عناصر الخطبة
1/حقيقة الحب في الإسلام 2/حقيقة الحب في الإسلام 3/حقيقة عيد الحب وحكم الاحتفال به 3/تعاليم ديننا غنية عن التقليد والتبعية 4/المحبة العليا لله ثم لرسوله صلى الله عليه وسلم 5/المحبة لا تكتمل إلا بمعرفة ما يحبه المحبوب وفعلهاقتباس
هذه المنزلة التي كادت تخبو معالمها؛ بسبب ما طغى عليها من تلبيس وتدنيس ومكر لإبليس؛ فقد صارت لا تطلق إلا على كل ما هو محرم من عشق وغرام، وتعلق وهيام فيما حرم الله -عز وجل- من النساء والصور، وكل ذلك بجهود جنود إبليس الذين تغلغلوا على الناس في عقر دورهم بفضائيات ووسائل اتصالات؛ فقصرت...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أيها الإخوة المؤمنون: إن من المعاني الإيمانية العميقة والمنازل العلية التي يتنافس فيها المتنافسون، وإليها يشخص العاملون، وبروح نسيمها يتروَّح العابدون، قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون؛ إنها منزلة الحب، هذه المنزلة التي كادت أن تخبو معالمها، وتندرس حقائقها؛ بسبب ما طغى عليها من تلبيس وتدنيس ومكر لإبليس؛ فقد صارت لا تطلق إلا على كل ما هو محرم من عشق وغرام، وتعلق وهيام فيما حرم الله -عز وجل- من النساء والصور، وكل ذلك بجهود جنود إبليس الذين تغلغلوا على الناس في عقر دورهم بفضائيات ووسائل اتصالات؛ فقَصَرَوا الحب والمحبة على كل علاقة محرمة بين الجنسين، وعلى كل سلوك بهيمي شهواني وما عدا ذلك فليس من الحب في شيء، ألا ساء ما يزرون و (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)[الكهف:5].
قال ابن القيم -رحمه الله- عن منزلة المحبة: "هي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه".
تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة؛ إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب، وقد قضى الله -تعالى- يوم قدر مقادير الخلائق -بمشيئته وحكمته البالغة- أن المرء مع من أحب؛ فيا لها من نعمة على المحبين سابغة.
عباد الله: الحب معلم أساس من معالم حياة المسلمين والمؤمنين له منهج وحدود، وطرائق وقيود، تحقق التماسك النفسي والأسري والاجتماعي، وتقيم أسس التواصل الإنساني؛ فهو يسمو بالغرائز الطبيعية التي يعترف بها دون أن يستقذرها الإسلام أو يكبتها؛ لكن يوجهها التوجيه الصحيح، والوجهة السليمة؛ انسجاما مع الفطرة التي فطر الله -تعالى- الخلق عليها.
إن الحب الصادق والحقيقي يهذب الأخلاق ويهذب العواطف، ويعصم من الانحراف؛ وأما ما يطلقون عليه زورا وبهتانا اسم: "عيد الحب" فهو عيد وثني نصراني يدعو للعشق والهيام والإباحية، كما أنه حب قاصر على حب اللذة والشهوة فقط؛ فتوزع الورود الحمراء وبطاقات التهنئة وتتبادل كلمات العشق والغرام عن طريق الرسائل.
إن أعياد الإسلام طاعات يتقرب العبد بها إلى الله، والطاعات توقيفة؛ فلا يسوغ لأحد من الناس -كائنا من كان- أن يضع عيدا لم يشرعه الله -تعالى- ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والاحتفال بمثل هذه الأعياد المبتدعة فيه تشبه بالنصارى الذين قلدوا الرومان الوثنيين في طقوس هذا العيد، وقد حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من التشبه فقال: "من تشبه بقوم فهو منهم" (رواه أبو داود).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفرَ المتشبِّه بهم؛ كما في قوله -تعالى-: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)[المائدة:51].
عباد الله: إن لدينا في تعاليم ديننا وشرعنا ما لا نحتاج معه إلى الجري وراء التقليد والتبعية؛ فالمكانة العظيمة للمرأة في الإسلام؛ أما وزوجة وأختا وخالة وعمة لا تناظر بمكانتها عند غيرنا من الأمم، وكذلك مكانة الأب والزوج والإخوة والأخوال والأعمام، كما أن الهدية والتهادي المعبر عن المحبة أمر حثنا عليه إسلامنا وشرعنا قال صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ"(رواه الإمام أحمد بسند صحيح)، وقال صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا"(رواه البيهقي في السنن الكبرى بسند حسن).
كل ذلك في إطار خصوصيتنا الإسلامية، وعدم تميعنا في ثقافات الآخرين واحتفالاتهم وأعيادهم وعاداتهم؛ لذا لسنا بحاجة إلى يومهم وعيدهم هذا؛ فالمرجعية عندنا في الأخلاق والقيم، ومنها قيمة الحب مرجعية إلهية لا تكون إلا في الإسلام حيث تهيمن على شتى مناحي الحياة هداية للناس.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[المائدة:15-16].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والمواعظ والحكمة.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله معز من أطاعه وأحبه واتقاه، ومذل من خالفه وكره رضوانه وعصاه، أحمده -سبحانه وتعالى- حمدا يليق بجلاله، ويكون سببا لنيل رضاه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، من كل ما سأله الإنسان أعطاه وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره وسار على هداه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون: لما كانت المحبة في القلب تتفاوت بحسب الداعي إليها كانت المرتبة العليا من المحبة في قلب المسلم لله ورسوله، قال صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (متفق عليه).
والمحبة لا تكتمل إلا بمعرفة ما يحبه المحبوب، والتأسي به في ذلك؛ لذا كان لزاما على كل مؤمن معرفة ما يحبه النبي -صلى الله عليه وسلم- وما يبغضه، معرفة ما يحبه -عليه الصلاة والسلام- ليحبه، ومعرفة ما يبغضه -صلى الله عليه وسلم- ليبغضه، فمن أعظم ما يحبه النبي -صلى الله عليه وسلم- التوحيد والإيمان؛ ولذلك كان من دعائه -عليه الصلاة والسلام-: "اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا" رواه الإمام أحمد.
ومما يحبه النبي -صلى الله عليه وسلم- حبا عظيما: الصلاة؛ فهي قرة عينه، قال صلى الله عليه وسلم: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة" (رواه النسائي والإمام أحمد)؛ فمحبة الطيب والنساء أمر فطري؛ لذلك قال عليه الصلاة والسلام: "من دنياكم" كما قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِّينَ...)[آلعمران:14].
أما الصلاة فهي أُنْسُه -عليه الصلاة والسلام- وقرة عينه، بل كان إذا حزبه أمر صلى وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول لبلال -رضي الله عنه-: "أقم يا بلال، فأرحنا بالصلاة" (رواه أبو داود) بسند صحيح، وجملة القول عباد الله: أن كل ما كان طاعة لله وإحسانا إلى عباد الله فهو مما يحبه -صلى الله عليه وسلم-، وكل ما كان معصية لله وإساءة إلى عباده فهو مما يبغضه -عليه الصلاة والسلام-.
فنسأل الله أن يجعلنا من المتبعين لرسوله، وأن يحيينا على سنته وأن يتوفانا على ملته، وأن يوردنا حوضه المورود.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلينا من أنفسنا ومالنا وأهلنا ومن الماء البارد على الظمأ، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها سرها وعلانيتها، أولها وآخرها، ما علمنا منها وما لم نعلم.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك واخذل المشركين، ودمر سائر أعداء الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم أيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهم أيده بالحق وولي عهده يا رب العالمين، اللهم ارفع به كلمتك وأعل به دينك، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في مكان، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في مكان.
اللهم انصر واحفظ إخواننا المجاهدين على الحد الجنوبي يا رب العالمين، اللهم ثبت أقدامهم وسدد سهامهم، اللهم وحد كلمتهم، اللهم احفظ من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم احفظهم في أهلهم بخير، الله أعدهم سالمين غانمين منصورين يا رب العالمين، اللهم من أرادنا وبلادنا وأمننا ومقدساتنا بسوء فرد كيده في نحره، ومن خرج علينا بتقتيل وتدمير وتفجير فاهتك أستاره، وافضح أخباره واكفنا شره بقوتك يا قوي يا عزيز.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف:23].
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
التعليقات