قلت: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود:6] وأنا أسألك رزقاً حلالاً يا رب، بالدعاء والعمل والحركة والسعي، وأنا أخاطب الشباب، الشاب يحتاج إلى ثمن بيت، يحتاج إلى دخل مستقر، يحتاج إلى زوجة، ليس له إلا الله: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3].
اكتب هذه الآية في صدر غرفتك، وتذكرها كل يوم (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3].
2-الأعمال بالنيات، فانوِ الخير في كل عمل، استحضر نفع الآخرين والكف عن الشر.
3- العمل الجيد هو الطريق الأعظم إلى المجد، لا تضق ذرعاً بالمحن فإنها تصقل الرجال وتفتح العقل وتشعل الهمم، قيمة كل امرئ ما يحسن، والعاطل صفر، والفاشل ممقوت والمخفق رخيص.
4- [استشر أهل الخبرة] وركّز اهتمامك على عمل واحد وانغمس فيه واعشقه لتكون مبدعاً، وابدأ بالأهم فالأهم، وإياك والشتات وتوزيع الجهد على عدة أعمال فإنه حيرة وعجز، فالنظام طريق النجاح.
فإذا لم تتوفر الوظائف الحكومية هل ينتظر الإنسان ويتفرج. لا... فالتجارة من أبرز الأعمال التي يقوم بها الإنسان وفيها عِظم توكل على الله -تعالى- [فالإنسان يجتهد ويفعل السبب والله سبحانه قد تكفل بالرزق] فهذا يذهب إلى سوق الخضار وآخر يذهب إلى سوق التمور وهكذا...
إخواني: إن النجاح ليس مقصوراً على التجارة فقط، فالأعمال المهنية والتقنية من أعظم أسباب النجاح في هذا العصر؛ نظراً لارتباط التقنية الحديثة في كثير من أمور حياتنا اليومية.
فالشاب الذي يعمل في أي مهنة إذا أخلص فيها فإنه سوف يجني ثمار ذلك سريعاً، لأنه لا تنقصنا المهارات والقدرات ولكن الذي ينقص بعض شبابنا هو القناعات والتي بدأت تتغير ولله الحمد.
فيا أيها الشاب: قم، وانفض غبار الكسل عنك، وقُدْ دفة النجاح، واعلم أن صناعة باليد أمان من الفقر بإذن الله.
التعليقات